الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1632 29 صفر 1446 هـ - الموافق 03 أيلول 2024 م

أفضل الهجرة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، الرسول الأعظم، سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

جاء في الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لَمَقامُ أحَدكم في الدنيا، يتكلّم بحقٍّ يَردُّ به باطلاً، أو ينصر به حقّاً، أفضلُ من هجرةٍ معي»[1].

الهجرة إلى يثرب
تُعَدّ هجرة النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، من أهمّ الأحداث التاريخيّة في الإسلام، على الرغم من وجود هجرتَين قبلها إلى أرض الحبشة؛ لما لقيه المسلمون من الظلم والاضطهاد من مشركي مكّة وعتاتها، لكن بخروج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من مكّة، بعد وفاة زوجته خديجة وعمّه أبي طالب (عليهما السلام)، عرف الإسلام مرحلةً جديدةً، وكان للزمن تأريخ عُرِف بالتأريخ الهجريّ.

بعد انتهاء بيعة العقبة الثانية من أهل يثرب للنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ومعرفة قريش بها، أخذَت بالتضييق على المسلمين، وبلغ التنكيل والاضطهاد أوجه، ونال المسلمون من الأذى ما جعل العيش في مكّة لا يُطاق، فشكَوا ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واستأذنوه في الهجرة، فمكث أيّاماً، ثمّ خرج إليهم مسروراً، فقال (صلّى الله عليه وآله): «قد أُخبِرتُ بدارِ هجرتِكم، وهي يثرب، فمَن أراد الخروج، فليخرج إليها»[2]، فجعل القوم يتجهّزون ويتوافقون ويتواسَون... وكان خروجه (صلّى الله عليه وآله) من مكّة المكرّمة في الأوّل من ربيع الأوّل.

حركة تغيير عظمى
لقد كانت الهجرة النبويّة هجرةً بالأجساد من مكّة إلى المدينة، ولكنّها أيضاً كانت حركةً في الزمان؛ إذ إنّ ما بعدها كان غير ما قبلها.

لقد كانت تغيّراً نحو الأفضل، كانت طيّاً لمرحلةٍ من الاضطهاد والتنكيل والتآمر، حيث عانى فيها الإسلام وأهلُه أنواعاً شتّى من الظلم والملاحقة والتعذيب، فكانت الهجرة بداية مرحلةٍ تأسيسيّة، انتقل فيها المسلمون والإسلام من الحصار وتضييق الخناق، إلى الحرّيّة والانعتاق، وتمزّق فيها جدار الجهل والجاهليّة، وتحطّم قيد الذلّ والهوان...

إنّ هذه الهجرة في حركتها الأوّليّة، كانت لإيجاد مأمنٍ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومَن معه من المسلمين، يمارسون فيه شعائر دينهم، وينشرونه، عقائدَ وشريعةً ومفاهيمَ وقيماً؛ وكانت المدينة بذلك قاعدة جديدة للتحرّك والانطلاق، بعد أن كادت الدعوة تختنق بحصار المكّيّين، وكانت كذلك نواة المجتمع المتديّن الّذي يمارس حياته على ضوء دينه من دون قيود.

كانت هذه الهجرة توسيعاً لآفاق الثلّة المؤمنة الأولى، فقد وضعت الهجرة هذه الثلّة أمام مخاض استيلاد الإنسانيّة الجديدة، من رحمِ تلك الظروف، فجاءت لتفجّر طاقاتها الخلّاقة عبر آلام الجهاد والمواجهة؛ فأشرقت من أجواء المكابدات الجديدة كواكب مشرقة، انعكست في مرآتها الكمالات الأخلاقيّة، الفرديّة والاجتماعيّة.

إنّ هذه الهجرة كانت خطوة رائدة نحو عصور جديدة من النور، بعد عصور الظلمات. فلقد كانت بهذا المعنى تخطيطاً إلهيّاً لصنع الإنسانيّة الجديدة.

الهجرة لا تنقطع
يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): إنّ هجرة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من مكّة إلى المدينة، لكي يُريَ الناس أسلوبَ الهجرة من النفس للتقرّب إلى الله. وإنّما جاءت تعاليم الأنبياء لبيان هذه الهجرة التي ننتقل فيها من الظلمات والضلالات وحبّ الذات والنفس إلى الله تعالى، ولا نعبأ بنفوسنا وآمالنا الشيطانيّة، ونتّجه إلى الله تبارك وتعالى الذي يقول: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾[3]-[4].

إنّ هذه الآية تحضّ المسلمين في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الهجرة، ولو كلّفتهم الموت في الطريق إلى المقصد، وقد وَعَد الله الخارج مهاجراً إلى الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) أجراً جعله عليه، تعظيماً له، وصل المهاجر أم لم يصل.

وهذه الآيات -كما يقول العلّامة الطباطبائيّ (قُدِّس سرّه)- تجري بمضامينها على المسلمين في جميع الأوقات والأزمنة، وإن كان سبب نزولها حال المسلمين في جزيرة العرب في عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بين هجرته إلى المدينة وفتح مكة[5].

وعليه، فإنّ كلّ هجرة لمسلم، يفرّ بها بدينه من الأمكنة الّتي لا تكون له فيها حرّيّة ممارسة دينه وإقامة شعائره، إلى ما له فيها تلك الحرّيّة، يصبح مشمولاً بهذه الآية الكريمة.

الهجرة هجرتان
وإنّ الهجرة لا تقتصر على الهجرة المكانيّة الّتي يضمن المرء بها ممارسة دينه، بل ثمّة هجرة أخرى يشير إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، هي هجرة السيّئات، فيقول: «الهجرة هجرتان: إحداهما أن تهجر السيّئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله تعالى ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تُقبِّلت التوبة»[6].

بناءً عليه، ثمّة هجرتان؛ إحداهما مادّيّة، تكون بهجرة دار الكفر، حيث لا مساحة ولا حرّيّة للمعتقد، ولأداء السنن، ونشر الدعوة، إلى بلادٍ تُتاح فيها ممارسة الشعائر وإقامة السنن وأداء الفرائض والتعلّم والتعليم. والأخرى هجرة معنويّة، وهي ما عبّرت عنه الرواية بهجران السيّئات؛ أي أن يهاجر الإنسان ممّا هو عليه من الممارسات، والأعمال القبيحة، والعادات السيّئة، والأخلاق الذميمة، إلى الأعمال الصالحة، والعادات الحسنة، والأخلاق الحميدة، وهذا النوع من الهجرة لا يمكن أن ينتهي طالما أنّ باب التوبة مفتوح. وعليه، فإنّ التوبة تكون هجرةً إلى الله تعالى، بل عدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أفضل الهجرة، فقال: «أفضل الهجرة أن تهجر ما كره الله»[7].

وثمّة روايات تدلّ على أنَّ بعض الناس قد يكون مهاجراً بالجسد، ولكنّه ليس مهاجراً حقيقةً، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ويقول الرجل هَاجرتُ ولم يُهاجر، إنّما المهاجرون الّذين يَهجرون السيّئات، ولم يأتوا بها»[8].

والعكس صحيح، فقد يقطن المرء في مكانه، ولا يغادره، ومع ذلك يكون مهاجراً، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أقمِ الصلاة، وأدِّ الزكاة، واهجُر السوء، واسكُن من أرض قومك حيث شئتَ، تكن مهاجراً»[9]، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ... والمهاجر مَن هجر السيّئات، وترك ما حرّم الله»[10].

التعرّب بعد الهجرة
ختاماً، ينبغي التحذير من أمرٍ خطير، وثمّة لجوء كبير إليه في هذا الزمن، وكان الإسلام قد نبّه منه، وأسماه التعرّب بعد الهجرة، ومصداقه في هذا الزمن أن يهاجر الإنسان وطنه الّذي فيه الدين والتديّن والتعلّم الدينيّ، إلى بلدٍ يُخاف عليه فيه من قلّة الدين أو الانحراف أو الكفر؛ وغالباً ما يكون ذلك بسبب الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة التي تُوجب عليه السفر لطلب الرزق. فهذا، وإن كان جائزاً بذاته، أو مطلوباً في بعض الحالات، لكنّه يصبح محرّماً إن أدّى إلى الانحراف وضياع الدين. لذا، ينبغي الحذر من الانقطاع عن أجواء المتديّنين، والابتعاد عن التثقّف الدينيّ، ممّا يجعل الإنسان فريسةً للشُبهات والشهوات.

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «حرّم الله عزّ وجلّ التعرّب بعد الهجرة؛ للرجوع عن الدين، وترك المؤازرة للأنبياء والحجج (عليهم السلام)، وما في ذلك من الفساد وإبطال حقّ كلّ ذي حقّ [لا] لعلّة سكنى البَدْوِ؛ ولذلك لو عرف الرجل الدين كاملاً لم يجز له مساكنة أهل الجهل، والخوف عليه لأنّه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك»[11].


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج7، ص802.
[2] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج1، ص226.
[3] سورة النساء، الآية 100.
[4] الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، صحيفة الإمام، ج‏12، ص55.
[5] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص54.
[6] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج16، ص657.
[7] المصدر نفسه.
[8] إبراهيم بن محمّد الثقفيّ الكوفيّ، الغارات، ج2، ص503.
[9] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج16، ص657.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص235.
[11] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص566.

04-09-2024 | 09-38 د | 450 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net