الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1631 22 صفر 1446 هـ - الموافق 27 آب 2024 م

رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، نرفع أسمى آيات العزاء، بذكرى رحيل خير خلق الله الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وشهادة حفيدَيه الإمامين المجتبى والرضا (عليهما السلام).

 
شكّلت شخصيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنساناً اكتملت فيه جميع الأخلاق الحميدة، وانتفت عنه الأخلاق الذميمة كلّها؛ إذ إنّها نالت الشمائل الحسنة والخلال النبيلة والقيم الإنسانيّة العليا، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[1].

وبذلك، كانت حياته (صلّى الله عليه وآله) المثل الأعلى للإنسانيّة في جميع أحوال الحياة وأوجهها؛ في السلم والحرب، في الحياة الزوجيّة، مع الأهل والأصحاب، في الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة، في البلاغ والبيان، فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو نموذج الإنسان الكامل، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[2].

لقد كان المثل الأعلى للرحمة الإلهيّة، وقد وصفه الله تعالى بذلك: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[3]؛ والرحمة فيه لا تختصّ بالمؤمنين فقط، بل تعمّ الكافرين والمنافقين؛ فعندما قيل له: يا رسول الله، ادعُ على المشركين، قال (صلّى الله عليه وآله): «إنّي لم أُبعث لعّاناً، وإنّما بُعثت رحمة»[4].

العطوف والمحبّ
إنّ الرحمة والشفقة كانتا من أبرز أخلاقه وصفاته (صّلى الله عليه وآله)، في حياته العامّة، وفي حياته الخاصّة، في بيته، مع أولاده وأهل خاصّته، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[5]، وقال أيضاً: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[6].

كان (صلّى الله عليه وآله) يُحبّ الأطفال، ويُقبّل أولاده، ويعطف عليهم، ويأمر بالمساواة في المحبّة بينهم، كما كان يحبّ أهله، وهو القائل (صلّى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»[7]. وكان (صلّى الله عليه وآله) رحيماً بالجميع، بل إنّه يسمع بكاء الصبيّ فيسرع في الصلاة مخافة أن تُفتتن أمّه[8]، وكان (صلّى الله عليه وآله) يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم.

ورُوي أنّه كان (صلّى الله عليه وآله) يخطب، فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثمّ قال: «صدق الله: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[9]، فنظرتُ إلى هذين الصبيَّين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتّى قطعتُ حديثي ورفعتُهما»[10].

ولمّا مات إبراهيم بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، هملَت عين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالدموع، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الربّ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون»[11].

ومن أجلى مظاهر الرحمة في شخصيّته الشريفة، تواضعه (صلّى الله عليه وآله)، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، إذا سُئل شيئاً، فإذا أراد أن يفعله، قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، وكان لا يقول لشيء لا»[12]، وأمّا علاقته بأصحابه، فقد قال تعالى: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[13]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة»، قال: «ولم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قطّ، وإن كان ليصافحه الرجل، فما يترك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يده من يده حتّى يكون هو التارك»[14].

رحيم في الحرب والسلم
أمّا في الحروب، فكان (صلّى الله عليه وآله) يقاتل بشجاعة، ولكنّه أيضاً كان ذا شفقة عظيمة، كان سياسيّاً، ولكنّه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير. ففي غزوة أحد، استشهد عمّه الحمزة أسد الله ورسوله، ومُزّق جسده تمزيقاً، وشُجّ رأس النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكُسِرت رباعيّته، وغطّى الدم جسده الشريف، وكان يدعو في مقابل هذا الأذى: «اللهمّ اغفر لقومي، إنّهم لا يعلمون»[15].

وفي فتح مكّة، كيف تعامل مع مَن أخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب، وكانت وفاة أحبّ زوجاته إليه السيّدة خديجة (عليها السلام) ووفاة عمّه أبي طالب (عليه السلام) في هذا الحصار؟ فلقد دخل مكّة بعشرة آلاف مقاتل، دخل على مركبه، والدرع على صدره، والسيف في يده، ولكنّه مع كلّ مظاهر النصر هذه، كان نموذجاً للرحمة، فسأل أهل مكّة، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ماذا تقولون؟ وماذا تظنّون؟ قالوا: نظنّ خيراً، ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدِرت، قال: فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[16]»[17].

دين الرحمة
إنّ الإسلام هو دين الرحمة والمحبّة والدعوة إلى الخير، وما عالميّته وتشريعه للقتال والجهاد إلّا أحد مظاهر هذه الرحمة، إذ لا يمكن إيجاد الرحمة كخُلقٍ للأفراد والمجتمعات إلّا بدفع الظالم ورفع ظلمه عن المظلومين. يقول الله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾[18]، ويقول أيضاً: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[19]، ونحن دائماً نُردّد في أوّل أعمالنا: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

وقد حثّ الإسلام أتباعه على التراحم في ما بينهم، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء»[20]، فالمسلم رحيم في كلّ أموره؛ يعاون أخاه في ما عجز عنه، ويحسن الجوار، ويعامل الآخرين بالحسنى، ويصِل الرحِم، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرّهما والإحسان إليهما...

وفي المقابل حذّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من الغلظة والقسوة، وعدَّ الّذي لا يرحم الآخرين شقيّاً، فقال (صلّى الله عليه وآله): «لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلّا من شَقِيّ»[21]، وقال (صلّى الله عليه وآله): «لا يرحم اللهُ مَن لا يرحم الناس»[22].

في الختام، لقد تجلّت رحمة النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لأمّته في حياته وبعد رحيله؛ إذ كان أماناً لأمّته حال وجوده المبارك فيها، ومُستغفِراً لذنوبها بعد رحيله عنها، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مقامي بين أظهركم خيرٌ لكم، فإنّ الله يقول: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾[23]، ومفارقتي إيّاكم خيرٌ لكم. فقالوا: يا رسول الله، مقامك بين أظهرنا خيرٌ لنا، فكيف تكون مفارقتك خيراً لنا؟ قال: أما أنّ مفارقتي إيّاكم خيرٌ لكم، فإنّ أعمالكم تُعرض عليّ كلّ خميس واثنين، فما كان من حسنة حمدتُ الله عليها، وما كان من سيّئةٍ استغفرت الله لكم»[24].


[1] سورة القلم، الآية 4.
[2] سورة الأحزاب، الآية 21.
[3] سورة التوبة، الآية 128.
[4] النيسابوريّ، صحيح مسلم، ج8، ص24.
[5] سورة الأنبياء، الآية 107.
[6] سورة آل عمران، الآية 159.
[7] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص216.
[8] أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه.
[9] سورة الأنفال، الآية 28.
[10] الإربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص144.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص262.
[12] الروانديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، ص40.
[13] سورة التوبة، الآية 128.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص671.
[15] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص384.
[16] سورة يوسف، الآية 92.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص225.
[18] سورة الأنعام، ص54.
[19] سورة يوسف، الآية 64.
[20] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص379.
[21] أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2، ص301.
[22] الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص361.
[23] سورة الأنفال، الآية 33.
[24] عليّ بن إبراهيم، تفسير القمّيّ، ج1، ص277.

27-08-2024 | 15-04 د | 896 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net