الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1626 17 محرم 1446 هـ - الموافق 23 تموز 2024 م

كفى بالسلامةِ داءً

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا، أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[1].

إنّ من المصائب والبلايا ما يكون نتيجةً طبيعيّةً لأفعال العباد، ومنها ما يكون اختباراً وامتحاناً لهم، تُرفَع من خلاله درجاتهم. والأوّل إنّما يكون بما اقترفته الأيدي واجترحته الجوارح من سيّئات وآثام، فيصيبهم الله عزَّ وجلّ بألوان المصائب وأنواع البلاءات، يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[2]، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: «إِنَّ اللَّه يَبْتَلِي عِبَادَه عِنْدَ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ؛ لِيَتُوبَ تَائِبٌ، ويُقْلِعَ مُقْلِعٌ، ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، ويَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ»[3].

وإنّ كلامنا حول النوع الثاني من البلاءات، وهو أنَّ الله يتعاهد عبده المؤمن بالبلاء، اختباراً له وامتحاناً؛ بغية رفع درجته، يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ المؤمن يُبتلى بكلّ بليّة، ويموت بكلّ ميتة، إلّا أنّه لا يقتل نفسه»[4].

الإيمان والبلاء متلازمان
إذاً، ثمّة تلازم بين الإيمان والبلاء، وعلى المؤمن التكيّف معه؛ إذ ينبغي عليه أن يربّي نفسه على التحمّل، ويبحث عمّا يهوّن عليه، ويخفّف عنه، والشواهد القرآنيّة على هذا التلازم كثيرة، منها:

﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾[5]، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[6]، ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾[7].

وكذا في السنّة الشريفة، إذ ورد عن سدير الصيرفيّ، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبتلي الله المؤمن؟ فقال (عليه السلام): «وهل يُبتلى إلّا المؤمن؟ حتّى أنّ صاحب «يس»، الذي قال: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾[8]، كان مُكتَعاً[9]»، قلت: وما المُكتَع؟ قال: «كان به جُذام»[10].

وبناءً على الملازمة بين الإيمان والبلاء، فإنّ الإنسان الذي لا يُصاب، عليه أن ينظر في علاقته بالله، ويتطلّع إلى حقيقة إيمانه، إذ لعلّه بعيد عن الله، ومبغوض منه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب»[11]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «قال عليّ بن الحسين: إنّي لأكره أن يُعافى الرجل في الدنيا، ولا يصيبه شيء من المصائب»[12]، ومن جوامع الكلم ما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «كفى بالسلامة داءً»[13].

ما يهوِّن المصائب
عندما يقف العبد على حقيقة امتحان الله له، ويكون على بصيرة من أمره، لا يهون عليه تحمّل المصائب فحسب، بل يصبر، وقد يصل الأمر بالعبد إلى الرضا والسعادة بما يواجهه من بلاءات. وفي ما يأتي نذكر بعض ما يهوِّن على الإنسان بلاءاته ومصائبه:

1. ما من بليّة إلّا ولله فيها نعمة تحيط بها
إنّ البلاء الإلهيّ في واقعه وحقيقته لطف خفيّ، فهو أشبه ما يكون بحبّة جوز، ظاهرها قشرة قاسية، إلّا أنّها تحتوي على ما فيه فائدة ونفع للإنسان، وإلى هذا المعنى يشير الإمام العسكريّ (عليه السلام) قائلاً: «ما من بليّة إلّا ولله فيها نعمة تحيط بها»[14]، وفي القرآن الكريم شواهد عديدة، ومصاديق متنوّعة للطف المذكور، يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[15]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَكِنَّ اللَّه يَخْتَبِرُ عِبَادَه بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِه، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِه، وأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِه»[16].

2. نعمة البلاء ومصيبة الرخاء
إنّ العبد إذا عدّ ما يصيبه من بلاءات، وما يحلّ عليه من مصائب، نِعَمةً إلهيّة، واستبشر حين يواجه المصيبة، واستوحش عند تأخّرها، لكان ذلك دليلاً على عمق إيمانه بربّه، عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «لن تكونوا مؤمنين حتّى تعدّوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة؛ وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عنه الرخاء»[17]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا رأيت ربّك يتابع عليك النعم فاحذره»[18]، و«إذا رأيت يتابع عليك النعم فاحذره»[19].

3. كرامات الله نهايات بداياتها البلاء
إنّ بلوغ الدرجات العليا لا تتحقّق لأحد عبثاً، بل لا يبلغها إلّا الصابرون، ولا ينال الكرامات الإلهيّة إلّا الفائزون باختباراته، فهذا النبيّ إبراهيم (عليه السلام) لم يبلغ درجة الإمامة إلّا بعد ابتلائه، يقول تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾[20]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): وما أثنى الله على عبد من عباده، من لدن آدم (عليه السلام) إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلّا بعد ابتلائه ووفاء حقّ العبوديّة فيه، فكرامات الله [في] الحقيقة نهايات بداياتها البلاء»[21].

4. يُبتلى المؤمن على قد حبّه
تشبّه الروايات المؤمن بكفّة الميزان، فكلّما زيد في إيمانه، زيد في بلائه؛ فليكن همّ العبد ملاقاة الله ولا خطيئة عليه، ولا يُباليَنَّ بما يُصاب في الدنيا، فإنّها زائلة، وليثبُت الإنسان على طاعة ربّه وطاعة أوليائه، وليتزوّد من حبّه لهم، وإن تجلبب بالبلاء؛ لأنّ المؤمن يُبتلى على قدر حبّه، عن المنهال بن عمرو: كنت جالساً مع محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام)، إذ جاءه رجل فسلّم عليه، فردّ عليه السلام... فقال له الرجل: والله، إنّي لَأحبّكم أهلَ البيت، قال: «فاتّخذ للبلاء جلباباً، فوالله إنّه لأسرع إلينا إلى شيعتنا من السيل في الوادي، وبنا يبدأ البلاء ثمّ بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم»[22].

5. البلاء والتكامل
إنّ للعبد طريقاً تكامليّاً إلى الله سبحانه، وهذا الطريق مملوء بالبلاءات والمصائب؛ لذا كان أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثمّ الأوصياء، ثمّ الأماثل فالأماثل»[23].
وكذلك المؤمن، فإنّ يجري عليه القانون نفسه، وهو أنّه لا يتكامل إلّا بعد ابتلائه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ العبد لتكون له المنزلة من الجنّة، فلا يبلغها بشيء من البلاء، حتّى يدركه الموت ولم يبلغ تلك الدرجة، فيشدَّد عليه عند الموت فيبلغها»[24].

6. التأسّي بما جرى في كربلاء
وإنّ من العوامل الأساسيّة التي تساعد المُبتلى على تخفيف ما أصابه، التأسّي بما جرى في كربلاء، بأن يتّخذ من أبطالها قدوة له وأسوة؛ فإنّ هذه رزيّة عظمت على أهل السماء قبل أن تعظم على أهل الأرض، ومن تلك المواطن ما جرى على الإمام زين العابدين (عليه السلام) من بلاءات في مسيرة السبي، وصبره على شماتة الأعداء، وهو مقُيّد بسلاسل الحقد والبغض، إلّا أنّهم لم يتمكّنوا من إسكاته عن جرائمهم وفضحهم أمام البعيد والقريب. ومن جملة ذلك، ما جاء في بعض الأخبار، أنّه لما حُمل (عليه السلام) إلى يزيد بن معاوية، فأُوقِف بين يديه، قال يزيد (لعنه الله): ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾[25]، فقال عليّ بن الحسين (عليهما السلام): «ليست هذه الآية فينا، إنّ فينا قول الله عزّ وجلّ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[26]»[27]، وعن عليّ بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته (عليهم السلام) من بعده هو بما كسبت أيديهم، وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله، ويستغفره في كلّ يوم وليلة مئة مرّة من غير ذنب، إنّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب»[28].


[1] سورة الحديد، الآية 22.
[2] سورة الروم، الآية 41.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص199، الخطبة 143.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص254.
[5] سورة آل عمران، الآية 179.
[6] سورة آل عمران، الآيتان 141 - 142.
[7] سورة آل عمران، الآية 154.
[8] سورة يس، الآية 26.
[9] كَتَعَ الرجلُ كَتْعاً: تقبَّض وانضمّ.
[10] الإسكافيّ، التمحيص، ص42.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص256.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج78، ص176.
[13] السيّد الرضيّ، المجازات النبويّة، ص430.
[14] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص489.
[15] سورة الكهف، الآية 7.
[16] السيّد الرضي، نهج البلاغة، ص294، الخطبة 192.
[17] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج64، ص237.
[18] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص136.
[19] المصدر نفسه.
[20] سورة البقرة، الآية 124.
[21] مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام)، ص183.
[22] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص154.
[23] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص253.
[24] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، ج1، ص220.
[25] سورة الشورى، الآية 30.
[26] سورة الحديد، الآية 22.
[27] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص450.
[28] المصدر نفسه.

23-07-2024 | 15-33 د | 619 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net