بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك، بذكر زواج النور من النور، زواج أمير المؤمنين من السيّدة الزهراء (عليهما السلام)، في الأوّل من شهر ذي الحجّة.
إنّ الحياةَ الإنسانيّةَ حياةٌ زاخرةٌ بالتعب والبلاءات، والإنسان فيها يعيش المشقّات، وتلازمه الهموم والمشاكل، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾[1]، فعلى الإنسان أن يجتهد في تحمّل مشاقِّها لنيل السعادة المنشودة، بل إنّ الاعتقادَ بوجود حياةٍ خاليةٍ من الآلام والمتاعب لهو ضربٌ من الخيال والوهم، وقليلٌ من الناس مَن عاش تلك الحياة، ومع ذلك لا يمكن عدُّهم من السعداء؛ إذ إنّ تكاملَ الإنسان مرهونٌ بمقاومته المتاعبَ واجتيازِه الامتحان. وشخصيّةُ الإنسان تصنعها الحوادث وتُصقِلها المشكلات.
وإنّ الحياةَ الزوجيّةَ هي عنوانٌ ومفردةٌ من مفردات الحياة الإنسانيّة، والّتي ينبغي أن تكون حياةَ تآلفٍ وانسجامٍ وتجانسٍ بين زوجين، بحيث يكون كلٌّ منهما مستعدّاً للتعاون والتضحية في سبيل تشييد بناءٍ أسريٍّ قائمٍ على الوفاق والتفاهم.
لكن، وممّا لا شكّ فيه، أنّ أيَّ بناءٍ يقوم به الإنسان في الحياة، معرَّضٌ للابتلاء بصعوبات وأزمات معيّنة، وكذا الحياة الزوجيّة؛ فليست الحياةُ الزوجيّةُ طريقاً معبَّداً بالرياحين دائماً، وليس بيتُ الزوجيّة جنّةً يأوي إليها الزوجان، فيتنعّمان بما لذّ وطاب دائماً، بل إنّ هذه الحياةَ -كغيرها- متقلّبةٌ بين السعادة والشقاء، بين الوفاق والخلاف، بين الهدوء والعواصف، بين العسر واليسر...
وإنّ مواجهةَ الصعوبات والتحدّيات، تعني عدمَ الاستسلام وهدم البناء، بل على كلٍّ من الزوجين أن يعمل على حفظ بناء الأسرة، وأن يتخطّيا ما يواجههما، بالصبر والحكمة، وأن يعيشا وفق منهج الإسلام، وعملاً بتوجيهات القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، فالحياة التي تسير وفق منهج الله وعلى هدى رسوله (صلّى الله عليه وآله)، لا يمكن أن تفسدها شياطين الجنّ والإنس.
لذا، ثمّة أمور عدّة، تنبغي مراعاتها في الحياة الزوجيّة، والعلاقة بين الزوجين، نذكر منها:
1. ضرورة الصبر
إنّ الحياة الزوجيّة تتطلّب إنساناً صبوراً يخوض التجربة بنجاح، أمّا المرء الفاقد للصبر، فلا بدّ من أنّه سوف يخفق لدى أوّل مشكلة تواجهه. وقد أولى الإسلام أهمّيّة خاصّة للصبر، والقرآن الكريم يحثّ عليه في نواحي الحياة: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[2]، وأيّ حياة أولى بالصبر من الحياة الزوجيّة الّتي هي أحبّ بناءٍ إلى الله عزّ وجلّ؟!
وقد حثّت الروايات الطرفين على الصبر؛ أي إنّه ينبغي للزوج أن يصبر على أذى زوجته، وكذا ينبغي للزوجة أن تصبر على أذى زوجها، وهذا الصبر لا يذهب سدىً.
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها؛ أعطاها اللهُ مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ»[3]؛ فآسيا إنّما وصلَت إلى ما وصلَت إليه بعبادتها وإيمانها بالله، وأيضاً بصبرها على أذى زوجها، والّذي كان من أبرز مصاديق الظلم والتعدّي، إذ إنّه ادّعى الألوهيّة، واستعبد الناس، يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾[4]، وبرغم ذلك فقد صبرَت، وكانت تدعو ربّها قائلةً: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[5]. والمرأة الّتي تصبر على سوء خلق زوجها، لها أجرها وثوابها.
كما رُوي عن رسول (صلّى الله عليه وآله) في صبر الزوج: «مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ، أعطاهُ اللّهُ مِنَ الأجرِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه السلام) عَلى بَلائهِ»[6].
2. التسامح والمرونة
يقوم قانون الحياة -إذاً- على الصبر وتحمّل المشكلات، خاصّة إزاء ما يصدر عن أحد الزوجين من سلوك. ولا شكّ في أنّ صرف النظر قليلاً ومعالجة الأمور بروح من الصبر والنفس الطويل هو في صالح الأبناء والأسرة؛ إذ إنّ الحياة لا يمكن احتمالها بغير ذلك.
فاستمرار الحياة، يحتاج إلى التضحية والتسامح والخلق الرفيع؛ ذلك أنّ التسامح أمرٌ ضروريٌّ جدّاً في إرساء دعائم الأمن والسلام في الحياة المشتركة، وقد أوصى القرآن الكريم بذلك: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[7]، ومَن أولى بالعفو والصفح من عيال المرء وأهله؟!
وعنه (صلّى الله عليه وآله): «خير الرجال من أمّتي الّذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم»[8].
وإنّ التسامح والمداراة من أبرز مصاديق العشرة بالمعروف الّتي أمر بها القرآن الكريم: ﴿وعَاشرُوهنَّ بالمعرُوفِ فإنّ كَرِهتُمُوهُنَّ فَعَسى أن تَكرهوا شَيئاً ويجعل اللهُ فيهِ خيراً كثيراً﴾[9].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة: «إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة؛ فدارِها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فَيَصْفُوَ عيشك»[10].
3. معرفة الحقوق ومراعاتها
لقد وضع الإسلام منهجاً قائماً على الحقوق والواجبات، وأمر بمراعاتها لإشاعة الاستقرار والطمأنينة، ونفي أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة، والتي تؤثّر سلباً على الاستقرار الذي يحيط بالأسرة، وتالياً على استقرار المجتمع المتكوّن من مجموعة الأسر.
وفي بيان بعض هذه الحقوق، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في حقّ الزوج: «لا غنى بالزوجة في ما بينها وبين زوجها الموافِق لها عن ثلاث خصال، وهنّ: صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته[11] ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّةٍ تكون منها، وإظهار العشق له بالخِلابة[12]، والهيئة الحسنة لها في عينه»[13].
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في بيان حقّ الزوجة: «وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأُنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمةٌ من الله عزّ وجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقُّك عليها أوجب، فإنّ لها عليك أن ترحمَها»[14].
4. حفظ الأسرة وعدم الإضرار
لقد أكّدت الروايات ضرورةَ صيانة الأسرة وحفظها؛ لذا لا ينبغي اللجوء إلى الطلاق إلّا في حالات خاصّة ومحدودة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة، حتّى ظننتُ أنّه لا ينبغي طلاقُها إلّا من فاحشةٍ مبيّنة»[15].
فكيف الحال بمَن يلجأ من الرجال إلى التضييق على الزوجة، والقيام بكلِّ ما من شأنه أن يجعلها كارهةً للعيش معه؟! عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممّن أضرَّ بامرأة حتّى تختلع منه، ومَن أضرَّ بامرأة حتّى تفتدي منه، لم يرضَ الله عنه بعقوبة دون النار؛ لأنّ اللهَ يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم»[16]؛ إذ إنّ هذا التصرّف يُعَدّ من أسوأ المؤامرات، فهو بذلك يريد أن يدفعها إلى طلب الطلاق، فيعمد إلى منعها حقوقها الّتي فرضها الله عزّ وجلّ لها. فالله ورسوله بريئان في هذا المقام من الّذي يؤذي زوجتَه، ويعلّقها إلى أن تملَّ من حياتها، فتطلب الطلاق خلعاً.
إنّ الطلاق هو هدم للبنيان، وإذا لم يحصل ما يُوجِب خللاً في أعمدته، فلا ينبغي هدمُه، وبما أنّ هذا البنيان هو أحبّ بناءٍ إلى الله تعالى، كان هدمه أبغضَ الحلال، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): وما من شيءٍ أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ من بيتٍ يعمُر في الإسلام بالنكاح، وما من شيءٍ أبغضُ إلى الله عزّ وجلّ من بيتٍ يخرب في الإسلام بالفرقة»[17].
[1] سورة البلد، الآية 4.
[2] سور البقرة، الآية 155.
[3] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص214.
[4] سورة القصص، الآية 4.
[5] سورة التحريم، الآية 11.
[6] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص214.
[7] سورة النور، الآية 22.
[8] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص218.
[9] سورة النساء، الآية 19.
[10] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص218.
[11] حاطه حياطة: حفظه وتعهّده.
[12] الخِلابة: الخديعة باللسان أو بالقول اللطيف.
[13] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص323.
[14] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، ج2، ص621.
[15] المصدر نفسه، ج3، ص440.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج101، ص164.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص328.