الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1376 - 11 صفر 1441هـ - الموافق 10 تشرين الأول 2019م
الحياة الزوجيّة، مودّة ورحمة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

محاور الخطبة
- الزواج سكن
- المودّة والرحمة
- الرحمة تتجلّى عند الشدائد
- من موجبات المودّة بين الزوجين

مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

قال الله -تعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1].

أيّها الأحبّة،
إنّ في هذه الآية المباركة مفاهيم عميقةً وعظيمةً، تبرز لنا القواعد الرئيسة، والأسس المتينة التي ينبغي بناء الحياة الزوجيّة طبقاً لها.

فإنّ الله -سبحانه وتعالى-، قد أعظم أمر الزواج، معتبراً إيّاه آيةً من آياته؛ وذلك بأنّ الطرفين مهما كانا متباعدين، فبمجرد صيغة مختصرة ضمن شروطها الشرعيّة التي بيّنها الشرع الإسلاميّ في أحكامه، يصبح ما كان محرّماً بينهما حلالاً، وتوجب ما لم يكن واجباً، وتثبت بعض الحقوق، ويصبح الطرفان متلاصقَين متلازمَين، كأنّهما واحد.

وفي الوقت عينه، ولكي يضمن الله -تعالى- تلك العلاقة الزوجيّة المتلازمة، أرشد إلى تلك الأسس التي تجعلها حياةً هادئةً وهانئةً، تأخذ بالزوجين إلى الاستقرار الأسريّ والاجتماعيّ، والاستمرار بما يرضيه -سبحانه-.

الزواج سكن
وصف الله -عزّ وجلّ- الزواج بأنّه سكن، والسكن هو سكن القلب بالاطمئنان، حيث يعيش الإنسان في حالة عراك مع هذه الدنيا؛ فيصيبه الهمّ أحياناً، أو الضيق وما شاكل ذلك، فلا بدّ في هذه الحال أن يكون الطرف الآخر سكناً له، فيهون عليه ما يراه شديداً وصعباً، ويحنو عليه إذا ما رآه حزيناً، وهذا من جمال حكمة الزواج والتقاء الطرفين.

المودّة والرحمة
 وإنّ قول الله -تعالى-: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾؛ يعني أنّه -سبحانه- قد جعل "رقّة التعطّف، إذ كلّ واحد من الزوجين يرقّ على الآخر رأفة العطف عليه، بما جعله الله في قلب كلّ واحد لصاحبه، ليتمّ سروره"[2].

فالمودّة هي الحبّ الفطريّ الذي فطر الله الإنسان عليه، وهو الذي يزرع السعادة والرضا بينهما.

أمّا الرحمة فهي تتجلّى في السلوك المتبادل، حيث يُقدِم كلّ طرف على ما يكون، وهي صفة أخلاقيّة عظيمة أشار إليها الله -تعالى- مخاطباً رسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[3].

وإنّ الرحمة ليست أمراً طارئاً وعارضاً، إنّما هي صفة ثابتة في قلب صاحبها، تدفعه دوماً ليكون رقيق القلب، دمث الأخلاق مع من حوله من الناس، فكيف بمن يلازمه في العشرة والحياة، كما هو الحال في الحياة الزوجيّة؟

فإذا ما انتفت الحياة الزوجيّة من الرحمة المتبادلة، فإنّ الدمار والشقاء سيحلّ -لا محالة- مكانها؛ الدمار والشقاء العاطفيّ والنفسيّ والروحيّ.

الرحمة تتجلّى عند الشدائد
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الرحمة تتجلّى في أكثر الأحيان، وبأبهى صورها، عند الشدائد والمصائب وحالات الضيق والعسر.

أمّا المودّة فهي في حالات الرخاء والسلام، حيث تكون أفعال الزوج أو الزوجة تجاه الآخر بمثابة المثبت لذاك الوصال بينهما، ما يضمن من خلالها أن لا ينقطع ذاك الوصال حينها.

من موجبات المودّة بين الزوجين
ثمّة العديد من الأفعال التي تكسب المودّة وتزرع الرحمة بين الطرفين، ولعلّ ما سوف نورده هنا يدخل في العمليّة الإداريّة للحياة الزوجيّة، فإنّ للحياة الزوجيّة أيضاً إدارةً في كيفيّة تثبيت معالم السعادة والسلام فيها، ومن تلك الموجبات للمودّة والرحمة ما يأتي:

1- مدح الطرف الآخر
كثيراً ما يُقدم أحد الطرفين بأعمال جليلة ومهمّة، ويكون ذلك في سبيل راحة الآخر، فلا بدّ حينها أن يُظهر أحدهما الشكر والامتنان للآخر، وهذا من الإدارة السليمة التي تحفظ الودّ بينهما. وطبعاً لا أن يكون المديح إطراءاً مبالغاً فيه، بل لا بدّ أن يكون باعتدال، وأن يكون هادفاً.

2- مراعاة مشاعر الآخر
قد يقع الزوج أو الزوجة في حالة اضطراب أو مرض وما شاكل ذلك، فلا بدّ أن يحفظا مشاعر بعضهما بعضاً، وأن يعفيا بعضهما بعضاً في مثل هذه الحالات من الواجبات والالتزامات التي تزيد من المشقّة والتعب.

ولنضرب لذلك مثلين في الزوجة وفي الزوج:
فإنّ المرأة -وبشكل دوريّ- تقع في ما تراه النساء عادةً، وهذا أمر طبيعيّ لا إرادة لها في منعه، وهو في الوقت عينه ربّما يجعلها في حالة من التوتّر النفسيّ، للاضطرابات الجسديّة التي تشعر بها، ما يتطلّب حينها شيئاً من المراعاة من قبل الزوج، وأن يلتفت إلى هذا الأمر.

 وكذلك قد يقع الزوج في حالة ضيق ماديّ لخسارة ماليّة، أو لعدم إيجاد العمل المناسب وما شاكل ذلك، فحينها لا بدّ أن تراعي المرأة هذا الأمر، وأن لا تُوجب عليه ما لا يستطيع.

3-  لين الكلام
قال الله -تعالى-: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[4].

إنّ للكلمة الحسنة أثراً عظيماً في ثبات المودّة والرحمة بين الزوجين، وإنّ هذا مطلوب حتّى مع جميع الناس؛ حيث قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنً﴾[5]، فكيف إذاً مع الزوج أو الزوجة؟

وقد ورد ما يحثّ على الكلام الطيّب بينهما، حيث ورد عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه واله) أنّه قال: "قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً"[6].

4- الإكرام والرفق
 ورد العديد من الأحاديث التي تحثّ على الرفق والإكرام بين الزوجين.

أمّا في إكرام الزوجة فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وألطفهم بأهله"[7].

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال في حقّ الزوجة من رسالة الحقوق الخالدة: "أمّا حقّ الزوجة، فأن تعلم أنّ الله -عزّ وجلّ- جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله -تبارك- عليك؛ فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب، فإنّ لها أن ترحمها"[8].

وفي إكرام الزوج ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه، وسعيدة سعيدة امرأة تُكرم زوجها ولا تؤذيه..."[9].

والإكرام يكون من خلال القول والفعل والرفق بها، ولذلك مصاديق كثيرة في الحياة اليوميّة، منها أن لا يرفع الزوج صوته عليها، ولا يستخدم الكلمات الخشنة معها، ولا يقاطعها وهي تتكلّم، ويرفع من شأنها وخاصّةً أمام أولادهما.

وقد ورد ما يدلّ على أهمّيّة بعض الأمور التي تضمن السلام بين الزوجين، كما عن الإمام الصادق (ع): "إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلالٍ يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصين"[10].

5- حُسن الخلق
 إنّ حُسن الخلق من الطرفين يُعدّ عاملاً أساسيّاً في زيادة المودّة الأسريّة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لا غنى في الزوج عن ثلاثة أشياء بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيأة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها"[11].

أيّها الأحبّة،
إنّ ما نعيشه اليوم من انهماك في الدنيا ومادّيّاتها، وكذلك ما نشهده في ترويج بعض الثقافات المخالفة لثقافتنا ومبادئنا الإسلاميّة والأخلاقيّة، عبر بعض وسائل الإعلام والبرامج المتعدّدة، والتي غالباً ما تكون داعيةً بشكل غير مباشر لتفكيك أواصر العلاقة الزوجيّة، وعدم تثبيت وإرساء لغة التفاهم والمحبّة والوئام بين الطرفين، وبثّ روح الانانيّة بينهما، فإنّ ذلك كلّه ينذرنا بأن نكون على حذر من الانزلاق في ما يرومونه، وذلك من خلال التمسّك بإرشادات ديننا الإسلاميّ الحنيف.
 
[1]  سورة الروم، الآية 21.
[2]  الشيخ الطوسيّ، التبيان في تفسير القرآن، ج8، ص240.
[3]  سورة آل عمران، الآية 159.
[4]  سورة فصّلت، الآيتان 34-35.
[5]  سورة البقرة، الآية 83.
[6]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص 265.
[7]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص 153.
[8]  الحرّ العامليّ، مصدر سابق، ج15، ص 175.
[9]  المصدر نفسه، ج16، ص28.
[10]  ابن شعبة الحرانيّ، تحف العقول، ص322.
[11]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج78، ص237.

09-10-2019 | 15-34 د | 1170 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net