الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1261 - 03 ذو القعدة 1438 هـ - الموافق 27 تموز 2017 م
الأمانة وكتمان السرّ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الأمانة وكتمان السرّ

الهدف:
1- التعرّف على أهميّة وفضيلة الأمانة في الحياة، وذمّ الخيانة في المفهوم الإسلامي.

المحاور:
- الأمانة في القرآن والسّنَّة
- الأمانة وأنواعها
- خصوصيّة الأمانة الماليّة
- كتمان السرّ أمانة
- فوائد أداء الأمانة
- على المؤمن الحذر

تصدير: ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: "أُقسم لَسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: يا أبا الحسن، أدِّ الأمانة إلى البرّ والفاجر في ما قلّ وجلَّ حتّى في الخيط والمخيطِ"[1].
 
تمهيد
تُعتبر الأمانة من أهمّ الفضائل الأخلاقيّة، والقيم الإسلاميّة والإنسانيّة، وقد ورد الحثّ عليها في الإسلام بشكل كبير جدّاً؛ وقد أولاها علماء الأخلاق والسّالكون إلى الله تعالى أهميّة كبيرة على مستوى بناء الذّات والشّخصيّة، وعلى العكس من ذلك، "الخيانة"؛ إذ تُعدّ من الذُّنوب الكبيرة والرّذائل الأخلاقيّة في واقع الإنسان وسلوكه الإجتماعي.

فالأمانة رأس مال المجتمع الإنساني، والسّبب في شدّ أواصر المجتمع، وتقوية الرّوابط بين النّاس، في حين أنّ الخيانة بمثابة النّار المحرقة الّتي تُحرق العلاقات الاجتماعيّة، وتؤدّي إلى الفوضى والشَّقاء.
 
الأمانة في القرآن والسنَّة
ورد لفظ الأمانة والأمر بها بشكل صريح في القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى، في محكم كتابه:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً[2].
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[3].
﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[4].
 
الأمانة وأنواعها
عند الحديث عن الأمانة، فإنّ أغلب النّاس يتبادر إلى أذهانهم الأمانة في الأمور الماليّة، إلّا أنّ الأمانة بمفهومها الواسع تستوعب جميع المواهب الإلهيّة والنِّعم الربّانيّة على الإنسان.

إنّ جميع النّعم المادّية والمواهب المعنويّة الإلهيّة على الإنسان في بدنه ونفسه، هي في الحقيقة أمانات إلهيّة بيد الإنسان.

1- الأموال: الأموال والثّروات المادّيّة، والمقامات، والمناصب الاجتماعيّة والسياسيّة، هي أمانات بيد النّاس؛ ويجب عليهم مراعاتها وحفظها وأداء المسؤوليّة تجاهها.

2- الأبناء: الأولاد أمانة أيضاً بيَد الوالدَين،
والطلّاب أمانة بيد المعلّمين، والكائنات الطبيعيّة أمانة بيد الإنسان لا ينبغي التّفريط فيها.

3- التَّكليف الشّرعي:
لقد أطلقت الآيات القرآنيّة مُسمّى الأمانة على التّكاليف الإلهيّة،حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً[5].
فالمقصود من الأمانة الإلهيّة، المسؤوليّة والتّكليف المـُلقى على عاتق الإنسان، حيث لا يتيسّر ذلك إلّا بوجود العقل والحريّة والإرادة.

4- الصّلاة: وكذلك الرّوايات، أطلقت مُسمّى الأمانة على الصّلاة، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السّلام عندما سُئل عن سبب تغيّر حاله وقت الصّلاة، قال: "جاء وقت الصّلاة، وقت أمانة عرضها الله على السّموات والأرض فأبَيْنَ أن يحمِلْنَها وأشفَقْنَ منها"[6].

5- عَمَل الإنسان: عن أمير المؤمنين عليه السّلام قائلًا للأشعث بن قيس: "وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة"[7].

6- الأسرار: في الحديث النّبويّ: "المجالس بالأمانات"[8]، لأنّ في المجالس أسرارًا وخصوصيّات لا ينبغي إفشاؤها.
 
خصوصيّة الأمانة الماليّة
لقد ورد بخصوص الأمانة الماليّة، آيات وروايات عديدة حثّت على هذه الأمانة بشكلٍ كبير، ففي وصف الله تعالى للمؤمنين يقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[9].

ويقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً[10].

ويقول جلّ وعلا: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ[11].

وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا إيمان لمن لا أمانة له"[12].

وعن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال: "عليكم بأداء الأمانة، فوالّذي بعث محمّدًا صلّى الله عليه وآله وسلّم بالحقّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن عليّ عليه السّلام ائتمنني على السَّيف الّذي قتله به لأدّيته إليه"[13].

وعن الإمام الصَّادق عليه السّلام أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر"[14].

وورد عن الإمام الرّضا عليه السّلام قوله: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف وطنطنتهم باللّيل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"[15].

وعن لقمان الحكيم قائلاً لابنه: "... كُن أميناً، فإنّ الله تعالى لا يحبّ الخائنين"[16].

إلى غير ذلك الكثير من الرّوايات الشَّريفة الّتي تمدح الأمانة وتذمّ الخيانة.
 
كتمان السرِّ أمانة
كتمانُ السرِّ هو عدم البَوْح والإذاعة به، لما لذلك من خطر وضرر على الفرد، أو الجماعة، أو الجهة. ومن النّاحية الشّرعية، فإنّ كلّ ما يؤدِّي إفشاؤه وإذاعته إلى ضرر على الفرد، أو المجتمع، فإفشاؤه من المحرَّمات وكتمانه من الواجبات.
إلى ذلك، فإنّ إفشاء الأسرار العسكريّة لدولة الإسلام، يُعدّ من الكبائر، لما فيه من مخاطر قد تؤدّي إلى قتل النُّفوس وإباحة الممتلكات، ناهيك عن الهزيمة لجيوش المسلمين وسقوط دولتهم. وبهذا اللّحاظ، وردت الأدلَّة الشّرعيّة الّتي تربّي الفرد والجماعة على الكتمان.

قال الإمام عليّ عليه السّلام: "سِرُّك أسيرك فإن أفشيته صُرت أسيره"[17]، وقال عليه السّلام: "كاتم السرِّ وفيٌّ أمين"[18]. وقال عليه السّلام: "ملاك السِّرِّ سَتْره"[19].

إنَّ كتمان الأسرار العسكريّة هي من الأخلاق العمليّة، الّتي ينبغي أن تتملَّك شخصيّة المجاهدين، لموقعهم الحسَّاس والخطر، فالخطأ الّذي يُرتكَب هو الأوَّل والأخير، والنَّتيجة ستكون في غاية الخطورة عندئذٍ ومن ورائها خسارات كُبرى لا تُعوَّض، من قتلٍ وأسرٍ واحتلال مواقع. وقد تؤدّي الأمور إلى هزيمة الجيش بكامله، كما حدث في معركة أُحد، وقد تؤدّي إلى سقوط دولة الإسلام بكاملها.

لذلك، فإنَّ المجاهد أمام مسؤوليَّةٍ كبرى وبين يديه أمانةُ إخوانه المقاتلين، وأمانة الأمّة التي سلَّمته ظهرها ليحرسها ويحفظ حدودها.

إلى ذلك، فإنّ أيَّ إذاعة للسرّ تُرتكب ولو من دون قصدٍ تُعدّ خيانة؛ كما في الحديث عن الإمام عليّ عليه السّلام: "الإذاعة خيانة"[20].
 
فوائد أداء الأمانة
إنّ من أهمّ فوائد أداء الأمانة على المستوى الاجتماعيّ، هي مسألة الاعتماد وكسب ثقة النّاس، والحياة الاجتماعيّة مبنيّة على أساس التَّعاون والثِّقة المتبادَلة بين أفراد المجتمع. فلولا وجود الثِّقة والإعتماد لساد قانون الغاب، ولحلّ التَّنافر بدلًا من التّكاتف والتّعاون والتّعامل.

الى ذلك، إذا سادت الأمانة في المجتمع، فإنّها ستكون سبباً لمزيد من الهدوء والسّكينة الفكريّة والروحيّة، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة يُسبّب القلق والخوف للأفراد، بحيث يعيشون حالة من الإرباك في علاقاتهم مع الآخرين من الخطر المحتمل الّذي ينتظر أموالهم.

من هنا، جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أسباب صيانة الأمّة الإسلاميّة أداء الأمانة، إذ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا تزال أمّتي بخير ما تحابّوا، وتهادوا، وأدّوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، ووقّروا الضَّيف، وأقاموا الصَّلاة وآتوا الزَّكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسِّنين"[21].

وعليه، فإنّ المعروف بالأمانة والصِّدق يكثُر من يتعامل معه في تجاراته ومعاملاته؛ ممّا يؤدّي إلى تضاعف رزقه.

من هنا قال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، أدِّ الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكُن أميناً تكن غنيّاً"[22].
 
على المؤمن الحذر
المؤمن كيّس فطن، ينبغي أن يتعامل مع أهل الأمانة، ولا يكون بسيطاً يأتمن أيّاً كان، ومن هنا جاء التَّحذير من التَّعامل مع بعض النَّاس.

فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "من ائتمن غير أمين فليس له على الله ضمان، لأنّه قد نهاه أن يأتمنه"[23].

وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه، فليس له على الله ضمان ولا أجر له ولا خلف"[24].

وعن الإمام الصَّادق عليه السّلام أنّه قال: "لم يخُنْك الأمين، ولكن ائتمنتَ الخائن"[25].

وعن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال: "مَن عرف مِن عبد مِن عبيد الله كذباً إذا حدّث، وخلفاً إذا وعد، وخيانة إذا ائتُمن، ثمّ ائتمنه على أمانة، كان حقّاً على الله تعالى أن يبتليه فيها ثمّ لا يخلف عليه ولا يأجره"[26].

ويكفي في ذمّ الخيانة ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله: "رأس الكفر الخيانة"[27].

[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 273.
[2] سورة النّساء، الآية 58.
[3] سورة المؤمنون، الآية 8.
[4] سورة البقرة، الآية 283.
[5] سورة الأحزاب، الآية 72.
[6] الشّيخ الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 313. 
[7] نهج البلاغة، (تحقيق الصّالح)، ص 366.
[8] الشّيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج 2، ص 75.
[9] سورة المؤمنون، الآية 8.
[10] سورة النساء، الآية 58.
[11] سورة البقرة، الآية 283.
[12] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 69، ص 198.
[13] المصدر نفسه، ج 72، ص 114.
[14] المصدر نفسه، ج 68، ص 2.
[15] المصدر نفسه، ج 72، ص 114.
[16] الآمدي، غرر الحكم، ص 223, الحديث (الحكمة) 7415.
[17] المصدر نفسه، الحديث (الحكمة) 7419.
[18] المصدر نفسه، الحديث (الحكمة) 7424.
[19] تصنيف غرر الحكم، ص 320.
[20] الواسطيّ، عيون المواعظ والحكم، ص 37.
[21] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 115.
[22] المصدر نفسه، ج 13، ص 416.
[23] المصدر نفسه، ج 76، ص 127.
[24] الحرّ العاملي، وسائل الشّيعة، ج 19، ص 84. 
[25] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 335. 
[26] الحرّ العاملي، وسائل الشّيعة، ج 19، ص 88.
[27] الآمدي، غرر الحكم، ص 223, الحديث (الحكمة) 10520.

26-07-2017 | 16-07 د | 2188 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net