تعدّدتِ الصفاتُ العظيمةُ لمولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)، والتي وردَتِ الرواياتُ ببيانِها، ومنْ أهمِّها صفةُ العبادةِ، التي كانَت سِمَةً ثابتةً لها في أبهى صُوَرِها. يُصوِّرُها الحديثُ المرويُّ عنِ الرسولِ الأكرمِ (صلّى الله عليه وآله) في عبادةِ ابنتِهِ فاطمةَ (عليها السلام)، حيثُ يُباهي اللهُ عزَّ وجلَّ بها أمامَ الملائكةِ: «وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ، فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي، وَهِيَ رُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ، وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةُ، مَتَى قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جَلَالُهُ زَهَرَ نُورُهَا لِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ كَمَا يَزْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: يَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى أَمَتِي فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيَّ، تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي، وَقَدْ أَقْبَلَتْ بِقَلْبِهَا عَلَى عِبَادَتِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ»[1].
ومنْ أعظمِ مظاهرِ عبادتِها صفةُ الصبرِ التي تمثّلَتْها بعدَ وفاةِ أبيها رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، الصبرُ على البلاءِ، وشُكرُ اللهِ تعالى في السرّاءِ والضرّاءِ، والرضا بالقضاءِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) أنَّهُ قالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ، فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ، فَإِنْ رَضِيَ اصْطَفَاهُ»[2].
كما تعدّدتِ المقاماتُ التي جعلَها اللهُ عزَّ وجلَّ لسيّدةِ نساءِ العالمينَ، ومنْ هذهِ المقاماتِ شفاعتُها الواسعةُ يومَ القيامةِ، ففي روايةٍ عنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، وهوَ يُخبِرُ السّيدةَ فاطمةَ (عليها السلام) عن أحداثِ القيامةِ، قالَ لها: «... ثُمَّ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): يَا فَاطِمَةُ، سَلِي حَاجَتَكِ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ وُلْدِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: انْطَلِقِي، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ، فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ، فَتَسِيرِينَ وَمَعَكِ شِيعَتُكِ وَشِيعَةُ وُلْدِكِ وَشِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ، مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ، قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ، وَسَهُلَتْ لَهُمُ الْمَوَارِدُ، يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ، وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَؤونَ»[3].
وبمناسبةِ ولادةِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، نوجِّهُ التهنئةَ على لسانِ الشهيدِ الأسمى السيّدِ حسن نصرِ اللهِ (قدَّسَ اللهُ سرَّه)، يقولُ: «في هذهِ المناسبةِ العظيمةِ، أتوجَّهُ بالتحيّةِ إلى كلِّ النساءِ اللّاتي يتحمَّلْنَ أعباءَ هذهِ المرحلةِ الحسّاسةِ منْ تاريخِ الأمّةِ والمنطقةِ والوطنِ، إلى أمّهاتِ وزوجاتِ وبناتِ وأخواتِ الشهداءِ والجرحى والأسرى والمعتقلينَ، وإلى أمّهات وزوجاتِ وبناتِ المقاومينَ والمجاهدينَ والمقاتلينَ والمدافعينَ في كلِّ الساحاتِ والميادينِ، إلى كلِّ النساءِ اللاتي يتحمَّلْنَ فَقْدَ الأعزّةِ وغيابَ الأحبّةِ وتبعاتِ الحربِ والمواجهةِ، منَ التهجيرِ إلى الغربةِ إلى شظفِ العيشِ، ويواجِهْنَ ذلكَ بثباتٍ وصلابةٍ واحتسابٍ، منْ لبنانَ وفلسطينَ، إلى سوريا والعراقِ واليمنِ والبحرينِ، إلى إيرانَ وأفغانستانَ وباكستانَ ونيجيريا، وإلى كلِّ بلدانِنا وساحاتِ التحدّي والصمودِ، وأسألُ اللهَ تعالى لَكُنَّ ولهُنَّ العونَ والقوّةَ والثباتَ والصبرَ الجميلَ والأجرَ العظيمَ والثوابَ الجزيلَ والنهاياتِ الطيبةَ في الدنيا والآخرةِ»[4].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الطبريّ الآمليّ، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ص198.
[2] الشهيد الثاني، مسكّن الفؤاد، ص84.
[3]فرات بن إبراهيم الكوفيّ، تفسير فرات الكوفيّ، ص446.
[4] من كلامٍ له (رضوان الله عليه) في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، بتاريخ 18/03/2017م.









