الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
خَوْفُ الأَبْرَارِمراقبات

العدد 1697 11 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 02 كانون الأول 2025م

لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي

نحتاج إلى العمل

العدد 1696 04 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 25 تشرين الثاني 2025م

عرفتُ الله

التعبويُّ العاملُ للهِ عزَّ وجلَّعقلانيّة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه)مراقبات

العدد 1695 28 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2025م

يوم تعبئة المستضعفين

تحصينُ الأسرارِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1697 11 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 02 كانون الأول 2025م

لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده على آلائه، ونشكره على نعمائه، ونستعينه على طاعته، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وآله.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى وفاة السيّدة أمّ البنين (عليها السلام) زوج أمير المؤمنين (عليه السلام)، في الثالث عشر من جمادى الآخرة، سنة 64 للهجرة.

يقول الله في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾[1].

أيّها المؤمنون، نقف اليوم عند هذه الآيات الثلاث من سورة المجادلة، آياتٍ تُحدّد الموقف العقديّ والرساليّ للمؤمن، وتضع خطّاً فاصلاً بين الولاء لله ورسوله وبين موالاة أعدائهما، وتكشف مآل المعركة بين الحقّ والباطل.

موقف مَن يعادي الله ورسوله

تفتتح الآيةُ المباركة مسارَها بتقرير حقيقةٍ قاطعة لا تتبدّل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ.

إنّها ليست حُكماً أخلاقيّاً فحسب، بل هي قانونٌ إلهيّ يحكم حركة التاريخ: كلُّ مَن يقف في مواجهة خطّ الله، وكلّ مَن يصنع حاجزاً بينه وبين شريعة السماء، وكلّ مَن يحارب قِيَم العدل والحقّ والكرامة، فإنّ مصيره المحتوم هو الذلّ، مهما بدا في الظاهر قويّاً أو نافذاً.

قد يمتلك الإنسان المال، أو يتسلّط بالإعلام، أو يعتلي منصباً رفيعاً، وقد يُخيَّل إليه أنّه أعلى من الناس وأقدر من الحقّ، لكنّ معيار السماء مختلف؛ فالعزّة ليست في وفرة الإمكانات، ولا في موازين القوى البشريّة، وإنّما هي في الارتباط بالله تعالى؛ ولذلك قال عزّ من قائل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾[2].

ويشرح العلّامة الطبطبائيّ هذا المبدأ القرآنيّ، فيقول: «ليس بمسوق لبيان اختصاص العزّة بالله بحيث لا ينالها غيره، وأنّ مَن أرادها فقد طلب محالاً وأراد ما لا يكون، بل المعنى مَن كان يريد العزّة فليطلبها منه تعالى؛ لأنّ العزّة له جميعاً، لا توجد عند غيره بالذات»[3].

وبذلك يتّضح أنّ طريق العزّة لا يكون إلّا عبر الارتباط بالله تعالى، والمصادر الظاهريّة للقوّة ليست منشأ العزّة الحقيقيّة، وإن توهَّم الناس ذلك.

لذا، فإنّ المحادّة ليست كلمةً عابرة، بل هي موقف وجوديّ؛ يعني الاصطفاف في الجبهة المقابلة لجبهة الله ورسوله. وليست هي عداءً فكريّاً أو عاطفيّاً فقط، بل هي رفضٌ لمنهج السماء في قِيَمه وتشريعاته ومساره. وقد تبدأ المحادّة من خطوات صغيرة: تساهلٌ في الظلم، سكوتٌ عن الحقّ، تمييعٌ للباطل، ثمّ تنتهي بالوقوف الكامل في خندقٍ مقابل للحقّ.

وقد جاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) لتشرح هذا القانون الإلهيّ بوضوح؛ إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنِ اعتزَّ بغيرِ اللهِ، ذُلَّ»[4].

وهو شاهد دقيق على مضمون الآية؛ إذ إنّ من اختار العزّة خارج دائرة الله، فقد اختار الذلّ بيديه، ولو بعد حين.

وعدٌ إلهيٌّ لا يتخلّف

بعد بيان مآل مَن يعادي الله ورسوله، تأتي الآية الثانية لتؤسّس لسنّةٍ إلهيّة ثابتة: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.

يعلّق الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) على هذه الآية قائلاً: «كرّر الله المتعالي في القرآن الكريم قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، «كَتب الله» تعني أنّ القانون الحاسم لله هو الغلبة لنهج الأنبياء. إذاً، لا نقاش في هذا الأمر»[5].

إنّه وعدٌ ربّانيٌّ محتوم، وحكمٌ إلهيٌّ ثابت بصيغة «كَتَبَ»؛ وتقريرٌ قاطع مسطور في لوح القدر، لا تبديل فيه؛ ومعناه أنّ الغلبة في نهاية المطاف للحقّ، ولرسالات السماء، وللقِيَم التي حملها الأنبياء (عليهم السلام)، مهما طال زمان الباطل وامتدّ استكباره.

نعم، قد يتقدّم الظالم في جولةٍ أو أكثر، لكنّه لا ينتصر في الحرب. وقد يرفع رايته الباطلة حيناً من الدهر، لكنّ سقوطها حتميٌّ في نهاية الصراع؛ لأنّ الله قويٌّ لا تُقهر قوّته، وعزيزٌ لا يُغلب في أمره. ومَن انتسب إلى صفّ الله، فهو داخلٌ في دائرة الغلبة، ولو بدا ضعيفاً في ظاهر الدنيا.

وهذا الوعد الإلهيّ كان عبر التاريخ وقود عزيمة المؤمنين؛ به صبروا على الأذى، وبه واجهوا الطغاة، وبه رفضوا الخضوع للباطل، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم مَن خذلهم، حتّى يأتي أمر الله وهم كذلك»[6]، وهذا بيانٌ صريح بأنّ للحقّ رجاله، وأنّ الصمود والثبات شرطٌ من شروط الغلبة الإلهيّة.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا[7] عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا»[8].

وهذا تصويرٌ بليغ لسنّة الغلبة الإلهيّة؛ فالدنيا قد تُعرِض عن أهل الحقّ حيناً، لكنّها ستنقاد لهم في العاقبة، لا بقوّة السيف دائماً، بل بقوّة الحجّة، وثبات المبدأ، وحسن العاقبة.

وهكذا تتكامل الآية والسنّة وروايات أهل البيت (عليهم السلام) لترسم قاعدةً راسخة: أنّ الحقّ وإن خُذل في الظاهر، فهو ماضٍ إلى غلبته بسنّة الله التي لا تتبدّل؛ وأنّ المؤمن جزءٌ من هذا الوعد ما دام منتسباً إلى صفّ الله القويّ العزيز.

الولاء من شروط الإيمان

ثمّ تأتي الآية الثالثة، لترسم الحدود الفاصلة في الانتماء والولاء: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُ.

هذه الآية ليست دعوة إلى القطيعة العاطفيّة، بل إلى القطيعة في الموقف؛ فالإسلامُ لا يمنع رحمة الوالدين، ولا يحجب عاطفة الأخوّة، لكنّه يضع خطّاً أحمر: لا يمكن للمؤمن أن يمنح ولاءَه لمن يعادي الله، ولا يمكنه أن يختار صفّ الباطل بحجّة القرابة أو العاطفة.

الإيمان بالله واليوم الآخر يفرض على المؤمن أن يكون موقفه لله أوّلاً، وأن يقدّم الحقّ على كلّ انتماء آخر.

إنّ هذه الآية تُربّينا على سلامة الانتماء ونقاء الموقف، وعلى أن لا ندع العاطفة تُعطّل البصيرة؛ فكم من علاقات قُربى أضاعت حقّاً! وكم من مجاملاتٍ اجتماعيّة جعلت الإنسان يقف حيث لا ينبغي أن يقف!

يقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَهْلِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَعِتْرَتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ، وَذَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِهِ»[9].

فإذا كان الله ورسوله أحبّ إلى المؤمن من كلّ أحد، فهذا يعني أنّ روابط الحبّ والولاء يجب أن تُبنى على الإيمان، لا على القرابة أو المصلحة أو الانفعال الاجتماعيّ.

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله): وُدُّ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الْإِيمَانِ، أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ وَأَعْطَى فِي اللَّهِ وَمَنَعَ فِي اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ أَصْفِيَاءِ اللَّهِ»[10]، فالولاء الحقيقيّ هو لله، والموقف لله، والحبّ والبغض في الله.

أيّها المؤمنون،

بعد هذه الخطوط البيِّنة التي ترسمها الآياتُ المباركات، يتبيّن لنا أنّ طريق العزّة لا يُبتدأ من الأرض، بل من السماء. وأنّ الغلبة ليست وهماً يتمنّاه المؤمن، بل هي وعدٌ إلهيٌّ مكتوب، وسنّةٌ لا تتخلّف. وأنّ الولاء ليس عاطفةً تتقلّب، بل هو موقفٌ يُبنى على الإيمان بالله واليوم الآخر.

هذه الآيات تجعلنا أمام واجبٍ رساليّ صريح: أن نثبت مع الحقّ حين يخذله الناس، وأن نقف مع منهج الله حين تتزاحم الطرق، وأن نطلب العزّة منه لا من سواه، وأن نجعل ولاءَنا وارتباطنا في الجبهة التي كتب الله لها الغلبة.

فلا يغرّنّكم صعود الباطل حيناً، ولا ضجيج الظالمين، فإنّ الله قد كتب الغلبة لرسله، وكتب العاقبة للمتّقين، وكتب الذلّ لمن حادّه وعاداه. وما على المؤمن إلّا أن يكون في الصفّ الذي كتبه الله، لا الصفّ الذي يلمع في أعين الناس ثمّ ينهار.

نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من عباده الذين يطلبون العزّة منه، ويثبتون على طاعته، ولا يلينون في نصرة الحقّ، وأن يطهّر قلوبنا من كلّ ولاءٍ لا يرضاه، ويجعل محبّتنا وبغضنا فيه، وقيامنا وقعودنا له، وحياتنا ومماتنا في سبيله.


[1] سورة المجادلة، الآيات 20 – 22.

[2] سورة فاطر، الآية 10.

[3] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص22.

[4] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص478.

[5] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 18/04/2023م.

[6] ورّام بن أبي فراس، تنبه الخواطر ونزهة النواظر (مجوعة ورّام)، ج1، ص7.

[7] الشماس: الفرس إذا منع من ظهره.

[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص506، الحكمة 209.

[9] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص414.

[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص125.

02-12-2025 | 08-12 د | 2 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net