نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إلى حجّاج بيت الله الحرام بمناسبة موسم الحجّ للعام 1446هـ.ق، بتاريخ 2025/06/05م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله، محمّدٍ المصطفى وآله الطيّبين وصحبه المُنتجبين، ومَن تبعهم بِإحسان إلى يوم الدين.
الحجُّ مُنية المؤمنين، وعيدُ المشتاقين، ورزق السعداء الروحانيّ، وإذا اقترن بمعرفة عمق مكنوناته، فهو علاج الآلام الرئيسة للأمّة الإسلاميّة، بل للبشريّة جمعاء.
سفر الحجّ ليس كسائر الأسفار التي تُقصد للتجارة أو السياحة أو شتّى الأهداف الأخرى، التي قد يتخلّلها أحياناً عبادة أو عمل صالح؛ إنّه تمرين على الهجرة من الحياة المعتادة إلى الحياة المنشودة. الحياة المنشودة هي الحياة التوحيديّة التي تتضمن مكوّنات أساسيّة ودائمة مثل: الطواف الدائم حول محور الحق، والسعي الدؤوب بين القمم الصعبة، والرجم الدائم للشيطان الشرير، والوقوف الممزوج بالذكر والابتهال، وإطعام المسكين وابن السبيل، والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والعرق واللغة والجغرافيا، والاستعداد في كلّ الأحوال للخدمة واللجوء إلى الله ورفع راية الدفاع عن الحقّ.
شعيرة الحجّ تجمع في طيّاتها أمثلة رمزيّة لهذه الحياة، وتُعرّف الحجيج بها وتدعوهم إليها.
ينبغي أن تجد هذه الدعوة آذاناً مُصغية، وأن تنفتح لها القلوب والأبصار، ظاهراً وباطناً. علينا أن نتعلّم هذه الدروس، ونرسّخ عزمنا على تطبيقها. بوسع كلّ إنسان أن يخطو خطوة في هذا الطريق بقدر استطاعته، غير أن العلماء والمثقفين وذوي المناصب السياسيّة والمواقع الاجتماعيّة تقع على عاتقهم مسؤوليّة أكبر ممّن سواهم.
إنّ العالم الإسلاميّ اليوم أحوج ما يكون إلى تطبيق هذه الدروس. هذا هو الموسم الثاني للحجّ الذي يتزامن مع فجائع غزّة وغربي آسيا. لقد أوصلت العصابة الصهيونيّة الإجراميّة الحاكمة في فلسطين مأساة غزة إلى مستوى يفوق التصوّر، بقسوة مروّعة ووحشيّة وشر لا نظير لهما. اليوم، يُقتل الأطفال الفلسطينيون، ليس بالقنابل والرصاص والصواريخ فحسب، بل أيضاً بالعطش والجوع، وتتزايد يوماً بعد يوم أعداد العائلات الثكلى التي فقدت أحبّاءها من الشباب والآباء والأمّهات. فمن الذي ينبغي أن ينهض لمواجهة هذه الكارثة الإنسانيّة؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحكومات الإسلاميّة هي المعنيّة الأولى بأداء هذا الواجب، وعلى الشعوب أن تمارس دورها في مطالبة حكوماتها بالعمل به. وبالرغم ممّا قد يكون بين هذه الحكومات من اختلافات في وجهات النظر السياسيّة حول قضايا متعدّدة، إلّا أنّ ذلك ينبغي ألّا يحول دون اتفاقها وتعاونها في قضيّة غزّة المأساويّة، والدفاع عن التجمّع البشري الأكثر مظلوميّةً في عالمنا المعاصر. يجب على الحكومات المسلمة أن تسدّ كل سبل الدعم للكيان الصهيونيّ، وأن تقطع يد المجرم عن مواصلة سلوكه الوحشيّ في غزة. إنّ أميركا شريك حتميّ في جرائم الكيان الصهيونيّ؛ لذا يجب على المرتبطين بأميركا في هذه المنطقة، وغيرها من المناطق الإسلاميّة، أن ينصتوا إلى نداء القرآن الكريم بشأن الدفاع عن المظلوم، وأن يُجبروا الإدارة الأميركيّة المستكبرة على وقف هذا السلوك الظالم. إنّ شعيرة البراءة في الحجّ هي خطوةٌ في هذا الاتّجاه.
لقد وضعت مقاومة أهالي غزة المُدهشة قضيّةَ فلسطين في صدارة اهتمام العالم الإسلاميّ وجميع أحرار العالم. يجب استغلال هذه الفرصة، والمسارعة في نصرة هذا الشعب المظلوم. وعلى الرغم من مساعي المستكبرين وداعمي الكيان الصهيونيّ لطيّ قضيّة فلسطين وإيداع ذكرها غياهب النسيان، إلّا أنّ الطبيعة الشريرة لقادة هذا الكيان ولسياستهم الحمقاء قد أفرزت وضعاً جعل اسم فلسطين اليوم أكثر تألّقاً من أيّ زمنٍ مضى، والاشمئزاز العام من الصهاينة وداعميهم يزداد عن أيّ وقت سبق، وهذه فرصة مهمّة للعالم الإسلاميّ.
على المتحدّثين وذوي المكانة الاجتماعيّة أن يرفعوا من وعي الشعوب وتفاعلها، وأن يوسّعوا من نطاق المطالبة المتعلّقة بفلسطين. وأنتم، أيّها الحجّاج السعداء، لا تَغْفلوا، في مناسك الحجّ، عن فرصة الدعاء والاستعانة بالله المتعالي، واسألوا الله النصر على الصهاينة الظالمين وداعميهم.
صلوات الله وسلامه على رسول الإسلام الأكرم، وعلى آله الأطهار، والسلام والتحيّة على الإمام المهديّ، بقيّة الله، عجّل الله ظهوره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السيّد علي الخامنئيّ
30/05/2025م.
3 ذي الحجّة 1446ه.ق.