الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتيوم تحديد مصير المجتمع الإسلاميّخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه)نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إلى حجّاج بيت الله الحرام بمناسبة موسم الحجّ للعام 1446هـ.قيومُ الحمدِ

العدد 1672 15 ذو الحجة 1446 هـ - الموافق 11 حزيران 2025م

الغدير بيعةُ الحقِّ ومسؤوليّةُ الثبات

موجِباتُ القُربمراقباتفَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِمراقبات
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1671 08 ذو الحجة 1446 هـ - الموافق 04 حزيران 2025م

دلالات الحجّ في تهذيب النفس وبناء الأمّة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي جعل الإسلام بُنياناً متيناً، وأقامه على أركانٍ خمسة[1]: الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية، مَن أتى بها استكمل دينه، وكان من المُفلِحين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه، صلّى الله عليه وآله الطاهرين، صلاةً دائمةً باقية.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة بحلول عيد الأضحى المبارك، سائلين المولى أن يعيده علينا وعلى الأمّة الإسلاميّة بالخير والنصر واليمن والبركات.
 
جاء في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الْحُجَّاجُ يَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُعْتَقُ مِنَ النَّار، وصِنْفٌ يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِه كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْه أُمُّه، وصِنْفٌ يُحْفَظُ فِي أَهْلِه ومَالِه، فَذَاكَ أَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِه الْحَاجُّ»[2].

الحجّ من أعمدة الإسلام
عباد الله، إنّ عبادة الحجّ هي من أعمدة الإسلام الكبرى، التي ثبّتها القرآنُ الكريم والسنّةُ المطهّرةُ ضمن أركان هذا الدين، وجعلها الله سبحانه وتعالى مظهراً للعبوديّة، وميداناً لتهذيب النفوس، وتلاقي القلوب، ووحدة الأمّة.

ليس الحجّ مجرّد طوافٍ وسعيٍ ووقوفٍ بعرفة، بل هو استجابة لأمر الله، وسعيٌ لابتغاء مرضاته، وتحقيقٌ لهدفٍ إلهيٍّ عظيمٍ، قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾[3]، فالحجّ مدرسةٌ جامعة، تتجلّى فيها منافع متعدّدة؛ منها ما هو روحيّ تعبّديّ، ومنها ما هو تربويّ أخلاقيّ، بل تتعدّى إلى أبعادٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ ووحدويّة، تتألّق في صورة أمّةٍ واحدةٍ، متّجهةٍ نحو الله.

ولقد تواترت الأخبار حول فضل هذه العبادة المباركة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَتُكْفَوْا مَؤُونَاتِ عِيَالِكُمْ، وَقَالَ: الْحَاجُّ مَغْفُورٌ لَهُ، وَمَوْجُوبٌ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمُسْتَأْنَفٌ لَهُ الْعَمَلُ، وَمَحْفُوظٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ»[4]، «وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ»[5]، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

فهلمّوا -أيّها الأحبّة- لنستضيء بنور هذا الركن العظيم، ونتأمّل في مقاصده، ونستلهم من مواقفه ما يُحيي فينا روحَ الوحدة والعزّة والرجوع إلى الله.

من دلالات الحجّ وأسراره
عبادَ الله، إنّ من أروع ما يكشف عن أسرار الحجّ وفلسفته ما جرى بين الإمام الصادق (عليه السلام) وأحد رؤوس الزنادقة في عصره، ابن أبي العوجاء؛ إذ حضر هذا الأخير مع جماعة من أصحابه في مجلس الإمام (عليه السلام)، وقال مستهزئاً: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه... إِلَى كَمْ تَدُوسُونَ هَذَا الْبَيْدَرَ، وتَلُوذُونَ بِهَذَا الْحَجَرِ، وتَعْبُدُونَ هَذَا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ بِالطُّوبِ والْمَدَرِ، وتُهَرْوِلُونَ حَوْلَه هَرْوَلَةَ الْبَعِيرِ إِذَا نَفَرَ؟! إِنَّ مَنْ فَكَّرَ فِي هَذَا وقَدَّرَ، عَلِمَ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ أَسَّسَهُ غَيْرُ حَكِيمٍ ولَا ذِي نَظَرٍ.

فأجابه الإمام الصادق (عليه السلام) بردٍّ قاطع، يكشف عن عمق الحكمة الإلهيّة في هذه الشعائر، فقال: «إِنَّ مَنْ أَضَلَّه اللَّهُ وأَعْمَى قَلْبَه، اسْتَوْخَمَ الْحَقَّ ولَمْ يَسْتَعْذِبْه[6]، وصَارَ الشَّيْطَانُ وَلِيَّه ورَبَّه وقَرِينَه، يُورِدُه مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ، ثُمَّ لَا يُصْدِرُه. وهَذَا بَيْتٌ اسْتَعْبَدَ اللَّهُ بِه خَلْقَه، لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ فِي إِتْيَانِه، فَحَثَّهُمْ عَلَى تَعْظِيمِه وزِيَارَتِه، وجَعَلَه مَحَلَّ أَنْبِيَائِه، وقِبْلَةً لِلْمُصَلِّينَ إِلَيْه، فَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ رِضْوَانِه، وطَرِيقٌ يُؤَدِّي إِلَى غُفْرَانِه...»[7].

أيّها الأحبّة، لقد أراد الله بهذا البيت أن يكون محور التوحيد، ورمز الطاعة، ومجال اختبارٍ للقلوب المؤمنة. فليس التوجّه إليه عبادةً لحجرٍ أو مدرٍ، وإنّما هو خضوع لأمر الله، وامتثال لإرادته، وتجديد للميثاق مع الدين الحنيف، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾[8].

ومن معاني هذه الطاعة العميقة، ما نُؤدّيه من شعائر متنوّعة، لكلٍّ منها بُعدٌ روحيّ وتربويّ وتوحيديّ.

فنحن حين نضع أيدينا على الحجر الأسود ونقبّله، فإنّنا نُعبّر عن تجديد العهد مع ملّة إبراهيم، بالثبات على التوحيد، ومحاربة الشرك بجميع صوره، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا دنوت من الحجر الأسود... فأشِر إليه، وقل: اللهمّ، أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدتُه؛ لِتَشْهَد لي بالموافاة»[9].

وحين نسعى بين الصفا والمروة، فإنّنا نستحضر صبر السيّدة هاجر (عليها السلام)، وتجسيدها للأمل والثقة بالله تعالى في أشدّ لحظات الظمأ والعوز، فسعَتْ سبعاً في صحراء قاحلة، حتّى فجّر الله لها ماء زمزم تحت قدمَي نبيّه إسماعيل (عليه السلام).

ونُحيي ذكرى التضحية الكبرى حين نُقرّب الهدي في منى، مستحضرين مشهد النبيّ إبراهيم (عليه السلام) وهو يقدّم فلذة كبده قرباناً لأمر الله، فصار مثالاً للفداء الخالص والإخلاص الكامل.

ونرجم الجمرات، اقتداءً بإبراهيم (عليه السلام) حين اعترضه الشيطان في تلك المواضع، فأرغمه بالحجارة، وبذلك نُعلن حرباً على إبليس وأوليائه، ونُجدّد البراءة من وساوسه ونزغاته.

أيّها المؤمنون، إنّ هذه الشعائر ليست طقوساً خاوية، بل هي محطاتٌ لبناء النفس، وتصفية القلب، وتجديد الولاء لله. فالحجّ مدرسةُ توحيدٍ، ومعهدُ تربيةٍ، وميدانُ وحدةٍ، وجهادٌ رمزيٌّ ضدّ كلّ مظاهر الجاهليّة والانحراف.

من الآثار التربويّة والاجتماعيّة للحجّ
أيّها المؤمنون، إنّ للحجّ آثاراً تربويّة واجتماعيّة عظيمة، فهو ليس مجرّد طقوس تُؤدّى، بل مدرسة إيمانيّة متكاملة، وميدان لتزكية النفس، وصياغة الإنسان الرساليّ.

جهادٌ للنفس
ففي الحجّ تربيةٌ للنفس على المجاهدة والتخلّي عن الهوى، وكسر لسلطة الذات وميلها إلى الزينة والتفاخر، حيث يدخل الحاجّ في لباسٍ بسيطٍ موحَّد، لا يُفرّق فيه بين غنيّ وفقير، ولا بين حاكم ومحكوم، لباس يعبّر عن الانسلاخ من الدنيا، والتوجّه الصادق إلى الله، فيتربّى المسلم على التواضع والخضوع، وعلى أنّ معيار التمايز ليس النسب ولا المال، بل التقوى والعمل الصالح، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللَّه اللَّه فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ، فَلَا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ؛ فَإِنَّه إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا[10]، وأَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِه مَنْ أَمَّه[11] أَنْ يُغْفَرَ لَه مَا سَلَفَ»[12].

ثورة على العادة
وفي الحجّ ثورة على العادة، ثورة على المألوف في اللباس والراحة والرفاه، تمرين عمليّ على الخروج من النمط الاعتياديّ للحياة، والدخول في نمطٍ جديد تُبنى فيه الروح، وتُرسَّخ فيه قيم الالتزام والانضباط والطاعة، ويتعوّد فيه المسلم على تحمّل المسؤوليّة الفرديّة والجماعيّة في أشدّ الظروف وأصعب الأوقات.

ترسيخ لقيم التواضع والمساواة
وفي الحجّ تتجلّى مبادئ التواضع والمساواة، فيقِف الناس جميعاً صفّاً واحداً، لا فرق بين عربيّ وأعجميّ، ولا بين أبيض وأسود، إلّا بالتقوى. فتذوب الفوارق، وتُذَلّ النفوس للحقّ، ويستشعر الإنسان عبوديّته لله تعالى، لا يتقدّم ولا يتأخّر إلّا بأمره.

ترسيخ للوحدة الإنسانيّة والإسلاميّة
وفي الحجّ تترسّخ معاني الوحدة الإسلاميّة، حيث يجتمع المسلمون من كلّ فجٍّ عميق، على اختلاف لغاتهم وألوانهم ومذاهبهم، في موطنٍ واحد، وبيتٍ واحد، وهُويّةٍ واحدة، هويّة الإسلام. إنّها أكبر فرصة للتعارف والتآلف والتواصل بين الشعوب الإسلاميّة، بعيداً عن النزاعات الضيّقة والانقسامات المصطنعة. وقد قال الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه): «الحجّ أفضل ملتقى لتعارف الشعوب الإسلاميّة، حينما يجتمع المسلمون من كلّ حدب وصوب، ويستبعدون كلّ الفوارق، من اللون والقوميّة والنسب، ويستعرضون المنظر الرائع لتبلور الأمّة المحمّديّة في العالم»[13].

عبادة وسياسة
وفي الحجّ يُعلَن الموقف السياسيّ الإيمانيّ الصريح من أعداء التوحيد، إذ لا يُمكن لفريضة الحجّ أن تنفصل عن بُعدها السياسيّ، المتمثّل بإعلان البراءة من المشركين، كأمرٍ واجبٍ على كلّ موحِّد. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ إحدى البركات العظيمة للحجّ، والّتي توفر فرصةً مؤاتیةً للشعوب المسلمة المظلومة، هي مراسم البراءة، الّتي تعني التبرّي من كلِّ ما تتّصف به طواغيت کلّ عصر، من قساوةٍ وظلمٍ وجورٍ وبشاعةٍ وفسادٍ، کما تعني الوقوفَ بوجه ما یمارسه مستكبرو العصور من قهرٍ وابتزاز. إنّ البراءةَ من جبهة الشرك والکفر الّتي یمثّلها المستكبرون، وعلی رأسهم أميرکا؛ تعني اليوم البراءةَ من قتل المظلومين... تعني صرخةَ الأمّة الإسلاميّة بوجه الکیان الصهيونيّ قاتل الأطفال، ومَن یقفون وراءه ويدعمونه»[14].
إنّه الحجّ كما أراده الله، عبادةٌ جامعة، وشعيرةٌ تُشيّد الدين وتُحصّن الأمّة، فيا عباد الله، لا تتركوا هذا البيت، ولا تُفرّطوا بهذه الشعيرة، فإنّها عنوان بقائكم، ومصدر تطهيركم، وميدان اجتماعكم، وسلاح مواجهتكم لأعدائكم.

اللهمّ اجعلنا من حجّاج بيتك، السائرين على منهجك، المتمسّكين بولايتك، والناطقين ببراءتك من أعدائك.


[1]إشارة إلى رواية الإمام الباقر (عليه السلام): «بُني الإسلام على خمس؛ على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نُودي بالولاية» - الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص18.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص253.
[3]سورة الحجّ، الآيتان 27 - 28.
 [4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص252.
[5]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص494، الحكمة 136.
 [6] الاستيخام: الاستثقال وعدّ الشيء غير موافق، واستوخمه أي وجده وخيماً ثقيلاً. وقوله (عليه السلام): «لم يستعذبه»؛ أي لم يجده عذباً.
[7]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص197.
 [8] سورة آل عمران، الآية 96.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص403.
 [10]أي لا يُنظَر إليكم بالكرامة، لا من الله ولا من الناس، لإهمالكم فرض دينكم.
 [11]أي مَن قصده أو حجّه.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج7، ص51.
[13] الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه)، صحيفة الإمام، ج20، ص277.
[14] من نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) لحجّاج بيت الله الحرام، بتاريخ 10/08/2019م.

04-06-2025 | 09-54 د | 121 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net