بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك، بذكرى ولادة الإمام السابع من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، في السابع من شهر صفر، سنة 128 للهجرة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾[1].
فضّل الله تعالى المجاهدين في سبيله على القاعدين أجراً عظيماً، وجعل الجهادَ باباً من أبواب الجنّة؛ به يُدفَع عن الدين، وبه يشتري من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بالجنّة، وهو طريق الكرامة والعزّة، والخير كلّه في السيف وتحت ظلّه، ومَن أعرض عن هذا الباب لحقه الذلّ وشمله البلاء ودُيِّث بالصَّغار...
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ الْجِهَادَ وعَظَّمَه، وجَعَلَه نَصْرَه ونَاصِرَه. واللَّه، مَا صَلَحَتْ دُنْيَا ولَا دِينٌ إِلَّا بِه»[2].
وللجهاد في سبيل الله تعالى شروطٌ أساسيّة، ينال بمراعاتها المجاهدُ ما وعده الله من الفضل العظيم، والزلفى والمغفرة، وجنّة النعيم، وأهمُّ هذه الشروط:
1. أن يكون القتال تحت راية الحقّ: فالجهاد في سبيل الله واجبٌ إلهيّ، لا يجوز أن يُشرِّع فيه الإنسان من نفسه، استناداً إلى ميوله وأهوائه، بل عليه أن يتَّبِع الشريعة في ما تأمر به وتنهى عنه، وأوّل ما تأمر به أن يكون جهاد المرء وقتاله تحت راية الحقّ، جاء في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك مع أوليائك تحت راية الحقّ من أهل بيت نبيّك محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله)، مقبلاً في ذلك على عدوّك غير مدبر، وتجعلني ممّن تقتل به أعداءك وأعداء آل رسولك (عليه السلام)»[3].
وإنّ هدف الجهاد يجب أن يكون إلهيّاً، كالدفاع عن الإسلام والمسلمين والمقدّسات والمظلومين والمستضعفين والانتصار لهم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمنٍ يُعين مؤمناً مظلوماً، إلّا كان أفضل من صيام شهرٍ واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمنٍ ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا ونصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة»[4].
2. أن يلتزم بطاعة القيادة: وهو من أهمّ الشروط الّتي تجب مراعاتها على المجاهد في سبيل الله، بل هي من الواجبات الشرعيّة التي أكّدها الإسلام بشدّة؛ إذ إنّ في ذلك حفظَ النظام وديمومتَه ونجاحَ الأعمال، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[5].
3. أن يكون الجهاد خالصاً لله تعالى: إذ إنّ الأعمالَ مرهونةٌ بالنيّات، فإذا لم تكن النوايا خالصةً فهذا يعني أنّه يشوبها الشرك، والله تعالى لا يغفِر أن يُشركَ به، ولا يقبلُ إلّا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال الله عزَّ وجلَّ: أَنا خيرُ شريك، مَن أشرك معي غيري في عملٍ عَمِلَهُ لم أَقبله، إلّا ما كان لي خالصاً»[6].
4. الصبر: وهو من صفات المجاهد الأساسيّة؛ إذ من دونه لن يتمكّن من مواجهة الصعاب، وتحمّل المشاكل الّتي تنتظره؛ لذا أمر الله تعالى به عبادَه المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[7]، وجعله أساس الإيمان ودعامته الرئيسيّة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان»[8].
وقد بيّن القرآن الكريم مدى أهمّيّة الصبر بالنسبة للمجاهد حين أمر الله نبيَّه (صلّى الله عليه وآله) بتحريض المؤمنين على القتال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾[9]؛ فالآية الكريمة تبيّن عظمة ما يمكن أن يحقّقه الصبر في أرض المعركة، إذ وعدهم الله تعالى بأن يغلب الرجل منهم عشرةً من الكفّار في حال كانوا من الصابرين.
5. التوكُّل: وهو أقوى وأمضى أسلحة المجاهد في سبيل الله، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَن أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكّل على الله»[10]؛ فالحول والقوّة بيد الله، وهو المؤثّر الحقيقيّ والوحيد في هذا العالم، والأمور كلّها ترجع إليه، وليس على الإنسان الصادق في إيمانه سوى أن يعبد الله في ما أمره وأن يتوكّل عليه، ولا يكون همُّه نتائج أعماله، بل ينبغي أن يكون جلُّ همّه منصبّاً على طاعة ربِّه، وتحقيق رضاه، وأداء تكليفه بصدقٍ وإخلاص: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾[11]؛ أمّا النتائج فأمرها إلى الله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[12]. فالتوكّل هو الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور، والاعتقاد بأنه مسبِّب الأسباب والمتسلِّط عليها، وأنّ بإرادته ومشيئته تتحقّق هذه الأسباب، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ لَا يُغْلَبُ، ومَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ لا يُهْزَمُ»[13].
الشهادة تُحقِّق النصر
لا شكّ في أنّ مَن يلتزم هذه الشروط، وتصبح عمدةَ إيمانه وسلوكه، سيكون منتصراً، وإن تخضّب نصره بالشهادة، كما هو الحال في كربلاء؛ إذ إنّ الشهيد هو مَن قُتِل في سبيل الله، ويُلحق بهم أيضاً طائفة ممَّن نصَّت الروايات عليهم، وإن لم يُقتلوا في ساحة المعركة والحرب، عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن قاتل دون ماله ورحله ونفسه، فهو شهيد»[14].
إنّ التضحية بالنفس هي أرقى وأكمل أنواع التضحية، وفيها يجود المسلم بنفسه لله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[15].
وإنّ الجهاد في سبيل الله، الّذي يُقدِّم فيه المرء نفسه بين يدي الله تعالى، مُحقِّقاً أعلى درجات البرّ، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فوق كلِّ ذي بِرٍّ بِرّ، حتّى يُقتَل الرجلُ في سبيل الله، فإذا قُتِل في سبيل الله، فليس فوقه بِرّ»[16]، هو الّذي يُحقِّق النصر للإسلام والمسلمين؛ إذ إنّ تلك الأجساد الّتي تروي الأرضَ دماؤها، لا بدّ وأن تُثمِر عزّاً ورفعةً وكرامةً ونصراً.
يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «إنّ تحرّك الإمام الحسين (عليه السلام) كان جهاداً في طريق الإسلام؛ فقد كان يعلم بأنّه لا يمكن مواجهة هذا الظالم بما كان لديه من سلطان، بهذا العدد القليل الّذي لم يكن يتجاوز مئة نفر، طبقاً للحسابات المادّيّة، ولكنّه كان يعلم جيّداً أن الاستشهاد في سبيل الله هو الّذي يحقّق النصر للإسلام ويجدّد حياتَه»[17].
لشهدائنا الأبرار من القادة والمجاهدين، فضلٌ كبير وعظيمٌ على هذه الأمّة، لا يُقدَّر بثمن، فإلى صاحب زماننا وعصرنا الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى عوائلهم، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التبريك والعزاء بهذه الدماء الطاهرة، ونخصّ بالذكر منهم القائد الجهاديّ الكبير السيّد فؤاد شكر (السيّد محسن)، سائلين المولى لهم الدراجات العُلى مع محمّد وآله الأطهار (عليهم السلام)، وللمجاهدين الصبر والثبات والغلبة إن شاء الله، إنّه سميعٌ مُجيب.
[1] سورة الأنفال، الآية 65.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص8.
[3] الصحيفة السجّاديّة (أبطحيّ)، ص262.
[4] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص148.
[5] سورة الأنفال، الآية 46.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص295.
[7] سورة البقرة، الآية 153.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص87.
[9] سورة الأنفال، الآية 65.
[10] ابن بابويه القمّيّ، فقه الرضا، ص358.
[11] سورة هود، الآية 123.
[12] سورة الأنفال، الآية 10.
[13] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص426.
[14] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص420.
[15] سورة التوبة، الآية 111.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص348.
[17] صحيفة الإمام، ج17، ص54.