الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1606 26 شعبان 1445 هـ - الموافق 07 آذار 2024 م

شهرُ الرحمةِ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

جاء في خطبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) التي يستقبل بها شهر رمضان المبارك: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ»[1].

إنّ الرحمة الإلهيّة هي الأساس الذي يبتني عليه هذا الكون بأسره، وهي من الصفات الفعليّة للخالق عزّ وجلّ، وقد ذُكِرت في القرآن الكريم عشراتُ المرّات، وجاءت بألفاظٍ عدّة، منها (رحمة) (الرحمن) (الرحيم)، كما إنّ الله تعالى أمرنا في مطالع السور القرآنيّة أن نبتدِئ باسمه الكريم، واختار لهذا الاسم صفتين خاصّتين من صفاته العظيمة، هما: الرحمن والرحيم، ففي بداية كلِّ سورةٍ نقرؤها -ما خلا سورة براءة- نقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

الرحمن الرحيم
و«الرحمن» صيغةٌ تدلّ على الكثرة والمبالغة، أي كثرة الرحمة، بينما تدلّ صيغة «الرحيم» على الثبات والدوام، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ تعالى خلقَ مئةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ ملءُ ما بينَ السماءِ والأرضِ، قسَّمَ منها رحمةً بينَ الخلائقِ، بها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها، وبها يشربُ الوحشُ والطيرُ الماءَ، وبها يتراحمُ الخلائقُ»[2].

وقد فُسِّر «الرحمن» بأنّه اسمٌ مختصٌّ بالله سبحانه، فلا يُطلَق على غيره، لكنّه يعبِّر عن صفة عامّة هي الرحمة الشاملة التي وسعَت كلَّ شيء، فتعمّ المؤمنين والكافرين والمحسنين والمسيئين، وكلَّ موجودٍ في هذه الحياة الدنيا؛ أمّا «الرحيم» فاسمٌ عامّ، لأنّه يُطلَق على غير الله تعالى أيضاً، لكنّه يعبِّر عن صفة خاصّة، وهي الرحمة الثابتة الخاصّة بالمؤمنين فقط.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «واللَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ، الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِه، والرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً»[3]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصّة»؛ أي إنّ «الرحمن» اسمٌ مخصوص لله، ورحمتُه تشمل جميعَ خلقه، بينما «الرحيم» وصفٌ يُستعمَل لله تعالى وللخلق.

سعة رحمة الله
فرحمة الله رحمةٌ عامّةٌ إذاً، تشمل الموجودات كلّها من دون استثناء، من جمادٍ ونباتٍ وحيوانٍ وإنسانٍ، مؤمنٍ وكافرٍ... فلولا هذه الرحمة لم يفِض الوجودُ على هذه الحقائق، ولَبقيَت في ظلمات العدم، ولم تخرج إلى نور الوجود، ولم يتعهّدها الله بالإمداد والعناية.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، إذ يقول تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾[4]، وقال أيضاً: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾[5].

ومن لطيف ما يُذكر في سعة رحمة الله تعالى أنّه قيل للإمام زين العابدين (عليه السلام): قال الحسن البصريّ: ليس العجب ممّن هلك كيف هلك، وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا، فقال (عليه السلام): «أنا أقولُ: ليسَ العجبُ ممَّن نجا كيفَ نجا، إنّما العجبُ ممَّن هلكَ كيفَ هلكَ معَ سعةِ رحمةِ اللهِ»[6].

شهر الرحمة
على الرغم من سعة رحمة الله وشمولها وثبوتها ودوامها، لكن ثمّة خصوصيّة لشهر رمضان المبارك في ما يرتبط بالرحمة الإلهيّة؛ إذ إنّ أبوابها في هذا الشهر الشريف تتعاظم وتتضاعف، ويمنّ الله فيه على عباده بكثيرٍ من النعم والعطاءات، وتتجلّى معانيها بأبهى مصاديقها؛ لذا وصف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا الشهر الكريم بأنّه مُقبلٌ إلينا بالرحمة، فقال (صلّى الله عليه وآله): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ»[7].

من مظاهر رحمة الله في شهر رمضان
تتجلّى مظاهر رحمة الله بعباده في العديد من المصاديق، يبيّنها لنا الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في خطبته، نذكر منها:

1. الجنان مُفتّحة والنيران مُغلَقة والشياطين مغلولة: فمن مظاهر رحمة الله بالخَلْق في شهر رمضان إعانتهم على الطاعة والعبادة؛ بفَتْح أبواب الجنّة، وغَلق أبواب النيران، وتقييد الشياطين، وفي ذلك عونٌ للإنسان على الصيام وفضائل الأعمال.

2. مضاعفة ثواب العبادات: فالأُجور المُترتّبة على الأعمال والطاعات في شهر رمضان مختلفة عمّا سواه من الشهور، يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «وَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ، وَمَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ، ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ، وَمَنْ تَلا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ»[8].

3. الأنفاس تسبيح والنوم عبادة: الإنسان في شهر رمضان هو في ضيافة الله، وبين يديه تعالى، ومن أعظم تجلّيات الرحمة في هذا الشهر وكرمه اللامحدود أن تكون الأنفاسُ التي يحتاجها الإنسان لحياته، وتحصل منه بشكلٍ تلقائيّ ولاإراديّ، ولا يستطيع قطعَها باختياره، تسبيحاً وذكراً له عزّ وجلّ، وأن يكون النومُ الذي هو راحةٌ وغفلةٌ في غيره من الشهور طاعةً وجهداً وعبادة.

4. الدعاء في أوقات الصلوات: يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَاتِكُمْ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ؛ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ، وَيُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ، وَيُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ»[9]؛ فساعات شهر رمضان أفضل الساعات، وأفضل ساعات شهر رمضان أوقات الصلاة؛ إذ ينظر الله بالرحمة فيها إلى عباده، ويفتح لهم أبواب الاستجابة والتلبية والعطاء.

قطع اللهُ عنه رحمتَه
إنّ أبواب الرحمة في هذا الشهر العظيم كثيرةٌ وعديدةٌ، ولكن لهذه الرحمة شروطها، وعلى الرغم من سعتها وشمولها وثباتها، ثمّة مَن تُقطَع عنه، ويُحرَم هذا الفيض العظيم، ألا وهو القاطع لرحمه في هذا الشهر الشريف، يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ»[10].

بل يظهر من خطبته (صلّى الله عليه وآله) أنّ بعض الناس يغلقون بأعمالهم أبوابَ الرحمة الإلهيّة، ويمنعون عن أنفسهم تجلّياتها، فتتسلَّط الشياطين عليهم، وتُغلَق عنهم أبواب الجنان، وتُفتَح لهم أبواب النيران، يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ، وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ»[11].

في الختام، فلندعُ اللهَ تعالى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالدعاء التاسع من أيّام شهر رمضان المبارك، إذ يقول: «اَللّهُمَّ اجْعَل لي فيهِ نَصيباً مِن رَحمَتِكَ الواسِعَةِ، وَاهْدِني فيهِ لِبَراهينِكَ السّاطِعَةِ، وَخُذْ بِناصِيَتي إلى مَرْضاتِكَ الجامِعَةِ بِمَحَبَّتِكَ يا أَمَلَ المُشتاقينَ»[12].


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[2] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص96.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص114.
[4] سورة الأعراف، الآية 156.
[5] سورة غافر، الآية 7.
[6] السيّد المرتضى، الأمالي، ج1، ص113.
[7] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص154.
[8] المصدر نفسه، ص155.
[9] المصدر نفسه.
[10] المصدر نفسه، ص154.
[11] المصدر نفسه، ص155.
[12] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص379.

07-03-2024 | 10-38 د | 1586 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net