الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1584 19 ربيع الأول 1445 هـ - الموافق 05 تشرين الأول 2023 م

أفضلُ الشرفِ كفُّ الأذى

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين محمّد، وآله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[1].

أولَت الشريعةُ الإسلاميّةُ اهتماماً بالغاً بالقيم والعلاقات الاجتماعيّة، ودفعَت بقوّةٍ نحو تحصين المجتمع وتمتين العلاقات بين أفراده، كما دعَت إلى إعطاء الأولويّة للوقاية الاجتماعيّة وعدم وقوع ضررٍ أو حصول أذى أو ترتّب مفسدة، إذ إنّ الوقايةَ خيرٌ من العلاج؛ لذا نجد في منظومة الأخلاق الإسلاميّة والأسس الاجتماعيّة التي دعا إليها الإسلام تقديماً لقيم منع الأذى وحصول الضرر على قيم العلاج، ويُعرِّف الإمام الصادق (عليه السلام) المُسلِمَ، فيقول: «المُسلِمُ مَن سلِم الناسُ من يده ولسانه»[2].

كفّ الأذى وحرمة الإنسان
ولا ريب في أنّ دفع الضرر وكفّ الأذى عن الناس من الفضائل العظيمة، ومن أهمّ مفردات القيم والعلاقات الاجتماعيّة؛ لما للأذيّة من انعكاسات خطيرة تهدّد أمنَ المجتمع وسلامتَه. من هنا، حثّ الإسلام بشدّة على الاعتناء بهذه الفضيلة والقيمة الوقائيّة، وعدّها أساساً في تحصين المجتمع والعلاقات الاجتماعيّة، مُحذِّراً ممّا يمكن أن يترتّب عليها، وقد تضافرَت الروايات في حقوق الجيرة وحرمة أذيّة الجيران على سبيل المثال، وجعَلت الجنّة ثواباً لمَن يردّ عن المسلمين سوءاً أو يدفع أذى، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ رَدَّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِين عَادِيَةَ مَاءٍ أَوْ نَارٍ[3] وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة»[4].

ثم إنّ حرمةَ الأذى مبنيّةٌ في الإسلام على أصلٍ مهمّ جدّاً، ألا وهو حرمة الذات الإنسانيّة بشكلٍ عامٍّ، وحرمة المؤمن بشكل خاصّ؛ فالإسلام حرّم سفك الدماء، وهتك الأعراض، والتعدّي على الأموال والممتلكات، ودعا إلى إعطاء الحقوق وأداء الواجبات، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمالك الأشتر: «وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»، إلى أن يقول (عليه السلام): «فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّه مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه»[5].

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حرمة المؤمن، أنّه نظر إلى الكعبة، فقال: «مرحباً بالبيت، ما أعظمَكَ وأعظم حرمتَكَ على الله! ووالله، لَلمؤمن أعظم حرمةً منك؛ لأنّ الله حرّم منكَ واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: مالَه، ودمَه، وأن يُظَنَّ به ظنَّ السوء»[6].

موارد الأذى
وإنّ المراد من الأذى هو ما يُكرَه ويُغتَمّ به، من فعلٍ أو قولٍ أو موقفٍ بغير حقّ، تترتّب عليه جوانب سلبيّة تجاه الآخرين، وثمّة موارد عديدة، نذكر منها:

1. الغيبة: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من اغتاب مؤمناً بما فيه، لم يجمع الله بينهما في الجنّة أبداً، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالداً فيها، وبئس المصير»[7]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «مَن روى على أخيه المؤمن رواية، يريد بها شينَه وهدمَ مروته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان»[8].

2. التحقير والإهانة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن حقَّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل الله عزّ وجلّ حاقراً له، ماقتاً، حتّى يرجع عن محقّرته إيّاه»[9].

3. الإذلال: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: قد نابذني مَن أذلّ عبدي المؤمن»[10].

4. إحصاء الزلّات والعثرات: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر، أن يواخيَ الرجلُ الرجلَ على الدين، فيُحصي عليه زلّاتِه ليُعنِّفَه بها يوماً ما»[11].

5. السباب: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه»[12].

6. التهمة وسوء الظنّ: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا اتّهم المؤمنُ أخاه، انماث الإيمانُ من قلبه، كما ينماث الملحُ في الماء»[13].

7. الإخافة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مَن نظر إلى مؤمنٍ نظرةً ليخيفَه بها، أخافه الله عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»[14].

إشهار السلاح وإطلاق النار
وإنّ من أبرز مصاديق إخافة الناس، إشهارَ السلاح لهذه الغاية، وتبديلَ أمنهم إلى اضطرابٍ ورعبٍ، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن شهر السلاحَ في مصر من الأمصار فعَقَرَ، اقْتُصَّ مِنْه ونُفِيَ من تلك البلدة»[15]. فهذا العمل على جانبٍ كبيرٍ من الخطورة، بل قد يصل إلى حدِّ أن يكون محارباً يُقام عليه الحدّ، فالمرويّ عن أهل البيت (عليهم السلام): إنّ المحاربَ هو كلّ من شهر السلاح وأخاف الطريق، سواء كان في المصر، أو خارج المصر[16].

وإنّ ما ذُكر من موارد الإيذاء، ليس على سبيل الحصر، ولا يختصّ بالمؤمنين، بل قد ينسحب على عموم الناس أيضاً، إذ إنّ الإيذاء من مصاديق الظلم والتعدّي، وحرمة هذا الأمر واضحة وبيّنة في الشريعة الإسلاميّة.

ثواب كفّ الأذى
لقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تعليقه على قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[17]، قوله (عليه السلام): «فاز والله الأبرار! أتدري مَن هم؟ هم الذين لا يؤذون الذرّ»[18].
وفي توجيهٍ من النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) للمسلمين، يبيّن ثوابَ كفّ الأذى، ومكانةَ ذلك عند الله تعالى، يقول (صلّى الله عليه وآله): «كُفَّ أذاك عن الناس، فإنّه صدقةٌ تصدّق بها على نفسك»[19]، فالامتناع عن أذيّة الناس، وعدم التعرّض لهم بسوء، هو من الصدقات التي نتصدّق بها على أنفسنا، ونُؤجَر بها.

في الختام، إنّ فضيلةَ كفِّ الأذى عن الناس، هي من القيم التي ينبغي تأكيدُها وشياعُها في المجتمع الإسلاميّ، وإنّ الأعمالَ العباديّة، من صلاةٍ وصومٍ وحجٍّ وغيرها، لا نفع لها إن كانت مقرونةً بالأذى للآخرين، يقول تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾[20]، وكم من عادٍّ نفسَه من الطائعين والعابدين لله، وهو في الواقع مبغوضٌ عند الله بسبب تعدّيه وإيذائه للناس! وهذا الإيذاء قد يكون للزوجة أو للأولاد أو للجار أو للأرحام أو لأحدّ العمّال لديه... وقد جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ الرجلَ ليُكتَب جبّاراً، وما يملك إلّا أهلَ بيتِه»[21].

ولأنّ في الأذيّة مفاسدَ عظيمة، ولكون كفِّ الأذى من أهمّ الأعمال التي يمكن أن يقدّمها الفردُ في المجتمع، قرن أهلُ البيت (عليهم السلام) هذا الفعل بصلاة الليل، تلك العبادة العظيمة؛ فإذا كانَت هي شرف المؤمن، فإنّ كفَّ الأذى عن الناس عزُّه، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «شرفُ المؤمن صلاتُه بالليل، وعزُّه كفُّ الأذى عن الناس»[22]، بل هو أفضل الشرف، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أفضلُ الشرفِ كفُّ الأذى»[23].


 [1] سورة الأحزاب، الآية 58.
[2] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص239.
[3] أي شرّهما وظلمهما. والعادية مِن عدا يعدو على الشيء، إذا اختلسه.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص55.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص428، الكتاب 53.
[6] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص293.
[7] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص164.
[8] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص387.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص351.
[10] المصدر نفسه، ج2، ص352.
[11] المصدر نفسه، ج2، ص355.
[12] المصدر نفسه، ج2، ص360.
[13] المصدر نفسه، ج2، ص361.
[14] المصدر نفسه، ج2، ص368.
[15] المصدر نفسه، ج7، ص248.
[16] الشيخ الطبرسيّ، تفسير مجمع البيان، ج3، ص324.
[17] سورة القصص، الآية 83.
[18] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص146.
[19] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج7، ص54.
[20] سورة العنكبوت، الآية 45.
[21] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص291.
[22] الشيخ الصدوق، الخصال، ص6.
[23] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص123.

05-10-2023 | 10-36 د | 4443 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net