الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1533 16 ربيع الأول 1444 هـ - الموافق 13 تشرين الأول2022م

لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك في يوم الولادة العظيمة للنبيّ الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله) وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام).

إنّ هذا اليوم يستمدّ عظمته من عظمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتقدير هذا اليوم هو من هذا القبيل؛ فرسول الإسلام أعظم الخلق، والشخصيّة الأولى، وهو أرقى وأرفع من الأنبياء والأولياء كافّة، يقول الشاعر:
فاق النبيّينَ في خَلقٍ وفي خُلُقِ        ولم يُدانوه في علمٍ ولا كَرمِ
وكُلُّهم من رسول الله مُلتَمِسٌ         غَرفاً من البَحرِ أو رَشفاً من الدّيمِ
[1]

إنّ الوجود المقدَّس لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) نور وحياة للمجتمعات الإنسانيّة، وإنّ أعظم ما كان يميّز هذا الوجود هو خُلُقه العظيم، وإنّما كانت بعثته الشريفة لأجل إتمام المكارم الأخلاقيّة وإكمال الفضائل الروحيّة عند الناس، إذ رُوي عنه (صلّى الله عليه وآله): «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»[2]، وقد أُوكِلت إليه هذه المهمّة من قِبل الله تعالى لأجل تحلّيه بهذه المكارم واتّصافه بهذه الفضائل، وإلّا لما أُسندت إليه هذه المهمّة العظيمة والخطيرة؛ ولهذا يخاطبه الله في أوائل البعثة قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[3]؛ أي إنّه (صلّى الله عليه وآله) كان على درجة من الكمال والاستعداد، تجعله قادراً على تلقّي الوحي الإلهيّ، وهذا الأمر يعود إلى ما قبل البعثة.

إذاً، لقد امتازت هذه الشخصيّة العظيمة بالأخلاق الإنسانيّة السامية، وجسّدها في سلوكه وتعامله مع الناس بالرفق واللين والرحمة، مستعيناً بها على تحمّل الآلام والمصاعب والأذى في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.

نستعرض هنا نماذج من هذا الخُلق العظيم في العلاقات الاجتماعيّة والتعامل مع الناس، وذلك حسب ما ورد في الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أعرف الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وشخصيّته وسلوكه الفرديّ والاجتماعيّ.

حسن البشر ولين الجانب
يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فيقول: «كان أجود الناس كفّاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمّة، وألينهم عريكة (أي ألينهم طبيعة)، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة (أي لأوّل مرّة) هابه، ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده»[4].

ورُوي عن الإمام الحسن، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دائم البِشْر، سهل الخُلُق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب (من الصخب وهو شدّة الصوت)، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح»[5].

وكان (صلّى الله عليه وآله) يبادر من لقيه بالسلام والمصافحة، فيسلّم حتّى على الصغير، وكان شديد المداراة للناس حتّى قال (صلّى الله عليه وآله): «أعقل الناس أشدّهم مداراة للناس، وأذلّ الناس من أهان الناس»[6].

وكان (صلّى الله عليه وآله) لا يذمّ أحداً، ولا يعيّر أحداً، ولا يفتّش عن عيوب أحد، بل كان شديد الحياء، وقد ورد أنّه كان حين يريد لوم أحد أو عتابه يعاتبه بكلّ حياء وخجل، فعن أبي سعيد الخدريّ: كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئاً عُرف في وجهه[7].

قضاء الحوائج
وكان من سأله حاجة قضاها له إن قدر على ذلك، وإلّا واجه صاحب الحاجة بكلمة طيّبة أو دعاء أو نصيحة أو توجيه، عن أنس بن مالك: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أدركه أعرابيّ، فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة، حتّى نظرتُ إلى صفحة عنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته، ثمّ قال له: يا محمّد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فضحك وأمر له بعطاء[8].

السؤال عن أصحابه
وكان (صلّى الله عليه وآله) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده[9].

تواضعه
وكان (صلّى الله عليه وآله) لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر الله جلّ اسمه، ولا يتّخذ لنفسه مكاناً خاصّاً في المجلس، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر أصحابه بذلك. وعن أبي ذرّ قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجيئ الغريب، فلا يدري أيّهم هو، حتّى يسأل، فطلبنا إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكّاناً من طين، وكان يجلس عليه، ونجلس بجانبيه[10].

الاهتمام بالمظهر
وكان شديد الاهتمام بمظهره وهندامه، فلم يكن يماثله أحد في نظافة جسمه وملابسه وأناقة مظهره، فقد رُوي أنّه كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينفق على الطيب (العطر) أكثر ممّا ينفق على الطعام»[11].

بل عن الإمام الباقر (عليه السلام): «كان (صلّى الله عليه وآله) لا يمرّ في طريق، فيمرّ فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلّا عرف أنّه قد مرّ فيه لطيب عُرفه (أي رائحته)»[12].

آداب المجلس
وفي سموّ أخلاقه وأدبه مع جلسائه، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم لحظاته (نظراته) بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة، ولم يبسط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجليه بين أصحابه قطّ، وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله يده من يده حتّى يكون هو التارك، فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده»[13]. وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلّا قال: «لبّيك».

هكذا كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع أصحابه وأمّته، لقد كان يتعامل مع جميع الناس بعاطفة أبويّة تتفجّر حبّاً وعطفاً وحناناً ورحمة، بالرغم من مركزه القياديّ في الأمّة ومكانته السامية. وقد كان هذا السلوك النبويّ المحمّديّ الأصيل، وتلك الأخلاق والخصائص النبيلة التي توافرت في شخصيّته العظيمة أحد أهمّ العوامل في انتصار الإسلام وسرعة امتداده وانتشاره ونفوذه إلى عقول وقلوب الناس: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِير﴾[14].

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ الوجود المقدّس للرسول (صلّى الله عليه وآله) هو قمّة عالم الوجود، وأرقى نقطة في عالم الإمكان، بكلّ ما للكلمة من معنى»[15].


[1] شرف الدين البوصيريّ، قصيدة البردة.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص 382.
[3]  سورة القلم، الآية 4.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص231.
[5] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص14.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص52.
[7] المصدر نفسه، ج16، ص230.
[8] المصدر نفسه.
[9] المصدر نفسه، ج16، ص233.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص229.
[11] المصدر نفسه، ج16، ص248.
[12] المصدر نفسه.
[13] المصدر نفسه، ج16، ص260.
[14] سورة الأحزاب، الآية 21.
[15] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 15/11/2019م.

13-10-2022 | 10-09 د | 683 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net