الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1342 - 08 جمادى الآخرة 1440 هـ - الموافق 14 شباط 2019م
المقاومة نهج وشهادة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

المقاومة نهج وشهادة

محاور الخطبة:
- المقاومة أمر فطريّ
- القتال كره وخير
- الأسس الإلهيّة للمقاومة
- إمّا النصر وإمّا الشهادة

مطلع الخطبة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه، وهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى ودِرْعُ الله الْحَصِينَةُ وجُنَّتُه الْوَثِيقَةُ؛ فَمَنْ تَرَكَه رَغْبَةً عَنْه، أَلْبَسَه اللَّه ثَوْبَ الذُّلِّ، وشَمِلَه الْبَلَاءُ، ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَةِ، وضُرِبَ عَلَى قَلْبِه بِالأَسْدَادِ، وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْه بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وسِيمَ الْخَسْفَ ومُنِعَ النَّصَفَ"[1].

المقاومة أمر فطريّ
أيّها الأحبة،
إنّ قيمة الأمور التي نقوم بها، والتي أوجبها الله علينا، إنّما تُعرف بنتائجها التي تنتج عنها، شريطة أن نقرأها بأبعادها كلّها، العاجلة والآجلة، وأن لا نقتصر في نظرنا لها على مصالحنا الشخصيّة والمحدودة، بل أن ننظر إليها نظرة شموليّة، نشمل فيها مصلحة المجتمع عامّة، ونقدّمها فوق مصلحة الفرد.

وكذلك أيضًا، أن ننظر إليها على أساس كرامة الإنسان وحفظ كيانه واحترامه، وهو الذي فضّله الله -تعالى- على باقي مخلوقاته وكرّمه عليهم، حيث قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً[2].

ومن تلك الأمور التي ينبغي أن نقرأها بنتائجها هو الجهاد والمقاومة في سبيل الله -تعالى-.

وإنّ المقاومة، بهدف حفظ كرامة الإنسان وحماية ملكه وأرضه وعرضه، هي نهج إنسانيّ، قد فُطِر عليه بنو آدم، منذ وجود الخليقة في هذا الكون، وقد سار على ذلك الأنبياء والأولياء والمرسلون في طوال التاريخ البشريّ، قال -سبحانه-: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ[3].

ولكي يضمن الله -تعالى- بقاء هذا النهج في نفوس البشر، وألّا تنحرف فطرتهم هذه، فقد أوجب عليهم أن يقاوموا ويجاهدوا، وأعدّ لهم ثواباً وجزاءً حسناً، ورفع درجاتٍ من قاتل واستشهد في سبيل ذلك.

قال الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[4].

وقال أيضاً: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ[5].

وقال كذلك: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[6].
 
القتال كره وخير
القتال في نفسه ليس أمراً محبّباً للنفس البشريّة، حيث إنّ الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة والدِعة، وإلى سهولة العيش وعدم التعرّض لمشاقّ الأمور، فهكذا هو بطبيعته، فإنّه يحمل الكثير من المشاقّ والمخاطر التي قد يتعرّض لها المقاتل والمجاهد، إلّا أنّ ذلك يصبح أمراً سهلاً ومستساغاً، بل محبباً، فيما إذا كان مأموراً به من الله -تعالى-، وإذا كان بهدف الدفاع عن النفس.

قال -سبحانه وتعالى-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[7].

فإذاً، قراءة المقاومة بشيءٍ من التأمّل لا يُبقي شكاًّ ولا ريباً في أنّها أمر ضروريّ؛ ذلك أنّ نتائجها ستكون خيراً وترجع بالنفع على الأمّة جمعاء. وليس بالضرورة أن نتلمس تلك المنافع على المدى القريب، فربّما تكون تأسيساً لمجتمع يملؤه الأمن والسلام بعد حين، وإنّ لنا في مقاومة الصهاينة والتكفيريّين في لبنان وسوريا والعراق وغيرهم خير دليل على ما نقول.
 
الأسس الإلهيّة للمقاومة
نودّ في هذه الخطبة، أن نتّخذ آية واحدة من الآيات القرآنيّة الكريمة، التي تبيّن لنا أسس المقاومة والجهاد، والتي من خلالها ندرك جيّداً أنّ المقاومة في ثقافتنا ليست أمراً ترفيهيّاً أو أمرًا عشوائياًّ يقوم به من يحلو له ذلك ساعة يشاء وكيف يشاء.
قال -تعالى-:﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[8].

1.    وجوب الدفاع والقتال في حال اعتداء العدوّ على المسلمين، وذلك من خلال قوله -تعالى-:  (قَاتِلُوا) فعل أمر دالّ على الوجوب، (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) والمقصود بهم الذين يدفعون المؤمنين عن أداء مناسك الحجّ أو الذين يقاتلونهم ابتداءً.

2.    أن تكون المقاومة والجهاد في سبيل الله: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهو قيد يُبيِّن أنّ هدف المدافع المؤمن من الجهاد والدفاع يجب أن يكون إقامة الدين وإعلاء كلمة التوحيد.

3.    النهي عن البدء بالقتال: الآية تأمر بالقتال مع الذين يقاتلون، وهذا بيان عن النهي عن البدء بالقتال قبل بدئهم به.  كما أنّ عبارة (وَلا تَعْتَدُوا) تعني لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال.

4.    النهي عن قتال غير المحاربين: هذه الآية تأمر المسلمين بقتال المحاربين فقط، والنهي في (وَلا تَعْتَدُوا) بمعنى لا يحقّ لكم الانتقال من قتال المحاربين، إلى قتال غير المحاربين الذين لم تُؤمَروا بقتالهم.

5.    وجوب الالتزام بمقرّرات الجهاد والدفاع وقوانينهما كلّها:
النهي عن الاعتداء شامل، ويضمّ كلّ ما يصدق عليه أنّه اعتداء، كالقتال قبل أن يُدعى إلى الدين الحقّ، والابتداء بالقتال، وقتل النساء والصبيان، وعدم الانتهاء إلى العدوّ، وغير ذلك مما بيّنته السنّة النبويّة. وعليه، فالنهي في عبارة (وَلا تَعْتَدُوا) فيه دلالة على وجوب الالتزام بمقرّرات الجهاد والدفاع وقوانينهما كلّها، حتّى حقوق العدوّ في الحرب.

وبذلك ندرك كيف أنّ الإسلام يضع حدوداً معيّنة لسلوك درب الجهاد والمقاومة، وهو الذي اعتمده المقاومون الأبطال في قتال الصهاينة والتكفيريّين.
 
إمّا النصر وإمّا الشهادة
إنّ أيّ مقاومة لأيّ عدوّ ستكون عرضة إمّا للهزيمة العسكريّة وإمّا للفوز والغلبة العسكريّة، ولكن لن تكون في ميزان الحقّ إلا فائزة، وفوزها هذا هو إمّا بالنصر وإمّا بالشهادة في سبيل الله -تعالى-، فإنّ الشهادة هي بذاتها ربح وفوز، ولا نعدّها إلّا كذلك، وهذا ما أرشدنا إليه ربّ العزّة والجلال، حيث قال -تعالى-: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ[9]، فاعتبر الشهادة في سبيله -تعالى- حسناً لا يقلّ مكانة عن النصر.

ففي النصر إذلال الكافرين والمنافقين، وفي الشهادة الثواب العظيم، وكلاهما عزّة وكرامة ﴿ونَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ، إنّ عاقبة المؤمنين المجاهدين إحدى الحسنيين على سبيل مانعة الخلوّ: إمّا النصر والغلبة، وإمّا الفوز بالشهادة في سبيل الله، وعاقبة المنافقين والكافرين إحدى السوءيين: إمّا العذاب من الله، وإمّا التنكيل بأيدي المؤمنين حين يأذن اللَّه لهم في ذلك[10].

ولنا أن نقول: إنّ الشهادة، كانت وما زالت، محطّ قلوب الوالهين والعاشقين، وإنّ المؤمن حقّ الإيمان، ينظر إليها على أنّها عمل ذو شأن رفيع عند الله -سبحانه-، فيعظّم بذلك الذين سبقوه ممّن قضى نحبه، ويخطو خطواتهم، ويسلك سبيلهم، كي ينال ما نالوا من رضا الباري -سبحانه وتعالى-، ويكون من الفائزين.

والحمد لله ربّ العالمين


[2] سورة الإسراء، الآية70.
[3]  سورة آل عمران، الآية146.
[4]  سورة التوبة، الآية88.
[5] سورة آل عمران، الآية142.
[6]  سورة العنكبوت، الآية69.
[7] سورة البقرة، الآية216.
[8]  سورة البقرة، الآية190.
[9] سورة التوبة، الآية52.
[10] في ظلال نهج البلاغة، الشيخ محمد جواد مغنية، ج4، ص130.

14-02-2019 | 12-51 د | 1237 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net