الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1284 - 16 ربيع الثاني 1439هـ - الموافق 04 كانون الثاني 2018م
عشق العبادة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف: التّعرّف على مفهوم العبادة وآثارها الفرديّة والاجتماعيّة

مطلع الخطبة
نتناول في هذه الخطبة قضيّة عبادة الله تعالى، ودورها في تربية الإنسان وبنائه، فما هو مفهوم العبادة، وهل تقتصر على الفرائض والنّوافل في الإسلام، وما هي آثارها الفرديّة والاجتماعيّة؟

تصدير: عن رسول الله محمّد (ص): "أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يُبالي على ما أصبح من الدّنيا على عسرٍ أم على يسرٍ".

مقدّمة
العبادة في اللّغة الطّاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلّلًا بكثرة الوطءِ. فالعبادة لغةً بمعنى التّمهيد والتّذليل. ويقال عبّدت فلانًا أي ذلَّلته واتّخذته عبدًا، قال تعالى: (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ). وقال الزّمخشري: العبادة: "أقصى غاية الخضوع والتّذلّل، ولذلك لم تُستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النّعم فكان حقيقًا بأقصى غاية الخضوع".

مفهوم العبادة في الإسلام
العبادة في الحقيقة إسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة. وتُطلق على كلّ ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوالٍ وأفعالٍ وأحاسيس إستجابةً لأمر الله تعالى، وتطابقًا مع إرادته ومشيئته.

وهي تتضمّن غاية الذّلّ لله تعالى مع المحبّة له. وهذا المدلول الشّامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرّسل عليهم السّلام جميعًا، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التّاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحي‏ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون}.

ولا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر الّتي يُعبَد بها الله عزّ وجلّ. فالصّلاة، والصّدقة، والجهاد، والتّفكّر في خلق الله، ومساعدة الضّعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين النّاس، ورفض الظّلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الرّبا والاحتكار وغيرها؛ كلّ تلك الأعمال هي عبادة ما دام الدّاعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى. وقد ورد العديد من الرّوايات في هذا المجال، منها ما هو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله :"العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال". وجاء عن الإمام الباقر عليه السّلام: "أفضل العبادة عفّة البطن والفرج".

ولقد أخذت العبادة معنى أضيق في الفقه الإسلامي، وهي تعني في مفهومه أي بالمصطلح الخاصّ، مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصّلاة والصّوم والحجّ والزّكاة والخمس... وغيرها من الأحكام والتّكاليف الشرعيّة. فالعبادة من النّاحية الشرعيّة تعني امتثال أمرِ الله كما أمَر، والانتهاء عمّا نهى عنه شرعًا.

العبادة في القرآن والسنة
دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى العبادة السّليمة، ونهى عن العبادة المنحرفة، وذكر أن غاية الخلق هي العبادة، وذكر بعض آثارها على الإنسان، وهنا نورد بعض هذه الآيات : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ففي هذه الآية الكريمة نجد دعوة للنّاس إلى عبادة اللَّه تعالى الّذي خلق جميع النّاس.

وفي آية أخرى نجد نهيًا عن عبادة الشّيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ .

وكذلك نجد أمرًا بالإخلاص في العبادة في الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ.

ونرى في آيةٍ أخرى دعوةً للمؤمنين لإعلان الثّبات على عبادة اللَّه وترك عبادة ما سواه : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.

كما حدّدت النّصوص الشّريفة مفهوم العبادة تحديدًا شاملًا، وذكرت الغاية منها، وحدّدت أنواع العابدين، ومن هو العابد حقًّا، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارَفة بين النّاس. ومنها ما ورد عن رسول الله محمّد (ص): "أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ".

وسُئل الإمام الرّضا عليه السّلام عن علّة العبادة فقال: "... لئلّا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تُركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم".

وعن الإمام الصّادق عليه السّلام: "ليس العبادة هي السّجود ولا الرّكوع، إنّما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده".

وعن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: "في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى".

وجاء عن الإمام الصّادق عليه السّلام: "أفضل العبادة العلم بالله، والتّواضع له".

وجاء عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام :"ليس العبادة كثرة الصّيام والصّلاة، وإنما العبادة كثرة التّفكّر في أمر الله".

أهميّة العبادة في حياة الإنسان
يولي الذّكر الحكيم العبادة أهميةً بالغةً كما ذكرنا، وهي من الموضوعات التي تطرّق إليها كثيرًا، وحثَّ عليها في أكثر من سورة وآية، وخصَّها بالله سبحانه فقال: {وقَضى ربُّكَ ألاّ تَعبُدوا إلاّ إيّاهُ }، فنهى عن عبادة غيره من الأنداد المزعومة والطّواغيت والشّياطين. وتكمُن أهمية العبادة في كونها طريق الوصول إلى الله سبحانه، فهي غاية خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

فالعبادة في الإسلام منهج متكامل المراحل والفصول، وطريق واضح المعالم. وغرضه تحقيق الكمال البشريّ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، وتنقية الوجود الإنساني من الشّوائب والانحرافات، تمهيدًا للفوز بقرب الله وتأسيسًا لتحقيق رضوانه.
فقد جعل الإسلام الصّلاة تنزيهًا للإنسان من الكبرياء والتّعالي، وغرسًا لفضيلة التّواضع والحبّ للآخرين... ولقاءً مع الله للاستغفار والاستقالة من الذّنوب والآثام، وشحذًا لهمّة النّفس وقيادتها في طريق التّسامي والصّعود، والصّوم ترويضًا للجسد، وتقوية للإرادة من أجل رفض الخضوع للشّهوات، والسّقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسّية .

كما جعل الدّعاء تنميةً لقوّة الإحساس الرّوحي، وتوثيقًا للصّلة الدّائمة بالله والارتباط به والاعتماد عليه، ليحصل الاستغناء الذّاتي بالله عمّن سواه، فيلجأ إليه المؤمن في محنه وشدائده... وعند إساءته ومعصيته... وهو واثق أنه يُقبِل على ربٍّ رؤوفٍ رحيم، يمدّه بالعون ويقبل منه التّوبة، فتطمئنّ نفسه، وتزداد ثقته بقدرته على مواصلة حياة الصّلاح، وتجاوز المحن والشّدائد.

ولكلّ فعلٍ عبادي أثرٌ إصلاحي على صحّة الجسم وعلى النّفس والأخلاق والعلاقة بالله ؛ فالطّهارة، والصّوم، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والجهاد.. كلّها عبادات ذات مردود إصلاحيّ على الفرد جسدًا وروحًا فضلًا عن أثرها التّكاملي في نظام المجتمع.

قال تعالى: ﴿وابتغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبَكَ منَ الدّنيا، وأحسنْ كما أحسنَ اللَّهُ إليكَ، ولا تبغِ الفسادَ في الأرضِ، إنّ اللَّهَ لا يحبُّ المفسدينَ.

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ...

آثار العبادة على الصّعيد الفردي:
بما أن دين الإسلام هو دين شامل يراعي جميع أبعاد الوجود البشري، فإنّ للعبادة في الإسلام آثارها وفوائدها على الصّعيدَين الفردي والاجتماعي:

1- على الصّعيد الفردي:
تؤثّر العبادات مجتمعة على بناء الشّخصية الإنسانيّة، والارتقاء بها إلى المستوى التّكاملي، وتخليصها من كلّ المعوّقات الّتي تمنع رُقيّها، وتكاملها من الأنانيّة والحقد والرّياء والنّفاق والجشع وغيرها. فالعبادة تعمل على تطهير الذّات الإنسانيّة من كلّ تلك المعوّقات وتساهم بإنقاذها من مختلف الأمراض النّفسيّة والأخلاقيّة. وتُسهم في أن يكون المحتوى الدّاخلي للفرد مطابقًا للمظهر والسّلوك الخارجي، وفي تحقيق انسجامٍ كاملٍ بين الشّخصيّة وبين القيم والمبادىء السّامية. كما تعمل على غرس حب الكمال والتسامي الذي يدفع الإنسان إلى التّعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقّق في الكمالات الإلهيّة. لأنّ العبادة ممارسة إنسانيّة جادّة لإلغاء الأنانيّة إلغاءً تامًّا من وجود الإنسان من أجل التّحرّر من قيودها، والخروج من سجنها الضيّق الّذي يشدّ الإنسان إليه ويستعبده. وكذلك فالعبادة تقوّي إرادة النّفس؛ فمثلًا إنّ التنازل عن النّوم اللّذيذ في ليل الشّتاء البارد والانصراف إلى عبادة الحق المتعالي، وكذلك الصّوم في اليوم الحارّ الطّويل، يزيدان من قوّة الرّوح فتتغلّب على قوى الجسم وتُسيطر على الشّهوات وتُصبح هذه القوى تحت إمرة الرّوح وتوجيهها.

ويُمكن أن نُحصي لعبادة الله سبحانه آثارًا عديدة أخرى على الإنسان، نذكر منها:
1- غنى القلب: عن الإمام الصّادق (ع) قال: "في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنًى ولا أكِلُكَ إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفًا منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلًا بالدّنيا ثم لا أسدّ فاقتك وأكِلُكَ إلى طلبك".
2- التّنعّم في الآخرة: عن الإمام الصّادق (ع) قال: "قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصِّدِّيقين تنعّموا بعبادتي في الدُّنيا فإنّكم تتنعَّمُون بها في الآخرة".
3- يُباهي الله به الملائكة: عن الرّسول الأكرم(ص) أنّه قال: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي" .
4- ينصره الله على الشّيطان: عن الإمام الصّادق عن آبائه عليهم السّلام قال: "قال رسول الله (ص) لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشّيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصّوم يسوّد وجهه، والصّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصّالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي‏ء زكاة وزكاة الأبدان الصّيام". فالملاحظ أنّ لكلّ عبادة أثرًا خاصًّا يضرّ بإبليس اللّعين الّذي يتربّص بالبشر الدّوائر، ما يُعين المؤمن أكثر على المحافظة على دينه وتقواه وطاعة مولاه.
5- يُثيبه الله تعالى الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السّلام قال": ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صَدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله".

آثار العبادة على الصّعيد الاجتماعي:
راعى الإسلام في كلّ عباداته أن تكون العبادة ذات أثرٍ تكامليٍّ على الذّات، ومردودٍ عملي على المجتمع بهدف إصلاحه وتحسين أوضاعه. فالصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكرَ). والصّوم يُشعر الإنسان بالوحدة والمساواة ومشاركة ذوي الحاجة والفقر بإحساسهم عند معاناة ألم العطش والجوع.. والحجّ مؤتمرٌ للوحدة والتّفاهم والتّعارف والإصلاح... إلخ. والكفّارات والنّذور والصّدقات والزّكاة والخمس، عبادات لإشباع الحاجات الماديّة عند الفقراء، وتحقيق التّوازن الاقتصادي في المجتمع..

وللعبادة آثار اجتماعيّة وأخلاقيّة مهمّة تنعكس على حياة المجتمع البشري، وتؤثّر على علاقاته الإنسانيّة المختلفة، منها:
- العبادة والشّعور بالعبوديّة لله وحده يُنقذ الإنسان من الخضوع لإرادة الطّغاة والمستبدّين.
- الشّعور بالعبادة يحرّر الإنسان من الشّهوات ومن سيطرة حبّ المال وجمعه وتكديسه، وتسخير الآخرين وظلمهم واستغلالهم من أجل هذا المعبود الزّائل.
- الشّعور بالعبوديّة لله يحرّر النّاس، من الصّراعات والمآسي الّتي يعيشونها من أجل الاستعلاء والتّحكّم والمكاسب المختلفة.
- الشّعور بالعبوديّة لله يُشعر الإنسان بالمساواة والعدل بين النّاس.. لأنّهم جميعًا متساوون في صفة العبوديّة لله الواحد الأحد. لذا فإنّ المجتمع الّذي تسود فيه العبادة والعبودية لله لا يجد النّاس فيه غاية في الحياة غير الله، ولا يملأ آفاق نفوسهم شيء غير العبوديّة لله.
  

03-01-2018 | 12-51 د | 1772 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net