الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1253 - 06 شهر رمضان 1438 هـ - الموافق 01 حزيران 2017 م
شهر البناء والإصلاح

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تصدير:
  "اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين"[1]
 
الأهداف:
 بيان ما للصوم في شهر رمضان من آثار وبركات في تصويب منظومة علاقات الإنسان وبناء إنسانيته.
 
المحاور:
· شهر صناعة الإنسانية:
1- إصلاح الجسد
2- إصلاح وترميم العلاقات الانسانية.
3- إصلاح العلاقة بالدين.
· آثار الصوم في الإصلاح.
· خاتمة التربية على أمهات المعارف.
 
مقدمة: شهر صناعة الإنسانية
إن المتأمل في الصيام وآثاره وبركته يرى ما لهذه العبادة من آثار وبركات، ويعرف أن الصوم من أهم وسائل تهذيب النفس وتربيتها وتزكيتها؛ وكما أن للصوم في خصوص شهر رمضان خصائص أخرى لها بهذا البعد وهو بعد تربية وتهذيب وتزكية النفس من الجهة الروحية والمعنوية آثار وبركات، لكن ثمة أبعاداً أخرى لها علاقة بصناعة الإنسان بكل أبعاده القلبية والقالبية فالناظر بعين المتدبر في خطبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يجد ذلك العون الإلهي والمدد الرحماني لمعاونة الإنسان على صنع إنسانيته تحت عين الله، ولعله من الملفت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربما أودع هذا المعنى في مفتتح خطبته بقوله (صلى الله عليه وآله): "... إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة"[2]

فنسبة الشهر إلى الله مع كون كل الشهور شهور الله، هذه النسبة تعني الخصوصية عن غيره، ولعل ذلك لما أتاحه الله من خلال شهره المبارك من مساعدات، وليس أولها أن جعل أفضل خلقه (صلى الله عليه وآله) دالاً على تلك البركات والخيرات، وحاثاً قولاً وعملاً على اغتنامه وقد أوضح (صلى الله عليه وآله) أن المساعدات الإلهية كثيرة ليس أعظمها قبول الأعمال بل يضاف إلى ذلك غل الشياطين ومضاعفة آثار بركات الطاعات والعبادات وحتى أعمال البر من صدقة وتحنن على الأيتام وغير ذلك؛ فخطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) لم تتعرض فقط للعبادة بمعناها الأخص بل أيضاً تعرضت لبعض تفاصيل ما له مساس بمنظومة العلاقات الإنسانية؛ وبكلمة مختصرة يمكن القول إن شهر رمضان هو شهر إعادة النظر في تفاصيل منظومة علاقة الإنسان، ابتداء من علاقته بربه، إلى علاقته بنفسه، إلى علاقته بدينه، إلى علاقته ببني جنسه، إلى علاقته بعقيدته، وعلاقته بدنياه وآخرته، فشهر رمضان هو شهر إعادة الروح إلى القيم والعقائد والمبادئ والسلوكيات، ويصلح أن نقول إن شهر رمضان يمكن أن يكون فرصة لترميم ما هدمته يد الإنسان من بنيان إنسانيته بعون الله وفي دار كرامته وعلى مأدبة ضيافته: "هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله".[3]
 
آثار الصوم في الإصلاح:
علّمنا أئمة الهدى أن نقول في تعقيب الصلوات اليومية هذه العبارة: "اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين".[4]

وهذا يلفت إلى كون أجواء الشهر الشريف مناسبة وملائمة لإصلاح الفاسد من الأمور إضافة إلى ضرورة جعل هذا الأمر من جملة أهم أهداف أعمالنا فيه.

ولنا أن نلاحظ الأمور التالية التي يؤديها الصوم ليساعد في إصلاح النفس وتصحيح مسارها وتصويب العلائق والسلوك وقد أرشدتنا الروايات الواردة عن معدن العلم وأهل بيت الوحي إليها فمن ذلك:

1- إصلاح الجسد:
عن زرارة عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: "لكل شيء زكاة وزكاة الأجساد الصوم".[5]

فربما يكون الإنسان في غير شهر رمضان مهملاً لجسده لا يبالي ما يدخل إليه من طعام وشراب وذلك تحت تأثير الرغبة والإشتهاء للّذيذ منهما فيأتي الصيام ليتيح للإنسان فرصة التحكم بهذه الغريزة وليقلع عن العادات الغذائية المضرة ولينظم عملية تناوله للذائذ، ومن جهة أخرى فإن الصيام يجعل الإنسان قادراً على إمساك زمام شهوة البطن وغيرها حتى لا تكون أسيرة بتناول المحرمات منها، فاقتصار الإنسان على ما خلص من المحرمات يتيح تنظيف الجسد من تلوثه بآثار وتناول المغصوب والمنكرات.

2- إصلاح وترميم العلاقات الإنسانية:
والمقصود إعادة الروح إلى المشاعر الإنسانية وإيقاظ تلك الروح الإنسانية فالصيام يعمل على مساعدة الفرد والجماعة على أن تتجرد من أنانيتها وتوسع دائرة همومها واهتماماتها لتشمل المجتمع بل الإنسانية، ولذا جاء الأمر النبوي:  "وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم..."[6]،  "من أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه"[7].

فضلاً عن الحث على صلة الرحم وتوقير الكبار ورحمة الصغار لكن ذلك ليس على أساس بيان الثواب والأجر فقط والحث عليهما وإنما من أجل إيجاد الأساسات العميقة لهذه الأبعاد الإنسانية وهي المشاعر، فالصوم كما بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وسيلة يشعر معها الإنسان بآلام ذوي الحاجة والفقر والمسكنة من خلال مكابدة جزء يسير مما يكابده هؤلاء من معاناة فقرهم ومسكنتهم لعل ذلك يزيل عن قلوب المترفين القساوة التي أوجدها الغنى والترف ومما يشير إلى ذلك:

عن حمزة بن محمد أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام): لمَ فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب: "ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير".[8]

وفي رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: ".. وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم".[9]

وكذلك حتى لا يستبد بالإنسان غناه فيتيه به خارج نطاق إنسانيته، فشهر رمضان يأتي ليحطم الفوارق بين الطبقات من جهة الشعور بالجوع والعطش ولكن ذلك يتوقف على استفادة العبد من هذا الشعور الذي أوجد الله له طريقاً إلى قلبه ليتواضع ويرحم ولا يتيه بغناه وعلو شأنه وعن ذلك نقرأ رواية عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن علة الصيام؟ فقال: " إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع".[10]
 
إصلاح العلاقة بالدين:
وذلك من جهتين، الجهة الأولى، التدريب على الطاعة، فإن طاعة الإنسان للأمر الإلهي بالصوم المؤدي لمكابدة آلام الجوع والعطش عنصر مساعد على تقوية الإرادة والعزم على الإستقامة على الشريعة وأداء التكاليف مهما كلفت فيأتي الصوم كوسيلة عملية يتدرب من خلالها العبد على أداء التكاليف الشرعية ولو رافقها ما يرافقها من مشاق ومتاعب وهذا ما جاء في رواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا (عليه السلام) التي فيها: "ويكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورايضاً لهم على أداء ما كلفهم...".[11]

فشهر رمضان وصومه دورة تدريبية على التزام الحكم الشرعي وعدم التعدي عن حدود الله.

وأما الجهة الثانية فهي تصويب العلاقة بالمعتقدات ذات الأبعاد الغيبية وتحويلها من مجرد أمور عقلية إلى أمور شعورية فمنها استشعار القرب الإلهي حيث ورد في جملة آيات الصوم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.[12]

وهذا إلفات إلى دور الدعاء في شهر رمضان وفي حالة الصيام ومنها التربية الشعورية على الإيمان بالآخرة وعيش بعض حالاتها وهو الجوع والعطش وهذا ما حث عليه (صلى الله عليه وآله) في قوله :" واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".[13]

وفي رواية محمد بن سنان عن الإمام الرضا(عليه السلام) فيما كتب إليه من جواب مسائله على الصوم: "علة الصوم... فيكون ذلك دليلاً على شدائد الآخرة".[14]

وكذلك فيما رواه عنه الفضل بن شاذان :" إنما أمروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة...".[15].
 
خاتمة: التربية على أمهات المعارف:
لئن كان ما روي أن "من عرف نفسه فقد عرف ربه"[16] فإن الصوم في شهر رمضان خصوصاً يقدم هاتين المعرفتين المتلازمتين، هاتان المعرفتان اللتان بهما حياة الإنسان واستقامته فأما معرفة النفس فالجوع والعطش يضع الإنسان أمام حقيقة فقره ويشعره بالذل والمسكنة كما في الرواية الآنفة: " وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً..".[17] ولعل ذلك ليصوّب عمله وعبادته فينطلق بهما من ذل عبوديته إلى عز ربوبية الله تعالى.

وأيضاً لأن الصوم يوجب ذوبان الحجب التي تغلف القلوب، وهو بهذا يجلو عن البصيرة ما كان يعميها عن رؤية الله بجلاله وجماله وهذا ما ألفتت إليه الرواية التالية التي نختم بها: "أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسادكم فلعل قلوبكم ترى الله...".[18]


 مستدرك الوسائل - ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج 7 ص 447 [1]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 313 [2]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 313[3]
 مستدرك الوسائل - ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج 7 ص 447.[4]
 الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 ص 63 [5]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 313 [6]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 314 [7]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 8 [8]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 9 [9]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 7 [10]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 9 [11]
 سورة البقرة، الآية: 186.[12]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 313 [13]
 علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 2 ص 378 [14]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 9 [15]
 بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 ص 32 [16]
 وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 10 ص 9 [17]
 المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء - الفيض الكاشاني - ج 5 ص 148 [18]

01-06-2017 | 16-32 د | 2001 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net