الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1153- 12رمضان1436هـ - 29حزيران 2015م
علي عليه السلام بين عبودية الخالق وإمامة المخلوق

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف:
بيان فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وصفاته في عبوديته لله عز وجل وإمامته على الخلائق.

محاور الموضوع:
- مقدمة
- ميزان العبودية وميزان الإمامة الإلهية
- علي عليه السلام وعبودية الخالق
- علي عليه السلام وإمامة المخلوق
- خاتمة

تصدير:
عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: دعا رسول الله (ص) بطهور فلما فرغ أخذ بيد علي فألزمها يده ثم قال: "إنما أنت منذر"، ثم ضم يده إلى صدره وقال: "ولكل قوم هاد"، ثم قال يا علي أنت أصل الدين ومنار الإيمان وغاية الهدى وقائد الغر المحجلين أشهد لك بذلك)1.

مقدمة:
المتأمل في آيات القرآن الكريم والنصوص الشريفة سيكتشف الملازمة والعلاقة الوثيقة بين عبودية الإنسان لخالقه وبين صيرورته مؤهلاً للخلافة الإلهية. فبقدر خضوع الإنسان لربه وتوغله في حقيقة العبودية، بقدر ما ينال من كرامة وعز الولاية بحيث يصبح مظهراً لخلافة الله في الأرض.

يقول تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة)2، وهذا الخطاب الربوبي كان في سياق خلقه تعالى لولي من أوليائه وهو آدم عليه السلام، وآدم عليه السلام إنما كان مؤهلاً للخلافة بسبب كونه عبداً لله وإنساناً كاملاً بحيث يقول القرآن في حقه: (وعلم آدم الأسماء كلها)3، ويقول أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)4.
 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يبين فيها حقيقة العبودية يقول: (العبودية جوهرة كنهها الربوبية)5، والمقصود من الربوبية في الرواية مقام الخلافة والولاية الإلهية.

ميزان العبودية وميزان الإمامة الإلهية:
أما فيما يتعلق بميزان العبودية، فعن الإمام الصادق عليه السلام - لما سئل عن حقيقة العبودية –قال: (ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله إليه ملكا، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا، وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه)6.

وأما فيما يتعلق بالإمامة الإلهية فميزانها يختلف عن ميزان الملك عند الناس والحاكمية الدنيوية، فميزان الإمامة الإلهية ليس امتلاك العبد للمال أو الجاه أو المقام الدنيوي، ولا هو اجتيازه لبعض الاختبارات الخاضعة لمعايير أهل الدنيا. بل هو درجة عبودية الإنسان لربه وخالقه ونجاحه في امتحان العبودية، كما حصل مع إبراهيم الخليل عليه السلام الذي امتثل لأمر الله عز وجل فيما يتعلق بذبح إسماعيل عليه السلام.

 وسر ذلك أن الذي يكون مستسلماً بكله لله عز وجل وينجح في اختبار العبودية يكون متصفاً بالصفات التي تجعله موضعاً للاختيار والاصطفاء الإلهيين. يقول تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)7. فعن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما، فلما جمع له الأشياء (قال إني جاعلك للناس إماما) قال: فمن عظمها في عين إبراهيم (قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين) قال: لا يكون السفيه إمام التقى)8.

علي عليه السلام وعبودية الخالق:
إن الذي يتابع حياة أمير المؤمنين عليه السلام من لحظة ولادته إلى حين شهادته سيجدها معجونة ومصبوغة بالصبغة الإلهية والتوحيدية، فشخصية كعلي عليه السلام  التي كانت ولادتها في جوف كعبة التوحيد، وشهادتها في محراب العبادة كيف يمكن ان تكون علاقتها بالله عز وجل؟ وما هي خصائصها وسماتها؟

 إن توصيف علاقة أمير المؤمنين عليه السلام بالله عز وجل وشدة توغله في العبودية، والكلام عن فضله ومقامه وإمامته لهو فوق قدرة الناس على الإدراك والشرح والإحاطة، فهو الذي قال في حقه النبي (ص): (لو أنّ الأرض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ عليه السلام)9، ولكن مع ذلك نذكر بعضاً مما ذكرته كتب السير والأخبار عنه عليه السلام والذي يعتبر قطرة في بحره:

1- إيمانه ويقينه: فهو القائل عن نفسه: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)10. وهو القائل أيضاً: (ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه)11، وهو الذي قال في حقه الصادق المصدق النبي (ص): (يا علي! ما عرف الله إلاّ أنا وأنت، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرفك إلاّ الله وأنا)12. وقال أيضاً: (علي ممسوس في ذات الله)13.
 
2- عبادته: فقد كان عليه السلام أعبد الناس، وأكثرهم صلاةً وصوماً، وكان يصلَّي في كلّ ليلة ألف ركعة، ومنه تَعلَّم الناسُ النافلة والأوراد. وكان يحفظ القرآن ولا حافظ هناك غيره. وما ظنّكم برجل يبلغ من محافظته على ورده أنّه يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلَّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وعن جانبيه فلا يرتاع لذلك. وبلغ في العبادة إلى حيث يؤخذ النُّشاب من جسده عند الصلاة. وكان زين العابدين عليه السلام يصلَّي في الليل ألف ركعة، ثمّ يلقي صحيفته ويقول: «أنّى لي بعبادة عليّ» وهو الذي كان يقول: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك»14.
 
3- طاعته: وهو القائل: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى)15.
 
4- تحليه بالأخلاق والأوصاف الإلهية: فقد قال رسول الله (ص) في حقه: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب)16.

علي عليه السلام وإمامة المخلوق:
لقد اختار الله عز وجل علياً عليه السلام ليكون ولياً وإماماً على الخلق بعد رسول الله (ص)، والنصوص الصحيحة بل والقطعية الصدور عند الفريقين شاهدة على ذلك، ويكفي في ذلك حديث الغدير الذي نقلته كتب الأخبار عند السنة والشيعة، وهذا الحديث متواتر ومعانيه ظاهرة وواضحة لا ريب فيها.

وفي الحديث عن إمامته عليه السلام يكفي أن نذكر ما برز منه في الفترة الزمنية القصيرة التي بايعه الناس فيها، ويكفي أن نتكلم في ضمن هذه الفترة القصيرة عن عدالته ليتبين معنا انه عليه السلام كان معجزة الإله بين الناس.

فقد كان عليه السلام يجسّد العدالة ببعديها الفرديّ والاجتماعيّ؛ فالعدالة الفرديّة قد تمثلت بأعلى درجاتها في شخصيته، وهو ما يعبّر عنه بالتقوى. وكان عليه السلام يجسّدها في عمله السياسيّ والعسكريّ وفي توزيعه لأموال بيت المال، وفي قضائه وفي جميع شؤونه؛ فالعدالة الفرديّة والذاتيّة للمرء تمثّل في واقع الأمر سنداً للعدالة الاجتماعيّة وصاحبة التأثير الأساسي في العدالة على صعيد الحياة الاجتماعيّة. فمنطق أمير المؤمنين عليه السلام في الحكومة والولاية على الناس انها ليست عبارة عن ممارسة للسلطة فقط، بل هي نفوذ في القلوب واستقرار في العقول، فمن كان في هذا الموقع أو وضع نفسه فيه عليه بادئ ذي بدء أن ينهمك دوماً بتهذيب نفسه وإرشادها ومحاسبتها ووعظها17.

ويكفي شاهدا على ذلك ما جرى مع عقيل حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (والله، لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان، من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرر علي القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذى ولا أئن من لظى)18.

إن حياة أمير المؤمنين عليه السلام زاخرة بالنماذج التي تبرز الارتباط الوثيق بين العبودية لله والولاية على الخلق، وقد ذكرنا لها شاهدا واحداً هنا وهو الارتباط بين العدالة االفردية وما يترشح منها على صعيد العدالة الاجتماعية.

أما شؤونه عليه السلام الأخرى فيما يتعلق بإدارة أمور الخلق والعباد فيكفي أن نقرأ حولها عهده إلى مالك الأشتر (رض) حينما أرسله إلى أهل مصر، فهذا العهد يعتبر بحق أحد أعاجيب أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إنه يحتوي على وصايا تستحق أن تخضع للدراسة والتأمل من قبل الاختصاصيين في علم الاجتماع والقانون والسياسة لما فيها من درر لم تتوصل البشرية إلى بعضها إلا بعد قرون طويلة، ويكفي للعاقل التأمل في قوله: (ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم)19.

خاتمة:
لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام النموذج الأرقى والمثال الأكمل بعد النبي الخاتم (ص) لمن أراد أن يسير على هديه في عبوديته وإدارته لشؤون الخلق والعباد. فهو عليه السلام سراج لا يخبو توقده، وبحر لا يدرك قعره ومنهاج لا يُضل نهجه، جعله الله نوراً لمن سلك سبيله وهدىً لمن ائتم به.


1- بصائر الدرجات، الصفّار، ص 50.
2- البقرة 30.
3- البقرة 31.
4- آل عمران 33.
5- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة المنسوب للإمام الصادق (ع)، ص 7.
6- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 1797
7- البقرة 124
8- تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 121
9- المناقب للخوارزمي: 328 ح 341، وأُنظر ينابيع المودّة 2: 254، ومائة منقبة: 162 ح 99، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن سليمان 1: 557 ح 496 وفرائد السمطين 1: 16 وميزان الاعتدال 3: 466، ولسان الميزان 5: 62
10- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 317.
11- مسند الإمام علي (ع)، السيد حسن القبانجي، ج 1، ص 150.
12- المحتضر، حسن بن سليمان الحلي، ص 78.
13- حلية الأولياء 1 / 68.
14- راجع: كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج 1، ص 119- بتصرف يسير.
15- نهج البلاغة، ج 2، ص 218.
16- نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 236.
17- راجع: كلمة الإمام الخامنئي، في تاريخ: 21/ رمضان/ 1422ﻫ.ق – بتصرف.
18- نهج البلاغة، ج 2، ص 217.
19- نهج البلاغة، ج 3، ص 84.

06-07-2015 | 16-15 د | 3299 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net