السيد باقر بن ابراهيم بن محمد الحسني البغدادي كان فاضلا أديباً مشاركاً وكان ناثراً شاعراً، قدم النجف لطلب العلم وبقي بها مدة مدح علماءها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. وروى له جملة من الشعر. وذكره صاحب (الروض النضير) فقال: كان من أهل العلم والأدب والفضل والتقوى، وكانت وفاته حدود 1240 وله شعر في أنواع شتى.
أما الصحيح في تاريخ وفاته فهو ما ذكره ولد الشاعر السيد حسن من أنه توفى سنة 1218 والناس أعرف بآبائهم من غيرهم. وترجم له البحاثة الخاقاني في (شعراء الغري) وذكر جملة من مراسلاته ومدائحه لعلماء عصره.
أقول ديوان المرحوم العلامة السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني الشهير بالعطار مخطوط بخط ولده السيد حسن المعروف بالأصم وقال في أوله:
ولد الوالد صاحب هذا الديوان السيد باقر يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث أو رابع شهر رمضان المبارك سنة 1177 وتوفي في يوم الخامس عشر من صفر سنة 1218.
وجاء في مقدمة الديوان: وبعد فيقول الفقير إلى الله الغني حسن بن باقر ابن ابراهيم الحسني، أني جامع في هذه الأوراق ما رق من شعر الوالد المرحوم وراق، ليضوع ولا يضيع وينشر طيب رياه ويشيع، وأرجو من الله التوفيق فهو حسبي ونعم الرفيق.
فمن شعره يستنهض الإمام المهدي عليه السلام
طـلاب الـمعالي بالرقاق البواتر | ونـيل الأمـاني بالعتاق الضوامر |
وبـالسابغيات الـمضاعف نسجها | وبـالسمهريات الـلدان الـشواجر |
تـلوى بـأيدى الـشوس ليناً كأنها | صـلال الأفـاعي منخلال المغافر |
وبـالغارة الـشعواء في ليل عثير | تـرى القوم فيها دارعاً مثل حاسر |
وبـالعزمة الـغراء لـمع وميضها | تـبسم عـن ماض الغرارين باتر |
وبـالفتحة الـعضباء عن حد نجدة | تـجد بـها الأعـناق دون المناخر |
ورب جـهول قـد تـعرض للعلى | ولـم يحض منها بالخيال المزاور |
فـقلت لـه خـفض عـليك فإنها | مـطامح لـم تـدرك سناء لناظر |
فـما كـل من جاب القفار بجائب | ومـا كل من خاض الغمار بظافر |
ولا كـل خـفاق الـبروق بماطر | ولا كـل زهر في الرياض بعاطر |
ولـم يـبلغ الـعلياء إلا أخو نهى | تـوطأ هـامات الـرجال البحاتر |
ولـيس يـليق الـتاج إلا لأصـيد | تـلفع فـي بـردي عـلا ومفاخر |
ولا يـرتقي الأعـواد أعواد منبر | سـوى صـادح بـالحق ناه وآمر |
وتـلك العلى وقف على كل ما جد | تـربى ولـيداً في حجور المفاخر |
فـطوبى لنفس تشهد الملك في يدي | مـليك وسـيف الله في كف شاهر |
وتـبصر مـولى الـمؤمنين مؤيداً | بـجند مـن الـرحمن للدين ناصر |
وتنظره في الدست من حول صحبه | كـبدر سـماء فـي نجوم زواهر |
يـقـيم قـناة الـدين بـعد الـتوائها | بـاسـمر خـطـائر وأبـيض بـاتر |
ويـملك تـصريف الـمقادير كـيفما | يـشاء ويـجري حـكمه فـي المقادر |
يـشـمر أذيــال الـخلافة سـاحباً | عـلى هـامة الـجوزاء ذيل التفاخر |
فـقـل بـفتى جـبريل خـادم جـده | وخـادمـه والـخضر خـير مـوازر |
هـو الـخلف المنصور والحجة التي | بـها يـهتدي مـن ضل سبل البصائر |
حـسام إذا مـا اهـتز يـوم كـريهة | تـدين لـه طـوعاً رقـاب الـجبابر |
إمــام إلـيه الـدهر فـوض أمـره | بـأمـر إلــه خـصـه بـالأوامر |
هـمام إذا مـا جـال في حومة الوغى | فـلم تـلق إلا ضـامراً فـوق ضامر |
جــواد إذا مـا انـهل وابـل كـفه | بـه غـني الـعافون عـن كل ماطر |
وجـوهـو قـدس لا يـقاس بـمثله | وشـتان مـا بـين الحصى والجواهر |
لـه الـمعجزات الـغر يبهرن للحجى | فـاكرم بـها مـن مـعجزات بواهر |
مـكـارم فـضل لا تـحد لـواصف | وآيــات صـدق لا تـعد لـحاصر |
من البيض يحمى البيض بالبيض والقنا | ويـرمي الـعدا قـسراً بإحدى الفواقر |
إذا انـقض فـي قلب الخميس | تنافرت جـمـوعهم مـثـل الـنعام الـنوافر |
وإن حـل فـي أرض تضوع نشرها | وأخـصب مـن أطـلالها كـل دائر |
ويـحـي بــه الله الـعباد جـميعها | فـمن رابـح فـيه هـناك وخـاسر |
وبـأذن فـي نـبش الـقبور ويصلح | الأمـور ويـعلو ذكـرهن في المنابر |
بـكل عـفيف الـذيل من دنس الخنا | وأبـلـج مـيـمون الـنقيبة طـاهر |
وأصـيد لا يـعطى الوغى فضل | مقود ولــو مـلـئت بـيداؤها بـالحوافر |
وأمـجـد مـن عـليا مـعد نـجاره | إذا عـدت الأنـساب يـوم الـتفاخر |
يـذبون عـن غـر كـرام أطـائب | غـطـارفة شــوس كـماة مـغاور |
هـناك تـرى نـور الـنبوة سـاطعاً | مـنـوطاً بـنـور لـلامامة زاهـر |
هـناك تـرى التوفيق بالبشر صادحاً | وتـقـدمـه أم الـعـلى بـالـتباشر |
هـناك نـرى ربـع المسرة ممرعاً | وروض الأمـاني بـين زاه وزاهر |
هـناك نـروى القلب من كل غاشم | ونـأخذ ثـار الـسبط من كل غادر |
فـسارع لـها يـا ابن النبي بوثبة | فـما طـالب ذحـلاً سـواك بثائر |
هـلم بـنا واجـبر قـلوباً كسيرة | فـليس لـها إلاك يـا خـير جابر |
أيـا ابـن الميامين اللذين وجوههم | تـوقد عـن نـور مـن الله زاهر |
فـخذ مـن بـنات الفكر مني غادة | تـفوق جـمالاً كـل عـذراء باكر |
بـها (بـاقر) يـبدى اعتذار مقصر | بـمدحكم يـرجو قـبول الـمعاذر |
ومـن يـكن الـقرآن جـلاً بمدحه | فـأنى يـوفي مدحه وصف شاعر |
عـليكم سـلام الله مـا لاح بـارق | وجادت مرابيع السحاب المواطر1 |
وقال يرثي الحسين عليه السلام
يـا عـين لا لا دكار البان والعلم | ولا على ذكر جيران بذى سلم2 |
وقل من دمع عيني أن يفيض أسى أجل | ولا كان ممزوجاً بصوب دم |
عـلى أجـل قتيل من بني مضر | زاكـي الأرومة والأخلاق والشيم |
كـيف السلو وروح الطهر فاطمة | مـلقى ثـلاثة أيـام عـلى الاكم |
واحـسرتا أيموت السبط من ظمأ | وجـده خـير رسـل الله كـلهم |
وأمـه الـبضعة الزهراء ووالده | خـير القبائل من عرب ومن عجم |
لم أنسه في عراص الطف منفرداً | يـقول يا قوم هل راعيتم ذممي؟ |
هل منكم ناصر يرجو الشفاعة | في يـوم الـمعاد غداً من شافع الأمم؟ |
لـم أنسه وهو يسطو شبه قسورة | والـقوم مـنهزم فـي إثر منهزم |
فخر عن مهره للأرض تحسب | أن هوى غدات هوى عال من الأطم |
ومـر نـحو الـخيام المهر يندبه | والـدمع يـهمل من عينيه كالديم |
فـمذ رأتـه النسا أقبلن في دهش | كـل تـنوح ومـنها القلب في ألم |
هـاتيك حـاسرة بين الطغاة | وذي تـقول أيـن كفيلي أين معتصمي |
يـقول يـا قـوم ما أقسى قلوبكم | مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الأمم |
غـادرتم أسـرة الـكرار حيدرة | مـنهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم |
لهفي له وهو في الرمضاء منجدل | والـخيل تـوطئه قـسراً بجريهم |
ورأسـه فوق رأس الرمح مرتفع | يـضىء تـحسبه نوراً على علم |
أيـن الـنبي وأيـن الطهر فاطمة | وأيـن أيـن عـلي القدر والهمم |
وأيـن أين أسود الغاب من مضر | ومـن سمو كل ذى مجد بمجدهم |
اليوم خابت ظنوني واعتدى زمني | فـواعـنائي وواذلـي ووانـدمي |
ثم أنثنت تندب الهادي النبي | وفي أحـشائها ضرم ناهيك من ضرم |
يـا جـد إن ابنك السجاد مضطهد | بـين الـطغاة يـعاني كربة السقم |
وقـيدوه بـأصفاد الـهوان ولـم | يـراقبوا فـيه مـن إل ولا ذمـم |
أعـظم بها نكبة دهياء قد عظمت | عـلى النبي ورب البيت والحرم |
مـتى يـقوم ولي الأمر من مضر | فـينجلي بـمحياه دجـى الـغمم |
الـحجة الـخلف المهدي من ختم الله | الإمـامة فـيه خـير مـختتم |
هـو الإمـام الـذي ترجى حميته | بـكل هـول مـن الأهوال مقتحم |
مـلك لـه عزمة في الروع ثابتة | تـغنيه عن كل مصقول الشبا خذم |
مـولى سرى عدله في كل ناحية | كما سرى البرق في داج من الظلم |
مـتى نـراه وقـد حفت به زمر | الأنصار من كل مغوارو كل كمي |
ويـملأ الأرض عـدلاً مثلما ملئت | جـوراً وذئب الفلا يرعى مع الغنم |
ويـغتدي كـل مـن والاه مبتهجاً | فـي خفض عيش رغيد دائم النعم |
يـا ابن النبي ومن قد راق مدحهم | ورق حـتى حـلا تـكراره بـفم |
ومـن أتى مدحهم في هل أتى وسبا | وجـاء فـضلهم فـي نـون والقلم |
إلـيك مـن لج بحر الفكر جوهرة | فـريدة الـحسن قد جلت عن القيم |
يـرجو بـها بـاقر أن يضام غداً | وهـل يضام؟ ومن والاك لم يضم |
وكـيف أخـشى مـعاذ الله يوم غد | سـوء الـعذاب وجدي شافع الأمم |
أقـل عـثاري وخذ يا سيدي بيدى | عـند الـصراط إذا زلت به قدمي |
قـد أفـلح المومنون المادحون لكم | واسـتوثقوا بـوثاق غـير منفصم |
صـلى الإله عليكم ما سرت سحب | وأومض البرق في الظلماء من إضم |
وقال يرثي الحسين عليه السلام
إلى الله أشكو وقع دهياء معضل | يـشب لـظى نيرانها بالضمائر |
يـعز عـلى الإسـلام أن حماته | تـئن لـهم حـزناً قلوب المنابر |
يعز على الدين الحنيفي أن غدت | مـعـارفه مـطموسة بـالمناكر |
يـعز على الأشراف أن عميدها | يـغيب بـعين الله عن كل ناظر |
يـعز عـلى الـمختار أن أمـية | رمـت ولده ظلماً بأدهى الفواقر |
يـعز عـلى الـكرار أن رجاله | أبـيدوا بـأطراف القنا والبواتر |
عجبت لشمس كورت من بروجها | وبـدر علا قد غاب بين الحفائر |
عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت | وغـيب مـن آفـاقها كل زاهر |
ومن عجب أن يمنع السبط ورده | وفـيض يديه كالبحور الزواخر |
وقال يرثي الحسين عليه السلام
أطـيلي الـنوح معولة اطيلي | عـلى رزء القتيل ابن القتيل |
وسـحى الـدمع بـاكية عليه | ولا تـصغى إلى عذل العذول |
ونـادي يـا رسول الله يا من | حـباه الله بـالفضل الجزيل |
أتـعلم أن رأس السبط يهدى | إلـى الأوغاد في رمح طويل |
ويضحى جسمه بالطف ملقى | تـكفنه الـصبا نسج الرمول |
ويـقرع ثـغره الطاغي يزيد | ولا يـخشى من الملك الجليل |
وزيـن الـعابدين يـقاد فيهم | بـرغم مـنه فـي قيد ثقيل |
لـعمري لا يـحق النوح | إلا لـمقتول الأسـنة والنصول |
بـنفسي ضـامياً والماء طام | ولـيس لـه إلـيه من سبيل |
يـنادي وهو في الهيجاء فرداً | ألا هـل ناصر لبني الرسول |
أأقـتل فـيكم ظـلماً وجدي | شفيع الخلق في اليوم المهول |
أأقـتل ضـامياً وأبـي علي | بـيوم الحشر ساقي السلسبيل |
* أدب الطف245_ 251
1- عن الديوان المخطوط بخط ولد الناظم وهو السيد حسن المعروف بالأصم ـ الموجود في مكتبة السيد عبدالعزيز الحيدري.
2- هذه القصيدة وما بعدها عن (الرائق).