ابن دريد هو ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدري القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل أديب حفوظ ، شاعر نحوي لغوي ، أخذ عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني وغيرهما ، وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه ، يحكى أنه كان إذا قرئ عليه ديوان شعر مرة واحدة حفظه من أوله الى آخره. قال المسعودي ، وكان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة وقام مقام الخليل بن أحمد فيها ، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين وكان يذهب في الشعر كل مذهب ، فطورا يجزل وطورا يرق وشعره أكثر من أن نحصيه أو يأتي عليه كتابنا هذا ، توفي ببغداد 18 شعبان سنة 321 يوم وفاة ابي هاشم الجبائي قال الناس مات علم اللغة وعلم الكلام بموت ابن دريد وابي هاشم ودفنا بالخيزرانية.
قال الامين في أعيان الشيعة مولده بالبصرة في سكة صالح سنة 223 وتوفي يوم الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقين من شعبان أو من رمضان سنة 321 فيكون عمره ثماني وتسعين سنة وقال ابن خلكان يقال انه عاش ثلاثا وتسعين سنة لا غير.
وذكره صاحب رياض العلماء فقال: كان وزيرا لبني ميكال امراء الشيعة في فارس فعهدوا اليه نظارة ديوانهم حتى كانت الأوامر تصدر عنه ويوقع عليها بتوقيعه وبلغ أعلى المراتب ولما خلع بنو ميكال وذهبوا الى ارض خراسان جاء ابن دريد الى بغداد سنة 308 واتصل بالوزير الشيعي علي بن الفرات فقربه الى المقتدر فأمر له بخمسين دينارا كل شهر حتى مات.
قال السيد احمد العطار في المجموع الرائق: هذه قصيدة لابي بكر بن دريد الأزدي في أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وهي من أغرب ما جاء في معناها لأن أبا بكر بصري المنشأ والمولد ، وعامة أهل البصرة يدينون بغير هذا المعتقد ، وقد اشتملت من الغرائب ما تتهذب بحفظه السنة المتعلمين والشادين وتتنبه بمثله قرائح المبتدين والمستفيدين وأورد ابن شهر اشوب ثمانية أبيات منها وهي التي تقع بين قوسين. أقول والنسخة المنقولة عنها هذه القصيدة من الخطوط القديمة ولعلها ترجع إلى أول القرن الثامن الهجري:
إن الـبرية خـيرها نـسبا | إن عــد أكـرمه وأمـجده |
نـسـب مـحمده مـعظمه | وكـفـاك تـعظيما مُـحمّده |
نـسب إذا كـبت الزناد فما | تـكـبو إذا مـانضّ أزنـده |
واخـو الـنبي فـريد محتده | لـم يُـكبه في القدح مُصلده |
حـل الـعلاء به على شرف | يـتـكأد الـراقين مَـصعده |
أو لـيس خـامس من تضمنّه | عـن أمر روح القدس بُرجده |
إذ قــال أحـمدها ولاؤهـم | أهـلي وأهـل الـمرء وددّه |
يـا رب فـاضممهم الى كنف | لا يـسـتطيع الـكيد كـيّده |
أو لـم يَـبت ليلا أبو حسن | والـمشركون هـناك رُصّده |
مـتـلففا لـيـرد كـيـدهم | ومـهاد خـير الناس مَمهده |
فـوقى الـنبي بـبذل مهجته | وبـأعـين الـكفار مـنجده |
وهـو الـذي أتبع الهدى يفعا | لـم يـستمله عـن التقى دده |
كـهل الـتاله وهـو مـقتبل | في الشرخ غض الغصن أغيده |
والـشرك يُـعبد عـزياه بـه | جـهـلا دعـائـمه وجـلمده |
ومـنازل الاقـران قد علموا | والـنـقع مُـطـرّق تـلبّده |
خـواض غـمرة كل معترك | سـيـان ألـيـسه ورعـدده |
فـسقى الـوليد بكاس منصله | كـأسـا تـوهـله وتـصخده |
فـهوى يـمج نـجيع حشرته | والـمـوت يـلفته ويـقصده |
وسـما بـأحد والـقنا قـصد | كـالـليث أمـكـنه تـصيّده |
فـأباد أصـحاب الـلواء | فلم يـتـرك لــه كـفّا تُـسنّده |
ثـم ابـن عـبد يـوم أورده | شـربا يـذوق الـموت وُرّده |
جـزع الـمداد فـذاده بـطل | لـلـه مـرضـاه ومـعـتده |
وحـصون خيبر إذ أطاف بها | لـم يـثنه عـن ذاك صُـدّده |
ونـجم قـد عـقد الـولاء له | عـقدا يُـقَلقَل مـنه حُـسّده |
مـا نـال في يوم مدى شرف | إلا أبــر فــزاده غــده |
مـن ذا يساجل أو يُناجب في | نـسب رسـول الله مـحتده |
أبـنـاء فـاطمة الـذين اذا | مـجـد اشـار بـه مُـعدّده |
فـذراهـم مـرعى هـوامله | ولـديـه مـنـشأه ومـولده |
والـمـجد يـعلم أن أيـديهم | عـنـها اذا قـادتـه مـقوده |
لـولاهم كـان الـورى همجا | كـالـبهم فـرّقـه مـشـرّده |
لـولاهم استولى الضلال | على مـنـهاجنا واشـتد مـوصده |
هـم حـجة الله الـتي كندت | والله يـنـعم ثــم تـكـنده |
هـم ظـل ديـن الله مـدّده | أمـنا عـلى الـدنيا مـمدده |
وهــم قـوام لا يـزيغ اذا | مـا مـال ركـن الدين يعمده |
وهـم الغيوث الهاميات اذا | ضـن الغمام وجف مورده |
وهـم الـحبال المانعات اذا | مـا الـياس اطلقه مصفده |
كـم مـن يـد لهم ينوء بها | فـتـهد حـامـلها وتُـلهده |
كــم مـنة لـهم مـورثة | آثـار طـول لـيس تفقده |
وإخـال ان الـوقت شاملنا | فـمـسيمه مـنا ومـوعده |
اذ سـار جـند الكفر يقدمه | مـتسربلاً غـدراً يُـجنده |
في جحفل يُسجى الفضاء به | كـرهاء بـحر فاض مزبده |
طـلاب ثـار الشرك آونة | تـحتثه طـورا وتـحشده |
لـو أن صنديد الهضاب به | يـرمى لزلزل منه صندده |
حـتى اطافوا بالحسين وقد | عـطف الـبلاء وقل منجده |
قـرنين مضطغن ومكتسب | ومـكـاتم لـلوغم يـحقده |
فرموه عن غرض وليس له | مــن مـلـجأ الا مـهنده |
وصـميم اسـرته وخُلصته | ونـأى فـلم يـشهده أحمده |
لـو أن حـمزته وجـعفره | وعـلـيّه اذ ذاك يَـشـهده |
مـا رامـت الطلقاء حوزته | بـل عـمّها بـالذعر منهده |
مـنعوه ورد الـماء ويـلهم | وحـماه لـم يـمنع تورّده |
خـمسا أديـم عليه سرمده | وأشـد وقـع الشر سرمده |
حـتى إذا حـامت مناجزة | فـي صدر يوم غاب أسعده |
ثـاروا إلـيه فثار لا وكلا | وأمـامـه عــزم يـؤيّده |
كـالقوم ردد فـي لـغادده | هــدرا يـردده ويـرعده |
والـخيل تـرهقه فيرهقها | ضـربا يفض البيض اهوده |
حـتى إذا القتل استحر بهم | فـي مـأزق ضنك مقصّده |
وتـخرمت أنـصاره وخلا | كـالليث لـم يـنكل تجلّده |
ثبت الجناب على بصيرته | والـعزم لـم يـنقص تأكده |
وتـعاورته ضـبى سيوفهم | فـتـقيمه طـورا وتـقعده |
حـتى هوى فهوى بناء علا | واجـتث مـنتزعا مـوطده |
طمسوا بمقتله الهدى طُمست | عـنهم مـناهجه وأنـجده |
وتـروا النبي به وقد وتروا | الـروح الامين غداة يشهده |
فبكاء قبر المصطفى | جزعا وبـكاء مـنبره ومـسجده |
وتـسربلت أفـق السماء | له قـتـما يـخالطه تـورده |
ومـن الـفجيعة أن هامته | لـلـرمح تـأطره تـأوده |
تهدى الى ابن العلج محملها | وافـى طلوع الجبت اجعده |
عـبد يُـجاء بـراس سيده | لـما أذيـل وضـاع سيده |
يجرى براس ابن النبي | لقد لـعن الـمراد بـه وروّده |
لـعن الإلـه بـني امية ما | غـنّى عـلى فـنن مغرده |
فـيهم يـحكّم لا يـنهنه في | الاسـلام عـابثه ومـفسده |
فمن شعره قصيدته المقصورة أو لها
يـا ظـبية أشـبه شـيء بالمها | ترعى الخزامى بين أشجار النقى |
أمـا تـرى رأسـي حاكى لونه | طـرّة صـبح تحت أذيال الدجى |
واشـتعل الـمبيض فـي مسوّده | مثل اشتعال النار في جزل الغضا |
له مصنفات منها كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة ، حكي أنه أملاها من حفظه سنة 297 فما استعان عليها بالنظر في شيء من الكتب إلا في الهمزة واللفيف ، واشتهرت مقصورته غاية الاشتهار وقد اعتنى بشرحها خلق كثير وعارضه فيها جماعة من الشعراء منهم ابو القاسم علي التنوخي الانطاكي وعد ابن شهر اشوب ابن دريد من شعراء أهل البيت (ع) ومن شعره:
أهوى النـبي مـحمدا ووصــيه | وابنيه وابنته الـبتول الطاهــرة |
أهل العــبـاء فإنني بولائــهم | أرجو السلامـة والنجا في الآخرة |
وأرى محـبة من يقول بفضلهـم | سببا يجير مـن الســبيل الجائرة |
أرجو بذلك رضى المهيمن وحـده | يوم الوقوف على ظـهور الساهرة |
* ادب الطف ـ الجزء الثاني11_ 17