الناشي الصغير مولده سنة 271 ومات يوم الأثنين لخمس خلون من صفر سنة 365 هو ابو الحسن علي بن عبد الله بن الوصيف الناشي الصغير الاصغر البغدادي نزيل مصر، المعروف بالحلاء كان ابوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاء. ويقال له: الناشي لأن الناشي يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر كما قال السمعاني في الانساب من شعره:
بـني احـمد قـلبي لـكم يتقطع | بـمثل مـصابي فيكم ليس يسمع |
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا | ولـيس لـكم فيها قتيل ومصرع |
ظـلـمتم وقـتلتم وقُـسّم فـيئكم | وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع |
جسوم على البوغاء ترمى وأرؤس | عـلى أرؤس اللدن الذوابل تُرفع |
نـوارون لـم تـأوِ فراشا جنوبكم | ويـسلمني طـيب الهجوع فاهجع |
وذكر السيد الأمين في الدر النضيد هذه الأبيات للناشي
وفي الأعيان: قال وحدثني الخالع: قال اجتزت بالناشي يوما وهو جالس في السراجين فقال لي قد عملت قصيدة وقدطلبت وأريد أن تكتبها بخطك حتى اخرجها فقلت أمضي في حاجة وأعود وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح فقال لي أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية فانا قد نحنا بها البارحة بالمشهد، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة فقمت ورجعت اليه وقلت: هات البائية حتى أكتبها، فقال من أين علمت أنها بائية وما ذاكرت بها أحدا فحدثته بالمنام فبكى وقال: لا شك ان الوقت قددنا، فكتبته
ا
رجـائي بـعيد والـممات قريب | ويـخطئ ظـني فـيكم ويصيب |
مـتى تـأخذون الـثأر ممن تالبوا | عليكم وشبوا الحرب وهي ضروب |
فـذلك قـد أدمـى ابن ملجم شيبه | فـخر على المحراب وهو خضيب |
وذاك تـولى الـسم عـنه حشاشة | وأنـشبن أظـفار بـها ونـيوب |
وهـذا تـوزعن الصوارم جسمه | فـخرّ بـارض الطف وهو تريب |
قـتيل على نهر الفرات على ظما | تـطوف بـه الاعداء وهو غريب |
كـأن لـم يـكن ريـحانة لمحمد | ومـا هـو نـجل للوصي حبيب |
ولم يك من أهل الكساء الاولى | بهم يـعاقب جـبّار الـسماء ويـتوب |
اناس علوا أعلى المعالي من العلى | فـليس لـهم في العالمين ضريب |
اذا انـتسبوا جازوا التناهي بجدهم | فـما لـهم فـي الأكـرمين نسيب |
هـم الـبحر أضـحى دره وعبابه | فـليس لـه مـن مـبتغيه رسوب |
تـسير بـه فـلك الـنجاة وماؤه | لـشرّابه عـذب الـمذاق شروب |
هم البحر يغدو من غدا في جواره | وسـاحله سـهل الـمجال رحيب |
يـمد بـلا جـزر عـلوما ونائلا إذا | جـاء مـنه المرء وهو كسوب |
هـم سـبب بـين الـعباد وربهم | فـراجيهُم فـي الحشر ليس يخيب |
حـووا علم ما قد كان أو هو | كائن وكــل رشـاد يـبتغيه طـلوب |
هـم حـسنات الـعالمين بفضلهم | وهـو لـلاعادي في المعاد ذنوب |
وقد حفظت غيب العلوم صدورهم | فما الغيب عن تلك الصدور يغيب |
فـان ظلمت أو قتّلت أو تهضمت | فـما ذاك من شأن الزمان عجيب |
وسـوف يـديل الله فـيهم بـأوبة | وكـل إلـى ذاك الـزمان يـؤب |
وفي الطيلعة: كان من علماء الشيعة ومتكلميها ومحدثيها وفقهائها وشعرائها له كتب في الامامة ومدائحه في أهل البيت صلوات الله عليهم لا تحصى كثرة روى الحموي في معجم الادباء قال: حدثني الخالع قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الكبودي في المسجد الذي بين الوارقين والصاغة وهو غاص بالناس واذا رجل قد وافى وعليه مُرقعة وفي يديه سطيحة وركوة1 ومع عُكاز، وهو شِعث فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه، ثم قال أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فقالوا مرحبا بك وأهلا ورفعوه فقال: أتعرّفون لي أحمد المزوق النائح ، فقالوا: ها هو جالس، فقال: رأيت مولاتنا عليها السلام في النوم فقالت:
امضي الى بغداد واطلبه وقل له: نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه
بني احمد قلبي بكم يتقطع بمثل | مصابي فيكم ليس يُسمع |
وكان الثاني حاضرا فلطم على وجهه وتبعه المزوّق والناس كلهم وكان اشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوّق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم، فقال والله لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فانني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها السلام ثم آخذ عن ذلك عوضا، وانصرف ولم يقبل شيئا قال: ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا.
عـجب لـكم تفنون قتلا بسيفكم | ويسطو عليكم من لكم كان يخضع |
كـأن رسـول الله أوصى بقتلكم | وأجـسامكم في كل ارض توزع |
وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الناشي الاصغر هو ابو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف البغدادي الحلاء الفاضل المتكلم الشاعر البارع الإمامي المشهور له كتاب في الإمامة وأشعار كثيرة في أهل البيت لا تحصى حتى عرف بهم ولقب بشاعر أهل البيت عليه السلام، ولد سنة 271 ويروي عن المبرد وابن المعتز قال ابن خلكان وهو من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت عليه السلامقصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ علم الكلام عن أبي سهل اسمعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وكان جده وصيف مملوكا وابوه عبد الله عطارا وقيل له الحلاء لأنه كان يعمل حلية من النحاس ومضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة
كـأن سـنان ذابله ضمير | فليس عن القلوب له ذهاب |
وصـارمه كـبيعته بـخم | مقاصدها من الخلق الرقاب |
وجمع العلامة السماوي شعر الناشي في أهل البيت عليهم السلام وهو يزيد على ثلثمائة بيتا وهو اليوم في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الأشرف أقول ودفن الناشي في مقابر قريش وقبره هناك معروف . وهو ممن نبش قبره في واقعة سنة 443 وأحرقت تربته .
* ادب الطف ـ الجزء الثاني103_ 106
1- المرقعة : الثوب المرقع ، والسطيحة ، المزادة ، والركوة : الدلو الصغير .