الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1604 12 شعبان 1445 هـ - الموافق 22 شباط 2024 م

فُرِّج عنه لانتظارِه

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

فُرِّج عنه لانتظارِه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

نبارك لوليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، ولمراجعنا وقادتنا العِظام، وللأمّة الإسلاميّة جمعاء، ذكرى ولادة صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) في الخامس عشر من شهر شعبان، سنة 255 للهجرة، سائلين المولى أن يعجّل فرجه الشريف، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأن يكرمنا بالشهادة بين يديه.

 
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[1]، ويبيّن الإمام الباقر (عليه السلام) المقصودَ بهذه الآية، فيقول: «وجدْنا في كتابِ عليٍّ (عليه السلام): أنا وأهلُ بيتي الّذين أُورِثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرضُ كلُّها لنا»[2].

أهمّيّة القضيّة المهدويّة
تُعَدُّ القضيّة المهدويّة من المسائل الرئيسيّة في سلسلة المعارف الدينيّة العليا؛ إذ إنّها تُبشِّر بتحقّق ما بُعِث لأجله الأنبياء (عليهم السلام) عبر التاريخ، ألا وهو إيجاد عالمٍ توحيديّ مبنيٍّ على أساس العدالة؛ فعصر ظهور الإمام المهديّ (عليه السلام)، هو عصر المجتمع الموحِّد، عصر حاكميّة التوحيد، عصر استقرار العدل بمعناه الكامل والجامع والشامل.

وإنّ جميع التحرّكات التي قامت بها البشريّة في ظلّ تعاليم الأنبياء (عليهم السلام)، هي حركة نحو الأهداف السامية التي ستتحقّق في عصر الإمام المهديّ (عليه السلام). فلو لم تكن المهدويّة، لكان معنى ذلك أنّ جميع الدعوات وبعثات الأنبياء والتضحيات والجهود، لا فائدة منها، ولا أثر لها.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «فالدّعاة الإلهيّون لم تنقطع سلالتُهم اليوم، والوجود المقدَّس لبقيّة الله الأعظم (أرواحنا فداه)، هو استمرار سلالة الدعاة الإلهيّين، إذ تقرؤون في زيارة آل ياسين: «السلام عليك يا داعيَ الله وربّانيَّ آياته»؛ أي إنّكم اليوم ترون تجسيداً، لدعوة إبراهيم ودعوة موسى ودعوة عيسى، ودعوة جميع الأنبياء والمصلحين الإلهيّين، ودعوة النبيّ الخاتم في وجود حضرة بقيّة الله. فهذا الإنسان العظيم هو وارثهم جميعاً، وبيده دعوتهم ورايتهم جميعاً، وهو يدعو البشريّة ويعرض عليها تلك المعارف الّتي جاء بها الأنبياء عبر الزمان الممتدّ»[3].

المهدويّة قضيّة الإسلام
وإنّ هذه القضيّة لا تختصّ بالشيعة فقط، بل هي من القضايا المُسلَّمة لدى عموم المسلمين، وإنّ المذاهبَ الإسلاميّةَ كلَّها تُجمِع على أنّ غاية العالم هو إقامة حكومة الحقّ والعدل على يد الإمام المهديّ (عليه السلام). غاية الأمر، أنّ هذه القضيّة لدى الإماميّة الاثني عشريّة هي مسألة واضحة غير مبهمة، ولها مصداق واضح وبَيِّن، معروفٌ بالاسم والعلامة والخصائص وتاريخ الولادة، من خلال الأخبار القطعيّة والمسلّمة، الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، في بيان وتعيين المهديّ المنتظر، وأنّه من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن وُلد فاطمة (عليها السلام)، ومن ذريّة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنّ الخلفاءَ من بعد الرسول اثنا عشر، كلّهم من قريش، والمهديَّ آخرُهم، وهو الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً. وعندما نراجع الروايات، نراها تتدرّج في التعريف بالإمام المهديّ (عليه السلام) من الدائرة الأوسع إلى الدائرة الأضيق على الشكل الآتي:

1. عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «وهو رجلٌ منّي، اسمه كاسمي، يحفظني اللهُ فيه، ويعمل بسنّتي، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً ونوراً، بعدما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً»[4].

2. ثمّ تبيّن الروايات أنّه (عليه السلام) من وُلدِ فاطمة وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، فعن أمّ سلمة، أنّها قالت: سمعتُ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: «المهديُّ من عترتي، من وُلدِ فاطمة ابنتي»[5]، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً في حديثٍ طويلٍ: «فعند ذلك خروجُ المهديّ، وهو رجلٌ مِن وُلدِ هذا»[6]، [وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)].

3. ثمّ تحدِّد الروايات أنّه من نسل الإمام الحسين (عليه السلام)، ففي الرواية أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إلى ابنه الحسين (عليه السلام)، فقال: «إنّ ابني هذا سيّدٌ كما سمّاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سيّداً، وسيُخرِج اللهُ تعالى من صلبِه رجلاً باسم نبيِّكم، يُشبهه في الخَلْق والخُلُق، يخرج على حين غفلةٍ من الناس، وإماتةٍ للحقّ، وإظهارٍ للجور»[7].

الانتظار يلازم قضيّة المهدويّة
لكن، لا ينبغي أن يُكتفى بالقول بأنّ الإمامَ (عليه السلام) وُلد ووُجد فحسب؛ فهو (عليه السلام) موجود حتماً، وله حضور بين الناس، وفي الروايات أنّ الناس يرونه، وهو يرى الناس، ولكن لا يعرفونه. وقد شُبّه في بعض الروايات بالنبيّ يوسف (عليه السلام) الذي كان يراه إخوتُه، ويجلس بينهم، ولكنّهم لم يعرفوه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء (عليهم السلام)، سنّةً من موسى بن عمران، وسنّةً من عيسى، وسنّةً من يوسف، وسنّةً من محمّد (صلوات الله عليهم)؛ فأمّا سنّة من موسى بن عمران فخائفٌ يترقَّب، وأمّا سنّة من عيسى فيُقال فيه ما قيل في عيسى، وأمّا سنّة من يوسف فالستر، يجعل الله بينه وبين الخلق حجاباً، يرَونه ولا يعرفونه، وأمّا سنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته»[8].

فالإمام (عليه السلام) حقيقةٌ بارزة واضحة، وهذا يضع على عاتق الإنسان تكليفاً عظيماً؛ إذ عندما يكون الإنسان على يقينٍ من مثل هذا الأمر، فعليه أن يهيّئ نفسَه، ويكون منتظراً ومترصّداً، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبَّ الأعمال إلى الله انتظارُ الفرج ما دام عليه العبد المؤمن»[9].

الانتظار يحقّق الفرج الفعليّ
إنّ قضيّة الانتظار لا تنفكّ عن قضيّة المهدويّة، فالانتظار من المصطلحات الأساسيّة في فهم الدين وحركة الأمّة الإسلاميّة نحو الأهداف السامية. الانتظار يعني الترقّب، وإنّ من لوازمه الإعدادَ الذاتيّ؛ أي أن نكون على علم بأنّ ثمّة واقعةً عظيمةً سوف تحدث، وأن ننتظرها دائماً، فلا يصحّ السؤال عمّا بقي من السنوات، أو المدّة المحدّدة لوقوع هذا الأمر وتحقّقه، أو العمل على تعيين ذلك، والانشغال بتحديد العلامات، إنّما الغاية الأساس هي الترصّد والانتظار.

عن أبي بصير، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعِلتُ فداك! متى الفرج؟ فقال: «يا أبا بصير، وأنت ممَّن يريد الدنيا؟! مَن عرف هذا الأمرَ، فقد فُرِّج عنه لانتظارِه»[10].

فالإمام (عليه السلام) يبيّن لأبي بصير بأنّ الفرجَ الدنيويَّ أمرٌ سهلٌ وهيّن، فلا تكن ممّن يريد الدنيا، بل عليك بالفرج الأخرويّ، والذي يكون بالطاعة وتربية النفس وإعدادها، لتنجوَ من العذاب الأبديّ، ومَن يحقّق الانتظار واقعاً وفعلاً، فقد فُرِّج عنه بالفرج الحقيقيّ، لكون الانتظار أفضلَ الطاعات وأعظمَها.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدَّ نفسَه بطريقةٍ وهيئةٍ وخُلُق يقارب الشاكلة والهيئة والخُلُق المتوقَّع في الزمان الذي ينتظره، فعندما يكون ذلك العصر المنتظَر هو عصر الحقّ والتوحيد والإخلاص والعبوديّة لله، وهو منتظَر، فعلينا أن نقرّبَ أنفسَنا من مثل هذه الأمور، ونعرّفَ أنفسَنا العدلَ، ونهيّئَها للعدل ولقَبول الحقّ. فإنّ الانتظارَ يُوِجد مثلَ هذه الحالة»[11].

فالفرج الأساس إذاً، إنّما يكون بالمعرفة الفعليّة لصاحب الزمان، والارتباط به، والعمل على تربية النفس والمجتمع؛ كي يصلا إلى درجةٍ تكون لائقةً بعصر قيام دولة التوحيد والعدل.

والمؤمن المنتظر لمولاه، كلّما اشتدّ انتظارُه، ازداد جهدُه في التهيّؤ لذلك، بالورع والاجتهاد وتهذيب النفس، وتجنّب الأخلاق الرذيلة، والتحلّي بالأخلاق الحميدة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن سرّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر مَن أدركه؛ فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة!»[12].

ليلة النصف من شعبان
في الختام، إنّ من عظيم بركات ليلة النصف من شعبان، أنّها ليلةُ ولادة صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، وهذا ما يزيدها فضلاً وشرفاً، إذ إنّها ليلةٌ عظيمة، ليلةٌ بالغةُ الشرف، بل هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «هِيَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ بَعْدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فِيهَا يَمْنَحُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ فَضْلَهُ، ويَغْفِرُ لَهُمْ بِمَنِّهِ؛ فَاجْتَهِدُوا فِي الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا، فَإِنَّهَا لَيْلَةٌ آلَى اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَرُدَّ سَائِلاً لَهُ فِيهَا، مَا لَمْ يَسْأَلْ مَعْصِيَةً»[13].

وقد جاء في فضل إحيائها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ‏«مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ ولَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، لَمْ‏ يَمُتْ‏ قَلْبُهُ‏ يَوْمَ‏ تَمُوتُ‏ الْقُلُوبُ»[14].‏


[1] سورة الأعراف، الآية 128.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص407.
[3] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص456.
[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص161.
[5] القاضي النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، ج3، ص395.
[6] الشيخ الطوسيّ، الغيبة، ص185.
[7] النعمانيّ، الغيبة، ص222.
[8] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص351.
[9] الشيخ الصدوق، الخصال، ص616.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص371.
[11] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 09/07/2011م.
[12] النعمانيّ، الغيبة، ص207.
[13] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص 297.
[14] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص77.

22-02-2024 | 11-25 د | 1562 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net