الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1592 16 جمادى الأولى 1445 هـ - الموافق 30 تشرين الثاني2023 م

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾[1].

إنّ للمرأة المسلمة عنايةً خاصّةً في التشريع الإسلاميّ، وقد أكّد كثيراً وجوبَ صون العفاف، والتمسّك بالحجاب؛ إذ إنّه لا ينبغي أن يكون الجمال والزينة -على الرغم من اهتمام الإسلام بهما- مدعاةً لانتشار الرذيلة في المجتمع، ولا يجوز أن يقود أفراده إلى التحلّل الخُلقيّ، فعلاقة الرجل بالمرأة إن لم تخضع لحدود أو قيود، فلا شكّ في أنّها سوف تؤدّي إلى تفشّي الفساد؛ لذا حرّم الإسلام التبرّج، بما يعني من إظهار النساء زينتَهُنّ أمام الرجال من غير محارمِهِنّ؛ إذ إنّه من أنواع إثارة الفتنة، الّتي لا تقتصر أضرارُها وسلبيّاتُها على وقوع الشباب في الإثم فقط، بل تسري مخلّفاتُها أيضاً إلى الأسرة، فالعلاقات المتحلّلة من القيود لها آثار مدمّرة على كيان الأسرة.

من هنا، كان تشريع الحجاب، والّذي يهدف في حقيقته إلى منع الخلاعة بكلّ ما لها من صور وأشكال، وبكلّ ما فيها من مفاسد وأضرار، وغلق منافذ الانحلال الأخلاقيّ، ووقاية المجتمع البشريّ من الانحدار إلى مهاوي الشرّ وحضيض الفساد المدمّر للحياة، وقد أثبتت الشواهد بأنّ التبرّج والاختلاط الجنسيّ هما العامل الأكبر في حصول التمرّد الأخلاقيّ، والمزلق الخطر الّذي طالما قاد الأفراد والجماعات لتدمير القِيم.

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «حُرّم النظرُ إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وغيرِهِنَّ من النساء؛ لما فيه من تهييجِ الرجال، وما يدعو التهييجُ إلى الفساد والدخول في ما لا يحلّ ولا يُحَمل، وكذلك ما أشبه الشعور»[2].

حجاب سيّدة نساء العالمين (عليها السلام)
ولنسائنا في سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) قدوة وأسوة، فهي النموذج الإنسانيّ الكامل بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وفي سيرتها الكثير من الشواهد على مدى عنايتها واهتمامها بالحجاب والستر وعدم الاختلاط، نذكر منها ما يرويه حفيدها عبد الله بن الحسن المثنّى، بإسناده عن آبائه (عليهم السلام)، حينما مُنعَت (عليها السلام) فدكاً، وبلغها ذلك، يقول واصفاً خروجَها على الناس: «لاثَت خمارَها على رأسِها، واشتملَت بجلبابِها، وأقبلَت في لُمَّةٍ من حفدتِها ونساءِ قومِها، تطأُ ذيولَها... حتّى دخلَت... [على] حشدٍ من المهاجرينَ والأنصارِ وغيرِهم، فنيطَت دونَها مُلاءة، فجلسَت...»[3].

فاللوث هو الطيّ والجمع، والخمار هو المقنعة؛ والاشتمال بالجلباب، يعني أنّها أحاطت نفسَها بالرداء، وكان طويلاً يستر قدمَيها، فكانت تطأ ذيولَ ثوبها حال مشيها (سلام الله عليها)، وعلى الرغم من ذلك، ومضافاً إلى ما سبق، عندما دخلت على الناس، نيطت دونها ملاءة؛ أي عُلِّق لها إزارٌ يفصل بينها وبينهم.

وقد أثنى عليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قائلاً لها، في روايةٍ عن الإمام الصادق (عليها السلام): «أشهد أنّكِ بضعةٌ منّي»، وذلك حينما استأذن عليها أعمى، فحجبَتْه، فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «لِمَ تحجبينه، وهو لا يراكِ؟»، قالت: «يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإنّي أراه، وهو يشمُّ الريح»[4].

من خطبة السيّدة زينب (عليها السلام)
وإنّ من الأمور الّتي ذكرتها السيّدة زينب (عليها السلام) في خطبتها في بلاد الشام، مُقرِّعةً بها يزيد بن معاوية (لعنه الله) ومُشينةً إيّاه، هو ما أقدم على فعله ببنات الرسالة، فهي لم تذكر فقط تجرّؤه على الله ورسوله بقتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، بل واجهته بهتكه لحجابهنّ وستورهنّ، قائلةً: «أمِنَ العدلِ يابنَ الطلقاءِ، تخديرُكَ حرائرَكَ وإماءَكَ، وسوقُكَ بناتِ رسولِ اللهِ سبايا، قد هتكْتَ ستورَهُنَّ، وأبديْتَ وجوهَهُنَّ، تحدو بِهِنَّ الأعداءُ مِن بلدٍ إلى بلدٍ، وتستشرفُهُنَّ[5] المناقِلُ، ويتبرَّزْنَ لأهلِ المناهلِ[6]، ويتصفَّحُ وجوهَهُنَّ القريبُ والبعيدُ، والغائبُ والشهيدُ، والشريفُ والوضيعُ، والدنيُّ والرفيعُ، ليس معَهُنَّ من رجالِهِنَّ وَلِيٌّ، ولا من حماتِهِنّ حَمِيٌّ»[7].

الحجاب تكريمٌ وتعظيم
إنّ الإسلام لم يفرض الحجابَ لأسر المرأة، بل على العكس من ذلك، إنّ في ترك الحجاب والتعرّي الّذي أراده الغرب لها، تصغيراً لقدرها، وحطّاً من شأنها، وإهانةً لإنسانيّتها، وإنّ العمل على تقديم المرأة والتعامل معها باعتبارها عنصر إثارة، ما هو إلّا انتهاك لكرامتها، فالحجاب وقار ورصانةٌ وقيمةٌ للمرأة، بل هو من النعم الإلهيّة.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ عظمةَ المرأة لا تكمن في جذب أنظار الرجال وهوس المهووسين إلى نفسها، وليس هذا فخراً للمرأة وتعظيماً لها، بل هو تحقير للمرأة. إنّ عظمةَ المرأة في تمكّنها من الحفاظ على الحجاب والحياء والعفاف الأنثويّ الّذي أودعه الله في جبلَّتِها، فتقوم بجعل هذا كلِّه مع العزّة الإيمانيّة، وتضيف إليه الشعورَ بالتكليف والمسؤوليّة، فتُعمِل تلك اللطافةَ في محلِّها وذاك الحزمَ الإيمانيَّ في محلِّه»[8].

مواجهة السفور
وإنّ الترويج للسفور والتعرّي وعدم الاحتشام، يعني أنّ قيمةَ المرأة في جسدها ومفاتنها، لا في أخلاقها ودينها وعملها وكفاءتها، وأنّها وسيلةٌ لتلذّذ الرجل. وعليه، ينبغي مواجهة هذا الأمر، وذلك يكون من خلال:

1. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا ينبغي إهمال هذه الفريضة والتهاون في أدائها؛ إذ إنّ لذلك عواقب وخيمة، قد تصل إلى صيرورة المنكر أمراً عاديّاً ومأنوساً، بل قد يغدو المنكرُ معروفاً والمعروفُ منكراً، وقد حذّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ذلك، فقال: «كيف بكم إذا فسد نساؤكم وفسق شبّانُكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهَوا عن المنكر؟!» فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟! قال: «نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!»، قيل: يا رسول الله، ويكون ذلك؟! قال: «نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟!»[9].

2. تعزيز قِيم العفّة والحياء والغيرة، الّتي حثّت عليها الشريعة، وأكّدت ضرورتَها.
فالعفاف جانب أساس عند المرأة، وأهمّ العناصر في شخصيّتها، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): خيرُ نسائِكم العفيفة»[10].

أمّا الحياء فهو قرين الإيمان، وقد سعَوا كثيراً لنزعه من المرأة، وجعلوا أهمَّ وظائفها التبرّج وإبراز جمالها، ليكسروا بذلك حياءها، عن أحد الإمامَين الصادقَين (عليهما السلام): «الحياء والايمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدُهما تَبِعَه صاحبُه»[11].

والغيرة هي ممّا جُبِل عليها الرجلُ السويّ الّذي يأنف أن تمتدَّ النظرات الخائنة إلى نسائه، وهي من صفات الله عزّ وجلّ، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ اللهَ تبارك وتعالى غيورٌ يحبّ كلَّ غيور، ولغيرتِه حرَّم الفواحشَ، ظاهرَها وباطنَها»[12]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كان إبراهيم (عليه السلام) غيوراً، وأنا أَغْيَرُ منه، وجدع اللهُ أنفَ مَن لا يغار من المؤمنين والمسلمين»[13].

في الختام، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «لمئة سنةٍ، كان السعيُ من أجل أن تفقدَ المرأةُ المسلمةُ هويّتَها. فقد استُخدمَت جميع العوامل المؤثِّرة وعناصر القوّة؛ المال، والإعلام، والسلاح، والخدع المادّيّة المختلفة، والغرائز الجنسيّة الطبيعيّة للإنسان، هذه كلُّها استُخدمت من أجل إبعاد المرأة المسلمة عن هويّتِها الإسلاميّة»[14].


[1] سورة النور، الآية 31.
[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص565.
[3] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج1، ص132.
[4] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، ج2، ص214.
[5] تستشرف: تنظر.
[6] المناهل: مواضع شرب الماء في الطريق.
[7] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص35.
[8] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 21/04/2010م.
[9] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، ص54.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص324.
[11] المصدر نفسه، ج2، ص106.
[12] المصدر نفسه، ج5، ص537.
[13] المصدر نفسه، ج5، ص536.
[14] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 11/07/2012م.

29-11-2023 | 14-59 د | 1943 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net