الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1590 02 جمادى الأولى 1445 هـ - الموافق 16تشرين الثاني2023 م

تعبئةُ المستضعَفين

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

أطلق الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) مصطلحَ «التعبئة» على شريحةٍ مُعيّنة إبّان تأسيسه لهذه الحركة العظيمة، مريداً منها الجهوزيّة التامّة والاستعداد الكامل لتحمّل المسؤوليّة تجاه الإسلام والمسلمين، وفي سبيل تهيئة المجتمع الإسلاميّ، والسير به في المنهج القويم، لبلوغ الغايات الإسلاميّة الكبرى... ثمّ قرن هذا الاصطلاح باصطلاحٍ قرآنيّ، هو «المستضعَفون»، فأسماها «قوّاتُ تعبئة المستضعَفين».

ارتباط التعبئة بصاحب الزمان (عليه السلام)
لقد ذُكر هذا اللفظ في القرآن الكريم، حين الكلام على الخلافة الإلهيّة ووراثة الأرض، إذ إنّ الله تعالى وعد في كتابه الكريم بأنّ الوارثين لهذه الأرض هم الذين استُضعِفوا فيها، فقال جلّ وعلا: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1]، فكانت التعبئةُ تلك المجموعةَ البشريّة التي تُعِدُّ نفسها وتتجهّز بما يقتضيه هذا النهج، لتحقيق الغاية، ألا وهي وراثة الأرض.

والمستضعَفون، لفظٌ أُطلِق -في الشائع- على مَن هم أدنى مرتبةً من الآخرين، أو على الفئات التي تتعرّض للأذى والقهر من المستكبرين في الأرض، ولا حول لها ولا قوّة، فتخضع وتسكت، ولكن في الواقع هم ليسوا ضعفاء، بل تمّ استضعافهم من قِبل الآخرين، بالتكبّر والتعالي والظلم والتعدّي والتضييق والحرمان... والإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) يرفض هذا المعنى، ويراه مخالفاً لتعريف القرآن الكريم له، فيقول: «المستضعَفون هم أئمّة عالم البشريّة وقادته الكامنين، هذا هو معنى المستضعَفين؛ الأشخاص الذين سيرثون الأرض، وكلّ ما هو موجود عليها، هذه هي «تعبئة المستضعَفين». المستضعَف هو الوريث الكامن للعالم، خليفة الله الكامن على الأرض، والإمام والقائد الكامن لعالم البشريّة»[2].

من هنا، يظهر لنا أنّ مفهوم «التعبئة» الذي أراده الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) هو مفهوم مقترِنٌ بعمليّة الظهور والتمهيد لإمام العصر (عجّل الله فرجه)؛ فعندما يكون الأمر مرتبطاً بمَن سيرث هذه الأرض، فلا شكّ في أنّ المعنيَّ بذلك هم أولئك الذين يعملون على تهيئة الأرض للوراثة، وهم الذين يشكّلون معسكر الإمام (عليه السلام) في آخر الزمان، يمهّدون لظهوره الشريف، ويحضرون حيث يحتاج إليهم الإسلام والقرآن وإمام الزمان (عليه السلام)؛ ولهذا يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «كانت العُلقة بين قوّات التعبئة ووليّ العصر (أرواحنا فداه) عُلقةً غير منفكّة ودائميّة»[3].

التعبويّ مسؤول
بناءً على ما تقدّم، تنبغي الإضاءة على الفرد الذي يمكنه أن يحمل شرف هذا العنوان، ولا شكّ في أنّ لذلك معايير سلوكيّة وقيماً فرديّة واجتماعيّة، ينبغي أن يتمتّع بها مَن يحوز هذا الوصف.

إنّ «التعبئة» لا تقتصر على فئة خاصّة من الناس، كالنخب العلميّة أو الاقتصاديّة أو العسكريّة... بل هم من أبناء الأمّة عموماً، لكنّهم يحملون سمةً يتميّزون بها، ألا وهي تحمّل مسؤوليّة تطبيق الرؤية الإسلاميّة الأصيلة في كافّة الميادين التي تقتضيها الحاجات المتفاوتة، فالإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) يرى أنّ التعبئة هي رمز النظام والانضباط والاتّجاه الصحيح، هي الحصن الأساس، هي المُلهِمة للنظم والتشكّل والحضور والحركة، في كافّة الشرائح، في الجامعات والمدارس والحوزات العلميّة...

إنّ المستند الأساس للفرد التعبويّ هو تحمّله للمسؤوليّة بشكلٍ عامّ وشامل، أن يكون مسؤولاً أمام نفسه، أمام أقربائه، أمام مجتمعه، أمام البشريّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ فكرة مسؤوليّة الإنسان هذه هي من واضحات الإسلام؛ أي لا يمكن لأحدٍ أن يشكّ بأنّ الإسلام يرى الإنسان مثل هكذا موجود: موجود مسؤول، مطلوب منه العمل. لاحظوا الأحكام المختلفة: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل المثال. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أنّكم جميعاً مسؤولون بأن تنشروا المعروف والخير، وأن تأمروا به؛ والنهي عن المنكر يعني أن تنهَوا عن القبائح والمنكرات، والأعمال الدنيئة، وتحولوا دونها بالوسائل المختلفة؛ ما معنى ذلك؟ معناه المسؤوليّة إزاء السلامة العامّة للمجتمع. الجميع مسؤولون: أنا، أنت، وهو مسؤول. لاحظوا مثلاً مسألة الجهاد؛ الجهاد الإسلاميّ في الواقع هو مساعدة الشعوب التي تعيش في ظلّ السياسات الاستعماريّة والاستكباريّة والاستبداديّة التي لا يصل إليها نور الإسلام؛ ولا يصل إليها نور الهداية. الجهاد من أجل تمزيق هذه الأستار والحجب؛ هذا هو الجهاد الإسلاميّ... ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾[4]؛ فالآية تقول: لِمَ لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل المستضعَفين من أجل إنقاذهم؟ هذا هو الإحساس بالمسؤوليّة؛ أي اذهب، وعرِّض نفسك للخطر، وضعْ روحك على كفَّيك في ميادين الخطر، من أجل إنقاذ المستضعَفين؛ ومعنى هذا هو تلك المسؤوليّة نفسها، أو هذا الحديث المشهور: «مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين، فليس بمسلم»[5]، وأمثاله...»[6].

التعبئة فاعليّة الأمّة مع الوليّ
وللتعبئة جذورها الإسلاميّة، فقد يتوهّم بعضهم أنّ المراد من هذا الاصطلاح غايات ومصالح سياسيّة، ترتبط بالظروف والحيثيّات، ولكنّ الحال على خلاف ذلك، إذ إنّ الأساس الشرعيّ لهذا المفهوم قائمٌ على العلاقة بين الأمّة والقيادة، والتفاعل بينهما؛ فممّا لا شكّ فيه أنّ تعيينَ الوليّ في عصر الغيبة، ليس أمراً خاضعاً لمعايير شعبيّة، كما هو الحال في الديمقراطيّات الغربيّة، إنّما هو أمرٌ له شروطه المُستمَدّة من الآيات القرآنيّة والنصوص الروائيّة الصحيحة، ولكن في الوقت عينه، لا بدّ من فاعليّةٍ للأمّة الإسلاميّة تجاه القائد أو الوليّ. من هنا، فإنّ التعبئة هي نوعٌ من تنظيم هذه الفاعليّة تحت ولاية الأمر، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «التعبئة ليست حركة سطحيّة منقطعة الجذور ووليدة العواطف، بل هي حركة منطقيّة عميقة وإسلاميّة تتجاوب مع حاجات العالم الإسلاميّ عامّة، والمجتمع الإسلاميّ خاصّة، يقول القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾[7]؛ فالمؤمنون المُشار إليهم في هذه الآية الكريمة تعبير آخر عمّا هو موجود اليوم باسم «التعبئة»، كذا الآيات القرآنيّة الأخرى التي تشير إلى المؤمنين والمخلصين... فيجب التأمّل والتدبّر في حاجة العالم الإسلاميّ إلى هذه الحركة»[8].

إذاً، التعبويّون هم الذين يتواجدون في الساحات بأهدافٍ إلهيّة سامية، بروحٍ مثابرة لا تعرف الكلل والملل، ولا تهاب المخاطر، أعدّوا أنفسهم للبذل والعطاء في سبيل تحقيق الأهداف العليا، في عمليّة تفاعلٍ وارتباطٍ بين الأمّة والقيادة.

الجوانب الإنسانيّة والوطنيّة
مُضافاً إلى تلك الجذور الإسلاميّة لمفهوم «التعبئة»، المُتمثِّلة بفاعليّة الأمّة مع القيادة والولاية، ثمّة جوانب إنسانيّة ووطنيّة لهذا الاصطلاح، يبيّنها الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في عنصرَين أساسيَّين:

الأوّل: العزّة الوطنيّة: يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «حينما يُنظر إلى التعبئة بحقيقة معناها، فإنّها رمز الصمود والبقاء والعزّة الوطنيّة. هم مجموعة من أفضل الناس وأكثرهم إيماناً... يضعون طاقاتِهم كلَّها على أكفّهم، ويقدّمونها في الساحة، من دون المطالبة بأجرٍ أو ثمن، ومن دون أن يحقّق لهم ذلك عنواناً أو شهرة؛ هذا شيء على جانبٍ كبير من الأهمّيّة»[9].

الثاني: حرّيّة الأوطان واستقلالها: «إنّ معنى التعبئة هو أن يدرك كلّ شابّ أنّ من حقّ بلاده أن تكون حرّةً ومستقلّةً ومزدهرة، وأن يكون على استعدادٍ للعمل وتحمّل المسؤوليّة والقيام بدورٍ فاعل في سبيل تحقيق هذا الهدف، فهذا هو معنى التعبئة. إنّ اسمَ التعبئة اسمٌ مقدَّس. إنّ التعبئةَ الشعبيّةَ العامّةَ تعني استعدادَ الشعب ويقظتَه الدائمة، ولا سيّما الشباب من التلاميذ والطلبة الذين يَخْطُون بأقدامهم على طريق العلم والدراسة»[10].

المسؤوليّة تجاه غزّة
في الختام، إنّ التعبئة، وكمصداقٍ عمليٍّ لما ذُكِر، تعني أن تستشعر حالة المسؤوليّة تجاه ما يحصل على المسلمين من تعدٍّ وظلمٍ قلّ نظيرُه في مدينة غزّة؛ وذلك انطلاقاً من وجوب التناصر بين المسلمين، الذي ربّى الإسلامُ أبناءه عليه، وبيّن أهمّيّتَه العظمى في حياة الأمّة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمنٍ يعين مؤمناً مظلوماً، إلّا كان أفضل من صيام شهرٍ واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمنٍ ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا ونصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة»[11].

إنّ هذه «التعبئة» التي وضع أسسَها الإمامُ الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، وبعده الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، نرى ثمارها اليوم في تحمّل المسؤوليّة، من إيران إلى العراق إلى اليمن إلى سوريا إلى لبنان، دعماً ومساندةً ونصرةً للمسلمين المظلومين في غزّة.


[1] سورة القصص، الآية 5.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه) بتاريخ 27/11/2019م.
[3] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 24/11/1999م.
[4] سورة النساء، الآية 75.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص163.
[6] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 27/11/2014م.
[7] سورة الأنفال، الآية 62.
[8] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 29/11/1995م.
[9] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 25/11/2009م.
[10] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 31/10/2007م.
[11] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص148.

16-11-2023 | 09-22 د | 4617 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net