الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1583 12 ربيع الأول 1445 هـ - الموافق 28 أيلول 2023 م

فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك، بذكرى الولادة المبارك للرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وحفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأَنْبِيَاءِ، ومِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ، ومَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، ويَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ»[1].

إنّ يومَ السابع عشر من ربيع الأوّل يومٌ عظيمٌ جدّاً في تاريخ البشريّة، يومٌ مُفعم بالبركة، يومٌ وُلِد فيه خير الخلق أجمعين، وكان نوراً في دياجي الظلمات ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾[2]. هو يوم الأمل الذي بشّر الناسَ بالهداية والاستقامة على صراط الإنسانيّة.

وإنّ الكلام على هذه الشخصيّة العظيمة، يحتاج إلى كثيرٍ من المعرفة والاطّلاع، ودقّة في البيان، ومهما اتّسعَت المدارك والآفاق، وجادَت الألسن بعظيم الكلمات، فإنّها تبقى عاجزةً وقاصرةً أمام هذا النور المبارك للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله).
لذا، نستعين بأقرب الناس إليه (صلّى الله عليه وآله)، وألصقهم به، وأعرفهم بما كان عليه، وصيِّه وحبيبِه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ننهل من نور كلماته علماً ومعرفةً، مختارين بعض الشذرات والإشارات، وهو القائل (عليه السلام): «ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي»[3].

حال الدنيا آنذاك
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الأوضاع في تلك الأيّام وما آلت إليه البشريّة في ذلك الزمان: «والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُور»[4]. فإنّ نور الإنسانيّة قد انمحق من قلوب الناس والمجتمعات، بعد انقطاع الرسل، وما يأتون به من شرائع يُهتدى بنورها، وقد اغترّ الناس بالدنيا، وانهمكوا في مشتهياتها، وخدعتهم بخوادعها ومظاهرها. ولم يكن ذلك في الجزيرة العربيّة فحسب، بل في عمق الإمبراطوريّات العظمى والحكومات المتمدّنة في ذلك الزمان. فالصورة العامّة للعالم كانت صورةً ظلمانيّة، وكانت مظهراً للظلم وضياع علائم الإنسانيّة.

المعدن الطيّب
في مثل هذه الأوضاع، سطع نور وجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بإرادة الحقّ العزيز المتعال، فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام)، واصفاً المنبت الطيّب والمعدن الطاهر الذي جاء منه رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ إِلَى مُحَمَّد (صلّى الله عليه وآله)، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وَأَعَزِّ الأرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأسَرِ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَم، وَبَسَقَتْ فِي كَرَم، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَثَمَرٌ لاَ يُنَالُ»[5].

لقد اختار الله تعالى النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) من أسرة بني هاشم، وهي خير الأسر، لم تدنّسها الأرجاس، أسرة عُرفَت بإيمانها بالله تعالى وتوحيده، والتزامها بشريعة إبراهيم (عليه السلام)، شيخ الأنبياء (عليهم السلام)، والذي تعود إليه سلسلة آباء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، إذ كان مستقرُّه (صلّى الله عليه وآله) في هذه الأصلاب الشامخة، ومنبتُه في الأرحام المُطهَّرة، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً: «مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ»[6].

خير البريّة طفلاً
ثمّ يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) طفولتَه (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: «خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً»[7]، ويبيّن العنايةَ الإلهيّة التي أُحيطَت به، فيقول: «ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه (صلّى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ، لَيْلَه ونَهَارَه»[8]، فكان محطّ عناية الله وتربيته التامّة، وكان جميع مَن في شبه الجزيرة العربيّة يشهدون له بخُلُقه العظيم وصدقه وأمانته، ولم يستطع أحدٌ منهم أن يُعيبَه بشيء من مثالب الأخلاق على مدى أربعين سنة قبل البعثة المباركة، بل إنْ كان ثمّة ذكرٌ في العالم للقيم الإنسانيّة والفضائل الأخلاقيّة والمعالي في وجود الناس، فبسبب وجوده المبارك، وبسبب تلك البعثة التي جمعت كمال البعثات وفضائل الأنبياء كلّها.

صفاته الأخلاقيّة
لقد كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الكمالات العقليّة والمعنويّة والروحيّة والنفسيّة، وعلى كلّ صعيد، ما بلغ به القِمّة، وقد وصفه خالقُه جلّ وعلا، قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[9]، هذا الخُلق الذي تجلّى في رحمته، في لينه، في عاطفته، في إنسانيّته، في تواضعه، في كرمه وجوده، في صدقه وأمانته، في وفائه بالعهود والمواثيق... ويذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) بعضاً من هذا الخُلق، فيقول: «أكرم الناس عشرة، وألينهم عريكة، وأجودهم كفّاً، من خالطه بمعرفة أحبّه، ومن رآه بديهةً هابه»[10]، وهذه الأمور يعترف بها الجميع؛ ولذلك نجد أنّ أخصامَه وأعداءَه لم يجدوا فيه منقصةً واحدةً، أو ثغرةً واحدة، يستطيعون أن يتسلّلوا من خلالها ليعيبوه.

وعلى الرغم من مكانته العظيمة ودرجته الرفيعة ومنزلته العالية، كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أكثرَ الخلق تواضعاً، إذ يصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته اليوميّة، فيقول: «ولَقَدْ كَانَ (صلّى الله عليه وآله) يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانَةُ -لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ- غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا»[11].

بأسه وشجاعته
مضافاً إلى ذلك كلّه، كان (صلّى الله عليه وآله) في منتهى الشجاعة والإقدام، يقود الحروبَ بنفسه، يدخل فيها كغيره من أصحابه، بل يكون في أوّل الصفوف، والأقربَ إلى العدوّ، حتّى كان أصحابُه يحتمون به عند اشتداد المعركة واحمرار البأس، يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك، فيقول: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ»[12]، وكان (صلّى الله عليه وآله)، مُضافاً إلى هذه التضحية، يقدِّم أهلَ بيته وعشيرته على أصحابه إذا اشتدَّت المعركة، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) إذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالأسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد، وَقُتِلَ جعفر يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ومَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ»[13].

زهده في الدنيا
ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، مع كلِّ ما كان له من كرامةٍ على الخلق أجمعين، ومكانةٍ عند ربّ العالمين، كان يرفض الدنيا ويأباها، وهي طوع يديه، وقد عُرضَت عليه، فكان زاهدًا فيها، نابذاً زينتَها وزخارفَها، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا، وأَهْوَنَ بِهَا وهَوَّنَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللهً زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً، وبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً. بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً، ونَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً»[14].

تأسَّ بنبيّك
في الختام، يدعو أمير المؤمنين (عليه السلام) دعوةً صريحة، وهو الخبير العارف، إلى اتّباع النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) والتأسّي به، إذ إنّه الأسوة الحسنة، والنموذج الإنسانيّ الكامل، والصورة الكاملة لمكارم الأخلاق، فيقول (عليه السلام): «فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ (صلّى الله عليه وآله)؛ فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى، وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّه الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّه والْمُقْتَصُّ لأَثَرِه»[15].


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص156، الخطبة 108.
[2] سورة النور، الآية 40.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص300، الخطبة 192.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص122، الخطبة 89.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص139، الخطبة 94.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص141، الخطبة 96.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص151، الخطبة 105.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص300، الخطبة 192.
[9] سورة القلم، الآية 4.
[10] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص341.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص228، الخطبة 160.
[12] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص520، الحديث 9.
[13] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص368، الكتاب 9.
[14] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص162، الخطبة 109.
[15] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص228، الخطبة 160.

27-09-2023 | 15-00 د | 4148 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net