الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1577 30 محرم 1445 هـ - الموافق 17 آب 2023 م

أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الحرامَ لا ينمى، وإن نما لا يُبارَك له فيه، وما أنفقَهُ لم يُؤجَر عليه، وما خلّفَهُ كان زادَهُ إلى النار»[1].

إنّ حياةَ المسلم محكومةٌ بالضوابط الشرعيّة، فالحلال ما أحلّه اللهُ ورسولُه، والحرام ما حرّمه اللهُ ورسولُه. وإنّ من أهمّ ما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه طلبَ المالِ الحلال، فلا يأكل إلّا ممّا اكتسبه من طُرقٍ أباحها الله تعالى في هذه الحياة الدنيا؛ إذ إنّ أكلَ الحرام هو من كبائر الذنوب، التي يستحقّ صاحبُها بها النار.

والمراد من أكل المال الحرام مطلق التصرُّف به، سواءٌ أكان بنحو الأكل والشرب، أم بنحو اللباس والسكن، أم غير ذلك من التصرّفات في المال الحرام.

وقد عُبِّر عن المال الحرام بـ(السُحتِ)، إذ إنّ السحت يعني الزوال والانعدام، والمال المسحوت هو المال المقتلَع والمقطوع من جذوره، وحيث إنّ المال الحرام لا بركة فيه، ولا ينتفع المتصرِّف به، عُبِّر عنه بالسحت.

والسحت يشمل جميع أقسام المال الحرام، إذ إنّ أيَّ مالٍ يتصرّف به الإنسان بطريقٍ غير مشروع هو من أكل السحت، عن عمّار بن مروان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الغُلول[2]، قال: «كلّ شيء غُلَّ من الإمام فهو سحت، وأكل مال اليتيم وشبهه سحت، والسحت أنواع كثيرة، منها: أجور الفواجر، وثمن الخمر والنبيذ المُسكِر، والربا بعد البيّنة؛ فأمّا الرِشا في الحكم، فإنّ ذلك الكفرُ بالله العظيم وبرسوله (صلّى الله عليه وآله)»[3].

من مصاديق أكل الحرام
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾[4]، والمراد من الطيّبات الحلالُ من الرزق، الذي أباحه اللهُ تعالى. ويقول في آيةٍ أخرى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[5]، ومن تفاسير الباطل ما يستولي عليه الإنسانُ عن طريق الغصب والعدوان، فيكون مالاً حراماً. وإنّ من صور المال الحرام وأعظمها خطورة على الأفراد والمجتمعات:

1. أكل الربا، فالربا ممحوق البركة، منزوع الخير، وهو من أشدّ الرزايا على المجتمعات، سواءٌ أكان بين الأفراد، أم مع البنوك والمؤسّسات، وإن اختلفت مسمّياته وهيئاته وطرق التعامل به. وقد عدّه القرآن الكريم من الذنوب العظيمة التي تستوجب حرباً من اللهِ ورسولِه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾[6]؛ فهذه الآية تهاجم المرابينَ بكلّ شدّة وحزم، وتنذرهم بلهجةٍ صارمة، أنّهم إذا واصلوا عملَهم الربويّ، ولم يستسلموا لأوامر الله في الحقّ والعدل، واستمرّوا في امتصاص دماء الكادحين المحرومين، فلا يسع رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) إلّا أن يتوسّل بالقوّة لإيقافهم عند حدّهم وإخضاعهم للحقّ، وهذا بمثابة إعلان الحرب عليهم[7]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لعن رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) الربا وآكلَه ومؤكِّلَه وبايعَه ومشتريَه وكاتبَه وشاهدِيه»[8].

2. الغشّ والتدليس، فغشّ الناس والتدليس عليهم في المعاملات من أجل أكل أموالهم بالباطل، هو من صور أكل المال الحرام، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مرّ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) في سوق المدينة بطعامٍ، فقال لصاحبه: ما أرى طعامَك إلّا طيّباً، وسأله عن سعره، فأوحى اللهُ عزّ وجلّ إليه أن يدُسَّ يديه في الطعام، ففعل، فأخرج طعاماً ردِيّاً، فقال لصاحبه: ما أراك إلّا وقد جمعتَ خيانةً وغشّاً للمسلمين»[9]. وقد دخل رجلٌ على الإمام الصادق (عليه السلام) يبيع الدقيق، فقال له مُحذِّراً: «إيّاك والغشّ؛ فإنّ مَن غَشَّ غُشَّ في ماله، فإن لم يكن له مال غُشَّ في أهله»[10]، وعن موسى بن بكر، قال: كنّا عند أبي الحسن [الإمام الكاظم] (عليه السلام)، فإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينارٍ، فأخذه بيده، ثمّ قطعه بنصفين، ثمّ قال لي: «ألقِهِ في البالوعة، حتّى لا يُباعَ شيء فيه غشّ»[11].

3. حبس الحقوق من غير عُسرٍ، وهذا من كبائر الذنوب؛ إذ إنّ الحقوقَ الواجبة، عند حلول موعدها، تجب المبادرةُ إلى أدائها ودفعها، ولا يجوز التصرّف بها، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا يونس، مَن حبس حقَّ المؤمن، أقامه اللهُ عزّ وجلّ يومَ القيامة خمسمئة عام على رجليه، حتّى يسيل عرقُه أو دمُه، وينادي منادٍ من عند الله: هذا الظالم الذي حبس عن الله حقَّه»، قال: «فيُوبَّخ أربعين يوماً، ثمّ يؤمَر به إلى النار»[12].

4. السرقة، أيضاً هي من الذنوب الكبيرة، بل إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نفى الإيمانَ عن السارق، فقال (صلّى الله عليه وآله): «ولا يسرق السارقُ وهو مؤمن»[13].

ومن مصاديق السرقة، ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «السرّاق ثلاثة: مانع الزكاة، ومستحلّ مهور النساء، وكذلك من استدانَ ديناً ولم ينوِ قضاءَه»[14].

5. الرشوة، وهي من أخطر الأمراض والأوبئة الاجتماعيّة التي ابتُلي بها البشر، وقد كانت هذه الظاهرة دائماً من موانع إقامة العدالة الاجتماعيّة، بها يفسد الفرد والجماعة، والحاكم والمحكوم؛ ولهذا شدّد الإسلام على مسألة الرشوة، وأدانها، وقبّحها؛ إذ إنّها تؤدّي إلى تفشّي الظلم والفساد والتمييز، وتصادر العدالة. ومن الجدير بالذكر أنّ بعض الراشين يغطّوا رشوتهم بمسمّياتٍ أخرى كالهديّة ونظائرها، ولكن هذا لا يغيّر من ماهيّة العمل شيئاً، وإنّ الأموال المُستحصَلة عن هذا الطريق محرّمة، وغير مشروعة.

رُوي أنّ الأشعث بن قيس كان قد أهدى لأمير المؤمنين (عليه السلام) نوعاً من الحلواء تأنّق فيه[15]، وظنّ أنّه يستميله بالمهاداة لغرضٍ دنيويٍّ كان في نفس الأشعث[16]، فجاءه جواب الإمام (عليه السلام): «وأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا، ومَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا[17]، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لَا ذَا ولَا ذَاكَ، ولَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ، أَعَنْ دِينِ اللَّه أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟! أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ؟! واللَّه، لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه، وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضُمُهَا»[18].

وقد ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾[19]، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «هو الرجلُ الذي يقضي لأخيه الحاجة، ثمّ يقبل هديّتَه»[20].

الرزق مقسوم
في الختام، قد يظنّ بعض الناس أنّ التورّعَ عن كسب الحرام يُضعِف وضعَه المعيشيّ، ويزيد من حاجته وابتلائه، لكنّ هذا الأمرَ ليس سوى وسوسات شيطانيّة، فالقرآن الكريم والروايات الشريفة يؤكّدان أنَّ اللهَ تعالى قد ضمن لكلّ مخلوق رزقَه من طريق الحلال، إن لم يستعجلْه بالحرام، وكان تقيّاً صابراً قنوعاً.

يقول تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[21].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «خطب رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) في حجّة الوداع، فقال: ... ألا وإنّ الروحَ الأمينَ نفث في روعي، أنّه لن تموتَ نفسٌ حتّى تستكملَ رزقَها؛ فاتّقوا الله، وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمل أحدَكم استبطاءُ شيءٍ من الرزق أن يطلبَه بغير حلّه، فإنّه لا يُدرَك ما عند الله إلّا بطاعتِه»[22].

ورد أنَّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) دخل المسجد، وقال لرجل: أمسك على بغلتي، فخلعَ لجامَها، وذهب به، فخرج عليٌّ (عليه السلام) بعد ما قضى صلاتَه، وبيده درهمان ليدفعَهما إليه مكافأةً له، فوجد البغلةَ عطلا، فدفع إلى أحد غلمانِه الدرهمين، ليشتريَ بهما لجاماً، فصادف الغلامُ اللجامَ المسروقَ في السوق، قد باعه الرجلُ بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه، فقال عليٌّ (عليه السلام): «إنّ العبدَ لَيَحرِمُ نفسَه الرزقَ الحلالَ بترك الصبر، ولا يُزاد على ما قُدِّر له»[23].


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص125.
[2] هو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة، وكلّ من خان في شيءٍ خفيةً فقد غَلّ.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص126.
[4] سورة البقرة، الآية 172.
[5] سورة البقرة، الآية 188.
[6] سورة البقرة، الآيتان 278 و279.
[7] الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص346.
[8] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص274.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص161.
[10] المصدر نفسه، ج5، ص160.
[11] المصدر نفسه.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص367.
[13] المصدر نفسه، ج2، ص285.
[14] الشيخ الصدوق، الخصال، ص153.
[15] بالغ في العناية بزينته وأناقته، قصد إثارة الإعجاب.
[16] ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج11، ص247.
[17] أبغضتها ونفرت منها.
[18] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص347، الخطبة 224.
[19] سورة المائدة، الآية 42.
[20] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص31.
[21] سورة هود، الآية 6.
[22] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص74.
[23] ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج3، ص160.

16-08-2023 | 13-35 د | 6986 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net