الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1576 23 محرم 1445 هـ - الموافق 10 آب 2023 م

والعافينَ عنِ الناسِ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء، بذكرى شهادة الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام، عام 95 للهجرة.

يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[1].

قيمة العفو
إنّ من أهمّ الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، شيمةَ العفو؛ وبها تحلّى أنبياءُ الله وأوصياؤه (عليهم السلام)، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رائدَها في جُلِّ مواقفه، وليس آخرها عفوه عن أهل مكّة، عندما دخلها، وكانوا أسراء في يده، فأعتَقَهم، وقال: «اِذهبوا، فأنتم الطلقاء»[2].

وممّا يدلّ على قيمة العفو وعلوّ قدره، وصفُ اللهِ تعالى نفسَه به، في سياق المنِّ على العباد وتأكيد موقعيّة القوّة والاقتدار، إذ يقول جلّ وعلا: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾[3]، وقد جاء أيضاً في سياقٍ قرآنيّ آخر مع المغفرة، إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً﴾[4]، وفي كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على عظمة الله، يقول: «أَمْرُه قَضَاءٌ وحِكْمَةٌ، ورِضَاه أَمَانٌ ورَحْمَةُ، يَقْضِي بِعِلْمٍ، ويَعْفُو بِحِلْمٍ»[5].

فالعفو من أنبل الأخلاق، ومن أكرم ما اشتملَت عليه النفوس، إذ إنّه يبعث على المروءة والتغاضي عن سفاهة الآخرين، وهو من مكارم الدنيا والآخرة؛ لما يحمله من صبرٍ وقدرةٍ على التحكّم بميول النفس، ولجمها عمّا تهواه من حبّ الانتقام، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثلاثٌ من مكارم الدنيا والآخرة: تعفو عمَّن ظلمك، وتَصِلُ مَن قطعك، وتَحلِمُ إذا جُهِل عليك»[6].

شرطا العفو
وليس كلّ تجاوزٍ من العفو، بل لا بدّ من توفّر شرطين أساسيّين له، حتّى يصدقَ أنّ هذا التجاوزَ من العفو، وهما:

1. ثبوت الإساءة، فإنّ حقيقة العفو قائمة على صدور الخطأ أو الإساءة من المعفوّ عنه تجاه من يتجاوز، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إلهي، عظُمَ جرمي إذ كنتَ المبارَزَ به، وكَبُرَ ذنبي إذ كُنتَ المطَالِبَ بهِ، إلّا أنّي إذا ذَكَرتُ كبيرَ جرمي وعظيمَ غفرانِك، وجدتُ الحاصلَ لي من بينهما عفوَ رضوانِك»[7].

2. الاقتدار، فالعفو لا يكون إلّا مع الاقتدار على المعاقبة والمؤاخذة، بأن تكون لمن أُسي‏ء إليه يدٌ طولى على المسي‏ء؛ فإنّ ادّعاء العفو مع العجز عن الردّ والانتقام ليس في محلّه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ، أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ»[8]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ، فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْه شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْه»[9].

الصفح الجميل
وإنّ في العفو دلالةً على محو الإساءة ونسيانها، بحيث لا يبقى لها أثر، فهو مدعاة للتجاوز عن الآثار ومحوها، وبذلك يكون عفواً وصفحاً جميلاً، والذي من صفاته وعلاماته:

1. عدم الانتقام: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الصفح الجميل أن لا تعاقب على الذنب»[10].

2. عدم التقريع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما عفا عن الذنب مَن قَرَّع به»[11].

3. عدم العتاب: عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾[12]، قال: «العفو من غير عتاب»[13].

وقد أجمل الإمام الرضا (عليه السلام) هذه العلامات في حديث واحد، إذ قال: «عفوٌ من غير عقوبة، ولا تعنيف، ولا عتب»[14].

من آثار العفو
إنّ الله سبحانه عفوٌ يحبّ العفو، كما في الدعاء: «اللهمّ إنك عَفوٌّ تحبّ العفو، فاعفُ عنّي»[15]، وقد جعل الله جزاء العافين عن الناس جنّةً عرضها السماوات والأرض، إذ يقول تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[16]، ومن آثار هذه الشيمة الكريمة:

1. طول العمر: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ كَثُر عفوه، مُدّ في عمره»[17].

2. سقوط الضغائن: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «تعافوا، تسقط الضغائن بينكم»[18].

3. العزّة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عليكم بالعفو؛ فإنّ العفو لا يزيد العبدَ إلّا عزّاً، فتعافَوا يعزّكم الله»[19]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «من عفا عن مظلمة، أبدله اللهُ بها عزاً في الدنيا والآخرة»[20].

4. أجره على الله: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إذا أُوقِف العباد، نادى منادٍ: لِيقم مَن أجره على الله، قيل: مَنْ ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس»[21].

الإمام السجّاد (عليه السلام) أسوةٌ وقدوة
في الختام، إنّ المتأمّلَ في سيرة الأئمّة الهداة (عليهم السلام)، يجد أنّ حياتَهم كانت دستوراً يحفظ الأمّة من الضياع في متاهات الظلام، إذ إنّها جسّدَت أنبلَ الأخلاق وأكرمَ الفضائل، فكانوا المصداقَ الأبرز لتطبيق ما أشار إليه القرآن الكريم من فضائل الأخلاق، ومنها العفو، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[22].

من هنا، ونحن في أيّام شهادة الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، نتعلّم منه كيف كان يتعامل مع مَن أساء إليه، إذ كان نموذجاً متألِّقاً في درء الغضب، حتّى كان ذلك شعاراً له وسجيّةً طُبِع عليها، وكان عظيمَ التجاوز والعفو والصفح، حتّى أنّه سبّه رجلٌ، فتغافل عنه، فقال له: إياكَ أعني، فقال (عليه السلام): «وعنكَ أُعرِض»[23]، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[24].

وممّا اشتُهرَ ونُقل عنه (عليه السلام) أيضاً: كانت له جارية تسكب عليه الماء، فنعست، فسقط الإبريق من يدها، فشجَّهُ، فرفع رأسَه إليها، فقالت: إنّ اللهَ تعالى يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، قال: قد كظمتُ غيظي، قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، قال: عفا الله عنكِ، قالت: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، قال: «فاذهبي، فأنتِ حُرَّةٌ لوجه الله»[25].

فسلامٌ عليه يومَ وُلِد، ويومَ استُشهِد، ويومَ يُبعَث حيّاً.
 
[1] سورة آل عمران، الآيتان 133 و134.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص513.
[3] سورة النساء، الآية 149.
[4] سورة النساء، الآية 43.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص224، الخطبة 16.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏2، ص‏107.
[7] الشيخ الكفعميّ، المصباح، ص‏368.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص478، الحكمة 52.
[9] المصدر نفسه، ص470، الحكمة 11.
[10] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص369.
[11] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص477.
[12] سورة الحجر، الآية 85.
[13] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص131.
[14] الديلميّ، أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص‏307.
[15] السيّد ابن طاووس، مهج الدعوات ومنهج العبادات، ص170.
[16] سورة آل عمران، الآيتان 133 و134.
[17] الكراكجيّ، كنز الفوائد، ص56.
[18] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص373.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص108.
[20] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص‏182.
[21] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص374.
[22] سورة البقرة، الآية 219.
[23] ابن حجر، الصواعق المُحرِقة، ص201.
[24] سورة الأعراف، الآية 199.
[25] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص296.

09-08-2023 | 16-03 د | 7192 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net