الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
عيد الأضحى، دلالات وأبعاد
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك في هذه اليوم المبارك والعيد السعيد، عيد الأضحى.

بعد شهرٍ من طاعة الله في صوم شهر رمضان يكون العيد، وبعد أداء فريضة الحجّ العظيمة أيضاً يكون العيد؛ إذ يعود إلى النفس طهرها وصفاؤها، ويزول التلوّث عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها؛ لذا نقرأ في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) قولَه: «وكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّه فِيه، فَهُوَ عِيدٌ»[1]، ففي هذا إشارة واضحة إلى أنّ يوم ترك المعصية هو يوم فوزٍ وطهارةٍ وعودةٍ إلى الفطرة الأولى؛ لذا هو يوم فرح وسرور. وإنّ الفرح الأكبر والفوز الأعظم يكون يوم القيامة، إذ يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[2].

دلالات عيد الأضحى
إنّ لعيد الأضحى دلالاتٍ وأبعاداً عديدة، لها آثارها في حياة المسلمين، وهو ينطوي على حكمٍ كثيرة، ينبغي التنبّه لها والالتفات إليها، نذكر منها في هذا اليوم العظيم:

أوّلاً: التضحية والإيثار
ثمّة تقدير من الله عزّ وجلّ للنبيّ إبراهيم (عليه السلام)، الذي أقدم في هذا اليوم على التضحية بابنه إسماعيل (عليه السلام)، والتضحية بالأحبّة هي فوق التضحية بالروح أحياناً؛ إذ كان يجب على النبيّ إبراهيم (عليه السلام) -بناءً على رؤيا رآها، ورؤيا النبيّ وحيٌ من الله- أن يضحّي بيديه بعزيزه وحبيبه في سبيل الله، وهو ابنه الذي وهبه له الله تعالى على كِبَر سنّه، يقول تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ﴾1، ولم يكن له أملٌ في الذرّيّة بعد طول انتظار وشوق، وإلى ذلك يشير الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة، فيقول: «يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوى عَنْ أَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَناءِ عُمُرِهِ»[3].

لذلك، حينما نحتفل بعيد الأضحى المبارك، فإنّما نحيي هذه التضحية العظيمة، نحيي هذا الإيثار الذي هو رمز للمؤمنين الذين يرومون الارتقاء في مدارج الكمال العليا؛ لنتعلّم أنّ المؤمن يضحّي في سبيل عقيدته بأغلى ما لديه. والتضحية تكون بالروح، وتكون بالمال، وفي بعض الأحيان تكون بالأعزّاء والأحبّة، وقد سجّل المولى سبحانه هذا الأمر الجليل في كتابه العزيز مُشيداً بإبراهيم (عليه السلام)، واستجابته لأمره تعالى، ورفعة لشأن ابنه إسماعيل الذي رضي بما أمر به الله، فقال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾[4]، تقول الآيات الكريمة، مفصّلة هذا الحدث الجلل: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾[5].

ثانياً: الثقة بالله والتسليم لأمره
ومن الدلالات العظيمة لهذا العيد، ما قام به النبيّ إبراهيم وزوجه هاجر ورضعيهما إسماعيل (عليهم السلام)، حينما ذهب بهما إبراهيم (عليه السلام) إلى مكان البيت الحرام، وتركهما هناك من دون زاد ولا أنيس، وتحمُّل السيّدة هاجر (عليها السلام) هذه المشقّة وهذا الجهد، وقد سألت النبيَّ إبراهيم (عليه السلام) عندما خلّفها مع رضيعها في ذلك المكان: «إلى مَن تكِلنا؟»، فقال (عليه السلام): «إلى الله»، فقالت: «انطلق، فإنّه لا يضيّعنا»[6]. وقد لاقت من الصعاب ما لاقت، وعانت من الشدائد ما عانت، وصبرت، حتّى أجرى الله لها ماء زمزم، لتشرب وتسقي وليدها. وما زال الملايين من الحجّاج والمعتمرين على مدى آلافٍ من السنين يشربون من هذا الماء، ويتذكّرون نعمة الله عليهم، وعلى أمّ العرب هاجر وأبيهم إسماعيل (عليهما السلام)، والمناسك التي يؤدّيها المسلمون يوم الأضحى وقبله وبعده، إنّما هي إحياء لذكرى هذه التضحيات الجسام، وتذكير للمسلمين.

ثالثاً: الولاية وأداء التكليف
لقد كان النبيّ إبراهيم (عليه السلام) وليّاً عظيماً من أولياء الله تعالى، نجح في الاختبارات الإلهيّة، فجعله الله إماماً للناس. والولاية لله تعني الطاعة والانقياد والخضوع والتسليم لأوامر الله تعالى وتكاليفه.

والتكليف الشرعيّ للمؤمن هو الهدف الذي يجب أن يسعى دائماً إلى تحقيقه. وقد يكون هذا التكليف في بعض الأحيان مخالفاً لمزاج الإنسان وهواه، وفي ذلك فرصة سانحة للشيطان، لا يفوّتها، فيأتي محاولاً ثني الإنسان عن أداء هذا التكليف، من خلال تثبيط عزيمته وتحريك هوى النفس الأمّارة بالسوء باتّجاه رغباتها، وبالتالي ترك التكليف. وفي هذه الحالة يكون الأمر ابتلاءً وامتحاناً من الله تعالى لعبده.

لقد كان التكليف الإلهيّ الذي اختبر به الله عزّ وجلّ خليلَه إبراهيم (عليه السلام) عظيماً، إنّه أمرٌ قد يسقط في الالتزام به الإنسان العاديّ الذي لم يصل إلى المقام الإيمانيّ العظيم؛ فأيّ إنسانٍ يحتمل أن يذبح ولده طاعةً لله وامتثالاً لأمره، من دون أن يُعرِّفه سرَّ ذلك.

هنا كان الموقف الكبير والقرار الذي لا مداهنة فيه، وهو الانقياد التامّ لأمر الله تعالى والطاعة والتسليم، فيقود ولدهُ نحو المذبح، هذا الولد الذي جاءه بعد دعاءٍ استجابهُ الله تعالى له، وتتجلّى الطاعة عند إسماعيل (عليه السلام) في مشهدٍ إلهيّ عظيم: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء اللهُ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾[7].

لقد قصّ القرآن الكريم هذه القصّة، ليبيّن للمسلمين أهمّيّة الطاعة وامتثال التكليف الإلهيّ، وأنّ على الإنسان أن لا يختلق المبرّرات لمخالفة أيّ تكليف يطلبه الله تعالى منه.

التمرّد على الطاعة سقوط
إنّ أبرز من اعترض على تكليف الله، وتمرّد على الطاعة، هو إبليس الرجيم، الذي رفض امتثال أمر الله تعالى بالسجود لآدم (عليه السلام)، ولو كان إبليس صادقاً مُخلصاً في إيمانه واعتقاده، لما سأل الله واعترض على حكمه وأمره، إذ هو الله الذي لا إله إلّا هو، ولا يُسأل عمّا يفعل، والخلق كلّهم مسؤولون.

«إنّ شبهة إبليس (لعنه الله) كان مصدرها استبدادَه بالرأي، واختيارَه الهوى في معارضة الأمر، واستكبارَه بالمادّة التي خُلِق منها»[8]. وقد أدّى به هذا الأمر إلى اختلاق المعاذير والتبريرات، وكانت النتيجة هي السقوط في الهاوية بعد أن كان عابداً لله تعالى، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ، وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ»[9].

أسعد الله أيّامكم، وتقبلّ أعمالكم وطاعاتكم، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير.


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص551، الحكمة 428.
[2] سورة آل عمران، الآية 185.
[3] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص416.
[4] سورة الصافّات، الآية 100.
[5] سورة الصافّات، الآيات 100 - 107.
[6] الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج1، ص177.
[7] سورة الصافّات، الآية 102.
[8] الشهرستانيّ، الملل والنحل، ج1، ص16.
[9] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص287، الخطبة 192

27-06-2023 | 12-52 د | 4998 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net