الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1568 26 ذو القعدة 1444 هـ - الموافق 15 حزيران 2023م

أدِّبوا أولادَكُم

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك، بذكر زواج النور من النور، زواج أمير المؤمنين من السيّدة الزهراء (عليهما السلام)، في الأوّل من شهر ذي الحجّة.

قصّة زواج النورَين (عليهما السلام)
ورد في قصّة زواج السيّدة الزهراء من الإمام عليّ (عليهما السلام)، أنّ الإمام (عليه السلام) جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو في منزل أُمّ سلمة، فسلّم عليه، وجلس بين يديه، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «أتَيْتَ لِحاجَة؟»، فقال الإمام (عليه السلام) بعد كلامٍ طويل: «... وقد أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطمة، فهلْ أنتَ مُزوِّجي؟». قالت أمّ سلمة: فرأيتُ وجهَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتهلّل فرحاً وسروراً[1].

ورُوي أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): «إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإنّي سألتُ ربّي أن يزوّجكِ خيرَ خلقه وأحبَّهم إليه، وقد ذكر من أمركِ شيئاً، فما ترَين؟»، فسكتَت، فخرج رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو يقول: «الله أكبر، سكوتُها إقرارُها»[2].

هذا الزواج المبارك، كانت ثمرتُه سيدَي شباب أهل الجنّة، وريحانتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كانت ثمرتُه ذرّيّةً صالحةً، ونسلاً مباركاً، وسفينة نجاةٍ للأمّة.

لذا، وفي أيّام أسبوع الأسرة، من الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وحتّى الأوّل من شهر ذي الحجّة، نتكلّم على ما حثّت عليه الشريعة الإسلاميّة، من ضرورة العناية بثمرة الأسرة ونتاجها، وهي الذرّيّة التي سنُسأل عنها يوم القيامة، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقوق الأبناء: «وأمّا حقّ ولدِك، فأن تعلم أنّه منك، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤولٌ عمّا ولّيتَه به مِن حُسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته؛ فاعمل في أمره عملَ مَن يعلم أنّه مُثابٌ على الإحسان إليه، مُعاقَبٌ على الإساءة إليه»[3].

قلبُ الحدَث كالأرض الخالية
جاء في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام): «وَإِنَّمَا قَلْبُ‏ الْحَدَثِ‏ كَالْأَرْضِ‏ الْخَالِيَةِ، مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرتكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ»[4].

يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته هذه إلى ضرورة أن يتربّى الولد على القيم والسنن والآداب منذ الصغر، لتنطبع في شخصيّته؛ إذ إنّ قلبَه كالأرض الخالية، التي ينمو فيها الغرس ويحسن نباته، بخلاف الأرض التي يكثر فيها الزرع؛ فالقلب الخالي يكون جاهزاً لاستقبال المعارف والتوجيهات، واستلهام العادات والتقاليد والقيم ممّن يحيط به. وغالباً ما ينمو حسنُ الأدب أو سوؤه مع الطفولة، ويستمرّ مع الإنسان في مراحله العمريّة الأخرى. وقد أجمعت مصادر الحديث المختلفة، ونظريّات علم الاجتماع الحديثة، والتجارب، على أنّ خيرَ مرحلة لغرس القيم والمُثل، وتثبيت الخلق وأنماط السلوك، وتوجيه الخيارات الشخصيّة عند الإنسان، هي في بدايات حياته، حين يكون القلب، كما عبّر أمير المؤمنين (عليه السلام)، كالأرض الخالية.

ما يُلقى في قلب الحدَث
بناءً على وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، تجب المبادرة إلى العناية بأولادنا منذ نعومة أظفارهم، والاهتمام الدقيق بما ينبغي إلقاؤه في قلوبهم؛ لما في ذلك من أثرٍ على شخصيّتهم ومراحل أعمارهم القادمة كما مرّ، فما الذي ينبغي علينا زرعُه في هذه الأرض الخالية؟

أشارت الروايات الشريفة إلى مجموعة من الأمور والعناوين التي ينبغي الاهتمام بها والتركيز عليها في عمليّة التربية، نذكر أهمّها:

1ـ التعلّق بالثقلَين: إنّ أوّل ما ينبغي غرسُه في قلب الحدَث، وتعريفُه إيّاه، هما الثقلان؛ الكتاب الكريم والنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة (عليهم السلام)، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أدِّبوا أولادَكم على ثلاث خصال: حُبِّ نبيّكم، وحبِّ أهل بيته، وقراءةِ القرآن»[5].

2. الصلاة: إنّ الصلاةَ عمودُ الدين، وقَبول الأعمال مشروطٌ بقبولها، وقد أشارت الروايات إلى ضرورة أن نربط أولادنا بالصلاة قبل بلوغهم، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّموا أولادكم الصلاة لسبع»[6]، ولا نكتفي بتعليمهم، بل ينبغي أن نأمرَهم بها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة وهم أبناء خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين»[7]، كما أنّه تنبغي محاسبتُهم وعدم التهاون معهم حال تقصيرهم، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين»[8].

3. الصيام: إنّ من أهمّ أبعاد الصوم في المنحى التربويّ، تقويةَ إرادة الإنسان، فإنّ مَثَلَ الصائم كمَثَلِ الشجرة البريّة التي اعتادت الرياحَ العاتية، وحرارة الشمس المحرقة، وبرودة الطقس القاسية، فإنّها تصبح أقوى وأشدّ من تلك التي اعتادت الاهتمام والرعاية الزائدة، وهذا الأمر ينبغي أن نبدأ به مع أولادنا منذ الصغر بقدر استطاعتهم وتحمّلهم، فعن الإمام الصادق، عن أبيه (عليهما السلام): «ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بَني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغَرَثُ[9] أفطروا، حتّى يتعوّدوا الصومَ ويطيقوه؛ فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطشُ أفطروا»[10].

4. حسن الخُلق: وهو من أعظم ما يغرسه الأهل في أولادهم؛ فهو يمثّل الوجه الإنسانيّ الحقيقيّ في الأسرة والمجتمع، وهو الغلاف الذي يشمل كلّ علاقات الإنسان ومواقفه وسلوكه في الحياة، ويجعله فرداً فاعلاً وعنصراً إيجابيّاً في المجتمع. عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا رسولَ الله، ما حقّ ابني هذا؟ قال: تُحسِّن اسمَه وأدبَه، وضعْه موضعاً حسناً»[11].

ومعنى وضعه موضعاً حسناً أن تبالغ في احترامه والاهتمام بشأنه، وأن لا تهملَه وتتركَه عرضةً لبيئةٍ فاسدة، ولعوامل سلبيّة من صحبة سيّئة وقرناء سوء.

القدوة الحسنة
لكن، ومن أهمّ ما ينبغي الالتفات إليه في عمليّة التربية، هي كيفيّة غرس هذه الخصال في الأبناء؛ إذ إنّ الاقتصار على التلقين والكلام، ليس كافياً، بل ينبغي أن يكون التعليم عن طريق السلوك أيضاً؛ بأن يحرص الآباء على التزام ما يأمرون به أولادَهم من المعروف واجتناب ما ينهَون عنه من المنكر؛ فإنّ الأفعال إذا كانت على خلاف الأقوال، فستضعُف عمليّةُ التأثير، بل قد يكون لذلك أثرٌ سلبيّ وعكسيّ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ، ولْيَرْأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ»[12].

ولا شكّ في أنّ أمرَه (عليه السلام) الصغيرَ بأن يتّخذ الكبيرَ أسوةً وقدوة، يعني بأنّ الكبيرَ مأمورٌ بحسن السيرة والالتزام بالواجبات وتهذيب النفس...

وعنه (عليه السلام) أيضاً: «مَنْ‏ نَصَبَ‏ نَفْسَهُ‏ لِلنَاسِ إِمَاماً، فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ. وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ الناسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ‏»[13].

الأدب أفضل ميراث
إنّ أفضلَ هديّةٍ يقدّمها الأب لولده، وأعظمَ هبة يهبها له هي حسن الأدب، ممّا يجعله إنساناً سويّاً صالحاً، حسنَ السيرة، محمودَ السمعة في الدنيا، عاليَ الدرجة في الآخرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما نَحَل والدٌ ولداً نحلاً أفضلَ من أدبٍ حَسَن»[14].

أمّا إذا تُرك الولدُ من دون تأديب، فإنّه قد يكون وبالاً علينا في الدنيا والآخرة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولدُ السوءِ يعرُّ الشرف، ويُشين السلف»[15].

ولكن إذا أحسنّا صحبتَه وتربيتَه قولاً وفعلاً، فإنّه يكون أريجاً طيّباً، وأحد أسباب السعادة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من سعادة الرجل، الولدُ الصالح»[16].


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص127.
[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص127.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص454.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص393، الكتاب 31.
[5] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج16، ص456.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص341.
[7] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، ج1، ص280.
[8] الشيخ الصدوق، الخصال، ص626.
[9] الغرَث: الجوع.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص409.
[11] المصدر نفسه، ج6، ص48.
[12] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص240، الخطبة 164.
[13] المصدر نفسه، ص480، الحكمة 73.
[14] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج15، ص165.
[15] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص503.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص3.

15-06-2023 | 10-17 د | 666 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net