عَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَلَا إنَّ الأيّامَ ثلاثةٌ: يَومٌ مَضى لا تَرجُوهُ، ويَومٌ بَقِيَ لا بُدَّ مِنهُ، ويَومٌ يَأتِي لا تَأمَنُهُ؛ فالأمسُ مَوعِظةٌ، واليَومُ غَنيمَةٌ، وغَدٌ لا تَدرِي مَنْ أهلُهُ»[1].
العُمرُ هو المدَّةُ المقدَّرةُ للإنسانِ ما بينَ ولادتِه ووفاتِه، وهو الفرصةُ التي إنْ أَحسَنَ استخدامَها الإنسانُ وجدَ ثمرةَ ذلكَ في آخرتِه، فالإنسانُ في هذه الدنيا عابرُ سبيل، فكلُّ لحظةٍ تنقضي مِنْ عُمُرِه يَقتربُ فيها مِنْ أَجَلِه، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ امرَأً عَلِمَ أنّ نَفَسَهُ خُطاهُ إلى أجَلِهِ، فَبادَرَ عَمَلَهُ وقَصَّرَ أمَلَهُ»[2].
ويُقسِّمُ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) الأيّامَ إلى ثلاثة:
1ـ يومُ موعظة: وهو الذي قدْ مضى مِنَ العُمُر، والخوفُ أنْ يكونَ هذا اليومُ وبالاً عليه. ومَنْ أرادَ أنْ يضمنَ أنَّ يومَه لنْ يكونَ وبالاً عليه في الآخرة، عليهِ أنْ يبدأَ فيهِ بعملِ خير، مثلَ الصدقةِ وقضاءِ حوائجِ المؤمنينَ، ويختُمَهُ كذلك، فعَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «إنَّ المَلَكَ المُوَكَّلَ عَلَى العَبدِ يَكتُبُ في صَحيفَةِ أعمالِهِ، فَأَمْلُوا بأوَّلِها وآخِرِها خَيراً، يُغفَرْ لَكُم ما بينَ ذلكَ»[3].
ويسمِّيهِ الإمامُ (عليه السلام) يومَ موعظة؛ لأنَّ على الإنسانِ أنْ يتَّعِظَ منه، فإذا وقعَ في محذورٍ مِنْ معصيةٍ أو نحوِها، توقَّاهُ في مستقبَلِ عُمُره، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «لَوِ اعتَبَرْتَ بِما أضَعتَ مِن ماضي عُمرِكَ، لَحَفِظْتَ ما بَقِيَ»[4].
2ـ يومُ غنيمة: وهو اليومُ الذي أنتَ فيه، فإذا أحسَنْتَ العملَ فيه، كانتْ ثمرتُه لك، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَالَ لَه ذَلِكَ الْيَوْمُ: يَابْنَ آدَم، أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ، وأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ، فَقُلْ فِيَّ خَيْراً، واعْمَلْ فِيَّ خَيْراً؛ أَشْهَدْ لَكَ بِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي بَعْدَهَا أَبَداً»[5].
ويُرشِدُنا الإمامُ الكاظمُ (عليه السلام) إلى تقسيمِ الأوقاتِ بما يسمحُ بالاستفادةِ منها، فيقول: «اجتَهِدُوا في أنْ يكونَ زمانُكُم أربَعَ ساعاتٍ: ساعَةٌ لِمُناجاةِ اللَّهِ، وساعَةٌ لأمرِ المَعاشِ، وساعَةٌ لمُعاشَرَةِ الإخوانِ والثِّقاتِ الذينَ يُعَرِّفُونَكُم عُيُوبَكُم، ويَخلُصُونَ لَكُم في الباطِنِ، وساعَةٌ تَخْلُونَ فيها لِلَذّاتِكم في غَيرِ مُحَرَّمٍ»[6].
3ـ يومٌ غيرُ مضمون: وهذا اليومُ هو الغد، فالإنسانُ لا يَعرفُ هلْ يكونُ ممَّنْ تُكتَبُ له الحياة، ويمتدُّ به العُمُر، ليكونَ مِنْ أهلِهِ، أو يَحينُ أَجَلُهُ قبلَ فجرِ يومِ الغد.
رُويَ عَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) -فيما كَتَبَهُ إلى بعضِ أصحابِهِ-: «فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَداً وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ»[7].
وفي وصيَّةِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) لابنِ مسعود: «قَصِّرْ أمَلَك، فإذا أَصْبَحْتَ فَقُلْ: إنّي لا أُمْسِي، وإذا أمْسَيتَ فَقُل: إنّي لا أُصْبح، واعزِمْ على مُفارَقَةِ الدّنيا، وأحِبَّ لقاءَ اللّه، واعْزِمْ على مُفارَقَةِ الدُّنْيا، وأحِبَّ لِقاءَ اللّه، وَلا تَكرَهْ لِقَاءَه، فإنَّ اللهَ يُحبُّ لقَاءَ مَنْ يُحِبُّ لقاءَه، ويَكرهُ لِقَاءَ مَنْ يَكرَهُ لِقَاءَه»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص220.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص261.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج5، ص329.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص415.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص523.
[6] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص409.
[7] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ج2، ص195.
[8] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص452.