رُويَ عنِ النبيِّ الأعظمِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه): «قالَ موسى: إلهي، أريدُ قربَك، قال: قربي لمَنِ استيقظَ في ليلةِ القدر. قال: إلهي، أريدُ رحمتَك، قال: رحمتي لمَنْ رَحِمَ المساكينَ ليلةَ القدر. قال: إلهي، أريدُ الجَوازَ على الصراط، قال: ذلكَ لمَنْ تصدَّقَ بصدقةٍ في ليلةِ القدر. قال: إلهي، أريدُ النجاةَ مِنَ النار، قال: ذلكَ لمَنِ استغفرَ في ليلةِ القدر. قال: إلهي، أريدُ رضاك، قال: رضايَ لمَنْ صلَّى ركعتَينِ في ليلةِ القدر»[1].
لقدْ وَصَفَ اللهُ عزَّ وجلَّ ليلةَ القدرِ العظيمةَ في القرآنِ الكريمِ بوصفَين:
الوصفُ الأوَّل: إنَّها ليلةٌ مباركة، يقولُ تعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[2].
وكونُها مباركة؛ لأنَّها أوّلاً هيَ ليلةُ نزولِ القرآن، قالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة﴾، وثانياً لأنَّها ليلةٌ يتضاعفُ فيها ثوابُ العمل، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ»[3].
وعَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) -وقد سألَهُ أحدُ أصحابِه- قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[4]، أَيَّ شَيْءٍ عَنَى بِهَا؟ قَالَ: «الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَوْلَا مَا يُضَاعِفُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا بَلَغُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ»[5].
وهيَ ليلةٌ مباركةٌ؛ لأنَّها ليلةُ تنَزُّلِ الملائكة، قالَ تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾[6]. فهيَ تتنزَّلُ على النبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه)، وعلى أهلِ بيتِهِ (عليهمُ السلام)، فقدْ رُويَ عَنِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّه قالَ لابنِ عبّاس: «إنَّ ليلةَ القدرِ في كلِّ سنة، وإنَّهُ ينـزِلُ في تلكَ الليلةِ أمرُ السنة، ولذلكَ الأمرِ وُلاةٌ بعدَ رسولِ الله». فقالَ ابنُ عبَّاس: مَنْ هم؟ قالَ (عليه السلام): «أنا وأحدَ عشرَ مِنْ صُلبي»[7]. وعَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) أنَّه سُئل: تعرفونَ ليلةَ القدر؟ فقال: «وكيفَ لا نَعرِفُ والملائكةُ يطوفونَ بنا فيها»[8].
الوصف الثاني: إنَّها ليلةُ السلام، يقولُ تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[9].
ومِنْ مصاديقِ السلامِ في هذهِ الليلةِ، مغفرةُ الذنوب، كما عَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «مَنْ أحيا ليلةَ القدرِ، غُفِرَتْ لهُ ذنوبُه، ولو كانتْ عددَ نجومِ السماء، ومثاقيلِ الجبال، ومكائيلِ البحار»[10].
ومعنى مغفرةِ الذنوبِ أنَّهُ يُكتَبُ للعبدِ فيها النجاةُ مِنَ النار؛ ولذا كانَ مِنْ أعظمِ الأدعيةِ فيها: «اللهمَّ إنِّي أسألُكَ بكتابِكَ المُنْـَزِل وما فيه، وفيهِ اسمُكَ الأكبر، وأسماؤكَ الحُسنى، وما يُخافُ ويُرجى؛ أنْ تجعلَني مِنْ عُتقائكَ مِنَ النار»[11].
على أنَّ المستفادَ بوضوحٍ مِنْ روايةِ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه) عنْ مناجاةِ النبيِّ موسى (عليه السلام) أنَّ الأمرَ يرتبطُ بفعلِ الإنسان، ففعلُ الخيرِ في هذه الليلةِ على تنوُّعِهِ هو بابٌ للبركةِ والسلام.
نسألُكُمُ الدعاءَ لوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً في هذه الليلة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج1، ص345.
[2] سورة الدخان، الآيات 1 - 4.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص157.
[4] سورة القدر، الآية 3.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص158.
[6] سورة القدر، الآية 4.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص533.
[8] الفيض الكاشانيّ، تفسير الصافي، ج5، ص353.
[9] سورة القدر، الآية 5.
[10] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص118.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص629.