لقدْ منَّ اللهُ على أمّةِ الإسلامِ في هذه العقودِ بقيامِ دولةٍ إسلاميّةٍ بقيادةِ الفقهاءِ العدول، ورثةِ الأنبياء، وأمناءِ الرسول. ولمْ تكنْ الثورةُ الإسلاميّةُ المبارَكةُ مجرَّدَ ثورةِ شعبٍ ضدَّ حاكم، بلْ تعدَّتْ ذلكَ لتُحَطِّمَ نُظُماً استكباريّة، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «لمْ تكُنْ الثورةُ الإسلاميَّةُ للشعبِ الإيرانيِّ مجرَّدَ هزيمةٍ لنظامٍ تابعٍ وفاسد، وضربةٍ مرحليّةٍ لأمريكا والاستكبار، بل كانتْ تهديداً لإمبراطوريّةِ نظامِ الهيمنة».
وخصائصُ هذه الثورةِ تتمثَّلُ بأمور:
1ـ البعدُ الإلهيّ: يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه): «إنَّ التحوُّلَ الذي حصلَ لشعبِنا، مِنَ الخوفِ إلى الاقتدار، ومِنَ الضَعفِ إلى القوَّة؛ إنَّما كانَ تحوّلاً إلهيّاً». وهذا يرجعُ إلى كونِ الدافعِ والمحرِّكِ لقيامِ الناسِ هو النيَّةُ الخالصة، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه): «إنَّ السرَّ في انتصارِكُم هو الإيمانُ باللهِ والتوجُّهُ إليه»؛ لذا كانَ للروحِ المعنويَّةِ نصيبُها الأوفرُ في الثورةِ المبارَكة، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه): «إنَّ ثورتَنا الإسلاميّةَ الكبرى هي ثورةٌ معنويّةٌ روحيّةٌ قبلَ أنْ تكونَ سياسيّةً واجتماعيّة».
2ـ تجاوزُ البعدِ الجغرافيّ: لقدْ تجاوزتْ هذه الثورةُ في تأثيرِها المكانَ الذي كانتْ فيه، فأصبحتْ ببركةِ شخصيَّةِ الإمامِ الخمينيِّ (قُدِّسَ سرُّه) عالميّة، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «هذا وليدُ عامِلَينِ مهمَّين: أحدُهما عَظَمَةُ الإمام، والأبعادُ المختلفةُ لشخصيَّتِه، وهي شخصيَّةٌ استثنائيَّةٌ في عصرِنا، بل في كلِّ العصورِ القريبةِ منَّا. والثاني عَظَمَةُ هذه الحركةِ التي قامَ بها الإمامُ الكبيرُ بإيمانِه، وتدبيرِه، وإرادتِه، وعَزْمِهِ الراسخِ في هذهِ البُرْهَةِ مِنَ الزمن؛ تفجيرُ الثورةِ الإسلاميَّة، وتأسيسُ نظامِ الجمهوريَّةِ الإسلاميّة. وعَظَمَةُ هذه الثورةِ بدورِها تشيرُ إلى عَظَمَةِ إمامِنا الجليل. كانتْ هذه الثورةُ معجزةً إلهيّة».
3ـ مواكبةُ العصرِ وتطوُّرِ الزمان: فهذهِ ثورةٌ انطلقتْ مِنْ دوافعَ دينيَّة، والتزمتْ بأحكامِ شريعةِ سيِّدِ النبيِّينَ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه)، وواكبَتْ احتياجاتِ الزمانِ كلِّها، فكانتْ رائدةً في ذلك، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «الثورةُ الإسلاميّةُ عاملٌ يساعدُ على تقدُّمِ الشعبِ وإبداعِه وتجديدِه. وهذا على الضدِّ تماماً ممّا أشاعَهُ أعداءُ الإسلامِ على مدى سنواتٍ طويلة. أظهرَ أعداءُ الإسلامِ أنَّ التديُّنَ يناقضُ التقدُّم، ولا ينسجمُ معَه. إذا أرادَ شعبٌ التقدُّم، فعليهِ التخلِّي عَنِ الدين، والسقوطُ في أحضانِ الغرب، والتلوُّنُ بألوانِه مِنْ قِمَّةِ رأسِهِ إلى أخمصِ قدمَيه، كي يستطيعَ التقدُّم. أَوحَوا بهذا الشيءِ للشعبِ الإيرانيِّ كعقيدةٍ وقناعةٍ طوالَ عشراتِ الأعوام. يؤكِّدُ إمامُنا الكبيرُ منذُ بدايةِ الثورة، إلى آخرِ يوم، وفي وصيَّتِه، أنَّ الروحَ الثوريَّةَ هي روحُ التقدُّمِ إلى الأمامِ، والتطوُّرِ والابتكارِ والتجديد. وهذا ما تحقَّقَ في واقعِ الشعبِ الإيرانيِّ».
4ـ سرُّ الاستمراريّة: يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) على أنَّ هذه الثورةَ مستمرَّةٌ؛ وذلكَ بسبِ الشعاراتِ العالميَّةِ لهذهِ الثورةِ الدينيّة... لأنَّ فطرةَ الإنسانِ ممتزجةٌ بها في جميعِ العصور. فالحرّيّةُ، والأخلاقُ، والمعنويَّةُ، والعدالةُ، والاستقلالُ، والعزّةُ، والعقلانيّةُ، والأخوّةُ لا يختصُّ أيٌّ منها بأيِّ جيلٍ أو مجتمعٍ دونَ غيرِه، حتّى تتألَّقَ وتزدهرَ في حَقَبة، وتأْفُلَ في حقبةٍ أخرى. لا يمكنُ أبداً تصوُّرُ شعبٍ يُعرِضُ عَنْ هذه الآفاقِ المبارَكة.
ختاماً، نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً ذكرى انتصارِ الثورةِ الإسلاميّةِ المبارَكةِ في الحادي عشرَ من شهرِ شباطٍ مِنْ عامِ 1979م.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين