ورد في المناجاةِ الشعبانيّة: «إِلهِي، إِنْ دَعانِي إِلَى النَّارِ عَظِيمُ عِقابِكَ، فَقَدْ دَعانِي إِلَى الْجَنَّةِ جَزِيلُ ثَوابِكَ. إِلهِي فَلَكَ أَسْأَلُ، وَإِلَيْكَ أَبْتَهِلُ وَأَرْغَبُ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ يُدِيمُ ذِكْرَكَ، وَلا يَنْقُضُ عَهْدَكَ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ شُكْرِكَ، وَلا يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِكَ»[1].
المناجاةُ الشعبانيةُ هي مناجاةٌ مرويةٌ عن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام)، والتي حافظ الأئمةُ (عليهم السلام) مِن بعدِهِ على قراءتها. وتُعَدُّ هذه المناجاةُ نموذجاً كاملاً للتضرّعِ للّهِ تعالی، كما تصفُ حالَ الأولياءِ في علاقتِهم مع الله.
وفي هذه الفقرةِ حديثٌ عن الإنسانِ في علاقتِه بالآخرة، التي هي بين الخوفِ والرجاء: الخوفِ مِن نارِ جهنّمَ التي هي عقابٌ إلهيٌّ يستحقُّهُ الذين يخالِفونَ أوامرَ اللهِ عزّ وجلّ، والرجاءِ في الجنةِ التي هي ثوابٌ إلهيٌّ يستحقّه العاملونَ بطاعةِ اللهِ عزّ وجلّ.
يتوجّه العابدُ للهِ عزّ وجلَّ في خطابِهِ للهِ بَعدَ الصلاةِ على محمدٍ وآله، بطلبِ الأسبابِ الموجِبةِ للفوزِ والثواب. وهذه الأسبابُ لا بدَّ مِن أن يكونَ التوفيقُ مِن نصيبِ الإنسانِ في هذه الدنيا لها، حتى يَنالَ في الآخرةِ ما يريد، وهي:
1. المداوَمةُ على ذكرِ اللهِ عزّ وجلّ: والمرادُ به حضورُ اللهِ في حياةِ الإنسانِ دائماً. والذكرُ اللفظيُّ تَجَلٍّ لهذا الحضور، قال تعالى في كتابِهِ الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾[2]، وفي دعاءِ كميلٍ بنِ زيادٍ نقرأ: «أسألكَ بحقكَ وقُدسك، وأعظمِ صفاتكَ وأسمائك، أن تجعلَ أوقاتي من الليلِ والنهارِ بذكركَ معمورة»[3]. ولذا ورد التأكيدُ على التنبُّهِ للذكرِ، لا سيّما في محضرِ الغافلين، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «ذاكرُ اللهِ في الغافلين، كالمقاتِلِ عن الفارّين؛ والمقاتِلُ عن الفارّين، نزولُهُ الجنةُ»[4].
2. المحافَظةُ على عهدِ اللهِ عزّ وجلّ: وذلك أنّ الإنسانَ أعطى عهدَهُ للهِ عزّ وجلَّ بأمرَين: أوّلُهُما الإيمانُ به، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾[5]. وثانيهِما العبادةُ له، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[6]. والمحافَظةُ التامّةُ تتحقّقُ بهما معاً.
3. المواظبةُ على شكرِ اللهِ عزّ وجلّ: وقد حثّت الرواياتُ على الشكر، وأنّ الأجرَ الذي ينالُهُ الصائمُ والمبتلى والمحسنُ يُكتَبُ لغيرِهِم أيضاً إذا كان شاكراً للهِ عزّ وجلّ، فعن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «الطاعمُ الشاكرُ له مِن الأجرِ كأجرِ الصائمِ المحتسب، والمعافى الشاكرُ له مِن الأجرِ كأجرِ المبتلى الصابر، والمعطي الشاكرُ له مِن الأجرِ كأجرِ المحرومِ القانع»[7].
4. المراعاةُ لأوامرِ اللهِ عزّ وجلّ: بالمحافَظةِ على العملِ بها، والحذرِ من التهاون، ففي الحديثِ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إيّاكم والتهاونَ بأمرِ اللهِ عزّ وجلّ؛ فإنهُ مَن تهاوَنَ بأمرِ اللهِ أهانَهُ اللهُ يومَ القيامة»[8].
نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّل اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف)، ولوليّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً؛ حلولَ الأيّامِ الشعبانية.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص299.
[2] سورة الأحزاب، الآيتان 41 - 42.
[3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص849.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج90، ص158.
[5] سورة الأعراف، الآية 172.
[6] سورة يس، الآية 60.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص94.
[8] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص203.