الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1390 - 20 جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 16 كانون الثاني 2020م
القرض الحسن

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

القرض الحسن

محاور الخطبة
- التكافل الاجتماعيّ في الإسلام
- الإنسان عرضة للشدائد
- لماذا القرض الحسن؟
- فضل القرض الحسن في القرآن والأحاديث
- الإخلاص شرط في مضاعفة الأجر
- من آداب القرض والاقتراض

مطلع الخطبة
قال الله -تعالى-: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[1].

التكافل الاجتماعيّ في الإسلام
أيّها الأحبّة،
إنّ في الإسلام العديد من الإرشادات والمفاهيم التي تتّخذ منحىً اجتماعيّاً، يحثّ فيها هذا الدين الحنيف على التكاتف بين الناس والتعاون في ما بينهم، كما في قوله -تعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[2].

وكذلك الحثّ على الوحدة والانسجام والتماسك في ما بينهم، والعلاقات القائمة على المحبّة والعطف، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها..."[3].

وكذلك الحثّ على قضاء حوائج بعضهم بعضاً، وتنفيس كرب بعضهم بعضاً، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من نفّس عن مؤمن كربةً نفّس الله عنه كُرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد[4]، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومن سقاه شربةً سقاه الله من الرحيق المختوم"[5].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): "من فرّج عن مؤمنٍ، فرّج الله عن قلبه يوم القيامة"[6].

وغيرها من النصوص التي تحثّ على التعاون بأشكاله جميعاً.

الإنسان عرضة للشدائد
قد يقع الإنسان في هذه الحياة الدنيا في البلاءات والشدائد على أشكالها وأنواعها، سواء منها البلاءات المعنويّة أم المادّيّة، وهذا ما يزيد من أهمّيّة مدّ يد العون بين الناس، ومن ذلك تنبثق أهميّة التكاتف والتعاضد، وأن يشعروا ببعضهم بعضاً.
ومن ذلك -وهذا موضوع خطبتنا- إقراض المؤمن في حال وقوعه في عسرٍ ماليٍّ واقتصاديّ، فقد دعا الإسلام إلى مدّ يد العون لمثل هؤلاء، ولكن أن يكون ذلك ضمن معايير وشروط معيّنة تحفظ للمقرِض وللمقترض حقّهما، وكذلك دون أن تتعدّى حدود الله -سبحانه-، وقد أسماه "القرض الحسن". 

لماذا القرض الحسن؟
إنّ مصطلح "القرض الحسن"، فيه دلالة على المقابلة بين الحسن والسيّئ، سواء أكان في ما يتعلّق بنيّة القرض أو في القرض نفسه.

في نيّة القرض، لا بدّ من أن يكون خالصاً لوجه الله -تعالى-، لا رياء فيه ولا شائبة هوىً.

وفي القرض نفسه، فأن لا يكون مقابل زيادة ماليّة، كما في القرض الربويّ، فسُمّيَ القرض هذا قرضاً حسناً في مقابل القرض الربويّ الذي ينتج عنه الكثير من الآفات والمساوئ الاجتماعيّة والأخلاقيّة، والتي بسببها حرّمه الله -تعالى- حيث قال: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ﴾[7].

فضل القرض الحسن في القرآن والأحاديث
ورد العديد من الآيات والأحاديث التي تُظهِر فضل القرض، ومنها:

1- الإقراض منسوب إليه –تعالى-:
قال -سبحانه-: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنً﴾.
فإنّه -سبحانه وتعالى- نسب القرض إليه تعبيراً عن حثّه الشديد، وتشجيعه على هذا الفعل.

2- منفعة القرض للمقرِض
فإنّ النفع في القرض -طبقاً للقرآن الكريم- يرجع إلى المقرِض نفسه، قال -سبحانه-: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرً﴾.

3- مضاعفة أجر المقرِض
وفي آية أخرى، وعد الله المقرِض بمضاعفة الأجر، قال -عزّ وجلّ-: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[8].

وقد أشار بعض أهل اللّغة إلى الفرق بين "الضّعف"، والذي هو أداء المثل وزيادة، وبين قوله -تعالى-: ﴿أضعاف﴾، فإنّ فيه تأكيداً على معنى الزيادة أكثر من كلمة "يضعّف"؛ لأنّ معنى ضعّفت، أي: ضعّفت مرّتين، بينما ضاعفت، يعني جعلته مرّتين فصاعداً.

وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضُ‏ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ"[9].

فالقرض -طبقاً لظاهر هذا الحديث- بثمانية عشر ضعفاً، والصّدقة أقلّ منه في الأجر والثّواب، ومع ذلك لم يكتفِ الله -تعالى- بذلك، فعقَّب التّضعيف بالكثير، أي أضعافًا كثيرةً!!

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ أَقْرَضَ مُؤْمِناً يَلْتَمِسُ بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا حَسَبَ الله لَهُ أَجْرَهُ بِحِسَابِ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ"[10].

الإخلاص شرط في مضاعفة الأجر
أيّها الأحبّة،
إنّ قبول الأعمال وعظمتها يرجعان إلى أساس متين وعظيم، ألا وهو الإخلاص لله، فكلّما كان عمل الإنسان خالصاً لوجه الله، كان أجره أعظم وآثاره أظهر، فجزاء القرض الحسن أضعافٌ كثيرةٌ، فنراه يكون بعشرة، كما في قوله -تعالى-: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا...﴾[11]، وتارةً أخرى يكون بسبعمئة، كما في قوله -تعالى-: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[12].

نزغات الشيطان
في بعض الأحيان، قد يكون المرء قادراً على إقراض أخيه المؤمن وإسعافه، ولديه ما يكفي من المال كي يقدّم له يد العون، ويستطيع من خلال ذلك أن ينال الأجر العظيم والثواب الجزيل، إلّا أنّه يقع في مصيدة الشيطان، فينزغ في قلبه حتّى يقع فريسته، فيقدّم ماله ويشترط على أخيه المؤمن الزيادة عند وفائه، وهذا هو الربا المحرّم، فمثل هذا ينطبق عليه قوله -تعالى-: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً﴾[13].

وينطبق على مثله -أيضاً- أنّه ممّن أحبّ العاجلة على الآخرة، قال -سبحانه-: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ﴾[14].

روى الشيخ الطبرسيّ في مجمع البيان: في قوله -تعالى-: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسن﴾، عن الكلبيّ أنّه روى عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "من تصدّق بصدقة فله مثلاها في الجنّة"، فقال أبو الدحداح الأنصاريّ واسمه عمرو بن الدحداح: "يا رسول الله، إنّ لي حديقتين، إن تصدّقت بإحديهما، فإنّ لي مثليها في الجنة؟" قال: "نعم"، قال: "وأمّ الدحداح معي؟" قال: "نعم"، قال: "الصبية معي؟" قال: "نعم"، فتصدّق بأفضل حديقتيه، فدفعها إلى رسول الله، فنزلت الآية، فضاعف الله صدقته ألفي ألف، وذلك قوله -تعالى-: ﴿أضعافاً كثيرةً﴾، قال: فرجع أبو الدحداح، فوجد أمّ الدحداح والصبية في الحديقة التي جعلها صدقته، فقام على باب الحديقة وتحرّج أن يدخلها، فنادى: يا أمّ الدحداح، فقالت: لبّيك يا أبا الدحداح، قال: إنّي قد جعلت حديقتي هذه صدقةً، واشتريت مثليها في الجنّة، وأمّ الدحداح معي والصبية معي، قالت: بارك الله لك فيما شريت وفيما اشتريت! فخرجوا منها، وأسلموا الحديقة إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : "كم من نخلٍ متدلٍّ عذوقها لأبي الدحداح في الجنّة"[15].

من آداب القرض والاقتراض
أولاً: إنظار المُعسِر
قال -سبحانه-: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾[16].
والمراد من ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ إمهاله والصبر عليه إلى أن تتيسّر أموره.
وهذه الآية ينطبق عليها القرض الذي له أمد محدّد، فإذا ما انتهى هذا الوقت المحدّد، فإنّه يجب على المقترض أن يسدّد القرض للمقرِض، وإنْ لم يستطع لسبب عُسر في وضعه المادّيّ، وعدم قدرته على التسديد، فإنّ من الأدب الذي دعا إليه القرآن الكريم هو أن يمهله ويصبر عليه.

وورد في فضل الإمهال للمقترض:
أ- إنّ الإمهال يعادل صدقة:
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): "من أنظر مُعسِراً، كان له في كلّ يوم صدقة بمثل ما له عليه حتّى يستوفيَ حقّه"[17].
ب- رحمة المقرض: عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه -قالها ثلاثاً، فهابه الناس أن يسألوه- فقال: فليُنظِر مُعسِراً، أو ليدع له من حقّه"[18].
ج- إجابة دعوة المقرِض: عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) : "من أراد أن تُستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرِّج عن مُعسِر"[19].

ثانياً: عدم إهمال المقترِض
في الوقت الذي ينبغي على المقرِض إمهال المقترض المُعسِر، فإنّه أيضاً ينبغي على المقترض أن لا يهمل أداء القرض عند حلول أجله، بل عليه أن يسعى قدر إمكانهِ لتسديدهِ والالتزام بالمدّة المحدّدة للتسديد.

ثالثاً: عدم الاقتراض إلّا لحاجة ضروريّة
يُكره الاقتراض مع عدم الحاجة إليه، وتقلّ الكراهية مع وجود حاجة تدعو إليه، وكلّما قلّت الحاجة اشتدّت الكراهة إلى أن تزول، بل ربّما وجب لو توقّف عليه أمر واجب، كحفظ نفسه أو عرضه.

رابعاً: توثيق القرض
وردت روايات عدّة وآيات قرآنيّة تؤكّد على أهمّيّة توثيق الدّين، منها قوله -تعالى-: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾[20].

والحمد لله ربِّ العالمين

[1]  سورة المزّمّل، الآية20.
[2]  سورة المائدة، الآية2.
[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص166.
[4]  أي فرح القلب مطمئنّاً واثقاً برحمة الله.
[5]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص200.
[6]  المصدر نفسه، ج2، ص200.
[7]  سورة البقرة، الآية 275.
[8]  سورة البقرة، الآية 245.
[9]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص33.
[10]  المصدر نفسه، ج4، ص34.
[11]  سورة الأنعام، الآية 160.
[12]  سورة البقرة، الآية 261.
[13]  سورة الكهف، الآيتان 103-104.
[14]  سورة القيامة، الآيتان 20-21.
[15]  الشيخ النوريّ، مستدرك الوسائل، ج7، ص262.
[16]  سورة البقرة، الآية 280.
[17]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 18، ص 368.
[18]  المصدر نفسه، ج16، ص 319.
[19]  الهنديّ، كنز العمال، ج6، ص 215.
[20]  سورة البقرة، الآية 283.

15-01-2020 | 13-46 د | 1207 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net