من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن1
ممّا ورد في دعاء مكارم الأخلاق حول طلب الرزق: "اللهم صلّي على محمّد وآل محمّد وصن وجهي باليسار، ولا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، وأستعطي شرار خلقك، فأفتتن بحمد من أعطاني، وأُبتلى بذم من منعني، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع"2.
الهدف:
بيان أنّ هناك أصولاً شرعيّة وقواعد دينيّة ارتضاها الله لعباده، ولا بدّ من اتباعها في طلب الرزق واكتساب المال.
مقدّمة
يستعرض أمير المؤمنين في وصيّته جملة من الضوابط والقواعد التي ينبغي التقيّد بها في عمليّة طلب الرزق، كما يلفت إلى بعض الأمور التي ينبغي عدم الدخول بها، ويشكّل هذا المقطع من الوصيّة مدرسةً في هذا الجانب سيّما ونحن اليوم أمام تحلّلٍ كامل في طلب الرزق، بل يكاد أن يكون هناك تحوّل في هذا المفهوم من عنوان كسب الحلال في طلب الرزق إلى جمعٍ للمال بشتّى الوسائل والأساليب المتاحة وإن كانت حراماً.
إنّ التأني في قراءة هذه الوصيّة يوقفك عند جملة من القضايا تعتبر أساساً ومنهجاً لطلب الرزق الحلال ونقف عند أبرزها:
السعي المحمود: "فخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنّه ربَّ طلب قد جرَّ إلى حرب. فليس كلّ طالب بمرزوق، ولا كلّ مجمل بمحروم".
فالإنسان لا ينبغي أن يعيش المكتسب كهمٍّ وحيد في حياته، وليكن على يقين أنّ الله قسّم الأرزاق بحكمته.
الإنفة وعدم ترخيص النفس: "وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً".
فالنفس أكرم من الرزق فلا ينبغي ابتذالها في سبيله، ولا وضعها فيما يرخصها من أجل متاع قليل أو مكسبٍ زهيد.
عدم تجاوز الحدّ الشرعيّ: "وما خيرٌ خير لا ينال إلّا بشرّ، ويسرٌ لا ينال إلّا بعسر". فإنّ تجاوز حدود الله معناه أن المال أحبُّ إليه من الله.
عدم الطمع: "وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة". فالطمع سبيل الفساد وعدم مراعاة الضوابط الشرعيّة، والطمع استئثار، والإستئثار منع للآخرين من حقوقهم.
الرزق مقسوم من الله: "وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإنّ اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإنّ كان كلٌّ منه".نعم بل لا يمكن مقارنة القليل مع الثواب بالكثير مع العذاب.
الدقّة في الكلام: "وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء".
والمراد من الصمت إزاء تبخيس سلع الآخرين أو تكسيد بضائعهم أو الإفتراء عليهم أو اتهامهم بالغشّ أو التزوير وسوى ذلك ممّا يترك أثراً سلبيّاً على المجتمع.
الإستعانة بالإقتصاد الممدوح: "وحفظ ما في يديك أحبّ إلى من طلب ما في يد غيرك، ومرارة اليأس خيرٌ من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسرّه، وربَّ ساع فيما يضرّه، من أكثر أهجر، ومن تفكّر أبصر".
فطلب الرزق طريق ينبغي أن يكون محفوفاً بالفضائل ومعالي الأخلاق، بل ينبغي أن يكون طالب الرزق داعيّاً إلى الله من خلال تصرّفاته وأفعاله.
مصاحبة أهل الخير: "قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرّ تبن عنهم".
أي ليكن تعاملك مع أهل الإيمان والصلاح لأنّ ذلك يُكسبك جملة من المعارف والأخلاقيّات التي تعينك في طلب الرزق، وبخلاف ذلك فإنّ مصاحبة أهل الشرّ يجعل طباعك تتأثّر بطباعهم دون أن تشعر.
الإبتعاد عن الظلم: "بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، إذا كان الرفق خرقاً كان الخرق رفقاً، ربّما كان الدواء داء والداء دواء، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصَح".
فليس كلّ سبيل إلى الرزق تراه تحسبه رزقا ولا كلّ من فتح لك طريقاً إلى الكسب يريد منفعتك فقد يكون رزقك في غير المكان الذي تبحث فيه وتفتّش عنه.
عدم التلهيّ بالتمنيّ: "وإيّاك واتكالك على المنى فإنّها بضائع الموتى". فطلب الرزق لا يكون إلّا بالسعي الجادّ والإخلاص في العمل ومباشرته بشكلٍ دقيق وأمّا الأمنيات والأحلام فإنّها لا تجلب رزقاً ولا تسدّ رمقاً.الإستفادة من التجربة: "والعقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك".
أي ضرورة الإستفادة من عبر التجارب، فوحدها التي تكشف معادن الرجال وجواهر الناس وحقيقة ما يدور حولك.
اغتنام الفرص: "بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة، ليس كلّ طالب يصيب، ولا كلّ غائب يؤوب. ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد، ولكلّ أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدّر لك، التاجر مخاطر، وربّ يسير أنمى من كثير، لا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين".
فمن المهمّ أن يكون الإنسان يقظاً في طلبه الرزق، حكيماً في اتخاذ قراراته، يدرس خطواته ويفكّر في عواقب الأمور ويحسن اختيار الصحبة والإخوان.
إيّاك والتفكير بالثراء السريع: "ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده، ولا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإيّاك أن تجمح بك مطية اللجاج".
أي ليكن نموّ مالك نموّاً طبيعياً مبنيّاً على السماحة والجود ومداراة الناس وعدم المخاطرة والابتعاد عن اللجاجة والإلحاح.
* خير الزاد في شهر الله، المركز الإسلامي للتبليغ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تموز 2010م.
1- مقتطعة من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين.
2- الصحيفة السجّادية، الامام زين العابدين، ص115.