الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مسؤولي النظام الإسلامي في اليوم السابع من شهر رمضان المبارك
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مسؤولي النظام الإسلامي في اليوم السابع من شهر رمضان المبارك، في حسينية الإمام الخميني رضوان الله عليه[1] 23/05/2018م

بسم الله الرحمن الرحیم


والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی آله الطیّبین الطاهرین المعصومین، وصحبِه المنتجبین، ومن تبِعهم بإحسان إلی یوم الدین.

أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء والمسؤولين الكرام في شتّى قطاعات البلد والنُخب السياسية والإدارية في منظومة الجمهورية الإسلامية. إنّها لجلسة بالغة الأهمية، كما وأشكر حضرة السيد رئيس الجمهورية على ما أدلى به من كلمة جيّدة وقويّة في المجالات المختلفة.
 
.. فرصةٌ لإنعاش روح الإيمان
يمثّل شهر رمضان فرصة خاصّة لإنعاش روح الإيمان والصفاء والمعنوية في أنفسنا. فالصوم وتلاوة القرآن والدعاء والمناجاة والاستماع إلى المواعظ تولّد بمجموعها أجواءً تمكّن قلوبنا بمقدار وسْعها واستعدادها من الاستفادة من هذه البيئة المعنوية والروحانية. ولربما يمكن القول؛ إنّ هذا الشهر بين أشهر السنة الاثني عشر، هو بمنزلة تلك السويعات السابقة لطلوع الفجر بين ساعات الليل والنهار. فكما إنّ هذه السويعات قبل حلول أذان الفجر، تمتاز بميزة خاصّة، وأكثر ما يشعر الانسان فيها بالمعنوية والصفاء - ولقد أشير في الآيات القرآنية إلى إحياء تلك الساعات وفي الروايات أيضاً بكثرة - وفي هذا دلالة على أن تلك السويعات تتّسم بين الساعات الأربع والعشرين بخصوصية لا تتّسم بها الساعات الأخرى، كذلك شهر رمضان فإنّه يتمتّع بين الأشهر الاثني عشر بخصوصيّة  تماماً  كما هو الحال في تلك السّويْعات.
 
كلّما ثقُلت المسؤولية؛ احتجنا للبُنية المعنوية
إنّها فرصة متاحة لجميع الناس، بيد أن هذه الخصوصية تمتاز بميزة مضاعفة في الأجواء النخبوية والإدارية للبلد، وذلك لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي وعاتقكم. فعامّة الناس عاكفون على تمشية أمور معاشهم ولا يحملون على كاهلهم هذا العبء الثقيل، وركيزتهم المعنوية بمقدروها دفعهم إلى الحركة. أمّا نحن المسؤولين إن لم نعمل على تعزيز بنيتنا المعنوية، فلن نتمكّن من بلوغ المقصد بذلك العمل اللازم وتلك المسؤولية الثقيلة. انظروا كيف يخاطب الله سبحانه وتعالى شخصاً كالنبي وإنساناً عظيماً كرسول الله في سورة المزمل قائلاً: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[2].. قم الليل نصفه أو أقل أو أكثر منه؛ واشتغل بالعبادة والدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن في تلك الساعات، لماذا؟ ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾[3].. مهمّتك شاقّة، وعلى كاهلك عبء ثقيل، عليك أن تتحمّله، فإن بادرت إلى إحياء الليل وإلى التضرّع والدعاء، سيكون بمقدورك حمل هذا العبء والمضي به قُدُماً حتى الوصول إلى المقصد، وإلّا فلا.. وهكذا هو حالنا.

أعزّائي! إن لم نعمل على تعزيز بُنيتنا المعنوية [فلن يسعنا النهوض بالأمر]، في أيّ موقع كنّا - بدءاً من هذا الحقير الذي يحمل على عاتقه مسؤولية أثقل من مسؤولية الجميع؛ إلى مديري الأقسام والمستويات المختلفة – كلّنا مخاطبون بهذا الخطاب: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾، وعلينا أن نعدّ أنفسنا.

لقد طَرح السيد رئيس الجمهورية بحثاً جيداً فيما يخص القضايا الراهنة، وبدوري سأعرض لجملة من النقاط على هذا الصعيد نفسه.

نعيش  اليوم مرحلة [معينة]. فقد أمضَت الجمهورية الإسلامية منذ انتصارها وحتى يومنا هذا مراحل مختلفة، وفي كلّ مرحلة خاضت تجربة واختباراً وامتحاناً مهمّاً، والجمهورية الإسلامية واجهت هذه المراحل بأحداثها المتنوعّة بكلّ قوّة واستقامة وسارت قُدُماً.
وهذه أيضاً، مرحلة ستواجهها الجمهورية الإسلامية إن شاء الله بكلّ قوة واقتدار وتدبير وستمضي قُدماً. وقد اكتسبنا [خلال هذه المراحل] تجارب، لا بدّ لنا من استثمارها وتوظيفها.
 
تجربتنا مع أمريكا؛ لائحة عدائيّة طويلة!
القضية الرئيسية في هذه الحادثة الخاصّة هو أنّنا شاهدنا أمامنا عدوّاً منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا. وقد ظهر هذا العدوّ وشرع بمناوءته منذ الساعات الأولى لـ [انتصار] الثورة، وهو يتمثّل في الولايات المتحدة الأميركية. فقد بدأ بمناهضته ومعارضته منذ البداية وذلك بالطبع بعد أن استفاق من ذهوله ودهشته؛ وانقضت تلك الأيام التي لم يعِ فيها ما جرى. وحتى هذه اللحظة التي نتحدّث فيها هنا، مارس الأمريكيون مختلف أنواع العِداء والدسائس والمكر للإيقاع بالجمهورية الإسلامية. بمعنى أنّكم حقاً لا تجدون نوعاً من أنواع العداوة إلا ومارسوها ضدّ الجمهورية الإسلامية، فقد دبّروا انقلاباً عسكرياً، وعملوا على تأليب القوميات، وحرّضوا "صدام" على شنّ حرب ضدّ إيران والهجوم عليها، ودعموه وساندوه بشتى الأساليب والطرق بعد الحرب، وفرضوا الحظر، واستفادوا من نفوذهم في الأمم المتّحدة ضدّنا، سخّروا الإعلام ليل نهار [ضدّنا]، ووظفوا الفنّ، واستخدموا هوليوود لإنتاج الأفلام ضدنا؛ ليس فيلماً واحداً، ولا اثنين؛ اتّبعوا الوسائل العسكرية في الفترات المختلفة، فأسقطوا طائرتنا، وهاجموا بعض مراكزنا في الخليج الفارسي؛ لقد استفادوا من كلّ الوسائل في محاربة الجمهورية الإسلامية، بما فيها الممارسات الأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية المعادية. والهدف من وراء كلّ ذلك هو الإطاحة [بهذا النظام]؛ علماً بأنّ تكرار هذه الكلمة في تصريحات الساسة الأميركيين اليوم ليس بالشيء الجديد؛ حيث كانت هذه غايتهم منذ اليوم الأول. بل وحتى ذلك الرئيس (باراك أوباما) الذي كان يكرّر ويؤكّد على أنّنا لا نهدف إلى إسقاط نظام الجمهوريّة الاسلاميّة، كان هدفه ذلك، وهذا ما اتّضح بشكل تام.
 
..وكان الفشل في انتظارهم دائماً
المهم واللافت في جميع هذه القضايا هي أنّ هذه الضربات والهجمات والمخطّطات والمؤامرات وأمثالها ضدّ الجمهورية الإسلامية باءت كلّها بالفشل. فلكم أن تنظروا اليوم إلى الجمهورية الإسلامية، بعد مُضيّ زهاء أربعين عاماً،  كيف تحثّ الخطى وتمضي قُدُماً بكلّ قوّة واستقامة وبما تتمتّع به من قدرات مختلفة - لربّما سأشير إلى جانب منها، وقد أشار الشيخ الدكتور روحاني إلى بعضها-؛ ومعنى ذلك أنّهم أخفقوا في كلّ ما قاموا به؛ وجنّدوه من طاقات؛ واستخدموه من وسائل. حالهم حال تلك القطّة المعروفة في قصّة «توم وجيري»[4]، حيث فشلوا في هذا الكمّ الهائل من الإجراءات التي اتّخذوها. واليوم تمرّ مرحلة أخرى، وسيهزمون ثانية. اعلموا يقيناً؛ بأنّ أمريكا ستُهزم في هذا القضيّة أيضاً، وأنّ الجمهورية الإسلامية ستخرج منها ظافرة شامخة مرفوعة الرأس.
لا شكّ لدينا في هزيمة العدوّ؛ بدوري لا أشكّ بهذا أبداً. فكلّ من له إلمام بالمعارف الإسلامية يعلم أنه ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[5]، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾[6]، أو الآية التي تُليَت هنا ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾[7] .. هذه من المسلّمات التي لا ريب فيها. نحن نعلم أنّهم سيُهزمون، ونعلم أنّ مصير الرئيس الأميركي الحالي سوف لن يكون أفضل من مصير أسلافه - بوش والمحافظين الجدد[8] وريغان[9] والمحيطين به وغيرهم - هو أيضاً، كما هو حالهم، سيتلاشى في غياهب التاريخ، وستبقى الجمهورية الإسلامية مرفوعة الرأس، وهذا ما لا شكّ فيه. لكن، طِبقاً للسُنّة الإلهية، هنالك واجبات تقع على عاتقنا، ولا ينبغي أبداً أن تتسبّب هذه النتيجة الحتميّة للجمهورية الإسلامية، وهي التقدُّم والنُصرة الإلهية، في أن نغفل عن واجباتنا. ثمّة واجبات في أعناقنا إذا أعرضنا عن أدائها، لا يمكننا الوثوق بالوصول إلى تلك النتائج [المنشودة]، فلا بدّ من العمل بواجباتنا.
 
مواقفنا في شقّين: أميركا في الملف النووي؛ والاقتصاد
واليوم نودّ هنا أن نتباحث قليلاً بشأن واجباتنا الحالية، والبحث هذا سيساعدنا في أن تتوحّد آراؤنا على مستوى الأقسام والمسؤوليّات المختلفة - والمسؤولون برمّتهم حاضرون والحمد لله - في هذه القضايا. وسنتناول الموضوع في شقّين؛ الأوّل هو السلوك الذي يجب أن نتّبعه تجاه أمريكا والاتفاق النووي والأعداء الواقفين بوجهنا. والآخر؛ هو كيفية التحرُّك وماذا نصنع في داخل البلد لنتمكّن من أن نخطو خطواتنا بقوة لنصل إلى النتائج المرجوة.. هذين شقّين في هذا البحث؛ وسأحاول تبيان هذان الشقان ما استطعت إن شاء الله بمقدار ما تُتاح لنا الفرصة.

أولاً؛ تجاربنا مع أمريكا
فيما يخصّ الشقّ الأول [أقول]: قبل أن نتّخذ أي قرار يجب أن نرجع إلى تجاربنا الماضية: «من جرّب المجرّب حلّت به الندامة»[10]، إن لم نستلهم الدروس من التجارب سيلحق الضرر بنا لا محالة. يجب أن نضع التجارب نُصب أعيُننا وأن ننظر إليها ونستقي منها الدروس. هنالك بضعة تجارب ماثلة أمامنا، وسأستعرض أربعاً أو خمساً من هذه التجارب الواضحة التي ما إن أذكرها سيذعن الجميع بأنّها أمام أعيننا. وهي تتّسم بالأهمية لقراراتنا الحالية، وللأجيال القادمة أيضاً، ولمن يريد أن يواجه في المستقبل مجموعة من الممارسات المختلفة وأن يسيّر عجلة الجمهورية الإسلامية بقوّة واقتدار إن شاء الله.

التجربة الأولى هي أنّ حكومة الجمهورية الإسلامية لا يمكنها التعامل مع أمريكا، لماذا؟ لأنّ أمريكا لا تفي بمواثيقها. لا تقولوا إنّ هذه من ممارسات الحكومة الحالية ومن أعمال ترامب.. كلا، فالحكومة السابقة التي اجتمعت وتفاوضت معنا وبقي وزير خارجيتها في أوروبا عشرة إلى خمسة عشر يوماً عاكفاً على الحضور في الاجتماعات، هي الأخرى انتهجت تقريباً النهج نفسه؛  [مع أنّها] عملت بطريقة مختلفة، ولكنّها نكثت [العهود]. وهي أيضاً فرضت الحظر وعملت على خلاف تعهّداتها. ذلك أنّ الإدارة الأميركية تعمل على خلاف ما تقطعه من عهود ومواثيق، وهذه ليست المرة الأولى، بل مختلف القضايا السابقة أيضاً تؤيّد هذا الأمر.
انتهاك روح اتفاق "برجام" وشكله
إنّ مجموعة التصرفات التي قاموا بها منذ البداية حيال الاتفاق النووي كانت، على حدّ تعبير دبلوماسيّينا، انتهاكاً لروح الاتفاق وشكله. فإنّ دبلوماسيّينا الموقّرين الذين تجشّموا بأنفسهم هذا العناء وبذلوا حقاً جهوداً مضنية [لإبرام] الاتفاق النووي، قالوا مراراً وتكراراً سواءً في عهد هذه الحكومة أم في عهد الحكومة الأميركية السابقة؛ بأنّ الاتفاق النووي قد تمّ انتهاكه، تارة بالمضمون وتارة بالشكل. وحكومة بهذه المواصفات، تخرُق المعاهدات الدولية بكلّ سهولة، ثم تنقُض ما وقّعت عليه كشربة ماء، وتقول إنّي خرجت من الاتّفاقيّة - وذلك عبر استعراض متلفَز حيث عرض توقيعه للدلالة على أنّنا خرجنا من [الاتّفاق] الفلاني - من الواضح أنّ الجمهورية الإسلامية بالحدّ الأدنى لا يمكنها التعامل مع هذه الحكومة.. هذا جواب أولئك الذين كانوا يقولون لنا مراراً وتكراراً وعلى مرّ الزمان: لِمَ لا تتفاوضون وتتعاملون مع أمريكا؟ هذا جوابهم. علماً بأنّ أمريكا تتّبع الأسلوب نفسه مع الكثير من البلدان والدول المختلفة الأخرى، وهذا خارج عن إطار بحثنا، [ومن هنا] فإنّ الجمهورية الإسلامية بالحدّ الأدنى لا يسعُها التعامل والعمل مع أمريكا.. هذه هي التجربة الأولى.

ايران التزمت بالاتفاق؛ أمّا هم..
لقد كانت إيران ملتزمة بهذا الاتّفاق، ومعنى ذلك أنّهم لا يمتلكون أيّ ذريعة. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت مرّات ومرّات، والآخرون أيضاً أذعنوا لذلك، بأنّ إيران كانت ملتزمة [بتطبيق الاتّفاق]، فلا توجد لديهم أيّ ذريعة، ولكن في الوقت ذاته تجدون أنّهم وبكل سهولة يخرقون هذا الاتّفاق الدولي، ويشطبون على توقيعهم، ويتراجعون عن كلامهم، ويقولون نحن نرفض [هذه الاتفاقية]. إذاً، لا يمكن الاجتماع والتفاوض مع مثل هذه الحكومة، ولا يمكن الوثوق بها، ولا يمكن إبرام اتفاق معها، ولا يمكن العمل إلى جانبها.. هذه هي نتيجة الأمر.

وبالطبع، إنّ ما قلناه: بـ«إنّهم غير موثوقين في التعامل معنا»، لا يشكّل إلّا القدَر المتيقّن. وإلّا فإنّني حينما أنظر إلى قضايا المنطقة وقضايا بلدنا وما شابه، أجد بأنّهم اتّبعوا الطريقة ذاتها مع الآخرين أيضاً. فمحمد رضا بهلوي الذي كان مطيعاً صرفاً لهم منذ العام 1953 وإلى العام 1979، أي 25 عاماً، تعاملوا معه مرّات ومرّات معاملة [سيّئة]، ولو طالعتم مذكّرات عَلَم (أسد الله علم أحد رؤساء الوزارة في الحكومة البهلوية) لوجدتم أنّ الشاه خلال اللقاء بهذا الصديق المقرب - ذلك أنّه لا يجرؤ على أن يتفوّه بهذا الكلام في الخارج وعلى الملأ أو أن يُحدِّث به الأمريكيين أنفسهم - يبدأ بالشكاية من الأميركيين قائلاً إنّهم فعلوا كذا وكذا، ولكنّه في نهاية الأمر يستسلم أمامهم. وبعد أن آلَ الأمر بهذا البائس التعيس إلى أن يهرب من إيران، لم تستقبله أمريكا، علماً بأنّه دخلها بادئ الأمر وأقام فيها مدّة ثم طردوه. ومعنى ذلك أنهم تعاملوا مع خادمهم المخلص الذي طالت خدمته 25 عاماً معاملة كهذه. وكذلك الحال بالنسبة إلى حسني مبارك[11]. ففي تلك الأيام الحساسة التي اندلعت فيها ثورة مصر وبلغت ذروتها وكان من المتوقّع في كلّ لحظة أن يحدث حدث ما، في الساعات الأولى دعموا حسني مبارك، ثم رفضوا [دعمه] بعد عدة ساعات، ثم بعد ساعات أخرى، تكلّموا بطريقة مختلفة، وأخيراً تركوه ليسقط وينتهي أمره. هذا هو [مصير] حسني مبارك الذي كان قد سلّم لهم مقاليد الأمور بالكامل لمدّة ثلاثين عاماً وائتمر بكلّ أوامرهم في قضية فلسطين وغيرها.. هكذا هم الأميركيون، وهكذا هي الحكومة والإدارة الأميركية.. هذه هي التجربة الأولى.

عداءٌ عميق مستحكم!
التجربة الثانية هي عُمق عداء أمريكا لإيران وللجمهورية الإسلامية. فالعداء هذا عداء عميق وليس سطحياً، وهو عداءٌ لا يدور على أساس قضيةٍ كالقضية النوويّة، وهذا ما أدركه الجميع، بل الأمر يتعدّى ذلك. إنّهم يعارضون وبشدّة نظاماً رفع رأسه عالياً، وثبت، واشتدّ عوده في هذه المنطقة الحساسة، يرفض ظلم أمريكا، ولا يُعير لها أي أهمية، ويعمل على تنمية روح المقاومة في المنطقة ويحمل راية الإسلام. مشكلتهم أنّهم يريدون الإطاحة بهذا النظام الإسلامي وبهذه الجمهورية الإسلامية؛ لا الإطاحة بهذا النظام وحسب، بل بذلك الشعب الذي يدعم هذا النظام. فساسة الحكومات الأميركية يكرهون الشعب الايراني. ولقد صرّح أحد معاوني الرئيس الأميركي - لا الرئيس الحالي وإنّما أحد الرؤساء السابقين - قائلاً إنّ علينا اجتثاث جذور الشعب الإيراني، لا جذور الجمهورية الإسلامية. إذاً، فمشكلة أمريكا مع الجمهورية الإسلامية ليست قائمة على الصراع حول القضية النووية أو الصواريخ البالستيّة أو ما شابه ذلك.. كلا، فللقضية النووية والصواريخ البالستيّة وأمثالهما قصة أخرى، أي أنّهم يركّزون عليها - ولربما أشرتُ إليها خلال حديثي – لأنّهم يريدون القضاء على العناصر المقوّمة لاقتدار الجمهورية الإسلامية. وهذا يدخل في عداد مقوّمات اقتدار الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني، لذلك يركّزون عليها.. هذه بدورها تجربة (أخرى) لا يمكن التغاضي عنها. فليكن في بالنا؛ أنّ أمريكا عدوّة الشعب الإيراني وعدوّة نظام الجمهورية الإسلامية، وعِداؤها عداءٌ عميق. فالقضية ليست قضية الملف النووي والذري وما إلى ذلك، وإنّما القضية تدور حول أصل نظام الجمهورية الإسلامية.

المرونة أمام العدو تجرّئه!
التجربة الثالثة هي أنّ المرونة أمام هذا العدو - بسبب النظر إلى بعض المصالح الآنيّة التي قد نأخذها بعين النظر في بعض المواطن - لا تقلّل من حدّة سكّينه؛ بل ستزيد من وقاحته وتجرّؤه، وهذه تجربتنا معه. علينا أن لا ننسى بأنّنا في كلّ موضع تراجعنا فيه قليلاً ازدادوا حدّة. فذلك الرئيس الشرّير الذي كان نفسه مثالاً للشرّ[12]، وفي قبال حالات المرونة التي أبدتها الحكومة آنذاك تجاهه، نعت إيران بأنّها محور الشر، ووقف بكلّ فخر واعتزاز وأطلق اسم محور الشرّ عليها، وذلك لأنّهم أظهروا حالاتٍ من المرونة أمامه. ولكم أن تنظروا اليوم أيضاً، فإنّنا وفي قِبال الكثير من العقوبات التي فرضوها والممارسات التي مارسوها والمخالفات التي قاموا بها، قدّمنا اعتراضنا ولكنّنا لم نقُم بحركة عملية قوية، وهذا في الحقيقة كان نوعاً من دفع الثمن. وفي قبال دفع الأثمان هذه، تجدون اليوم الرئيس الأميركي[13] ووزير خارجيته[14] يظهرون في الإعلام ويتكلّمون ويطالبون [بأشياء] بكلّ وقاحة وصلافة؛ فالتراجع أمامهم واللجوء إلى المرونة تجاههم لن يترك أي أثر في الحدّ من عِدائهم.

ولو افترضنا بأنّ هناك أحداً يشعر بأنّه «يجب علينا أن ندرأ شرّ مثل هذا العدوّ عن أنفسنا وأن نحول دون عِدائه»، فإنّ السبيل للحيلولة دون عِدائه ليس المرونة والتنازل. وإن أردتم أن تفعلوا ما من شأنه صدّ العدوّ عن عِدائه، عليكم أن تفتّشوا عن طريقة لذلك، إلّا أنّ طريقه ليس بالتنازل والتراجع أمامه. وهذا الأمر بالطبع، ليس مختصّاً بأمريكا [وحدها] بل يشمل الغربييّن بالأعمّ الأغلب. نحن لا ننسى – وهذه من الأمور التي لا يمكن نسيانها في تاريخنا - ما جرى في فترة من الفترات على رئيس جمهوريتا[15] الذي كان مؤيّداً للمرونة أمام الغرب وأمثالها، حيث تمّ استدعاؤه إلى المحكمة من قِبَل دولة غربية - وهي ألمانيا في حادثة ميكونوس - بسبب كلام واهٍ وغير منطقي [أدلى به]، أي إنّهم وقحون وصلِفون إلى هذا الحدّ. وقد تكرّر وقوع أمثال هذه الحوادث.. هذه بدورها تجربة. فلنعلم بأنّ سبيل الحؤول دون عِداء هؤلاء الأعداء؛ لا يكمن في التراجع والمرونة ونحو ذلك.

صمودنا المتواصل يفرِض على العدو التراجع
ثمّة تجربة أخرى تقف على النقيض من سابقتها؛ وهي أنّ الصمود أمام الأعداء يوفّر إمكانية تراجعهم بشكل كبير جداً. وهذا ما حدث في خصوص القضية النووية، حيث كانت منشآتنا معطّلة بأسرها في سنتي 2004 و2005، وتعلمون أنّنا قمنا بإقفال مصنع أصفهان النووي (UCF)[16] بسبب هذه المفاوضات نفسها التي قُمنا بها ولأجل تسوية ملف الجمهورية الإسلامية وتسوية ملف إيران النووي، وكنّا كلّما تراجعنا إلى الخلف تقدّموا هم إلى الأمام، وكلّما أبدَينا مرونة ازدادوا حدّة، إلى أن قالوا بالنهاية، للفريق الإيراني بأنّ الضمانة التي يجب عليكم تقديمها لا تحصل إلّا بطريقة واحدة وهي تعطيل جميع منشآتكم النووية! وهذا يشابه ما قامت به ليبيا. هذه هي الضمانة الحقيقية، وإلّا فلا يمكنكم أن تضمنوا لنا سلميّة أنشطتكم النووية بطريقة أخرى.. هذا هو الطريق الوحيد وهو أن تغلقوا كافة منشآتكم.. أي إنّهم وردوا الميدان بهذا النحو. في حين أنّ مصنع أصفهان (النووي) - وهو مصنع ابتدائي - كان مغلقاً، وأساساً لم تكن عملية تخصيب (اليورانيوم) تتمّ فيه  بالمعنى الحقيقي للكلمة، حتى إنّنا كنّا نتفاوض على امتلاك جهاز واحد أو اثنين أو ثلاثة من أجهزة الطرد المركزي وكانوا يقولون لا يمكن! كانوا لا يوافقون على أن نمتلك جهازاً واحداً أو جهازين أو ثلاثة من أجهزة الطرد المركزي. ثمّ إنّنا بعد ذلك رأينا أنّ ثرثرتهم كثُرَت ووقاحتهم وصلافتهم ازدادت، فقلنا انتهت اللعبة؛ فكسرنا الأقفال، وشغّلنا مصنع (UCF)، واستأنفنا عملية التخصيب في "نطنز" وفي مواقع أخرى، حتى وصلنا إلى نسبة عشرين بالمائة [من تخصيب اليورانيوم]؛ أي إنّنا انطلقنا من [التخصيب] بنسبة 3,5 بالمائة، وهو ما كانوا لا يوافقون عليه، حتى استطاع شبابنا المؤمن أن يصل إلى نسبة 20 بالمائة من التخصيب وأن ينهض بإنجازات كثيرة أنتم على علم بها واطلاع عليها. بعد أن وصلنا إلى هذه المرحلة، جاء هؤلاء أنفسهم وراحوا يصرّون علينا وبمعنى من المعاني يتوسّلون قائلين: تعالوا واقبلوا بألّا تقوموا بعملية التخصيب بنسبة عشرين بالمائة، وليكن لديكم مثلاً خمسة آلاف أو ستة آلاف جهاز من أجهزة الطرد المركزي- والحال أنّهم هم الذين كانوا لا يسمحون لنا حتى بامتلاك ثلاثة أجهزة أو جهازين من أجهزة الطرد المركزي- [وإذا بهم يقولون] لا بأس بأن تقوموا بعملية التخصيب ولكن بنسبة 3,5 بالمائة، وليكن لكم مثلاً ستة آلاف جهاز من أجهزة الطرد المركزي.. هؤلاء هم أولئك أنفسهم.

لقد قال الرئيس الدكتور روحاني الآن [قبل قليل] بأنّ الأمم المتحدة والمنظمات السياسية المختلفة في العالم اعترفت - على حدّ زعمها - بحقّ إيران في تخصيب اليورانيوم. أجل، اعترفوا بذلك، ولكنّ هذا الاعتراف ليس بسبب المفاوضات، فلا يلتبس علينا الأمر، بل بسبب تقدّمنا، فلأنّنا تقدّمنا وتحركنا و توصّلنا إلى عشرين بالمائة [من التخصيب] قبلوا بالحمّى، وإلّا إن كان المفترض أن نتفاوض وأن نتوصّل إلى هذه المكاسب بالتفاوض، لما حصلنا عليها إلى اليوم بل وإلى الأبد. وهذه بدورها تجربة، وهي أنّ على المرء في قبال جَشَع الطرف المقابل والجبهة المقابلة؛ أن ينظر إلى مصالحه ويتحرك وينطلق بشجاعة.

أوروبا وأمريكا لا تفترقان
هنالك تجربة أخرى مهمّة أيضاً وهي تجربة تماشي أوروبا مع أمريكا في أهم القضايا. نحن لا نهدف إلى الصراع مع أوروبا، ولا نبغي المواجهة والاختلاف والجدال مع هذه الدول الأوروبية الثلاث [بريطانيا وفرنسا وألمانيا]، لكن يجب علينا أن نعرف الحقائق. فقد أثبتت هذه الدول الثلاث أنّها تساير أمريكا وتتبعها في أكثر القضايا حساسية. والكلّ يذكر خطوة وزير الخارجية الفرنسي الشنيعة أثناء المفاوضات، ففي لعبة «الشرطي السيّئ والشرطي الجيّد» قالوا بأنّه لعب دور «الشرطي السيّئ»، وهذا بالتأكيد ما حدث بالتنسيق مع الأمريكيين. أو ردّ فعل البريطانيين إزاء حقّ شراء الكعكة الصفراء، وهو حقّ مسلّم وقطعي ومذكور في [بنود] الاتفاق النووي، بأنّه يحق لنا شراء الكعكة الصفراء من بعض المراكز والأماكن، غير أنّ البريطانيين حالوا دون ذلك، وهذا يعني أنّهم [لا يزالون] إلى اليوم يتماشون مع أمريكا. هذه أيضًا تجربة لا ينبغي لنا نسيانها. فإنّهم في مقام القول يتفوّهون ببعض الأمور ولكن في مقام العمل لم نشهد حتى هذه اللحظة - أي بحسب رأيي لا أذكر أنّنا شاهدنا حتى اليوم - بأنّهم وقفوا في وجه أمريكا ودافعوا عن الحق بكلّ ما للكلمة من معنى.

لا لربط مشاكل البلاد بالقضايا الخارجية
هناك تجربة مهمّة أخرى في قضية الاتفاق النووي مفادها: إنّ ربط معالجة مشاكل البلد بالاتفاق النووي وأمثاله أو بالقضايا الأجنبية هو خطأ كبير. فلا ينبغي لنا أن نربط قضايا البلد وشؤونه الاقتصاية ومسائله المختلفه بأمرٍ خارج عن نطاق إرادتنا، ويتمّ تدبيره واتخاذ القرار بشأنه خارج البلد. فإن ربَطنا اقتصاد البلد وتجارته بالاتفاق النووي، ستكون النتيجة أنّ على أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال أن ينتظروا عدّة أشهر ليروا ماذا سيتخذ الأجانب من قرارٍ حيال الاتفاق النووي.. عليهم أن ينتظروا ويصبروا عدّة أشهر ليروا هل سيبقى هؤلاء في الاتفاق أم سيخرجون منه، وهل سيوقّعون عليه أم لا، وبعد التوقيع عليه هل سيلتزمون بتوقيعهم أم لا! أي يجب على الجهاز الاقتصادي الشعبي النشيط في البلد أن يترقّب سلوك الأجانب على الدوام. لا يسعنا أن نعطّل طاقات البلد بسبب الاتفاق النووي.. تتعطّل لفترة بسبب تنفيذ الاتفاق، ولفترة أخرى بسبب الخروج أو عدم الخروج من الاتفاق، وهذا أيضاً في مقابل عدوّ كأمريكا!

لا نُلدغ مرّتين! وأمريكا مهزومة
هذه بعض تجاربنا التي يجب علينا أن نأخذها بنظر الاعتبار لئلّا تتكرّر، ولئلّا نُلدَغ من جحرٍ مرتين، وحتّى نستفيد منها بنحو كامل في قضايانا اللاحقة. فإن لم نستفد منها، ومنّينا النفس بأمور أقلّ أهمية (سنتضرّر).

وكما قال السيد رئيس الجمهورية؛ فإنّ الأمريكيين هُزموا حقاً في هذا المضمار من الناحية الأخلاقية والحقوقية والسمعة السياسية في العالم.. أجل، لقد فقدَت أمريكا سمُعتها، وهذه حقيقة لا ريب فيها، ولكن أودّ أن أطرح هذا السؤال وهو، هل إنّنا شرعنا بالتفاوض في سبيل أن تفقد أمريكا سمعتها؟ هل كان هذا هدفنا من التفاوض؟ نحن بدأنا بالمفاوضات من أجل رفع العقوبات، وتلاحظون أنّ الكثير من العقوبات لم يجرِ رفعها، وها هم اليوم يهدّدون بأنّهم سيفرضون على إيران هذه العقوبة وتلك، وهي العقوبات الثانويّة نفسها التي رُفعت بالاتفاق النووي وبقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهم [الآن] يريدون فرضها من جديد. أو [كأن] يقال مثلاً بأنّه حصلت هنالك فجوة بين أوروبا وأمريكا.. نعم، من الممكن أن تكون قد حصلت بينهم فجوة ظاهرية قليلة الأهمية، ولكنّنا لم نتفاوض من أجل ذلك.. وهل كان تفاوضنا بُغية تكدير العلاقة بين أمريكا وأوروبا؟ لقد تفاوضنا من أجل رفع الحظر.. هذا كان الهدف من البدء بالمفاوضات ومن مواصلتها، وهذا ما يجب تحقيقه؛ أما سائر الموارد الحاصلة في حال عدم تحقّق هذا الأمر، فلن يكون لها قيمة كبيرة. وسبق أن ذكرتُ بأنّ الأوروبيين لا يخالفون أمريكا ويتبعونها، وهم يتعاونون أيضاً فيما بينهم، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[17]. هؤلاء يساعد بعضهم بعضاً، ويرسل  بعضهم إلى بعض الرسائل والإشارات، ويعين بعضهم بعضاً، ويرفعون من معنويات بعضهم الآخر.. هذه أمور يجب أن نجعلها نُصب أعيننا بصفتها تجارب مكتسبة من الاتفاق النووي.

لا للملامة؛ وتجنّبوا الشقاق
ثمّة نقطة هامّة أودّ ذكرها هنا، وهي أنّه في قضية الاتفاق النووي وفي التعامل مع هذا الملف، من اللازم وبكلّ تأكيد أن يتجنّب الناشطون السياسيّون والإداريّون والناشطون الإعلاميّون والثقافيّون ملامة وتقريع بعضهم البعض. لا تفعلوا هذا. فالنقد، والانتقاد الصحيح القائم على أساس الإنصاف والعقل لا إشكال فيه، وعلى المسؤولين أن يستمعوا إلى هذه الانتقادات. أمّا أن نلوم بعضنا ونهين بعضنا ونهتك حرمات بعضنا ونتّهم بعضنا، فهذه أمور يجب أن تنتهي، ولا ينبغي للثنائيّة والتحزّب والشقاق والتفرقة أن تظهر على أساس الاتفاق النووي وحوله. نعم، توجد بعض الخطوات والمبادرات التي يجب علينا القيام بها، ولقد أشرتُ وسأشير إليها، وهذا محفوظ في مكانه، لكن لا ينبغي لنا نقض الوحدة والاتحاد والتعاطف والانسجام في هذه القضية.. هذه بدورها نقطة أساسية.

هذه مطالبنا وشروطنا؛ وعلى أوروبا الالتزام!!
والآن مع ملاحظة ما ذكرناه، ما هي الطريقة التي يجب علينا اتّخاذها لمواجهة الاتفاق النووي من الآن فصاعداً؟ وقد سجّلت هنا عدّة نقاط؛

النقطة الأولى؛ لنقوّم الأمور في مواجهة هذه القضية بنظرة واقعية، ولا نعقد آمالنا على الاحتمالات وعلى ما يقال وينقل، وليس من المعلوم أن يكون مستنداً إلى حقيقة أو يمكن الوثوق به. فلنقوّم بنظرة واقعية، ولننقل إلى الناس [مجريات الأمور وتصوّراتنا] أيضاً بواقعية. فما كان في بالنا وتصّورناه في بداية المفاوضات ونقلناه إلى الناس أيضاً «بأننا لو تفاوضنا لحصلنا على مائة مليار دولار» فيه دلالة، حيث تعتبر المائة مليار دولار مبلغاً مهمّاً ومعتدّاً به للبلد، وبإمكانه أن يزيل الكثير من مشاكل البلد كلياً، كان مخالفاً للحقيقة. علماً بأنّ الرئيس الأميركي الوقح ما زال يقول إنّنا أعطينا إيران مائة مليار، وأحياناً يقول مئة وخمسين مليار [دولار]، خسئت! متى أعطيت إيران [هذا المال]؟ إنّك لم تعطها حتى دولاراً واحداً. في الحقيقة نحن أيضاً وبنحوٍ من الأنحاء صدّقنا بأمر هذا المبلغ من المال، ولكنّه لم يكن إلا ظنّاً وتصوّراً ووهماً ليس له واقعيّة. فلننتبه إلى أن يستند ما نحدّده لمستقبلنا ولمصالحنا ولما نأخذه عِوضاً عن النفقات التي تكبّدناها إلى الواقع، وإلى أن ندرك ذلك الواقع نفسه، ونطرحه على الناس ونبيّنه لهم بصراحة.

اقتصادنا لا يُصلحه الاتفاق النووي
وأقولها لكم؛ لا يمكن اليوم إصلاح اقتصاد البلد من خلال الاتفاق النووي الأوروبي. اقتصاد البلد لا يتمّ إصلاحه عن هذا الطريق. وهناك شواهد كثيرة ها أنتم تشاهدونها الآن، فبعض الشركات الغربية المهمة غادرت، وبعضها أعلن بأنّه سيغادر، وبعضها يقول ليس من المعلوم ماذا سنفعل، وعلى هذا المنوال يتحدّث الرؤساء والساسة في الدول الغربية؛ ألمانيا بطريقة وفرنسا بطريقة وتلك بطريقة أخرى. إذاً، فلا يمكن إصلاح الاقتصاد في البلد عن طريق الاتفاق النووي الأوروبي. الاتفاق النووي الأوروبي بحدّ ذاته قضية، لكن لا ينبغي تعليق الآمال عليه [لمعالجة] الاقتصاد، فللاقتصاد طُرق أخرى سأشير إليها.. هذه نقطة.

النقطة الثانية؛ هي أنّ الدول الأوروبية الثلاث قد نكثت بعهدها معنا قبل ثلاثة عشر أو أربعة عشر عاماً في العامين 2004 و2005 وكذبت علينا بشكل فاضح في الملف النووي؛ وعدَت بشيء ولم تعمل به، بل عملت خلافَه. وعليها أن تثبت بأنّها خرجت من تلك الحالة، وهذا أمرٌ موكولٌ إليها. يجب على الدول الأوروبية أن تثبت للجمهورية الإسلامية بأنها لن تتّبع اليوم الأسلوب نفسه من نكث العهود ونقض المواثيق الذي اتّبعته سابقاً، وعليها أن تعوّض عن ذلك.. هذه هي النقطة التالية.
النقطة الأخرى هي أنّ أمريكا قد انتهكت الاتفاق النووي مرّات ومرّات خلال العامين المنصرمين، وقامت كما ذكرتُ بممارسات مختلفة تدل على خرق مضمون الاتفاق وشكله على حدّ تعبير السادة الدبلوماسيين، بينما نجد الأروبيين قد التزموا الصمت، والحال أنّه كان يجب عليهم أن يقفوا في وجه أمريكا وأن يعترضوا عليها، ولو أنّهم اعترضوا لربّما ما كان الأمر وصل إلى أن تقوم أمريكا بإلغاء توقيعها كشربة ماء قائلة: أنا خرجت [من هذه المعاهدة]. يجب عليهم التعويض عن تلك الغفلة التي ارتكبوها خلال هاتين السنتين.

النقطة الأخرى هي أنّ أمريكا نقضت القرار رقم 2231 [18]، ويجب على أعضاء مجلس الأمن أن يرفعوا إلى هذا المجلس مشروع قرار ضدّ هذه الخطوة الأميركية؛ قراراً مندّداً بأمريكا لانتهاكها القرار 2231. هذه واحدة من الأعمال التي يجب عليهم القيام بها.

يجب على أوروبا أن تتعهّد بألّا تطرح موضوع الصواريخ وتواجد الجمهورية الإسلامية في المنطقة.. هذا ما يجب أن تتعهّد به. وأما أن يطرحوا بين الحين والآخر قضية الصواريخ [ويثيروها] بأشكال مختلفة، فهو أمر مرفوض من الأساس. يجب على زعماء هذه الدول الثلاث أن يتعهّدوا ويقبلوا بألّا يطرحوا قضية الصواريخ على الإطلاق.

كما عليهم أن يواجهوا كلّ أنواع العقوبات المفروضة ضدّ الجمهورية الإسلامية. فهو [الرئيس الأميركي] إذ يقول إنّه سيفرض عقوبات على إيران، عليهم هم  أن يقفوا بوجه العقوبات الأميركيّة بصراحة. وإن كان من المفترض أن تُبرم معاهدة بيننا وبين الأوروبيّين، فهذه إحدى شروطها.

وليعلم الجميع بالطبع، أنّنا حين نقول إنّه لا ينبغي عليهم طرح قضيّة الصواريخ، بأنّ الجمهورية الإسلامية لن تتخلى بكلّ تأكيد عن عناصر قوّتها، وإحدى عناصر قوّتها القوة الدفاعية والدفاع عن بُعد.. [نعم] إحدى مقوّمات الاقتدار هي القوة الدفاعية والأخرى هي عمقُنا الاستراتيجي. إنّ تواجدنا في بلدان المنطقة ومناصرة شعوب المنطقة للجمهورية الإسلامية يشكّل عمقاً استراتيجياً لها، والجمهورية الإسلامية لا يسعها أن تغضّ الطرف عنه، بل لا يمكن لأيّ دولة عاقلة أن تتغاضى عن ذلك. أو [عن] الرصيد الاجتماعي للناس، وهذا الاتحاد القائم بينهم، واجتماعهم تحت لواء الإسلام، وحركة الجمهورية الإسلامية تحت راية الإسلام التي تفتخر بها.. هذه كلّها من أُسس الجمهورية الإسلامية وركائزها ومقوّماتها؛ ليعلم الجميع أنّ أحداً لن يتخلى عن هذه الأمور.

النقطة الأخرى هي أنّ على أوروبا أن تضمن بيع النفط الإيراني بالكامل. فإذا استطاع الأمريكيون أن يسدّدوا ضربة لنا في قضيّة بيع النفط الايراني، عليهم هم شراؤه بالمقدار الذي تريده الجمهورية الإسلامية؛ قد نوافق أنفسنا على التقليل من بيع النفط - وهذا منوط بسياسات الحكومة، فقد تتوصّل الحكومة إلى نتيجة مفادها أنّنا كلّما قلّلنا من بيع النفط وأبعدنا اقتصادنا عن الاعتماد على النفط، لكان ذلك في مصلحتنا.. قد نصل إلى هذه النتيجة -  وإن لم يحصل هذا الأمر، واتّخذنا القرار بأن نبيع النفط بمقدار ما نبيعه اليوم، وتسبّبت الخطوات الأميركية في عرقلة ذلك، فيجب على الأوروبيين بالتأكيد أن يعوّضوا عن ذلك وأن يشتروه بشكل مضمون.

النقطة التالية هي أنّ على المصارف الأوروبية أن تضمن استلام ودفع الأموال ونقل الحوالات المرتبطة بالتجارة الحكومية والتجارة الخاصة في الجمهورية الإسلامية. هذه المسائل هي ما نعنيه من الضمانات التي قلنا يجب عليهم تقديمها. وسبق أن ذكرتُ؛ بأنّنا لا نهدف إلى النزاع مع هذه الدول الثلاث، لكنّنا لا نثق بهم.. قضيّتنا ليست قضية إثارة الصراع والاختلاف، وإنّما هي قضية عدم الوثوق.. نحن لا نثق بهذه الدول، وهذا أيضاً يستند إلى تجارب سابقة، ولذلك يجب توثيق وإحكام هذه الضمانات بشكل حقيقي.

والنقطة التي تليها هي أنّه لو تباطأ الأوروبيين وماطلوا في تلبية هذه المطالب، سنحتفظ بحقّنا في استئناف أنشطتنا النووية المعطّلة. وعلى مسؤولينا في مؤسّسة الطاقة النوويّة أن يكونوا على استعداد. لا أقول لهم بالطبع أن يبدأوا بعملية التخصيب بنسبة عشرين بالمائة، ولكن أقول لهم أن يستعدّوا. وعندما ترى الجمهورية الإسلامية أنّ من المصلحة والضرورة استئاف أنشطتها -التي تعطّلت بسبب الاتفاق النووي، وهي أثمانٌ كنّا ندفعها بسبب هذا الاتفاق- وعندما نرى بأنّ الاتفاق النووي لا يعود علينا بالنفع ولا نريد مواصلة دفع الأثمان، فإنّ واحدة من الطرق بطبيعة الحال هي استئناف تلك الأعمال والأنشطة التي تعطّلت.. كان هذا ما يخص الاتفاق النووي.

قضايا بلدنا الداخلية
الشقّ الثاني من حديثي يتمحوَر حول شؤوننا الداخلية وواجباتنا في داخل البلد بشأن القضايا الاقتصادية. ذلك أن قضية البلد الأولى حالياً هي القضية الاقتصادية. ويجب أن تستمر هذه الإنجازات والأنشطة التي تمارسها الحكومة بقوة إن شاء الله، من زيادة الخدمات إلى غيرها من الأعمال التي تقوم الحكومة بها. بيد أنّ الأوضاع الاقتصادية في الحقيقة ليست على ما يرام، ورغم كلّ الجهود المبذولة لا يُعدّ الوضع الاقتصادي هو الوضع المطلوب والمنشود. وهناك الكثير من الناس يعيشون حالة اقتصاديّة ضاغطة. وأنتم إلى حدّ ما على علمٍ بقضية الغلاء وما شابهها، والكثير من الناس يتلمّسون هذا الأمر بكلّ وجودهم، وهي تعدّ من المشاكل الأساسية في البلد. ولكي نتمكّن من إزالة هذه المشاكل، علينا بالدرجة الأولى أن نصدّق قلبياً بعدة أمور؛
[النقطة الاولى]؛ أولاً لنعلم بأنّ مشكلة البلد الاقتصادية يمكن حلّها بالاعتماد على الطاقات الذاتية الهائلة، هذا ما يجب علينا تصديقه.. هذه حقيقة يرفضها البعض ولا يعلم بها البعض الآخر. لدينا في البلد طاقات هائلة لم يتمّ استثمارها بعد، وسأنقل لكم لاحقاً قولاً عن خبراء غير إيرانيين في هذا المجال.
 
لا نثق بالوصفات الغربية!
النقطة الثانية التي يجب علينا تصديقها هي أن نعلم بأنّ الوصفات الغربية لنا لا يمكن الوثوق بها. لا أقول نرفضها كلياً، وإنّما نقيّمها. فلا يمكن التسيلم للوصفات الغربية تسليماً لا يقبل الخلف؛ لا في المجال الاقتصادي ولا في المجالات الأخرى كقضية السكّان. فإنّ قضية السكّان تعدّ واحدة من تلك الوصفات الغربية. وفي الآونة الأخيرة قدّم الجهاز الإعلامي للحكومة البريطانية الخبيثة وصفة [قال فيها] بأنّ إيران بثلاثين مليون نسمة ستكون بلداً جيّداً جداً! على الرغم من أنفكم سيبلغ عدد نفوسها 150 مليون نسمة إن شاء الله. لقد كانت سياسات البلد السكانية - التي اتّبعناها - سياسات خاطئة، وهذا ما ذكرته سابقاً[19]. علماً بأنّها كانت صائبة في بادئ الأمر وصحيحة في البداية، ولكنّها خاطئة وغير صائبة في الاستمرارية، فقد غفلنا في هذا المجال وعلينا تدارك الأمر. كذلك الحال بالنسبة إلى مشكلة البلد الاقتصادية، فلا يمكن إصلاحها بالوصفات الغربية. إنّنا على امتداد السنوات المختلفة وحتى هذه اللحظة متى ما استخدمنا الوصفات الغربية لم نجنِ ثمرة بل تضرّرنا في بعض المواطن. عندما طُرحت سياسة التعديل [الاقتصادي] في التسعينات، سُدّدت ضربة إلى العدالة الاجتماعية في بلدنا بكلّ ما للكلمة من معنى، وظهر شرخ طبقي؛ قد تكون تحتوي على بعض المنافع، إلّا أنّها كبّدتنا هذه الأضرار الجسيمة.

النقطة الثالثة التي ينبغي لنا الالتفات إليها وتصديقها هي أنّ إيكال الأمر إلى الأجانب مع ملاحظة نكثهم للعهود الذي شاهدناه منهم حتى الآن، ينبغي أن يكون في حدّ الاضطرار. ومعنى ذلك أنّه بعد أن نيأس تماماً من الطاقات والإمكانيات الداخلية، عندها نطرق أبواب الآخرين، ولنقدّم إمكانيّاتنا الداخلية التي هي باعتقادي إمكانيات كبيرة للغاية [على هذا الشيء].

إمكاناتُنا الذاتية متنوّعة ووافرة
النقطة التالية هي الطاقات الذاتية التي أشرتُ إليها، وهي طاقات جبّارة. هناك دراسةٌ قام بها خبراء في البنك الدولي - دراسةٌ لم نقم بها نحن، بل البنك الدولي – تقول بأنّ: إيران مستودعٌ للمواهب البشرية والأقليميّة [الموارد المتوفّرة لها بسبب الاقليم والموقع الجغرافي] التي لم تُستثمر بعد.. التفتوا! يقول: إيران من حيث عدم استثمار المواهب البشرية والأراضي تتبوّأ المرتبة الأولى في العالم. وهذا يعني أنّ هناك مواهب كثيرة ماثلة أمامنا لم نقم باستثمارها وقد قصّرنا في حقّها.

الموارد البشرية وكثرْة الطاقات القادرة على العمل ولاسيّما الشباب والمتعلّمين: لدينا عشرة ملايين خرّيج جامعي وأكثر من أربعة ملايين طالب جامعي لا يزالون يتابعون دراستهم. وعلى حدّ قول المطلعين والملمّين من أصدقائنا في الحكومة، يدخل البلد من حيث كثرة المهندسين في عداد البلدان المتقدمة على صعيد العالم. وإنّ عدد مهندسينا نسبيّاً يفوق عددهم في الكثير من الدول  الكبرى والمعروفة.. هذه هي طاقاتنا.

الموارد الإقليمية؛ سِعة الأرض، الوصول إلى المياه الدولية، عدد دول الجوار، سوق المنطقة، وطرق النقل الخارجية؛ هذه مسائل صرّح بها خبراء البنك الدولي.. هذه موارد إقليميّة لم نستثمرها بشكل صائب.

المواهب البشرية؛ عدد الأشخاص الذين بلغوا السنّ القانوني للعمل وعدد المتعلّمين على اختلاف مستوياتهم وأمثال ذلك. فقد قال هؤلاء الخبراء أنفسهم بأنّ إيران لو استفادت من هذه المواهب بشكل صحيح، لدخلت في عداد البلدان المتقدمة إقتصادياً.. هذه هي إمكانيّاتنا ونحن نمتلك ثروة عظيمة.

هذا وللعلم؛ بأنّ هذه الدراسة لم تذكُر الثروات الطبيعية، وإنّما ذكَرت الثروات البشرية والإقليمية - الإمكانيات والموارد الإقليمية - فقط. [أمّا] الموارد والثروات الطبيعية فهي تفوق العادة. قبل عدّة أعوام قلت في مثل هذه الجلسة[20] بأنّ سكانّنا يشكّلون واحد بالمائة من سكان العالم، ويكفينا لو كنّا نمتلك من المعادن المهمّة والضرورية والأساسية التي نحتاجها للصناعات بنسبة واحد بالمائة، ولكنّها تفوق نسبة الواحد بالمائة، حيث نمتلك من بعضها ثلاثة بالمائة، ومن بعضها أربعة بالمائة، ومن بعضها خمسة بالمائة. كما أن نسبة النفط والغاز عالية جداً، حيث نتبوّأ المرتبة الأولى عالميّاً [في هذا المجال]؛ إنّنا نحتلّ المرتبة الرابعة في النفط والأولى في الغاز، ونحتل المرتبة الأولى عالميّاً في مجموع النفط والغاز.

هذه إمكانيّاتنا وطاقاتنا التي يجب استثمارها وبالإمكان استثمارها.. بالإمكان التفكير والإدارة والتخطيط [في هذا المضمار]. وبالطبع، هذه أمور لا تتحقّق بين عشيّة وضُحاها، إنّما تتطلّب بعض الوقت، لكن متى ما شرعنا سنصل بالتالي إلى النتيجة.
عقدنا هنا قبل أسبوعين أو ثلاثة اجتماعاً حول المسائل الاقتصادية في البلد، حضره رؤساء السلطات الثلاث والمسؤولون الاقتصاديون الناشطون في مفاصل الحكومة والمجلس والسلطة القضائية، ودار فيها بحثٌ جيّد نسبياً، وطُرحت بعض المسائل. علماً بأنّي لستُ اقتصادياً، وإنّما كان الكلام مستنداً إلى أقوال الخبراء، فطرحنا بعض الموضوعات، وتقرّر أن تُتّخذ إجراءات شكلية. فليتابع الأعزّاء هذه المسائل. وأقول لكم الآن- ورؤساء السلطات الثلاث، والسادة الذين كانوا حاضرين في ذلك الاجتماع موجودون حالياً -: لو تابعتم بصورة جادّة تلك الموضوعات نفسها التي دار الحديث حولها واتُخذ فيها القرار وتمّ التأكيد عليها في تلك الليلة، سيتحسّن الوضع الاقتصاديّ يقيناً، ولا نشكّ في ذلك أبداً. بعد ذلك علمتُ بأنّ الاقتصاديين الأعزّاء في الحكومة أيّدوا تلك المسائل نفسها التي طُرحت وذُكرت هنا في تلك الليلة وتمّ الإعلان عنها في الاجتماع كقرار متَّخَذ.

وزارة الخزانة الأميركية تحوّلت إلى غرفة حرب!
وأقولها لكم: لقد نقل العدوّ غرفة الحرب إلى وزارة الخزانة، وأصبح (مقرّ) الحرب ضدّنا وزارة الخزانة بدلاً من وزارة الدفاع، وهم عاكفون على عملٍ دؤوب. كما كانوا فيما مضى. عندما فرضوا في عامي 2011 و2012 عقوباتٍ مشلّة - على حدّ زعمهم، ولكنّها لم تتمكّن من شلّ [مسيرة] الجمهورية الإسلامية رغم أنفهم – كانوا نشطين[جدّاً]؛ حتى إنّ الوزير الأميركي كان يتواصل مع رؤساء مختلف المصارف في شتى البلدان فرداً فرداً؛ أي إنّهم كانوا ناشطين إلى هذا المستوى ويعملون ليل نهار. وأقول، يجب هنا أيضاً تشكيل لجنةٍ لمواجهة شرّ هذا العدوّ في المنظومة الاقتصادية، وعلى وزارة الخارجية أن تدعم وتساعد على هيئة مُواكب، بيد أنّ تشكيل هذه اللجنة ومتابعة هذا العمل لا بدّ وأن يتمّ في المركز الاقتصادي للحكومة. بالطبع، الاقتصاد المقاوم هو الحلّ لجميع هذه المشاكل، ولا بدّ من متابعته بصورة جادة. ولكن مع ملاحظة بعض الممارسات التي يمارسها العدوّ اليوم، قد تحتلّ بعض أقسام الاقتصاد المقاوم الخاصة الأولوية، ولذا يجب متابعة هذه الأقسام.

تطبيق سياسات المادة 44
ثمّة نقطة أخرى في الشأن الاقتصادي وهي أنّ الاقتصاد الحكومي لا يلبّي المطلوب، ولا بدّ من إدخال الناس، وحمل سياسات المادة 44 على محمل الجدّ. هذا ما قلته للحكومة السابقة، وقلته مراراً لحكومة السيد روحاني، وأعيدها ثانية: خذوا سياسات المادة 44 على محمل الجدّ، وأنزلوا القطاع الخاص إلى الساحة، وادعموا القطاع الخاص، ولهذا وُجد «صندوق التنمية الوطني». وما أشار إليه السيد الدكتور روحاني الآن من أنّ مقداراً من العملة الأجنبية وأرباحها لا يُسلَّم للحكومة، هذا يعني أنّه يودع في صندوق التنمية الوطني. والصندوق هذا تحت تصرف الحكومة، ولا يوجد فيه شيء خارج عن نطاقها. فالحكومة هي التی تتولّى أمر هذا الصندوق، وهي التي تعيّن المسؤولين عليه، وبيدها تحديد سياسات الصندوق والسحب منه وكلّ شيء فيه. لكن في بعض الموارد تضطرّ الحكومة لأن تسحب منه سحباً غير قانوني، ولا تسنح الفرصة لأخذ الموافقة من المجلس، فتأتي إلى هذا الحقير وتأخذ منّي الموافقة لسحب هذا [المقدار من] المال مثلاً في سبيل هذا العمل، وإلّا فالصندوق هذا تحت تصرّف الحكومة. هذا الصندوق مهمّ وتوصيتي الأكيدة هي ألّا تُصرَف أموال هذا الصندوق في مصاريف البلد اليوميّة والعاديّة، ولا بدّ أن يستفيد منه فقط الناشطون الاقتصاديون في القطاع الخاص من أجل أن يتمكّنوا من إنجاز أعمالهم.. هكذا يجب النظر إلى هذه القضية.

أسرى للنفط؛ المعضلة
النقطة التالية في باب الاقتصاد هي الاقتصاد النفطي، أي الاعتماد الرئيسي على بيع النفط الخام، وهذه واحدة من عيوب اقتصادنا الأساسية.. الكلام الذي قلته قبل عشرين عاماً، وبعض المسؤولين في الحكومات آنذاك نظروا إليّ نظرة استغراب ومرّوا عليه مرور الكرام مبتسمين، حيث قلت: يجب أن نصل إلى مرحلة يمكننا فيها إغلاق آبار نفطنا متى ما أردنا، قائلين: نريد أن نوقف تصدير النفط لمدّة ثلاثة أشهر، وأن يكون هذا الأمر بأيدينا.. ليتنا كنّا قادرين على ذلك، وهو أمرٌ ممكن وغير مستبعد. قد يُقال الآن بأنّ [هذا العمل] يؤدّي إلى فقدان الزبائن وما شابه.. كلّا، هنالك حلولٌ لجميع هذه المسائل. يجب ألّا نكون أسرى للنفط.. نحن اليوم أسرى للنفط وفي قبضته؛ النفط ليس بأيدينا.. إنتاجه بيدنا، إلّا أنّ تحديد سعرَه بِيَد الآخرين، وإمكانية بيعه بِيَد الآخرين، وحظرُه بِيَد الآخرين.. نحن في الحقيقة أسرى للنفط، في حين يجب أن يكون النفط أسيراً بأيدينا، وأن يكون تحت تصرّفنا.. هذه سياسة قَطعيّة. النفط ثروة وطنية، وبالطبع ستمضي سنوات طويلة حتى تنفد هذه الثروة، ولكنّها بالتالي ستنفَد. نحن قد تعوّدنا على إخراج النفط - هذا الرصيد الوطني - من تحت الأرض وبيعه دون أيّ قيمة مُضافة. فلنعمل على وضع  قيمة مضافة له على أقل تقدير؛ للنفط وللغاز معاً - علماً بأنّ الغاز يُوضع له مقدار [من القيمة المضافة] في البتروكيماويات وما شاكل ذلك، ولكن النفط يُباع هكذا - هذه هي إشكالاتنا الأساسية. وبالتالي يجب أن نحدّ من اعتمادنا على النفط يوماً بعد آخر.. هذه نقطة.

النقطة التالية هي أن نولي اهتماماً للاقتصاد القائم على العلم والمعرفة. فالنموّ المتسارع للاقتصاد يتحقق عبر الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة. واليوم تتوافر لدينا إمكانيّات هذا الأمر، وهنالك الكثير من الشباب المستعدين الدارسين والمتعلمين الذين يُمكنهم النهوض ببعض الأعمال. تسمعون أحياناً أو تشاهدون في التلفاز شابّاً قد أنشأ وابتكر عملاً، يشعر معه المرء واقعاً باللذّة والفرح، حيث خاض هذا الشاب ميداناً من ميادين الزارعة أو تربية المواشي أو الصناعة أو الصناعات الصغيرة أو الخدمات وما شابه ذلك، وشرع برأسمال صغير، وحقّق نتائج جيّدة بهمّته العالية.. [إنتاج] الثروة عن طريق الفكر ومن خلال الوسائل العلميّة هو أيضاً نقطة من النقاط [التي أحببتُ أن أُشير إليها].

النقطة التالية هي ضرورة تعزيز الإنتاج المحلي والبضاعة الإيرانية. علينا حقاً أن نولي اهتماماً بمسألة دعم البضاعة الإيرانية.. إنّه عملٌ واجب وضروري وقطعي. وعلى رجال الحكومة والمسؤولين في القطاعات المختلفة والقوات المسلحة – الذين يشترون كميّات كبيرة من الأشياء ويدفعون أثماناً باهظة لقاءها - أن يسعوا جاهدين إلى عدم استهلاك البضائع الأجنبيّة مطلقاً ما دامت البضاعة الإيرانية موجودة.

ثم لا ينبغي لنا أن نربط القضية الاقتصادية - كما ذكرتُ سابقاً - بالاتفاق النووي وأمثاله، ونقول «لو تحقّق الاتفاق النووي لتحسّنت أمور الناس اقتصادياً، وإلا لخرب الاقتصاد».. لا، فالاتفاق النووي مقولة، وكما ذكرنا يجب مواجهته بطريقة معينة؛ بالقوة والعقل والتدبير، فلا تخلطوه بالاقتصاد، ولا تقولوا: إنّ اقتصادنا سيتضرّر إن لم يتحقّق الاتفاق وسيصلح إن تحقّق. حسنٌ؛ لقد تمّ التوافق حوله وأُبرم كما رأيتم، ولم يصلح الاقتصاد. فالاقتصاد بحاجة إلى عوامل أخرى وعناصر أخرى، ولا يصلح بهذه الأمور.

نشعر بالفخر؛ وبثّ اليأس سياسة عدوانية
ثمّة نقطة بالغة الأهميّة هنا، وهي ضرورة مكافحة، وبشدّة، سياسة بثّ اليأس وخلْق التصوّرات الواهمة بأنّ البلد أمام طريق مسدود. إنّها سياسة عدوانية أميركية وغربية قائمة على إثارة الشعور بوجود طريق مسدود أمام البلد، وبثّ اليأس، وها هم يمارسون مختلف الممارسات لتحقيق هذا الأمر. ولا بدّ من الوقوف بجدّ في وجه هذه السياسة. فإنّ بثّ الشعور بالعجز واليأس والإحباط هي من سياسة العدوّ القطعية. والعدوّ يهدف إلى سلْب الشعب الإيراني ما يشعر به من فخر واعتزاز، وذلك عبر بثّ الإشاعات والأكاذيب وتضخيم نقاط الضعف واستصغار النجاحات والانتصارات. الشعب الإيراني اليوم يشعر بالفخر والاعتزاز.. يشعر بالاستقلال، والثبات، والأهميّة، والسمعة الحسنة في العالم، والنفوذ في المنطقة. ولقد قام وما زال وسيقوم بإنجازات هامة.. الشعب يشعر بالفخر، وهذا ما يريدون سلبه إيّاه، والإيحاء له بأنّ انتصاراته ليست سوى هزائم.

نحن أقوياء وأعزّاء
لقد أبدى أبناء شعبنا ومسؤولونا بفضل الثورة وببركة الإيمان بالذات الناجم عن الثورة نبوغاً [عالياً]. وقد أُنجزت أعمال مهمّة على مدى هذه السنوات الطوال. ولقد واجهتنا مشاكل كثيرة، بما فيها الحرب والحظر، لكن بالرّغم من كلّ هذه المشاكل، تحقّقت الكثير من الإنجازات في هذا البلد في مجال الزراعة والعلم، والتقنية، والصحة والعلاج، وارتفاع مستوى الوعي العام، والعزّة بين الدول، وسيادة الشعب الحقيقية والصحيحة والموثوقة، والخدمات العامّة المنتشرة في جميع أرجاء البلد، وما تمّ إنجازه هو حقّاً في غاية الأهمية؛ وجدير بالاهتمام بكلّ ما للكلمة من معنى. [نعم] إنّ العدوّ يريد الإيحاء بأنّ الانتصارات هذه ليست سوى هزائم،  كي يقضي على هذه الحركة والهمّة المفعمة بالأمل لدى الشعب ويسلبه إيّاها بما تمثّله من حلّ للمشاكل في البلد. 
البلد قوي والحمد لله.. الجمهورية الإسلامية مُقتدِرة والحمد لله، ولو كنّا ضعفاء لما لزِمت كلّ هذه الوسائل والتجهیزات لمواجهتنا. ولكم أن تلاحظوا بأنّ العدوّ قد أسّس جبهة ونزل إلى الساحة بمعدّات وآليات متنوعة، ولكن من أجل ماذا؟ لو كنّا ضعفاء لما اقتضت الضرورة لأن يُهلك العدّو نفسه في سبيل أن يأتي بأنواع الأسلحة وأقسامها، بما فيها العسكرية والإعلامية والاقتصادية وما شاكلها. واضحٌ بأنّنا أقوياء، وهو يسعى جاهداً ولكنّه لن يستطيع. وبالطريقة التي ذكرناها كمثالٍ وأشرنا إليها سابقاً، هُزم في كلّ مرة، وبتوفيق الله وإذنه سيُهزم في هذه المرة أيضاً.

لدينا القدرة على حلّ مشاكلنا الاقتصادية
خلاصة حديثنا في الشأن الاقتصادي هو أنّ البلد، بفضل ما يتمتع به من طاقات وإمكانيات، قادر على معالجة المشاكل الاقتصادية بالكامل. فلنكتشف الطاقات، ولنحصِ القدرات، ولنأخذ التجارب بنظر الاعتبار، وفوق هذا كله لا ننسى النصر الإلهي. نحن نبذل جهدنا في سبيل إعلاء كلمة الله.. نحن لا نسعى وراء السلطة المادية وما شابهها.. نحن نريد رِفعة الإسلام.. نحن نروم تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع.. نحن نبغي في وسط العالم الغارق في بحر المادية والفساد والانحرافات المختلفة من الغرائز البشرية أن نبني حكماً ومجتمعاً وبلداً يُدار على أساس أحكام الدين.. نحن نسعى وراء ذلك، ولقد نجحنا إلى حدّ ما، وفشلنا في بعض المواطن، ونسعى بإذن الله أن نحقّق النجاح في المواطن التي فشلنا فيها.. هذا هو هدفنا. ومع هذا الهدف سيكون النصر الإلهي حتميّاً. فالله سبحانه وعد، والله لا يخلف وعده أبداً.

الأمم المتحدة؛ بنفوذ أمريكي ومال خليجي!
والنقطة الأخيرة التي أتناولها تختصّ بالأُمم المتحدة. لم يكن أداء الأمم المتحدة على مرّ هذه السنوات أداء حسناً، إنّما تحدّثَت وبادرَت وأقدمَت بنفوذ أميركي، وهذا ما شاهدتموه ورأيتموه. [ففي يومٍ] أدان الأمين العام حركة السعوديين في اليمن، وبعد يومٍ سحبَ كلامه وأدان إدانته! وعندما سُئِل عن ذلك أجاب: كنتُ تحت الضغط. والضغط على نمطين؛ ضغط المال وضغط القوة. فالمال يدفعه قوارين [حكّام] الخليج الفارسي من أموال النفط، والقوة تستخدمها أمريكا. ممّا يُؤسف له؛ أنّ الأمم المتحدة خاضعة لتأثير أمريكا، وهي مقصّرة كثيراً  تجاه الجمهورية الإسلامية؛ وهذا ما يجب عليها تداركه.

ملفّات أميركية في حقوق الانسان
أودّ الآن أن أطرح عدّة ملفّات أميركية على صلة بحقوق الإنسان، ويجب على الأمم المتحدة أن تتابعها بصورة جادّة. هذه الملفات لم تُعالج ولم تنتهِ بعد، وبقيت ناقصة، وبعضها لم يُتابَع أساساً من البداية.
الملف الأول إحراق مركز الفرقة الداوودية في عهد كلينتون.. لماذا لا تُتابع هذه القضية؟ جماعة تابعة لفرقة من فرق المسيحية اجتمعت في منزل، والحكومة كانت تعارضهم لسببٍ ما، قد يكون هذا السبب محقّاً وقد يكون غير محقّ، ولنفترض أنّه كان محقّاً، ما الذي يُفعل في مثل هذه المواطن؟ غالباً ما يُعتقل هؤلاء أو يحتجزوا، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وإنّما أحرقوا الدار، فاحترق العشرات من النساء والرجال والأطفال وهم أحياء وقُتلوا! لماذا لا تُتابع هذه القضية؟ هل أمريكا بهذا الماضي [السيّئ] مؤهّلة لأن تُحذّر هذا وذاك على خلفيّة قضايا تتعلّق بحقوق الإنسان؟ يجب على الأمم المتحدة أن تتابع القضية. فإنّ هذا أمر وملف حتمي وأساسي؛ لا بدّ من متابعته.

الملف الثاني سجن غوانتانامو، وهو سجنٌ ماثلٌ أمام أنظار العالم. لأي سببٍ اعتقَل الأمريكيون أناساً وزجّوهم في هذا المكان لعدّة أعوام وفي أصعب الظروف دون محاكمة؟ لقد كانت إحدى أسباب فوز أوباما، هي ما وعد به في حملاته الانتخابية من إغلاق سجن غوانتانامو ولكنّه لم يفعل! لقد تسلّم مقاليد الأمور لثمانية أعوام والسجن هذا بقي ولا زال إلى يومنا هذا.  وحتى لو أغلق اليوم هذا السجن على سبيل الفرض، فيجب متابعة سوابقه وما ارتُكب فيه من جرائم، وعلى الأمم المتحدة أن تتابع هذا الملف. يَعتقلون أُناساً أغلبهم من أفغانستان ومن بعض البلدان الأخرى ويُدخِلونهم إلى هذا السجن لعدّة سنوات وفي أصعب الظروف، بأوضاع غذائية رديئة جداً وأوضاع بيئية سيّئة للغاية، يكبّلون أيديهم وأرجلهم ويعصّبون أعينهم، هل هذا مزاح؟ هذا ما يجب على الأمم المتحدة متابعته بكلّ تأكيد.
الملف الآخر هو سجن أبو غريب في العراق. فإنّ التعذيب الذي يُمارس في هذا السجن، قلّما يوجد له نظير في العالم بما في ذلك أجهزة تعذيب الكيان الصهيوني ونحوه، وهي الرائدة في هذا المجال، أو أجهزة التعذيب في عهد النظام البهلوي التي استمدّوا فيها الخبرة من الإسرائيلين. [وهكذا] كان التعذيب الذي يمارس فيه أشدّ وأقسى من كلّ هذه الأجهزة. صحيح أنّ الأميركيين اليوم قد طُردوا من هناك، ووقع السجن بيد العراقيين أنفسهم، ولكنّ الملف باقٍ على حاله وتجب متابعته، وهذه قضية بالغة الأهمية.
وهنالك سجنٌ في أفغانستان شبيهٌ بسجن أبو غريب - وهو سجنٌ أميركي موجود في أفغانستان، ولكنه غير تابع للحكومة الأفغانيّة، إنّما للأمريكيين – وقد علت منه صرخة الأفغانيّين، واستاء منه المسؤولون الأفغانيّون، وهذا ما صرّحوا به لنا والجميع على علم بوجوده. فكانت تمارَس في هذا السجن الممارسات نفسها التي تُمارس في سجون غوانتانامو وأبو غريب. كما توجد لهم سجون في أوروبا، لكن لا نمتلك معلومات كافية بشأنها.

[بيع السلاح] ومن الملفّات التي يجب على الأمم المتحدة متابعتها بالتأكيد هي حريّة بيع السلاح في أمريكا التي تتسبّب بارتكاب هذا الكم الهائل من الجرائم. وهذا ما تسمعون به وتشاهدونه، ففي كل يوم، في المدرسة أو الجامعة، أو السوق، أو الشارع، يأتي حدث أو شاب أو رجل أو امرأة، وعلى أثر عارض [يعاني منه] - إمّا فاقد لأعصابه أو مجنون أو لديه مشكلة شخصية - يفتح النار على جماعة من الناس، فيقتُل ثمانية أو عشرة أو عشرين أو أقل أو أكثر ويُفجع عوائلهم بهم. فلِمَ لا يَقفون بوجه هذه الظاهرة؟ السبب هو أنّ الشركات المصنّعة للسلاح تحوْلُ دون ذلك والحكومات الأميركية خاضعة لنفوذ هذه الشركات. إنّه لموضوع بالغ الأهمية ويجب على الأمم المتحدة أن تتدخّل في هذا القضيّة وتتابعها.. هذه قضية.

والقضية الأخرى هي التصرّفات الإجراميّة للإدارة الأميركية والشرطة الأميركية بحقّ السوْد. فالأسود المتّهم أو المشتبه به مضّطر لتحمّل مختلف صنوف القسوة، وحتى الموت، ولا ضَير في ذلك! ثمّ تُقام محكمة شكلية ويُطلق سراح القاتل المجرم، وتَذهب دماء ذلك المسكين هدراً.. هذه بدورها قضيّة يمكن متابعتها.

[والقضية الأخرى] هي قضية تأسيس داعش التي صرّح بها الرئيس الأميركي الحالي في حملاته الانتخابية، ونحن بالطبع كنّا على علمٍ بذلك. حيث قيل بأنّ الأمريكيين كان لهم دور في تأسيس داعش وأنهم هم المحرّضون على هذا الأمر؛ مع وجود الوسائط في بعض المواطن، ومن دونها في البعض الآخر. وكنّا على اطّلاع بأنّهم، وفي مواضع مختلفة، دعموا [تنظيم] داعش في العراق، وساعدوه في بيع النفط الذي كان يقوم به، وفي هروب قياداته التي كانت تُحاصَر أحياناً.

[هذا بالإضافة إلى] دعمهم للكيان الصهيوني في ارتكابه المجازر، وآخرها مجزرة غزة.

[والقضية الأخرى] دعمهم للسعودية في ارتكاب المذابح في اليمن، وكذلك دعم الحكومة البحرينية في الجرائم التي تقترفها تجاه أبناء شعبها.

هذه ملفّات يجب على الأمم المتحدة متابعتها. فالأمم المتحدة إن كانت «أُمَماً» متّحدة [بالفعل]، ولم تكن منظّمة تابعة للإدارة الأميركية، عليها أن تتابع هذه القضايا.. هذه مهام ينبغي للأمم المتحدة النهوض بها. وهل هذا توقّع كبير؟

الجمهورية الإسلامية؛ منطقٌ قوي وخطاب مُحكَمٌ مَتين
إنّ كلام الجمهورية الإسلامية كلام متين، مُستدلّ ويمكن إثباتُه. وفي جميع هذه المواضيع التي تحدّثنا عنها، إن اتّهمنا أمريكا فلدينا دليل متقن لإثبات ذلك، وإن كنّا لا نثق بأوروبا فإنّ لنا برهاناً مقنعاً، وإن آمنّا فيما يتعلّق بالاقتصاد الداخلي بضرورة الاعتماد على الطاقات الذاتية فإنّ لنا حجّة قاطعة، كما إنّ هذه المسائل التي طالبنا بها الأمم المتحدة مشفوعة بأدلّة مُحكَمة. هذا الإتقان وهذا الاستدلال الصائب والدقيق هو الذي صان الجمهورية الإسلامية بفضل الله حتى يومنا هذا، وحافظ عليها قويّة مقتدِرة، وزاد من قوّتها بحيث لا يمكن اليوم مقارنتها بما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، بل هي أقوى بكثير. وبإذن الله ستتسارع حركة الجمهورية الإسلامية نحو الاقتدار، إلى جانب استحكام في البنية الداخلية وصحّة تعامل المسؤولين مع الناس في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على السير في ذلك الاتجاه الذي نصبو إليه والذي تحدثنا عنه.

إلهنا! بمحمد وآل محمد اجعل الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني شامخاً مرفوع الرأس أكثر فأكثر.

إلهنا! أيّد وسدّد المسؤولين المخلصين والمحبّين [للشعب] والخدومين.

إلهنا! بمحمّد وآل محمّد احشر إمامنا (الخميني) العظيم مع أوليائك، وشهداء هذا الطريق الأبرار مع شهداء صدر الإسلام، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، واجعل شهر رمضان بالنسبة لنا شهر التكامل المعنوي والصفاء الروحي.

إلهنا! اجعل ما قلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك وتقبّله منّا بكرمك.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

[1] في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني (رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران) كلمة.
[2]سورة المزمل، الآيات 1 إلى 4.
[3] سورة المزمل، الآية 5.
[4] ضحك الحضور.
[5] سورة محمد، شطر من الآية 7.
[6] سورة الحج، شطر من الآية 40.
[7] سورة آل عمران، شطر من الآية 126.
[8] المحافظون الجدد، من التيارات السياسية في أمريكا.
[9] الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.
[10] مثل عربي.
[11] رئيس جمهورية مصر المخلوع.
[12] جورج دبليو بوش.
[13] دونالد ترامب.
[14] مايك بومبيو.
[15] الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني.
[16] تأسيسات تقنيات اليورانيوم (UCF).
[17] سورة الأنعام، الآية 112.
[18] القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع؛ والمتعلّق برفع الحظر الخاص بالبرامج النووية للجمهورية الإسلامية في إيران.
[19] من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بمسؤولي النظام الإسلامي بتاريخ 24/07/2012 م.
[20] من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بمسؤولي النظام الإسلامي في تاريخ 14/06/2016 م.

06-06-2018 | 16-00 د | 1339 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net