الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
خطاب الإمام الخامنئي في زوّار حرم الإمام الرّضا (عليه السّلام) ومجاوريه،
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

خطاب الإمام الخامنئي في زوّار حرم الإمام الرّضا (عليه السّلام) ومجاوريه، في اليوم الأوّل من العام الهجري الشّمسي 1397 [21/3/2018م]

بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقيّة الله في الأرَضين. اللّهمّ صلّ على وليك عليّ بن موسى عدد ما في علمك صلاةً دائمةً بدوام عزّك وسلطانك، اللّهمّ سلّم على عليّ بن موسى‌ الرّضا عددَ ما في علمك سلامًا دائمًا بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك. اللّهمّ صلّ على وليّك علي بن محمّد الهادي النّقي سلامًا دائمًا بدوام عزّك وسلطانك.

أشكر الله تعالى على توفيقه لأنْ ألتقيكُم أيُّها الأهالي الأعزّاء الأوفياء مرّة أخرى وسنة أخرى إلى جوار هذه البقعة الطاهرة المباركة، وأُهدي سلامي الحارّ للزّوار الأعزّاء الذين اجتمعوا هنا من كلّ أنحاء البلاد ولسكّان هذه المدينة المقدّسة المحترمين. أُبارك لكم حلول السّنة الجديدة وعيد النّيروز، وأتقدّمُ منكم بالتعازي بمناسبة استشهاد الإمام الهادي (سلام الله عليه). من بين مجموعة الآثار والبركات التي وصلتنا عن أئمّة الهدى (عليهم السّلام) يمتازُ هذا الإمام الهُمام بخصوصيّة أنّه بيّن في ضمن الزيارة أهمَّ الفصول المتعلّقة بمراتب الأئمّة (عليهم السّلام) بأوفى وأشفى وأجملِ التعابير. فالزّيارة الجامعة الكبيرة قد وردتَنا عن هذا الإمام العظيم. وزيارة الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السّلام)في يوم الغدير وهي من غُرر كلام وأقوال الأئمة (عليهم السّلام) قد وردت عن هذا الإمام العظيم أيضًا. نتمنّى ببركة النّظرة الحانية لهذا الإمام الهُمام -الّذي صادَف يوم استشهاده اليومَ الأول من السّنة وتزامن مع عيد النّوروز- أن يحظى الشّعب الإيراني في هذه السّنة بالهداية الإلهيّة.

سأعرض اليوم لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرون هنا، وفي الواقع للشّعب الإيراني العظيم أجمع، عدّة نقاط وأمور:
أولًا؛ سنُلقي نظرة إجماليّة ومُختصَرة على ملف أداء الجمهوريّة الإسلاميّة على مدى الأربعين سنة -سواءً على مستوى الأصول والمبادئ الأساسيّة والشِّعارات والقِيَم، أو على مستوى الأداء والعمل- لأنّ سنة 1397 أي هذه السنة تُمثّل العام الأربعين لانتصار الثّورة. وقد لفتت هذه الرّاية المرفوعة طوال هذه الأعوام الأربعين الأنظار والقلوب إليها بين جموع هائلة من شعوب المنطقة. نرغب في أن نمرّ مرورًا إجماليًّا لنرى كيف هو وضع الشعارات الأساسيّة لنظام الجمهورية الإسلامية، وكيف كان أداءُ المسؤولين خلال هذه المدّة. وبالطّبع؛ فإنّ هذا الموضوع موضوع طويل مُفصَّل، لا يُناسب هذا الّلقاء، لذا سأكتفي بالبيان المـُقتضب وبالإشارة تقريبًا، وأُحيل التفصيل في هذا الموضوع إلى لقاءٍ آخر يُعقد في شهر رمضان المبارك، إن أبقاني الله من الأحياء وأدركتُ الشّهر المبارك. هذه نقطة.

النّقطة التالية هي أن نقول إنّ في بلادنا مواهب وإمكانيّات واسعة جدًا لم تُستَثمر إلى الآن، وإذا ما استُثمِرت وتمّت الاستفادة منها فسوف يتقدّم الوضع في البلاد كثيرًا ويتحسّن أضعافًا.

النّقطة الأخرى التي أشير إليها اليوم هي عقبات الاستفادة من هذه الإمكانيّات، كي نتعرّف بمقدار ما إلى عيوبنا السلوكيّة والأدائيّة، لنرى ما الذي أدّى إلى أن لا نستطيع الاستفادة من هذه الإمكانيات العظيمة. النّقطة التالية والعنوان التالي يتعلّق بشعار هذا العام وهو «دعم البضائع الإيرانيّة»، حيث سأقدّم إيضاحًا حول هذا الشأن. كما سأتطرّق بالكلام إلى قضايا المنطقة وإلى المستقبل. هذا هو فهرس النّقاط التي سأطرحُها اليوم. أتمنّى على الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات الحاضرين في هذه الجلسة أن يستمعوا إلى هذا الموضوع بإمعان، وأسأل الله تعالى أن يجعل لساني طلقًا لأتمكّن من بيان ما أريد بيانه.

ما أستطيع قوله فيما يتعلّق بالقِيَم الأصلية للثّورة وشعاراتها وأصولها الأساسية؛ هو أنّ الثورة خرجت من هذا الاختبار بنتيجةٍ جيّدة، بمعنى أنّ الشعب الإيراني استطاع الحفاظ على الأصول والمبادئ الأساسية وشعارات الثورة الأصليّة إلى اليوم بِنفْسِ زخمها الأوّل.والشّعارات والقِيَم الأصليّة هي: الاستقلال، والحريّة، والسّيادة الشعبيّة، والثّقة بالنّفس الوطنية، ثقة الشّعب بنفسه وإيمانه بذاته، والعدالة، والأهمّ والأفضل من كلّ ذلك تحقيق وتطبيق أحكام الدّين والشريعة في البلاد. لقد تمّت المحافظة على هذه الشعارات بنفس حيويّتها الأولى.

استقلالٌ لا مثيلَ له بين الدول!
يتمتّع البلد اليوم بالاستقلال، وكانت هذه هي الإرادة العامّة لهذا الشّعب في ثورته؛ بمعنى أنّها ردّ فعل الشّعب الإيراني على مِئتي عام من هيمنة الأجانب على هذا البلد. ومن المناسب أن يهتم شبابنا وأهل الفِكر والبحث والتّحقيق عندنا بهذا الموضوع. إلى ما قبل الثّورة كانت قوى الهيمنة متسلّطة على هذا البلد قرابة مئتي عام، وكانت الحكومات تحكم في ظلّ القوى الأجنبية. لقد كانت الحكومة القاجارية قائمة بضمانة الدولة القيصريّة في روسيا؛ بمعنى أنّه في الحروب بين إيران وروسيا، وفي معاهدة تركمنتشاي، أخذ عبّاس ميرزا القاجاري وعدًا من الرّوس بأن يبقى الحكم في العائلة القاجارية، بمعنى أنّ العائلة القاجاريّة كانت تعيش تحت راية وضمانة الرّوس. ثمّ جاء الإنكليز وجاؤوا برضا خان إلى الحكم،وهؤلاء أنفسهم جاؤوا أيضًا بمحمّد رضا إلى الحكم. وبعد ذلك في الثّامن والعشرين من مرداد سنة 32 [19/08/1953 م] دخل الأمريكيّون إلى السّاحة وجدّدوا الحُكم لمحمّد رضا. أي طوال هذه السّنين المتمادية كانت هذه القوّة الأجنبيّة أو تلك تأتي بحكوماتنا وتذهب بها. في فترة من الزمن ـ معاهدة 1907م ـ اتّفقت بريطانيا وروسيا القيصريّة على تقسيم إيران بينهما، ليكون جزء منها تحت هيمنة بريطانيا، وجزء آخر تحت هيمنة الرّوس، وجزء صغير في الوسط يبقى مستقلًّا. لقد كان البلد خاضعًا للهيمنة إلى هذا الحدّ. لِذا؛ فقد كانت الإرادة العامّة للشعب الإيراني هي الخروج من هذه الحال وتحقيق الاستقلال. وأستطيع القول؛ إنّه لا يوجد بلد في العالم اليوم يحظى شعبه بالاستقلال الذي يحظى به الشعب الإيراني. كلّ شعوب العالم لديها نوع من المـُداراة للقوى [العالميّة] بشكل من الأشكال. والشّعب الذي لا تخضع آراؤه وأفكاره لتأثير أيّ قوّة من القوى [العالميّة] هو الشعب الإيراني. إذًا، بَقِيَ الاستقلال محفوظًا.

الحريّة؛ الاستقلال والحرية إلى جوار بعضهما كانا من الشّعارات الأساسيّة للثورة. وقد تمّ توفير الحريّة في هذا البلد. نعم، البعض لا يُنصفون [هذا النظام] فيستخدمون الحريّة الموجودة ليقولوا لا توجد حريّة، وتعكس الإذاعات الأجنبيّة والإعلام الأجنبي كلامهم. ليس هذا هو واقع الأمر، إذ توجد في بلادنا اليوم حريّة الفكر، وحريّة التّعبير، وحرية الاختيار. لا يتعرّض أيّ شخصٍ للضّغوط والتّهديد والملاحقة لأنّ فِكرَه ورأيه يختلف مع الدّولة. وكلّ من يدّعي بأنّني تعرّضت للضّغوط لأنّ عقيدتي في القضيّة الفلانيّة مُخالفة لعقيدة الدّولة، كلّ من يدّعي مثل هذا الادّعاء فهو كاذب، فلا يوجد مثل هذا الشّيء. وهناك أفرادٌ متعدّدون يطرحون أفكارًا متنوّعة ضدّ الحكومة في وسائل الإعلام المختلفة -وهي معتقداتهم- وما من أحدٍ يعترضُهم، وليس من المفترض أيضًا أن يتعرّض أحدٌ لهم بشيء. فحريّة التعبير موجودة، ويمكنهم الإفصاح [عن معتقداتهم].

نعم، للحريّة في كلّ مكان في العالم إطارها، فلا توجد حريّة بمعنى العمل بخلاف القانون، ولا توجد حريّة بمعنى العمل بخلاف الدّين والشّريعة. إطار الحريّة في بلادنا هو دستور البلاد وقوانين البلاد وهي كلّها مُستلهَمة من الشّريعة الإسلاميّة الطّاهرة. هذا شيءٌ موجودٌ طبعًا. [أمّا] أن يتوقّع شخصٌ بأن يكون حرًّا فيعمل بخلاف القانون؛ فهذا ليس بالشّيء المنطقي وهو غير موجود. إذًا، ثمّة حريّة [في البلاد].

وهناك السّيادة الشعبيّة؛ فالانتخابات العامّة في بلادنا من الانتخابات التي قلّما تجد لها نظيرًا في العالم كلّه وفي مختلف البلدان. تُقام الانتخابات في كلّ عام تقريبًا، وفي الفترة الأخيرة مرّة كلّ سنتين. والجميع أحرار في الانتخابات والجميع يُشاركون، وشعبنا يشارك بحماسةٍ وشوق. لاحظوا أنَّ الحكومات التي تولّت السُّلطة طوال هذه الأعوام الأربعين بانتخابٍ من الشّعب، كانت لها ميول واتّجاهات متنوّعة، فكانت الميول في وقتٍ ما نحو سياسةٍ معيّنة، وفي وقتٍ آخر مُخالفة لتلك السّياسة، وهذه كلّها انتخبها الشّعب. سيادة الشّعب مستقرّة في بلادنا. لم نسمح بأن تتأخّر انتخاباتنا حتى ليوم واحد، حتى في فترة الحرب.

القيمة والمبدأ الآخر هو الثّقة بالنّفس والإيمان بالذّات لدى الشّعب الإيراني. بمعنى أن لا يشعر الشّعب بالحقارة والضِّعة إزاء الآخرين، وبمعنى روحيّة «نحن قادرون». هذا شيءٌ موجود في البلاد اليوم بحمد لله. طبعًا قلتُ إنّ شرح هذه الأمور وإحصاءها طويلٌ، وسوف أتناولها في جلسة أخرى. في الوقت الحاضر يقف شعبنا وشبابنا والحمد لله على أقدامِهم ويشعرون بالاستقلال والثّقة بالذّات.

وقضيّة العدالة، قلتُ قبل أسابيع إنّنا متأخّرون في موضوع العدالة، وهذا ما أؤمن به، لكن الآخرين ـ السيّئي الطويّة والنيّة استغلّوا الأمر بشكلٍ آخر، وأوّلوا كلامي بأنَّ البلاد لم تتحرّك أيّ حركة في مضمار العدالة. هذا خلافُ الواقع، فقد أنجزت الكثير من الأعمال على صعيد العدالة، وأنجزت الكثير من الأعمال الجيّدة، لكن هذه ليست العدالة التي نصبو إليها ويتمنّاها الشّعب المسلم، وما زال أمامنا مسافة للوصول إليها. وإلّا إذا قارنتم بلدنا بفترة ما قبل الثّورة أو مع كثير من البلدان الأخرى ستجدون أنّ الفواصل الطبقيّة هنا أقل، وقدرات الشّريحة الضّعيفة أكبر، وعموميّة وشمول التّربية والتّعليم والصحّة والمؤشّرات الأخرى أكبر بالتّأكيد من كثيرٍ ممّا لدى البلدان الأخرى.

سجَّلتُ هنا إحصائيّاتٍ لا بأسَ أن أذكُرها- ومصدر هذه الإحصائيّات والجّهة التي قدّمت هذه الإحصائيّة هي البنك الدّولي، أي هي ليست جهة داخليّة- يقولون إنَّ "المعامل الجيني" قبل الثّورة كان أكثر من خمسين. والمعامل الجيني هو حساب يؤشّر على الفاصلة الطبقيّة والبون بين الفقراء والأغنياء في البلدان، وكلّما كان هذا المعامل أعلى كلّما كانت الفاصلة والاختلافات الطبقيّة أكبر، وكلّما كان أقلّ كلّما كانت الفواصل بين الطّبقات أقل. قبل الثورة كان المعامل الجيني أكثر من 50، وفي العام1394 [2015 م] كان المعامل الجيني في البلاد 38؛ بمعنى أنّنا استطعنا التّقليل من الاختلافات الطبقيّة بهذا المقدار: من 50 إلى 38.

وطبقًا لإحصائيّة أخرى -وهي أيضًا من إحصائيّات البنك الدولي ومن الإحصائيّات العالميّة الدوليّة- كانت الطبقة الفقيرة فقرًا مطلقًا قبل الثورة تشكل 46% من الشعب الإيراني، أي تقريبًا نصف الشعب الإيراني قبل الثورة كان من الطّبقات الفقيرة فقرًا مطلقًا، وتقلّصت هذه النسبة اليوم من 46% إلى 9.5%-هذا في العام 93 [2014 م]، ولا أمتلك إحصائيّات عمّا بعد ذلك- بمعنى أن هناك أعمالًا أنجزت بهذا المقدار.

لقد أنجزت الجمهوريّة الإسلاميّة أعمالًا كبيرة لتأمين العدالة على الرّغم من كلّ الضّغوط التي مورِسَت ضدّها، واستطاعت تحقيق تقدُّم جيّد. وبالطّبع؛ فإنّ الإعلام يقول شيئًا آخر، والعدالة التي نتوقّعها ونسعى إليها تفوق هذا. إذًا، شعار العدالة أيضًا شعار حقيقي وشعار باقٍ وثابتٍ في البلاد والحمد لله.

وقضية الدّين وتطبيق الشّريعة ببركة وجود مجلس صيانة الدّستور، وكلّ القوى المستكبرة تُعارض مجلس صيانة الدستور لأنّه يضمن تطابُق القوانين والأداءات مع الشرّع المقدّس. هذا فيما يتعلّق بالشّعارات. وعليه؛ أستطيع القول على نحو الإجمال إنَّ أداء أربعين عامًا على صعيد الشعارات الأساسيّة للثورة كان أداءً مقبولًا وجيدًا.

أمّا بالنّسبة لأداء المسؤولين في البلاد، وملفّ الأداء التنفيذي للمسؤولين؛ فيما يتعلّق بالأمن والاستقرار، كان الأداء أداءً جيّدًا جدًّا. وبخصوص العِلم والتّقنية كان الأداء جيّدًا جدًّا. وفيما يتعلّق بالبُنى التحتيّة للبلاد -أي طرق المواصلات، والسّدود، ومحطّات الطّاقة، والموانئ، وما إلى ذلك- كان الأداءُ أداءً جيّدًا جدًّا. وفي مجال الصّادرات غير النفطيّة وفي خصوص الدّخل القومي الإجمالي فإنّ الدّخل الفردي الإجمالي ازداد ضعفين تقريبًا مقارنة بما قبل الثورة، وثمّة ملف جيّد في هذه المجالات. وكذا الحال بالنّسبة للتنمية الاجتماعيّة، أي إنّ طريقة العمل في مختلف المجالات تسجّل إحصائيات باعثة على الارتياح. بالطّبع؛ يروّج الإعلام لغير ذلك، فالأعداء يحاولون في إعلامهم إبعاد النّاس عن الواقع الإيجابي من أجل أن يؤلّبوا النّاس على الثورة الإسلامية والنّظام والإسلام. الواقع هو هذا الذي ذكرناه.

النّقطة الّلاحقة تتعلّق بالإمكانيّات والطّاقات غير المـُستثمَرة. وهذه بدورها نقطة على جانب كبيرٍ من الأهميّة. ما أُريدُ قوله: إنّ ما تلاحظونه من تقدُّم وإمكانيّات وقُدرات عامّة ووطنيّة؛ ما هو إلّا استخدام واستثمار لجزءٍ من طاقة البلاد؛ فطاقات البلاد أكبر من ذلك. لو استطعنا الاستفادة من كلّ طاقات البلاد وِفق برمجة صحيحة؛ فإنّ تقدُّم البلاد سيكون أكبر ممّا هو عليه اليوم بكثير.

وهذه هي الطّاقات والإمكانيّات الموجودة:
من الإمكانيّات المتوافرة الشبابُ المتعلّم في إيران، وهذا شيءٌ مهمٌّ جدًا. لدينا في البلاد عشرة ملايين خرّيج جامعي، ولدينا أكثر من أربعة ملايين طالب جامعي يدرسون حاليًّا؛ أي 23 ضعفًا عمّا كان في بداية الثورة. ففي بداية الثورة كان لدينا ما بين 170 و180 ألف طالب جامعي. ولدينا اليوم أكثر من أربعة ملايين طالب جامعي، بمعنى وجود طلبة جامعيين أكثر من ذلك الوقت بـ23 ضعفًا. وهذه طاقة وإمكانيّة عظيمة جدًّا للبلاد. وما عدا الشّباب الجامعي هناك الشّباب الذين يدرسون في الحوزات العلميّة؛ أو الشباب المشغولون بالعمل في مجالات العمل المختلفة وعددُهم كبير جدًا. لدى هؤلاء طاقاتٌ كبيرة ويمكنهم أن يؤدّوا دورًا مؤثّرًا في العلم والصناعة والأمور التجريبيّة والتربية والإعداد. لم نستخدم هذه الطّاقات بالشّكل الصّحيح، واليوم أيضًا لا نستخدم هذه الطّاقات بالشّكل الصّحيح. ولهذا السّبب أُصرُّ على الشباب أن يعملوا ويبادروا ويؤسّسوا ويُبدعوا أينما استطاعوا ذلك. لا بدّ من وجود برنامج ومخطّط جامع شامل في البلاد للاستفادة من هذه المجموعة الشبابيّة التي لدينا في البلاد. وحينما أطلقت [مقولة] «حريّة الإطلاق» [حرية المبادرة] فلم يكن هذا مختصُّ بالشّؤون الثقافيّة، بل في كلّ المجالات المؤثّرة في تقدُّم البلاد يمكن للشباب أن يمارسوا دورًا. هذه واحدة من إمكانيّاتنا وطاقاتنا.

من الإمكانيّات والطّاقات المهمّة، الأعداد السكانيّة الكبيرة التي يعارضها البعض. يقول البعض «لماذا يجب أن يكون سكّان البلاد بهذا العدد ولماذا يجب أن يزدادوا أكثر من هذا؟». هذا خطأ. إنّ وجود ثمانين مليون نسمة في بلد ما هو سُمعة وحيثيّة لذلك البلد. وهذا البلد فيه ثمانون مليون نسمة. فسياسة الغربيّين هذه -وسوف أُشير لذلك لاحقًا- أي سياسة تحديد النّسل قد عادت وبالًا عليهم اليوم، وتتسبّب في بؤسهم وتعاستهم. ويريدون للبلدان الإسلامية أن لا تتمتّع بعدد كبير من السكّان وبشباب فعالين نشيطين كفوئين. حين أصرّ على وجوب زيادة النسل وأن يكون للعوائل أولاد -أولاد أكثر- فالسّبب هو أن غداً هذا البلد بحاجة لهؤلاء الشّباب، والشّباب والطّاقات البشريّة ليست بالشّيء الذي يمكن إستيراده من الخارج، إنّما ينبغي على البلد نفسه أن يؤمّنه. والأعداد السكانيّة الكبيرة هذه واحدة من الإمكانيّات والطّاقات.

ومن الفُرص التي يتمتّع بها بلدنا سِعة أراضيه ومتاخمته للمياه الدوليّة الحرّة، ونحن لا نستثمر هذه الطّاقات بالنّحو التامّ. إحدى ضفّتي الخليج الفارسي لنا، وجزءٌ كبيرٌ من بحر عمان لنا. ولدينا جيران كثر، فنحن جيران لـ15 بلدًا، وهذه إمكانيّة وطاقة مهمّة جدًّا للبلاد. بلدنا يقع من النّاحية الجغرافية في مكان حسّاس هو نقطة وصل بين الشّرق والغرب [من جهة] والشمال والجنوب [من جهة أخرى]، وهذا مهم من النّاحية الجغرافية.

ثمّة في بلادنا مصادر طبيعية قيّمة تُباع اليوم إلى الخارج من دون أن تكون لها قيمة مُضافة، ومنها النّفط والغاز. قلتُ في نفس هذا الاجتماع العام الماضي إنّنا البلد الأول في العالم من حيث احتياطيات النّفط والغاز بالمجموع. أي لا يوجد بلد يمتلك مقدار ما تمتلك إيراننا العزيزة من مجموع النفط والغاز كليهِما. فنحن البلد الأوّل في الغاز، والبلد الرّابع في النفط، ومن حيث مجموع هذَين -حجم مجموع النفط والغاز- نحن البلد الأوّل في العالم كله. هذه إمكانيّة وطاقة مهمّة جدًّا. وبسبب هذه الثروات يريد العدو أن يفرض سلطته وقواميّته على هذا البلد بأيّ ثمن. هذا النفط والغاز من المصادر القيّمة للبلد، بالإضافة إلى المعادن الكثيرة والقيّمة، والغابات والإمكانيّات والخيرات الكثيرة الأخرى. إذا ما تمّت الاستفادة من هذه الخيرات فسيجعل ذلك الاقتصاد الإيراني بين البلدان الاثنتي عشرة الأولى من بين مئتي بلد في العالم؛وإذا أمكن الاستفادة إن شاء الله من هذه الطّاقات بإبداعات الشباب وبمشاركتهم وبوجود المديرين النّشطين الدّؤوبين، فإنّ إيران ستحلّ في المرتبة الثّانية عشرة بين الدّول الأولى اقتصاديًّا في العالم، وسوف تتقدّم من جميع النّواحي، والوضع اليوم ليس كذلك بالطّبع.

حسنًا، لماذا لم نستفد من هذه الطّاقات والإمكانيّات؟

السّبب في عدم الاستفادة من هذه الطّاقات هو وجود عقبات وموانع، أذكُر هنا بعضها.

أحد الموانع عدم إيمان بعض المسؤولين بهذه الطّاقات نفسها، فهم إمّا لا يعتقدون بها أو لا يهتمّون لها. وجود كلّ هؤلاء الشباب في البلاد يُشكِّل طاقة مهمّة، ولم يكن بعض مسؤولينا على مرّ الأزمان يأبهون لهذه الطاقة. البعض لم يكن لديهم هذا الاعتقاد ولم يهتمّوا لهذه القضيّة. لم يكن البعض يؤمنون بأنّ هؤلاء الشّباب يستطيعون فعل شيء. يوم بدأتْ الصّناعة النوويّة في البلاد بالنّشاط والعمل ووصلت إلى تلك الذّروة التي يعلم بها الجميع، كان هناك البعض- حتى بعض علمائنا وبعض من ينتمون للأجيال السّابقة- يقولون لنا «لا تفعلوا هذا يا سيدي، فلا فائدة من الأمر، ولا يمكن، ولا تستطيعون». بعضهم كان يكتب الرسائل لي ويقول لا تستطيعون. لماذا؟ لأنّ الذين كانوا يعملون ويتولّون الأمور كانوا كلّهم تقريبًا من الشباب، أغلبهم كانوا في سنّ الثلاثين تقريبًا وأقلّ من الثلاثين، هؤلاء استطاعوا. والذين أنكروا اعترفوا بعد ذلك بأنْ: نعم، هؤلاء استطاعوا حقًّا القيام بهذا الأمر. الشّباب اليوم هم الأساس في مختلف الصّناعات وفي تقنيّة النّانو، وفي الصناعات المختلفة، وفي الصناعات التقنيّة العالية- وعلى حدّ تعبير المنبهرين بالغرب الهاي تيك [High tech]-في البلاد، وهم يعملون ويسعون ويجدّون وهم قادرون. شبابنا قادرون على كثير من الأعمال الكبيرة. بعض مسؤولينا على مرّ الزمن لم يكونوا يؤمنون بهذه الطاقات أو لم يكونوا يهتمّون لها.

أعتقد أنّ أهم تحدٍّ في بلادنا هو تحدٍّ ذهني؛ بمعنى أنَّه كما إنّ الرأي العام لا يعلم كم من الثروات يمتلكها البلد، بعض مسؤولينا للأسف لا يعلمون كم يمتلك البلد من الثروات الإنسانيّة والطبيعيّة. والعدو يستغل هذه الحال. يريد العدو أن يقول لنا إنّكم لا تستطيعون أو لا تمتلكون. وأنا أصرّ على القول للشّعب إنّنا قادرون ولدينا الإمكانيّات والطاقات وهي كثيرة [أيضًا]. على المسؤولين أن يؤمنوا بقدرات الشباب وطاقاتهم ويهتمّوا بها. وعلى شبابنا أن لا يتعبوا من العمل ومن الإبداع والابتكار وأن لا يُصابوا بالإحباط لبعض حالات الجفاء وعدم التّقدير. يشتكي لي بعض الشباب ويقولون «إنّنا قمنا بالعمل الفلاني، أو كنّا نستطيع القيام به، أو نستطيع القيام به، لكن لا يُكترث لأمرنا»؛ لا بأس، يجب أن لا يصابوا بالإحباط واليأس، بل ينبغي أن يتابعوا الأمور والأعمال والإبداعات. المسؤولون يتحمّلون واجبًا، والشّباب أنفسهم يتحمّلون واجبًا أيضًا. هذا أحد الموانع.

مانعٌ آخرٌ هو التّقصير. بعض المسؤولين في قطاعات مختلفة كانوا مصابين للأسف بالكسل والتّقصير ولا يزالون. وضعيّة البلاد تقتضي العمل الدّؤوب بجدٍ وكدٍّ، وعلى المسؤولين والمديرين أينما كانوا مضاعفة الجدّ والعمل.

من الموانع التي أدّت بنا إلى أن لا نستفيد من هذه الإمكانيّات؛ الثّقة بالوصفات الأجنبيّة والاعتماد عليها. أشرتُ إلى أنّ شعبنا ليس متأثّرًا بالأجانب. بعض مسؤولينا في مواقع مختلفة من البلاد يثقون بالوصفات الأجنبيّة أكثر منهم بالمحلّيّة والوطنيّة! وهذا بدوره خطأ كبير. لاحظوا هذه السياسة السكانيّة لدى الغربيين «أولادٌ أقل حياةٌ أفضل». هذه سياسة أوروبيّة وغربيّة، عملوا هم بها ويعانون اليوم من مشكلة، وراحوا يعلنون عن منح الجوائز للعوائل إذا ما أنجبت الأولاد، فهم يريدون تعويض تأخّرهم [في هذا المجال]، ولا فائدة من ذلك. وافق البعض هذه السّياسة وهذه الوصفة الغربية. وقد أصررنا قبل سنوات وقلنا -في كلماتنا وفي جلساتنا الخاصّة مع المسؤولين- أزيلوا موانع الإنجاب وزيادة النّسل، ووافق المسؤولون وأيّدوا كلامنا، لكن ثمّة موانع للأسف في الإدارات الوسيطة، فهم لا يعملون كما ينبغي بالوصفة الإسلاميّة «تَنَاكحوا تَناسَلوا تَكثُروا فَإنّي أُباهي بِكمُ الأمَمَ يومَ القِيامَة» بل يعملون بالوصفة الغربيّة! هذه من موانع تقدُّمِنا.

مانعٌ آخر هو العملُ بسياسات البنك الدولي، سياسة التّعديل، السياسات المتعلّقة ببعض المعاهدات الدوليّة، وعلى حدّ تعبيرهم كنوانسيون . العمل بهذه السياسات من موانع التقدُّم في البلاد.

عدم الاهتمام بالتدفّق الداخلي في الاقتصاد. التدفّق الداخلي من سياسات الاقتصاد المقاوم ومن خصوصيّاته. والتدفّق الداخلي معناه إنتاج الثروة بواسطة النّشاط الداخلي للبلاد، فلا تكون الأنظار مسمّرة على الخارج، ولا يكون التطلّع إلى الخارج. طوال السنين الماضية، وفي عهد الحكومات المختلفة، أرادوا عدّة مرات إقتراض القروض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، لكنّني لم أسمح وحلتُ دون ذلك. وكانوا قد مهّدوا المقدّمات لذلك. أنْ نطلب من الأجنبي ونكون متعهّدين ملزمين أمام الأجنبي فهذا خطأ كبير. يجب أن يكون الاقتصاد "داخليّ التدفّق". وبالطّبع؛ فليس معنى التدفّق الداخلي للاقتصاد أن نغلق أبواب البلاد، لا، لقد قلنا «متدفق داخليًا متّجه نحو الخارج»، وسوف أوضح الأمر عند إيضاح شعار «دعم البضائع الإيرانية». من الموانع عدم الاهتمام بسياسة التدفّق الداخلي في اقتصاد البلاد.

ومن موانع تقدّمنا التحزّبات السياسيّة أو الفئويّة، بمعنى «هذا العمل إذا قمتم به أنتم فهو جيّد، أمّا إذا قام به التّيار المقابل فهو سيّئ». هذا هو الإشكال في تعاطينا مع الأمور. نحن نعاني من نزعة الفئويّات والتحزُّبات السياسيّة. يجب أن ننبذ هذه الحال جانبًا. إذا قام بالعمل الجيّد شخص هو خصمٌ لكم، عليكم أن ترّوجوا لذلك العمل الجيّد وأن تتابعوه إذا كانت الإدارة واتّخاذ القرارات بيدكُم. [وأمّا أن نقول] "لا نفعل ذلك الشّيء لأن فلانًا فعله ولأنّ التّيار المقابل فعله"، فهذا خطأ وغلط. هذه واحدة من مشاكلنا.

ومن مشكلاتنا عدم المكافحة الجدّيّة للفساد. أقول هنا إنّ قضية الفساد في البلاد، أي شهرة الفساد والمفسد في البلاد، تحوّلت إلى قضية شائعة جدًا، لا، ليس الأمر على هذا النّحو. وبالطّبع، حتى القليل من الفساد سيّئ، والقليل منه أيضًا مُضرّ، لكن أن يروّج البعض ويشيعوا بأنّ «الفساد عمّ كلّ مكان» فلا، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. فالأفراد الصّالحون المؤمنون النّزيهون ذوو الأيدي النّظيفة في منظومات البلاد الإدارية ليسوا بقلائل، بل هم كُثُر، الأكثريّة هم كذلك. وهناك عددٌ من الفاسدين. طبعًا يجب مكافحة هؤلاء الفاسدين بجدّ، وينبغي مكافحتهم مكافحة دؤوبة. أمَّا أن نقول ونتحدّث ونُطلق ضجيجًا ثم يخبو بعد فترة من الزمن، فليس هذا هو العمل المفيد للبلاد على المدى البعيد. إذًا، من المشكلات عدم المكافحة الجدّيّة للفساد.
من مشكلاتنا، أعزّائي، اعتماد البلاد على النّفط. هذا النّفط نعمة من الله لنا، ولكن أن يعتمد إقتصادنا على النفط فهذه من أكبر مشكلات بلادنا. يجب أن نفعل شيئًا ونجدّ ونجتهد لجعل النفط مستقلًّا منفصلًا عن إقتصاد البلاد، فلا يكون زمامنا بيد النّفط، بل يكون زمام النّفط بيدنا. إذا كان زمامنا بِيَد النّفط ستبقى هذه المشكلات؛ لأنّ القوى الأخرى هي التي تُعيِّن أسعار النفط، وتفرض الحظر أحيانًا، وتشتري أحيانًا، وتقول أحيانًا يجب أن لا نشتري من البلد الفلاني، بل نشتري من البلد الفلاني. يجب أن نحرّر أنفسنا من الاقتصاد النفطي، وهي بالطّبع عمليّة صعبة جدًّا، ولكن ينبغي حتمًا إنجاز هذه المهمَّة في البلاد.

ومن الموانع المهمّة، العيوب الأساسية الموجودة في أسلوب ونمط حياتِنا. وهذه قضيّة لا علاقة لها بالمسؤولين بل تتعلّق بنا أنا وأنتم وكلّ أبناء الشعب. لدينا مشكلاتنا في نمط الحياة، ومن مشكلاتنا النزعة الاستهلاكية، ومن مشكلاتنا الإسراف والبذخ وكثرة الإنفاق، ومن مشكلاتنا السّعي المـُفرط وراء الرّفاه، ومن مشكلاتنا النّزعة الارستقراطية. النّزعة الارستقراطية تنحدر للأسف من الطّبقات العليا إلى الطبقات الدّنيا، فنرى الإنسان المتوسّط أيضًا- أي الفرد من الطّبقات المتوسطة - عندما يريد إقامة وليمة أو حفلة عرس فإنّه يقيمها كالارستقراطيين. هذا عيب وخطأ ويسدّد ضربة للبلاد. الاستهلاك بكثرة وطلب الزّيادة والأكل بكثرة والإنفاق بكثرة من عيوبنا المهمّة في نمط حياتنا.

يجب علينا أن نتعّصب لاقتصادنا الوطنيّ، فاستهلاك البضاعة الأجنبية من عيوبنا المهمّة. يجب أن نتعصّب لاستهلاك البضاعة الوطنيّة ولاقتصادنا الوطني. شبابنا متعصّبون لفريق كرة القدم الفلاني، فينحاز أحدهم للفريق الأحمر، وينحاز الثاني للفريق الأزرق، وبتعصّب وحميّة، بل وحتى التعصّب للفِرق الأجنبيّة، فينحاز أحدهم لفريق ريال [مدريد] وينحاز آخر لفريق آخر ، يتعصّبون لهذه الفِرق؛ إن كان لدينا هذا المقدار نفسه من العصبية والحمية لصالح الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلّي فسوف تتحسّن الكثير من بضائعنا. هذا بدوره مانعٌ آخر من الموانع.

"دعم البضائع الإيرانيّة"؛ شعارُ السّنة
حسنًا، لنتحدّث الآن عن شعار هذه السّنة، شعار هذه السّنة هو «دعم البضائع الإيرانيّة». أولًا أقول إنّ البعض يقولون «لا فائدة من تحديد شعار وعنوان للسنة، فهم لا يعملون به، لماذا تُحدّدون شعارًا للسّنة بلا فائدة؟» إنّني لا أوافقهم هذا القول. شعار السّنة يُطرح بهدفين: أحدهما توجيه السّياسات التنفيذيّة وأداء المسؤولين الحكوميين ومديري الدولة، والهدف الآخر توجيه الرّأي العام؛ بمعنى أن يتنبّه الرّأي العام إلى القضيّة المهمّة بالنّسبة إلى البلاد اليوم. وقضيّة البضاعة الإيرانية قضيّة مهمّة بالنّسبة إلى البلاد في الوقت الحاضر. قد يكون بعض رجال الحكومات في السّنوات المختلفة، لا يوافقوننا على هذه الشعارات التي نُطلقها في كلّ عام، لكن الذين يوافقوننا عليها يعملون ويجدّون ويجتهدون بقدر استطاعتهم. وبالطبع، إذا ما تمَّ العمل بشكل أفضل وأشمل فسوف تتحقّق نتائج أكثر. وعليه، فليست المسألة أن لا فائدة من هذه الشعارات، بل هذه مفيدة.

شعار هذه السنة فيه خطاب للمسؤولين وفيه أيضًا خطاب للشعب. شعار هذه السنة هو دعم البضائع الإيرانية. البضاعة الإيرانية تعني الحصيلة النهائيّة للعمل ورأس المال والنشاط الاقتصادي والذهني والإبداع وكلّ شيء. المستثمر برؤوس أمواله، والعامل بعمله، والمصمّم بذهنيّته وعلمه، هؤلاء جميعًا يجدّون ويسعَون فتكون حصيلة عملهم البضائع الإيرانيّة. إذًا، هي شيء عظيم ومهمُّ للغاية ويجب دعمه. للشّعب في دعم هذه البضائع الإيرانية- التي هي ثمَرة جهود الناشطين الاقتصاديين والناشطين من العمال والمستثمرين والمخطّطين والمصمّمين وما إلى ذلك - دوره بوصفه منتج، وبوصفه مستهلك لها؛ فعليه الإنتاج وعليه الاستهلاك أيضًا؛ عليه السّعي والجد في الإنتاج - وسوف أذكُر الأعمال التي يجب أن تُنجز- وعليه الانتباه حين الاستهلاك بأن لا يستهلك إلّا البضائع الإيرانيّة. وهذا ما يُلقي مسؤوليّات على عاتق الشعب وعلى عاتق المسؤولين الحكوميّين. المخاطَب بهذا الشّعار هم الشّعب والمسؤولون أيضًا.

حسنًا، كيف ندعم؟
يحصل هذا الدّعم أولًا بزيادة الإنتاج وهو ما يقع على عاتق المسؤولين الحكوميين -أن يضعوا البرامج والخُطط لذلك- وكذلك على عاتق النّاس والشّعب نفسه ليزيدوا من الإنتاج الداخلي.

يجب تحسين جودة الإنتاج الدّاخلي. روي عن الرّسول الأكرم أنه قال: «رَحِمَ اللهُ امرَءً عَمِلَ عَمَلًا فَأتقَنَه» . فإذا ما أُنجزت الأعمال بإتقان وجمال وبشكل جيّد، تحسّنت الجودة والنوعيّة.

من جوانب دعم [البضائع الإيرانيّة] التّطابق مع الاحتياجات والأذواق والمزايا الحالية، فهذا أيضًا من الدّعم. لا يكوننّ الأمر بحيث لا تنظرون ما الذي يريده الناس. إنتاج البضاعة الإيرانية بمعنى أنّه يجب إنتاج شيء يتطابق مع ذوق النّاس ورغباتهم، وبالدّقة والظّرافة الّلازمة.

العثور على أسواق خارج البلاد والتّسويق والتّصدير هي أيضًا من وجوه دعم البضائع الإيرانية. علينا ونحن جيران لخمسة عشر بلدًا- ما عدا البلدان الأخرى البعيدة التي يمكنها استهلاك البضائع الإيرانية - أن نستفيد من هذه الجيرة ونصدّر البضائع الإيرانية. وهذا يقع على عاتق وزارة الخارجية وأيضًا على عاتق وزارة التّجارة وكذلك على كاهل الناشطين الاقتصاديين من أبناء الشعب؛ عليهم أن يجدوا السّوق [لتصدير بضاعتهم]. لقد زُوّدت بإحصائيّات - ولأنّني لم أسجّلها، لا أتذكّرها بالدّقة؛ لكنّها إحصائيّات مهمّة جدًّا- تُفيد بأنّنا إذا استطعنا توفير عشرين بالمئة من المنتجات التي تحتاجها البلدان الجارة لنا - البلدان الجارة فقط - أي 20%من مجموع استهلاكهم، لحقّقنا الكمّ الفلاني من فُرص العمل في الدّاخل - كان كمًّا كبيرًا جدًا لا أذكُره الآن بالدّقة ولا أستطيع قوله- وسيكون لهذا تأثيره الكبير جدًّا في توفير فُرص العمل في البلاد وفي إنتاج الثروة الوطنيّة. هذا بدوره أحد جوانب الدّعم.

ثمّ هناك جعل البضائع منخفضة الثّمن وقادرة على المنافسة. من الأعمال البالغة الأهميّة في البلاد أن نستطيع جعل الإنتاج الداخلي قادرًا على منافسة البضائع الخارجية، وأرخص ثمنًا في حدود المقدور من البضائع الخارجية، وبالطّبع؛ فإنّ لهذا مقدّماته وتمهيداتُه، وبعض المقدّمات على عاتق الحكومة وبعضها على عاتقنا نحن.

مُستلزمات دعم الاقتصاد الوطني:
ولهذا الدعم لوازمه التي إنْ لم تراعَ لن يحصل هذا الدّعم. ومن لوازم ذلك الإدارة الجادة للاستيراد من قبل الحكومة. على رجال الحكومة إدارة الواردات بشكلٍ جدّي. فالبضائع التي تنتج في الدّاخل أو التي يمكن أن تنتج في الدّاخل،حتمًا لا ينبغي استيرادهامن الخارج. يراجعونني ويشتكون في حالات كثيرة ويقولون إنّنا أسّسنا هذا المصنع وأنتجنا البضاعة الفلانيّة، وبمجرد أنْ أردنا إنزال هذه البضاعة إلى الأسواق وجَدنا فجأة أنّ أبواب الجمارك قد انفتحت ودخلت مماثلات هذه البضاعة من الخارج! وهذا ما يفرض الإخفاق على الكثير من معاملنا، وهو ما يؤدّي ببعضها إلى الإفلاس وإلى الوقوع في المشاكل. يجب بالتّأكيد الاهتمام بهذه الواردات وإدارتها من قبل الحكومة.

أحيانًا يستوردون بضائع فننبِّه المسؤولين ونسألهم لماذا تمّ استيراد هذه البضاعة؟ فيجيبون: لسنا نحن الذين استوردناها بل القطاع الخاص. هذا الجواب غير كافٍ، فالقطاع الخاص يجب أن يُدار، وعلى الحكومة أن تديره وتشرف على ما يُستورد، ومقدار ما يُستورد، وعلى ما لا يُستورد. يجب الانتباه إلى هذه الأمور. ولا شكَّ في أنّ هذا أحد الأعمال المهمّة التي ينبغي أن تنجز.

ومن لوازم [دعم البضائع الإيرانيّة] المحاربة الجدّيّة لتهريب البضائع، وللأسف لم تحصل هذه المحاربة الجدّيّة بنحوٍ صحيح في السّنوات المتعدّدة، ويجب أن تحصل. طبعًا سمعتُ في الآونة الأخيرة أنّ وزارة الاقتصاد أطلقت في الجمارك نظامًا، ويُقال إنّ هذا النّظام مؤثّر ومفيد جدًا للحيلولة دون تهريب البضائع. جيّد جدًّا، ليتابعوا هذه العمليّة وليعملوا على تحقيق هذا الأمر بالتّأكيد. يجب الحؤول دون تهريب البضائع. وليلتزم النّاس بدورهم، وبشدّة، بعدم استهلاك البضاعة التي يعلمون أنّها مهرّبة حتى لا يكون التّهريب مُجديًا بالنّسبة إلى المهرِّب. إحصائيات خبرائنا الشباب عن التأثير المخرّب [المدمّر] للاستيراد على إنتاج البلاد إحصائيّات مهمّة للغاية. هناك خبراء شباب يعملون في هذا المجال ويفهمون الأمور بشكلٍ جيّد جدًّا؛ جاؤوني بإحصائيّات وعرضوها عليّ تظهر كم يقضي المقدار الفلاني من الاستيراد على فُرص العمل داخل البلاد! ثمّ بعد ذلك، نئنّ ونشتكي من بطالة الشباب والواردات تجتاح البلاد كالسّيل بلا مُبرّر. إذًا، إحدى أنواع الدّعم: محاربة تهريب البضائع والاستيراد المتفلّت في الدّاخل.

من أنواع الدّعم أيضًا، إستثمار الناشطين الاقتصاديين في عمليّة الإنتاج.ولا يكوننّ الأمر بحيث يبحث النّاشطون الاقتصاديون عن الأعمال المـُربحة أكثر. إذا ما أرادوا الاستثمار فليستثمروا في المجالات الإنتاجيّة. فإذا ما أخلصوا النّوايا وجعلوها إلهيّة ومن أجل البلاد فسيكون هذا الاستثمار عبادة. الاستثمار فيه ربح، لكنّه حيث يكون من أجل تقدُّم البلاد ولمساعدة الناس يُصبح عبادة.

حسنًا، كانت هذه نقاطًا تتعلّق بقضية دعم البضائع الإيرانية. توصيتي هي كما قلتُ طلب البضائع الإيرانية واستهلاكها بتعصُّب. ليبِع البائع البضائع الإيرانية وليشتر المشتري البضائع الإيرانية، وليساعد المسؤولون الإنتاج الإيراني وليدعموه وليمنعوا الاستيراد والتهريب. انتهى هذا الموضوع.

الجمهوريّة أحبطت المخطّط الأمريكي..
وأُشير إلى قضايا المنطقة وخُبث الأمريكيين وهو أمرٌ لازم وقضية السّاعة. لقد رفعت الجمهورية الإسلاميّة في العام الماضي بَيرق عزّة الشّعب الإيراني واقتداره في المنطقة. ولعبت الجمهورية الإسلامية دورًا مهمًّا في قصْم ظهر التكفيريين في المنطقة. هذا ما فعلته الجمهورية الإسلامية واستطاعت دفع شرور التكفيريّين عن النّاس في جزء مهمّ من هذه المنطقة وتوفير الأمن لهم. هذه أعمالٌ قامت بها الجمهوريّة الإسلامية. وهي أعمال كبيرة وليست بالصّغيرة. وإذا بالفضوليين الدوليّين الذين يريدون التدخُّل في كلّ القضايا الداخليّة لمناطق العالم المختلفة يعترضون أنْ لماذا يشارك الإيرانيون ويتدخّلون في أحداث العراق وسوريا وما شاكل؟ حسنًا، وما شأنكم أنتم؟ ما شأنكم أنتم؟! لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية إحباط المخطّط الأمريكي في المنطقة. وما كان المخطّط الأمريكي في المنطقة؟ كان المخطّط: أن تؤسّس جماعاتٌ شريرة وظالمة ومتهتِّكة من أمثال داعش لصرف أذهان الشّعوب عن الكيان الصهيوني الغاصب وإلهائهم بالمشاكل والحروب الدّاخلية، فلا يبقى أمامهم مجال ليفكروا بالكيان الصّهيوني. كان هذا هو المخطّط الأمريكي من تأسيس داعش، وقد استطعنا إحباط هذا المخطّط بتوفيقٍ من الله وبإذنه.

يقولون [الأمريكيون] «كان لنا دور في القضاء على داعش»، إنّهم يكذبون. فسياسة أمريكا هي الحفاظ على داعش لكن في قبضتها. وبالطّبع، إنّ داعش وأمثال داعش أشياء من السّهل على أمريكا إيجادها ولكن السّيطرة عليها أمرٌ صعب. يريدون الاحتفاظ بها [الجماعات الإرهابية] والسّيطرة عليها في قبضتهم، ولا توجد لديهم أيّ دوافع للقضاء عليها، فأمن المنطقة لا يعنيهم، هذا مضافًا إلى أن الأمريكيين غير قادرين على توفير الأمن للمنطقة، والدّليل على ذلك أفغانستان. لقد دخل الأمريكيون أفغانستان منذ 14 عامًا، وأيّ حماقة ارتكبوها؟ هل استطاعوا توفير الأمن لأفغانستان؟ أبدًا، لم يستطيعوا. البعض يقول إنّهم لم يستطيعوا، والبعض الآخر يقول إنّهم لم يريدوا. أيًّا يكن الأمر، فمعناه أن حجّة أمريكا وأمثال أمريكا - أي بريطانيا والآخرين- للتّواجد في المنطقة حجّة واهية وفي غير محلّها.

إنّ تواجدنا جاء بطلبٍ من الحكومات. أينما ذهبنا كان ذلك بسبب أن حكومات المنطقة وشعوبها طلبت منّا ذلك. ولم نفرض منطق القوّة، ولم نفرض على أحد أن إفعل هذا ولا تفعل ذاك، ولم نتدخّل في شؤون البلدان، إنّما كانوا يطلبون المساعدة فساعدناهم، وقد قدّمنا المساعدات بدوافع عقلانيّة ومنطقيّة، ليعلم الجميع هذا الشيء. أي مساعدة قُدّمت فيما يتعلّق بأحداث المنطقة تمّت وِفق حسابات منطقيّة وعقلانيّة في منتهى الدقّة. لم يكن الأمر بحيث أقدم أحدٌ على شيء بدوافع عاطفيّة، لا، أبدًا. لقد استطعنا ووُفّقنا بحمد الله، وهذا ما سيكون في المستقبل أيضًا. لا نقصد التدخُّل في شؤون البلدان، وأستطيع القول بلا شك أنّ أمريكا لن تصل إلى مبتغاها فيما يتعلّق بمشاكل المنطقة، [أمّا نحن] فسنحقّق مقاصدنا إن شاء الله تعالى.
مفاد الكلام يا أعزّائي، ألخّصه لكم في عدّة جُمل هي:

أولًا، جميع مشاكل البلاد مُمكنة الحل، ليس لدينا في البلاد أي مشكلة لا تقبل الحل. وليس لدينا أيّ مشكلة مفتاحها وحلّها بِيَد الأجانب. هناك مشاكل، إلّا أنّ جميع مشاكل البلاد مُمكنة الحل، ومفتاحها بِيَد الشعب الإيراني نفسه ومسؤولي البلاد.

النقطة الثانية: الثورة تتقدّم إلى الأمام باقتدار وحيويّة ونشاط. الأربعون عامًا ليست سن شيخوخة الثورة وليست فترة تراجع الثّورة إلى الوراء، بل هي فترة نضج الثورة ونشاطها. الثورة في الأربعين من عمرها لا تزال تتقدّم والحمد لله بقوّة وبالحفاظ على شعاراتها وبرفع راياتها الأساسيّة.

النقطة الثالثة: شبابنا في كلّ السّاحات هم مصدر أمل للبلاد. الشباب رصيدٌ ذو قيمة كبيرة جدًا. في الصّناعات الفائقة الشّباب هم الذين ينشطون، وفي الشؤون الثقافية والفنية الشباب هم الذين ينشطون ويعملون، وفي الجوانب العسكريّة والقياديّة الشباب هم الذين يمارسون دورهم، وفي الإدارة أيضًا، أينما كان الشباب كانت الإدارة أنشط، وتوصيتنا هي الاستعانة بالشّباب أكثر في إدارة الأجهزة المختلفة.

النّقطة التالية هي أنَّ العدو كان يأمل - وهذه نقطة مهمّة - أن يُعرِض الجيل الثالث والجيل الرابع [من أجيال الثورة الإسلامية] عن الثورة، بَيْد أنّ ميول الجيل الثالث والرّابع نحو الثّورة اليوم وحبّه العميق والناضج لها إنْ لم يكن أكبر من الجيل الأوّل فليس بأقلّ منه. يحاول العدو تضخيم المشكلات وإظهارها أكبر من حجمها الواقعي بأضعاف.

شبابُنا..المستقبل الواعد
وفي المقابل أقول إنّ كلّ هذه المشكلات مُمكنة الحلّ على يَدِ شبابنا بتوفيق وهداية من الله. العدو قلقٌ وغاضبٌ جدًا من حيويّة شبابنا وتوثّبهم. حين شاهدتم العدو -الأمريكيّين والغربيّين- يعارضون أجهزة الطّرد المركزي الإيرانية إلى هذه الدّرجة؛ فلم يكن ذلك فقط لأنّ هذه الأجهزة تُخصّب اليورانيوم؛ بل الأكثر من ذلك لأنّ هذا الحراك العلمي يُخصّب أذهان شبابنا ويجعلهم جاهزين لأعمالٍ أكبر، والأكثر من ذلك لأنّ ذلك يُظهر قدرات الجمهورية الإسلامية على تفعيل وتحريك الجيل الشاب في البلاد. أقولها لكم إنّ شبابنا الأعزّاء سوف يبنون هذا البلد بأفضل ممّا كان في أذهان الجيل السابق؛ أي جيلنا نحن إن شاء الله، وسوف يستطيعون رفع راية استقلال وعظمة وشرف هذا البلد بأعلى ممّا كان عليه إلى الآن.

الّلهم اشمل شبابنا بلطفك ورحمتك وهدايتك، وثبّت أقدامهم على صراط الحقّ المستقيم. اللهم بمحمّدٍ وآل محمّد اجعل إيران الإسلامية شامخةً أكثر فأكثر، واحشُر الرّوح الطّاهرة للإمام الخميني الجليل الذي فتح أمامنا هذا الطّريق مع أرواح أوليائك. اللهم أرضِ القلبَ المقدس للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) عنا، واشملنا بدعائِه. الّلهم اجعلنا من المشمولين بالهداية المعنويّة والغيبيّة لذلك الإنسان العظيم، واجعلنا من أنصاره وعجّل في فرجه.

والسلام عليكم ورحمة ‌الله وبركاته

04-04-2018 | 14-38 د | 1492 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net