ومن أهم الخصائص الّتي يجب على المبلّغ الدّيني امتلاكها:
- انشراح الصدر:
﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾[1].
انشراح الصّدر بمعنى السّعة، وقدرة القلب واستعداده، وكذلك فكر الإنسان وروحه في
ظلّ الأنوار والألطاف الإلهيّة، لاستيعاب وتقبُّل الحقائق والمعارف الدِّينية،
والتحمُّل والصّبر في مواجهة العقبات والابتلاءات في تبليغ الدِّين[2].
روي أنَّ النّبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) بعد أن تلا قوله تعالى في الآية
الشريفة:
﴿...فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلإِسْلاَمِ...﴾[3].
قيل له: وكيف يشرح صدره للإسلام؟
قال: هو نورٌ يُقذف فيه، إنّ النّور إذا وقع في القلب انشرح له الصّدر وانفسح[4].
(أي: تهيّأ لقبول الحقّ).
انشراح صدر الأنبياء (ع):
امتاز أنبياء الله بأعلى مراتب انشراح الصّدر، والله تعالى يذكر لنا في
القرآن الكريم حول إعطاء هذه النّعمة الكبرى لنبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله)
قائلاً:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾[5].
وكذلك فإنَّ النّبي موسى (عليه السّلام) يطلب من ربّه قبل ذهابه في مهامه
التّبليغية أن يهَبَه شراحة الصّدر:
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾[6].
الآثار والعلامات:
إذا تمتَّع مبلّغ الدِّين بموهبة شرح الصدر فإنّه:
أ- لن يضيق صدره، ولن يحزن لفقد الإمكانات الماديّة والمناصب السياسيّة
والاجتماعيّة والمسؤوليّة والمقامات الدّنيويّة؛ لأنَّ غاية أمَله إنمّا هو ثواب
الله ودار الخلود في الآخرة[7].
ب- لن ينزعج ويغضب من قساوة وقلّة أدب المتكلّمين الجاهلين معه[8].
ج- لا يعجل في لعن ومعاقبة المخالفين له[9].
د- لن يضطرب لمكر وفتن الأعداء، ولن تتشوَّش أفكاره ولا روحه؛ لأنّه دائمًا يأمل
لطف الله ورحمته وإمداداته الغيبيّة[10].
هـ- سوف يجيب على الإشكالات والشّبهات بمنطق الاستدلال والتّأنيّ والصّبر
عليهم[11].
و- سيُذعن بسهولة للحقائق والأوامر الدِّينية[12].
كيف نُحصِّل حالة شرح الصّدر:
إنَّ سعة الصّدر هبةٌ من الخالق الرّحيم والحكيم، يُعطيها للذين آمنوا
وعملوا الصّالحات بعد أن هيّؤوا أنفسهم من خلال ذلك لاستقبال هذه النّعمة الإلهيّة
الكبرى، وإن شاء الله نَنْعم نحن أيضاً بهذه العطيّة من خلال العمل بتوجيهات القرآن
الكريم والعترة الطّاهرة (عليهم السّلام).
من جملة عوامل سعة الصّدر:
1. المطالعة الدّائمة والمستمرّة.
2. الارتباط الدّائم بالعلماء الصّالحين.
3. تهذيب النّفس وتزكيتها.
4. اجتناب الذّنوب ولا سيّما الطّعام المحرّم.
5. ذِكْر الله.
وينبغي اجتناب بعض العوامل أيضًا لأنّها تورث قساوة القلب، ومن جُملتها:
1. الجهل.
2. الذّنب.
3. الّلجاجة والجدال.
4. مصاحبة الأشرار والمجرمين.
5. حبّ الدنيا وعبادة الهوى[13].
[1] سورة طه، الآية 25.
[2] بالاستفادة من كتاب العين؛ مفردات الراغب؛ نشر طوبى، التحقيق في كلمات القرآن
الكريم؛ قاموس دهخدا؛ المعجم الفارسي معين، التفسير الأمثل وتفسير الميزان، مادة
شرح وصدر.
[3] سورة الأنعام، الآية 125.
[4] الدر المنثور، ج3، ص45.
[5] سورة الإنشراح، الآية 1.
[6] سورة طه، الآية 25.
[7] سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن علامة شرح الصدر، قال: الإنابة إلى دار
الخلود (الآخرة)، والتجافي عن دار الغرور (الدنيا)، والاستعداد للموت قبل أن ينزل
(الفوت). ن.م.
[8] انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ج4، ص219- 220. (سعة صدر نبي الإسلام (صلى
الله عليه وآله) عندما أجاب على أسئلة ضمام بن ثعلبة الغليظة، وقد كان ضمام مرسلاً
من قبل بني سعد بن بكر فأسلم هو وقبيلته).
[9] يوصي الخالق الرحيم رسوله الكريم قائلاً له:
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ...﴾ (سورة الأنعام، الآية 48)، أي النبي موسى الذي
استعجل في طلب المجازاة لقومه فابتلاه الله بعقاب ترك الأولى، ولهذا السبب فإن
إبراهيم(عليه السلام) عندما واجه آزر وأذى قومه، وبدل أن يلعنهم ويتنفر منهم قام
بالدعاء لهم (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) (بحار الأنوار، ج2، ص21).
[10]
﴿...وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ*
إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (سورة النحل،
الآيتان 127-128).
[11] لاحظ هذين النموذجين من سعة صدر أنبياء الله في مقابل الكلام الباطل لقومهم:
أ- النبي نوح (عليه السلام):
﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ
وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأعراف، الآية 61).
ب- النبي هود (عليه السلام):
﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي
رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأعراف، الآية 67)
[12] انظر: تفسير نمونه (التفسير الأمثل)، ج6، ص79، وج17، ص322- 323 و328- 329.
[13] م.س، ج19، ص427 (بتصرف).