لا بدّ للخطاب أنْ يتناسب مع قدرة استيعاب المخاطب، وطريقة تفكيره واستعداده ومستوى
الثّقافة والفهم لديه، ومن ثمَّ فإنَّ التقيُّد بهذه الشروط يهيّئ الأرضية اللاّزمة
لتناسب الخطاب مع حاجة المخاطَب.
إنَّ تحديد وتقدير مستوى الفهم عند المخاطبين مهمٌّ جدّاً، إلى درجة أنَّ أنبياء
الله قد أُمِروا بذلك في مجال تبليغ دين الله عزّ وجل، قال رسول الله(ص): (إنّا
معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم)[1].
ولذا، فإنَّ الخطاب الإلهي إنّما نَفَذَ إلى قلوب الناس وأثَّر فيهم عامّةً بسبب
تناسبه مع الاحتياجات البشرية.
يقول الأستاذ المطهرّي: (لأجل أن يكون محتوى الخطاب غنيّاً, لا بدّ من تطابقه مع
مشاعر الناس، وإنّ مراعاة الأحاسيس وإلى حدٍّ ما إشباع المشاعر القويّة للبشر،
والانسجام مع حاجات الحياة والحاجات العمليّة والعينيّة (الموضوعية) للبشر؛ يُعَدُّ
من شرائط غنى مضمون أيِّ خطاب, وعليه إذا كان الخطاب مضادّاً لحاجات البشر الطبيعية
فلن يكون خطاباً موفَّقاً)[2].
وهنا نسألك أيّها المربيّ العزيز: ما هو مقدار اهتمامك حتى الآن بهذا الأمر الهام؟
وهل قُمَت قبل ذلك باستقراء الحاجات قبل إلقاء الخطاب؟ وهل تعلم أنّ الاستفاضة
أحياناً في عرض المطالب العلميّة دون رعاية استعداد المخاطبين وقابليّاتهم، ليس
خلاف المصلحة فحسب, بل قد يكون مضرّاً في بعض الأحيان.
يقول الإمام علي(ع) في هذا المورد: (لا تقل ما لا تعلم, بل لا تقل كلَّ ما
تعلم)[3].
وفي الحقيقة، هل أنّنا إذا قمنا بمثل هذا الاستقراء سنوفَّق أكثر في جذب المستمعين
إلينا؟
تعالوا لنقتدي بالمعصومين(ع) في عرض خطابٍ يتناسب مع الحاجة ومستوى العلم والفهم
عند المخاطبين, ليؤثِّر خطابنا فيهم كما يؤثّر دواء الطبيب المعالج في الشّفاء من
المرض.
وسوف نشير هنا إلى بعض النّكات المفيدة في معرفة حاجات المستمعين والمخاطبين:
1- الالتفات إلى سنِّ المخاطبين, لأنّه من البديهي أنّ الحاجات عند الأطفال،
الفتية، الشّباب، وكبار السن, ليست في مستوىً واحد.
2- الالتفات إلى جنس ونوع المخاطبين.
3- التّدقيق في المستوى الدراسي لدى المخاطبين.
4- الأخذ بعين الاعتبار الوضع الرّوحي والنفسي عند المخاطبين.
5- الالتفات إلى زمان ومكان الخطاب.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص23.
[2] حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)ج1، ص197، (مجموعة آثار الشهيد المطهري)، ج17،
ص325.
[3] نهج البلاغة، ص544.