علماً ان في كل خطوة من خطوات النبي ادريس (ع) في مسيرة حياته المباركة ـ من ولادته
الى مماته ـ حكمة وموعظة يمكننا ان نتعض بها ونعمل على نهجها، ونضيف وباختصار على
ذلك بعضا من حكمه المروية عن السيد ابن طاووس في سعد السعود: روي الثعلبي في
العرائس عن ابن عباس وغيره ما ملخصه.
ان ادريس سار ذات يوم فاصابه وهج الشمس فقال: اني مشيت في الشمس يوما فتأذيت فكيف
بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد! «ويريد بذلك الموقف يوم القيامة».
اللهم خفف عنه ثقلها واحمل عنه حرها، فاستجاب الله له، فأحس الملك الذي يحملها بذلك
فسأل الله في ذلك فأخبره بما كان من دعاء ادريس واستجابته، فسأله تعالى ان يجمع
بينه وبين إدريس ويجعل بينهما خلة فاذن له[1].
مواعظه (ع) في الموت:
فكأن بالموت قد نزل، فاشتد انينك، وعرق جبينك، وتقلصت شفتاك، وانكسر لسانك، ويبس
ريقك، وعلا سواد عينيك بياض، وازبد فوك، واهتز جميع بدنك، وعالجت غصة الموت وسكراته
ومرارته وزعقته[2]، ونوديت فلم تسمع.
ثم خرجت نفسك وصرت جيفة بين اهلك.
ان فيك لعبرة لغيرك، فاعتبر في معاني الموت، ان الذي نزل نازل بك لا محالة.
كل عمر وان طال فعن قليل يفنى، لان كل ما هو آت قريب لوقت معلوم.
فاعتبر بالموت يا ابن آدم، واعلم ايها الانسان ان اشد الموت ما قبله، والموت اهون
مما بعده من شدة اهوال يوم القيامة.
مواعظه (ع) في التقوى:
واعملوا واستيقنوا ان تقوى الله هي الحكمة الكبرى، والنعمة العظمى، والسبب
الداعي الى الخير، والفاتح لابواب الخير والفهم والعقل.
لان الله لما احب عباده وهب لهم العقل، واختص انبيائه واوليائه بروح القدس، فكشفوا
لهم عن سراير الديانة، وحقائق الحكمة، لينتهوا عن الضلال، ويتبعوا الرشاد، ليتعظ في
نفوسهم.
ان الله اعظم من ان تحيط به الافكار، او تدركه الابصار، او تحصله الاوهام، او تحده
الاحوال، وانه المحيط بكل شيء، والمدبر له كما يشاء، ولا يتعقب افعاله، ولا يدرك
غاياته، ولا يقع عليه تحديد، ولا تحصيل، ولا مسار، ولا اعتبار، ولا نطق، ولا تفسير،
ولا ينتهي استطاعة المخلوقين الى معرفة ذاته ولا علم كنهه.
مواعظه (ع) في الدعاء:
ادعوا الله في اكثر اوقاتكم، مقاصدين متألهين في دعائكم، فانه ان يعلم منكم
التظافر والتوازر يجيب دعائكم، ويقضي حاجاتكم، ويبلغكم آمالكم، ويفضي عطاياه عليكم
من خزائنه التي لا تفنى.
مواعظه (ع) في الصيام:
انما اذا دخلتم في الصيام، طهروا نفوسكم من كل دنس ونجس، وصوموا لله بقلوب
خالصة صافية منزهة عن الافكار السيئة، والهواجس المنكرة، فان الله سيحبس القلوب
اللطخة، والنيات المدخولة[3].
ومع صيام افواهكم من المآكل، فلتصم جوارحكم من المآثم، فان الله لا يرضى عنكم ان
تصوموا من المطاعم فقط، لكن من المناكير كلها، والفواحش باسرها.
مواعظه (ع) في الصلاة:
إذا دخلتم في الصلاة فاصرفوا لها خواطركم، وافكاركم، وادعوا الله دعاء طاهرا
متفرغا وسلوه مصالحكم، ومنافعكم، بخضوع، وخشوع، وطاعة، واستكانة، واذا بركتم وسجدتم
فابعدوا عن نفوسكم افكار الدنيا وهواجس السوء، وافعال الشر، واعتقاد المكر، واكل
السحت والعدوان والاحقاد، واطرحوا بينكم ذلك كله[4].
* السيد مرتضى الميلاني
[1] عن العرائس:
البحار: تفسير الميزان: ج 16 ص 69.
[2] زعقته اي تقلصه.
[3] اي النيات التي دخلتها الفساد من الرياء والعجب وغيرها.
[4] عن السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود: 38 ـ 40.