الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1640 26 ربيع الثاني 1446 هـ - الموافق 30 تشرين الأول 2024 م

الصبر مدرسة الثبات

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في التعزية بشهادة رئيس المجلس التنفيذيّ لحزب الله في لبنانأهمّيّة الصبر في مواجهة المصائب والآفات والنوائبمراقباتالخطاب الثقافي التبليغي رقم (26): التكافل الاجتماعيالخطاب الثقافي التبليغي رقم (25): الإنصاف والمواساة الخطاب الثقافي التبليغي رقم (24): العمل بالتكليف أعظم القربات الخطاب الثقافي التبليغي رقم (23): الاستغفار يدفع البلاء الخطاب الثقافي التبليغي رقم (22): وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الخطاب الثقافي التبليغي رقم (21): يا مولانا يا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)
من نحن

 
 

 

التصنيفات
حمراء الأسد
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

                                                       بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان من الطبيعي: أن يفكر المشركون في المدينة ونهبها، وسلب نسائها، بعد انتهائهم من معركة أحد. وكان من الطبيعي أيضاً أن يحسبوا: أن في المدينة خلقاً كثيراً من الأوس والخزرج لم يحضروا الحرب، وهم مسلمون. وحتى اليهود، والمنافقون، مثل: ابن أبي وأصحابه، فإن لهم في المدينة أهلاً ونساءً وعيالاً وأطفالاً. كما أن لهم بعيال، وأطفال، ونساء، وحتى رجال المسلمين علاقات نسبية، ومصالح مشتركة، لا يمكن التخلي عنها، أو تجاهلها بسهولة. إذن، فقد كان من الطبيعي أن يجد المشركون مقاومة شديدة في داخل المدينة لو هاجموها. وأما الذين في خارجها.. فإنهم لن يسكتوا على هذا الأمر، فالرسول صلى الله عليه وآله ، وأصحابه من ورائهم. وإن تحملوا خسائر كبيرة - سبعين قتيلاً، وسبعين جريحاً - إلا أن من بقي منهم، وهم أكثر من خمسمائة مقاتل، إذا كانت القضية قضية شرف وعرض ومال، ومستقبل؛ فضلاً عن كونها قضية دين فلسوف - يستميتون في الدفاع عند ذلك كله..

ولم تنس قريش بعد: أنها قد هزمت في ابتداء المعركة، وطار بها الرعب في آخرها من هؤلاء بالذات، مع أنها تزيدهم عدداً أضعافاً كثيرة. كما لا مجال لمقايسة ما كان عندهم من السلاح والعدة بما كانت تملكه هي من عدة وسلاح. ولم تنس بعد أيضاً: أنها لم تتغلب عليهم إلا بسبب تكتيك حربي، يعتمد على عنصر المفاجأة استطاعت أن تستفيد منه حينما خالف الرماة صريح أوامر قائدهم، مع اشتغال الباقين في الغنائم، الأمر الذي جعلهم آمنين مطمئنين إلى أنه لا عدو بعد يواجههم. هذا كله، عدا أن قريشاً قد كلت في هذه الحرب، وتعبت، وأصبحت قدراتها الآن أقل بكثير مما كانت عليه في بداية الحرب، حيث واجهت الهزيمة أيضاً. كما أنها ترغب في الاحتفاظ بهذا الانتصار الشكلي، ولا تريد أن تخاطر به، وتعرضه لاحتمالات الانتكاس والفشل الفاضح؛ لأن هذا الانتصار الشكلي يتيح لها: أن تبذل محاولات جديدة في تضعيف تأثير مواقف المسلمين الشجاعة السابقة على القبائل في المنطقة، وبالذات على مشركي مكة أنفسهم. وأخيراً، فلم لا تفكر في أن تتبع الخطة التي اتبعها المسلمون في بدر، حيث لم يتبعوا المشركين حينما هزموهم؟ فلعل ذلك كان لأهداف بعيدة، وحكم غابت عنها، أدركها الآخرون، ولم تستطع هي أن تدركها.

غزوة حمراء الأسد:
وفي اليوم الثاني من أحد: "خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من الوحي - كما في الرواية - إلى حمراء الأسد، موضع على ثمانية أو عشرة أميال من المدينة، حيث ندب أصحابه، قائلاً: "ألا عصابة تشد لأمر الله، تطلب عدوها؟ فإنها أنكأ للعدو، وأبعد للسمع"1. فاشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ2 " 3.

المجروحون فقط:
فخرج صلى الله عليه وآله في ستين راكباً 4، أو سبعين 5. ويدل على أن عدتهم سبعون: أن عائشة قالت لعروة بن الزبير: كان أبوك الزبير، وأبو بكر، لما أصاب نبي الله ما أصاب، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً 6. ولكن الظاهر هو أن ذكر أبي بكر هنا قد جاء في غير محله، لأن الذين خرجوا في هذه الغزوة كانوا خصوص المجروحين، وكانوا سبعين رجلاً كما تقدم. فقد روى القمي "رحمه الله": أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله ، فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة؛ فأمر " صلى الله عليه وآله " مناديه أن ينادي بذلك 7. ويؤيد - أن هؤلاء السبعين هم المجروحون -: قوله تعالى في هذه المناسبة: * ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ 8.

وقد قلنا: إنه إذا كان الذين خرجوا هم المجروحون فقط، فلا معنى لذكر أبي بكر وعمر وغيرهما، ممن لم يكن به جراح في الخارجين إلى حمراء الأسد. وعلى كل حال، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بالمجروحين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان حامل لوائه علي عليه السلام ، وكانت قريش في الروحاء، على بعد خمسة وثلاثين أو اثنين أو ثلاث وأربعين ميلاً من المدينة حيث تلاوموا هناك فيما بينهم، وقالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم. قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا شوكة. فقال صفوان بن أمية: لا تفعلوا، فإن القوم قد حربوا 9، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان.

أو قال لهم: إن محمداً وأصحابه الآن في حنق شديد مما أصابهم، فوالله ما أمنت إن رجعتم أن يجتمع جميع من كان قد تخلف عن أحد من الأوس والخزرج، ويطؤوكم ويغلبوا عليكم، والآن لكم الغلبة الخ.. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، فأراد أن يريهم من نفسه وأصحابه قوة، وأن يرعبهم. ولكن من أين بلغه ذلك ومتى وصل إليه الخبر في خلال ليلة واحدة عن بعد أكثر من أربعين ميلاً، إلا أن يكون ذلك عن طريق الوحي؟! وقد نصت رواية القمي المتقدمة على أن جبرئيل قد جاء بأمر من الله سبحانه إليه يأمره بالمسير إليهم. وقدّم صلى الله عليه وآله ثلاثة نفر من أسلم، فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهم يأتمرون بالرجوع، فبصروا بهما، فرجعوا إليهما فقتلوهما. ومضى صلى الله عليه وآله حتى نزل حمراء الأسد فدفن الرجلين، وأقام هناك ثلاثة أيام. وأوقد المسلمون ناراً عظيمة - خمسمائة نار - فذهب صيت عسكرهم ونارهم إلى كل جانب، فكبت عدوهم بذلك.

ومر معبد الخزاعي - وهو مشرك - بعسكر المسلمين، وهو في طريقه إلى مكة. وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله، مسلمهم وكافرهم، فأظهر تألمه مما أصاب المسلمين في أحد. فلما بلغ أبا سفيان وأصحابه أخبرهم: أن محمداً يطلبهم في جمع لم ير مثله، وأن هذا علي بن أبي طالب، قد أقبل على مقدمته في الناس 10. وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه، وقد ندموا على ما صنعوا، وأنهم يتحرقون عليهم. وأن نواصي الخيل قد تدركهم قبل أن يرتحلوا. فدب الرعب في قلوب المشركين، وأسرعوا بالرحيل. والتقوا بركب من بني عبد القيس قاصداً المدينة، فوعدهم أبو سفيان أن يعطيهم ما يرضيهم إذا هم أبلغوا رسول الله أن قريشاً آتية لحربه. وأرسل معبد يخبر رسول الله بحقيقة الأمر. وبعد إقامة النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام عاد إلى المدينة.

أسيران يقعان في أيدي المسلمين:

وأخذ النبي صلى الله عليه وآله في طريقه ذاك رجلين من قريش، هما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وأبو عزة الجمحي. أما أبو عزة فقد كان أسر في بدر، ثم منّ عليه صلى الله عليه وآله لبناته الخمس، وأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى حرب المسلمين، وأن لا يظاهر عليه أحداً. فنقض العهد، وألَّب القبائل، وشارك في معركة أحد. فلما عادت قريش، ونزلت في حمراء الأسد، ساروا وتركوه نائماً، فأدركه المسلمون هناك، وأخذوه إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فطلب الإقالة، فرفض صلى الله عليه وآله ذلك حتى لا يمسح عارضيه بمكة، ويقول: سخرت من محمد مرتين. ثم أمر صلى الله عليه وآله علياً - وقيل غيره - أن يضرب عنقه، ففعل. ولكن ابن جعدبة قال: ما أسر يوم أحد هو ولا غيره. ولقد كان المسلمون في شغل من الأسر. ولم ينكر قتله. وقال ابن سلام: "قد قيل: إن النبي لم يقتل أحداً صبراً إلا عقبة بن أبي معيط يوم بدر" 11.

ولكن المشهور هو خلاف ذلك، فهو المعتمد حتى يثبت خلافه. أما ما ذكره بعضهم من: أن أبا عزة قد أسر يوم أحد. فالظاهر: أن مقصوده منه ما ذكرناه، لأن حمراء الأسد من تتمة معركة أحد12. فلا مجال لإشكال المعتزلي بأن حال المسلمين في أحد لم يكن يساعد على أسر أحد. وأما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، فإنه انهزم في أحد، ودخل المدينة، فأتى منزل عثمان بن عفان، ابن عمه. فقال عثمان له: أهلكتني وأهلكت نفسك. ثم خبأه في بيته، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله ليأخذ له أماناً. وكان صلى الله عليه وآله قد علم به من طريق الوحي، فأرسل علياً عليه السلام ليأتي به من دار عثمان، فأشارت أم كلثوم زوجة عثمان إلى الموضع الذي صيره عثمان فيه، فاستخرجوه من تحت حمّارة لهم، وانطلقوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فشفع فيه عثمان، فقبل منه صلى الله عليه وآله ، وأجله ثلاثاً، وأقسم إن وجده بعدها في أرض المدينة وما حولها ليقتلنه، فجهزه عثمان، واشترى له بعيراً. وسار صلى الله عليه وآله إلى حمراء الأسد، وأقام معاوية هذا إلى اليوم الثالث، ليعرف أخبار النبي صلى الله عليه وآله ، ويأتي بها قريشاً، فلما كان في اليوم الرابع أخبرهم صلى الله عليه وآله: أن معاوية بات قريباً، وأرسل زيداً وعماراً، فقتلاه. والصحيح علياً وعماراً، كما في رواية الكافي. وقال البلاذري عن ابن الكلبي: ويقال: إن علياً عليه السلام هو الذي قتل معاوية بن المغيرة 13. ويذكر هنا: أن عثمان قد انتقم من أم كلثوم، لدلالتها على ابن عمه. بل يقال: إن ما فعله بها كان سبباً في موتها في اليوم الرابع، وبات ملتحفاً بجاريتها 14.

العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي


1 - مجمع البيان ج 2 ص 539، والبحار ج 20 ص 39.
2 - الآية 139 من سورة آل عمران.
3 - راجع: مجمع البيان ج 2 ص 509، والبحار ج 20 ص 22.
4 - البدء والتاريخ ج 4 ص 205.
5 - مجمع البيان ج 2 ص 539.
6 - البداية والنهاية ج 4 ص 50 و 51، والسيرة الحلبية ج 2 ص 257، والدر المنثور ج 2 ص 102 عن سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي في الدلائل.
7 - تفسير القمي ج 1 ص 125، والبحار ج 20 ص 64 عنه.
8 - الآية 172 من سورة آل عمران.
9 - حَرِب: اشتد غضبه.
10 - البحار ج 20 ص 99، وإعلام الورى ص 86.
11 - طبقات الشعراء لابن سلام ص 64 و 65.
12 - شرح النهج للمعتزلي ج 15 ص 46.
13 - مغازي الواقدي ج 1 ص 333، وشرح النهج للمعتزلي ج 15 ص 46 و 47 عن البلاذري، والسيرة الحلبية ج 2 ص 261، وليراجع الكامل لابن الأثير ج 2 ص 165 ط صادر، وقاموس الرجال ج 10 ص 407 و 408، والبحار ج 20 ص 145، عن الكامل والمعتزلي، وأشار إلى ذلك ابن هشام، وتاريخ الخميس، والسيرة النبوية لابن كثير، والبداية والنهاية ج 4 ص 51 وغير ذلك.
14 - الكافي ج 3 ص 251 و 253.

19-08-2013 | 15-13 د | 1635 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net