الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
اللغة العالمية للقرآن الكريم
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذه الفقرات سنتحدّث عن كون لغة القرآن عالميّة، فلا التمتّع بثقافة خاصّة شرط في فهم معارف القرآن الكريم بحيث يصعب بدونها إدراك أسرار القرآن، ولا الحضارة المعيّنة مانع من ذلك، بحيث انّ الانتماء إلىٰ تلك الحضارة يحرم أهلها من فهم لطائف القرآن، واللغة الوحيدة الّتي تجعل عالم البشريّة الواسع منسجماً ومترابطاً هي لغة "الفطرة"، فلغة الفطرة هي الثقافة العامّة والمشتركة بين جميع بني الانسان في جميع العصور والأمصار، ويعرفها وينتفع منها كلّ انسان، ولا يتيسّر لأيّ فرد أن يفكّر بأنّه غريب عنها، ولا تطال يد التاريخ طهارتها ونقاءها وبناءها الشامخ المنيع، لانّ الله سبحانه خالق هذه الفطرة وقد حفظها وصانها من كلّ سوء: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيّم1.

وليس مقصودنا من لغة القرآن في هذا الفصل هو "اللغة والأدب"، إذ من الواضح أنّ معارف القرآن قد تجلّت للناس بلغة وأدب العرب، وأنّ غير العرب لايمكنهم معرفة لغة القرآن الكريم ما لم يتعلّموا اللغة والأدب العربيّين.

انّ مقصودنا من كون لغة القرآن عامّة لجميع الناس هو تحدّث القرآن بالثقافة المشتركة لجميع الناس، فالناس وان اختلفوا في لغاتهم وآدابهم، ولم يتّحدوا في أعرافهم وثقافاتهم القوميّة والإقليميّة، ولكنّهم مشتركون في ثقافتهم الانسانيّة الّتي هي ثقافة الفطرة الثابتة الّتي لاتبديل لها ولا تغيير، والقرآن الكريم يتكلّم مع الناس بهذه الثقافة، فالمخاطب فيه هو فطرة الناس، والغرض من ارسال القرآن هو تنمية فطرة الانسان وتكميلها، ولذلك فإنّ لسان القرآن مفهوم لدىٰ الجميع، وإدراكه ميسّر لعامّة البشر.

ولقد ظهرت لغة القرآن العالميّة وتجلّىٰ خطابه المشترك وثقافته العامّة في شكل المجتمع الرائع الّذي ضمَّ سلمان الفارسيّ، وصهيب الروميّ، وبلال الحبشيّ واويس القرنيّ وعمّار بن ياسر وأبا ذرّ الحجازيّين في ظلّ النبيّ العالميّ محمّد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، الّذي أعلن في الآفاق انّني "اُرسلِتُ إلىٰ الأبيض والأسود والأحمر"2. ففي مقام الوحي والرسالة الّذي هو الظهور التّام لوحدة الله سبحانه تكون "الكثرة في الصورة" محكومة "للوحدة في السيرة"، ويصبح تعدّد اللغات والاُصول والقوميّات والأقاليم والعادات والآداب وسائر العوامل الخارجيّة المتنوّعة مقهوراً لاتّحاد الفطرة الباطنيّة.

إنّ كون فهم القرآن عامّاً وكون ادراك معارفه سهلاً للجميع هو أمر قد بيّنته العديد من الآيات الكريمة كما في قوله تعالىٰ:

1- ﴿ياأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيعْفُوا عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين3.

2- ﴿يا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيكُمْ نُوراً مُبِين4.

3- ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَ5.

4- ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُوْلٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون6.

ففي هذه الآيات، ذُكر القرآن الكريم علىٰ انّه "نور" و "كتاب مبين" أي بيِّن وواضح ومبيِّن7 و "برهان" أي نور أبيض ولامع، والنور وإن كان ذا درجات ومراتب مختلفة بحيث أنّ بعض العيون غير قادرة علىٰ رؤية درجاته الشديدة، لكن لايمكن لأحد أن يدّعي بأنّ النور غامض أو أنّه لايمكن مشاهدته أصلاً. الله سبحانه الّذي هو نور السماوات والأرض ﴿اللهُ نُورُ السَّماوَاتِ وَالأَرْض8 قد خلق لهداية الناس نوراً خاصّاً، وهذا النور في ذاته بيِّن وواضح، ولا توجد في جميع أنحائه نقطة مبهمة ولا زاوية مظلمة، ولا تحتاج رؤيته الىٰ نور آخر، كما أنّه مبيِّن وموضّح لحياة الناس في جوانبها المختلفة من العقيدة والأخلاق والعمل. فمن مميّزات هذا النور انّه "الظاهر بذاته والمظهر لغيره"، كما أنّه ليس محتاجاً الىٰ الغير لأنّ كلّ شيء يجب أن يرىٰ بواسطة النور لكنّ النور لايُرىٰ بواسطة شيء آخر، وإنّما هو يُرىٰ بنفسه.

5- ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَي‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِين9.

القرآن تبيان أي مبيّن لجميع المعارف الضروريّة والنافعة للبشريّة، وهو متصدٍّ لبيان جميع المعارف والأحكام الّتي من شأنها تحقيق هداية وسعادة وكرامة وعزّة المجتمعات الانسانيّة، ومثل هذا الكتاب لابدّ أن يكون في توضيح مضمونه وطريقته ومسلكه بيّناً وواضحاً، لا أن يكون مبهماً ومجملاً ومحتاجاً الىٰ المبيّن، لأنّ الكتاب المبهم الّذي لايتمكّن من كشف معانيه وتفسير مطالبه وعباراته لايمكنه أبداً أن يبيّن المعارف المحقّقة للسعادة. ولذلك فإنّ القرآن الكريم في إطاره الداخليّ وفي ذاته "بيِّن" وبالنسبة الىٰ الخارج عنه "مبيِّن".

6-﴿أَفَلاَ يتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ10.

انّ دعوة وترغيب جميع الناس الىٰ التدبّر في القرآن الكريم، وتوبيخهم علىٰ عدم التفكّر والتدبّر في آيات القرآن شاهد ناطق علىٰ كون لغة القرآن عالميّة وانّ فهم معارفه شامل للجميع، لأنّ القرآن لو كان خطابه بثقافة مختصّة ببعض الناس لكانت دعوته الجميع الىٰ التدبّر في الآيات لغواً.

7- ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا الْقُرْآنِ لاَ يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِير11.

انّ تحدّي القرآن الكريم عالميّ كما يظهر من هذه الآية الكريمة، كما أنّه خالد أيضاً. ويلزم من كون تحدّيه عالميّاً انّ فهمه وإدراكه مقدور للجميع، لانّ هذا التحدّي لا ينحصر في اطار اللغة والأدب والفصاحة والبلاغة حتّىٰ يكون المقصودون في الخطاب به هم العرب وحدهم، أو أنّهم العارفون باللغة والأدب العربيّ فقط، بل انّ التحدّي يشمل معاني القرآن ومحتواه وثقافته الخاصّة أيضاً. واعتراف العالمين بعجزهم عن الاتيان بمثل القرآن إنّما يكون مفيداً ونافعاً إذا كان محتوىٰ القرآن ومعانيه مفهومة لديهم، وإلاّ فإنّ الدعوة الىٰ الإتيان بمثل كتاب لايستطيع كثير من الناس فهم لغته الخاصّة وإدراك معانيه إنّما هو عمل لغو وليس من الحكمة إطلاقاً.

تنويه:

1. إنّ كون القرآن الكريم يتحدّث بلغة الفطرة وكون فهمه عامّاً وشاملاً لايعني انّ جميع الناس متساوون في نصيبهم من إدراك وفهم هذا الكتاب الإلهيّ. فمعارف القرآن ذات مراتب ودرجات كثيرة، ولكلّ فئة من الناس نصيبها من تلك الدرجات: "كتاب الله عزّ وجلّ علىٰ أربعة أشياء: علىٰ العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارة للعوامّ والإشارة للخواصّ واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء"12 وكلّ انسان ينال نصيبه من القرآن بمقدار استعداده حتّىٰ تنتهي المراتب الىٰ "المقام المكنون" الّذي لايبلغه إلاّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

2. انّ القرآن الكريم وإن كان عالميّاً وخالداً ولا يختصّ بعصر ولا اقليم ولا مجموعة خاصّة، ولكنّ الجميع لايملكون توفيق الإستفادة منه. فالذنب والفساد والإلحاد والتقليد الباطل للأسلاف يختم علىٰ قلب الانسان ويجعل عليه قفلاً يمنعه من التدبّر في معارف القرآن وإدراك أسراره﴿أَفَلاَ يتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ13. ومعارف القرآن لاتنفذ في القلب المقفل، أمّا اُولئك الّذين صانوا فطرتهم سواء كانوا مثل صهيب الّذي جاء من الروم أو مثل سلمان الّذي جاء من ايران أو مثل بلال الّذي جاء من الحبشة أو مثل عمّار أو أبي ذرّ الّذين هما من الحجاز فإنّهم أمام هذا الكتاب الإلٰهيّ سواء وعلىٰ نسق واحد، لأنّ القرآن الكريم لايختصّ بإقليم ولا قوميّة ولا عنصر معيّن وإنّما هو شفاء للأمراض الروحيّة وسبب للهداية ونزول الرحمة علىٰ جميع الناس: ﴿يا أيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين14.

والمقصود هو أنّ هداية القرآن عامّة بالأصل. وأمّا الآيات الكريمة مثل: ﴿ذٰلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِين15، ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخْشَاهَ16، ﴿لِينذِرَ مَن كَانَ حَيّ17 فهي ليست ناظرة الىٰ انّ دعوة القرآن مختصّة بالأتقياء وذوي الخشية وأصحاب القلوب الحيّة، بل المقصود منها هو انّ الاستفادة والاهتداء والانتفاع وأمثال هذه الاُمور هي لهؤلاء، ففي نفس الوقت الّذي جاء فيه القرآن لجميع الناس فإنّ من يتأثّر بآياته ويتّعظ ويهتدي بها هم المتّقون وذوو القلوب المستيقظة، ولذلك نرىٰ الىٰ جانب قوله تعالىٰ ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخْشَاهَ18، قوله تعالىٰ ﴿وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّ19 ممّا يفيد كون أصل الانذار عالميّاً، لأنّ القرآن نزل﴿لِلْعَالَمِينَ نَذِيرا20. فالّذين يتأثّرون بالانذار هم ذوو البصيرة وأحياء القلوب، أمّا الّذي لايتّعظ ويبتلىٰ بسوء العاقبة ويشمله الوعيد الإلٰهيّ فهو اللدود اللجوج، وهذه المعاني تستفاد من الآيات الّتي اُشير الىٰ أمثلة منها. وانّ احد الشروط اللازمة للإنتفاع من القرآن هو الفطرة السليمة الّتي لم تتكدّر بغبار وظلمة الذنب. وحتّىٰ العالِم المادّي أيضاً إذا لم يلوّث فطرته التوحيديّة بالفساد فإنّه يستطيع أن ينتفع بهدىٰ القرآن. ولكنّ لو اطفأ نور فطرته بعناده الإلحاديّ فلن يكون له من القرآن نصيب، لأنّه سوف يعدّ القرآن اُسطورة ولا يكلّف نفسه عناء التفكير فيه.

3. حيث انّ للقرآن وظيفة خاصّة وطريقة ومسلكاً معيّناً في تفهيم ثقافة الفطرة فإنّ جميع المواقف والأحكام الصادرة من قبل المفرطين أو المفرّطين في هذا المجال غير صحيحة، فجماعة قد أعرضت عن معرفة القرآن وقالت انّ الحجّية مختصّة بالروايات فقط وحسبوا أنّ القرآن أخرس أبكم، وهو ليس سوىٰ ألغاز ورموز غير مفهومة. وجماعة قالت بأنّ لغة القرآن هي محض رموز تشير للمعارف الباطنيّة، ولا ينالها أحد إلاّ الأوحديّ من المرتاضين. وجماعة استخفّوا بالقرآن وأنزلوه الىٰ درجة بحيث قالوا إنّ معرفة اللغة العربيّة وحدها كافية لفهم القرآن، وإنّ عامّة الناس مؤهّلون لفهم معاني القرآن دون الحاجة إلىٰ علم التفسير. وكلّ هذه الأقوال ماهي إلاّ نسيج من الأوهام وأفكار منسوخة.

4. إنّ كون القرآن مفهوماً لعامّة الناس وكون ادراك معارفه ميسّراً للجميع، لايعني انّ كلّ فرد يستطيع ذلك، حتّىٰ إذا لم يكن عارفاً بقواعد الأدب العربيّ ولم يطّلع علىٰ العلوم الأساسيّة الاُخرىٰ الّتي لها دور في فهم القرآن، وانّ له الحقّ في التدبّر في المفاهيم القرآنيّة والاستنباط من القرآن، وبالنتيجة فهو يستطيع ان يعتمد علىٰ نتائج استنباطه ويحتجّ بها، بل المقصود هو أنّه إذا كان هناك شخص مطّلع وعارف بقواعد الأدب العربيّ ومحيط ببقيّة العلوم الأساسيّة المؤثّرة في فهم القرآن، فإنّ له الحقّ في أن يتدبّر في مفاهيم القرآن وأن يعتمد علىٰ ثمرة استنباطه ويحتجّ بها.

* آية الله الشيخ جوادي آملي-بتصرّف

1- سورة الروم، الآية 30.
2- بحار الانوار، ج16، ص323.
3- سورة المائدة، الآية 15.
4- سورة النساء، الآية 174.
5- سورة التغابن، الآية 8.
6- سورة الأعراف، الآية 157.
7- انّ وصف القرآن بالمبين جاء في آيات عديدة مثل الآية 1 من سورة يوسف، والحجر والنمل والآية 2 من سورة القصص والآية 69 من سورة يس و... .
8- سورة النور، الآية 35.
9- سورة النحل، الآية 89.
10- سورة محمّد، الآية 24.
11- سورة الاسراء، الآية 88.
12- البحار، ج75، ص278.
13- سورة محمّد، الآية 24.
14- سورة يونس، الآية 57.
15- سورة البقرة، الآية 2.
16- سورة النازعات، الآية 45.
17- سورة يس، الآية 70.
18- سورة النازعات، الآية 45.
19- سورة مريم، الآية 97.
20- سورة الفرقان، الآية 1
.

16-07-2013 | 15-32 د | 2404 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net