بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن كلام الله سبحانه بلا ريب وحيث إنّه فعله تعالى وقوله تعالى وهو ممكن والفصل بين الفعل والفاعل الالهي وكذا بين القول والقائل الربوبـي غير متناهٍ وإلاّ لزم تناهي الواجب الازلي الذي لا حدّ له مطلقاً، اذ لو كان الفصل بين الكلام والمتكلّم الالهي محدوداً والكلام أيضاً ـ لكونه ممكناً ـ محدود البتة ومجموع المتناهيين متناهٍ لا محالة يلزم اَن يكون الواجب متناهياً، وهو ممتنع بالضرورة فالفصل بين القرآن الممكن وبين الله سبحانه غير متناهٍ؛ فكم علمٍ يعلمه الله سبحانه ولم ينتقل الى شيء او احدٍ من خلقه.
فإن عُبِّرَ عن علم القرآن بأنّه بحرٌ لا ينزف فإمّا المراد هو عدم التناهي النِسبـيّ او عدم التناهي اللاّيقفي و كلّ واحد من هذين القسمين ممكن للممكن لأنّ الممتنع هو اجتماع امور غير متناهية بينها ترتّبٌ دفعةً, و أمّا الأمور غير المتناهية التـي لا اجتماع لها دفعةً واحدة فلا محذور فيها. والحاصل انّ المتكلم أي الله سبحانه كلّم انبياءه فـي صحفه وزُبُره بقدر عقولهم لا بقدر علمه الازلـي الذي لا حَدّ له، و لا يختصّ هذا الحكم بالصحف الغابرة بل يصدق بالنسبة الى القرآن الحكيم ايضاً. نعم إنّ الناس لا ينالون كنه ما فـي هذه الصحف السماوية لعدم بلوغهم شأو الأنبياء و رُتَبَتهم، و هكذا الأنبياء لم يُكلِّموا الناس على قدر عقول انفسهم, بل إنّما كلّموهم بمقدار عقولهم كما روي عن النبـي صلى الله عليه وآله أنّه: ما كلَّم العبادَ بكنه عقله قطّ.
والحاصل أنّ القرآن مشتمل على العلم اللائق بالنبـي صلى الله عليه وآله و هو فوق ما فـي وسع الناس وإن لم يُكَلَّفوا إلاّ بما فـي وسعهم، والذي فـي القرآن بالقياس الى العلم الذاتي الأزلـي الذي هو عين ذات الله، محدود بفصلٍ غير متناهٍ، ولو كان العلم القرآنـي غير محدود فهو كنعيم الجنّة غير متناهٍ بالعرض لا بالذات لأنّ نعيمها وإن كان اَبَدياً ولكنه اَبَديّ بالعرض لا بالذات لأنّه قائم بمبدئه الأبديّ بالذات. والله سبحانه وان لم يُكلِّم عباده بكُنه علمه لاستحالة ذلك ولكن لم يلاحظ فـي إيداعه العلم فـي القرآن عقول الناس فقط بل أنزل فيه ما يعادل عقول الأنبياء عليهم السلام ومن هنا قيل انّ القرآن على الأربع وهي العبارات والإشارات واللطائف والحقائق، والأوّل للعوام والثانـي للخواص والثالث للأولياء والحقائق للأنبياء عليهم السلام، فهو أي القرآن مائدة الله ومأدبته وفيه جميع أنواع الغذاء للناس كافة.
آية الله الشيخ جوادي آملي