عنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «أَرْبَعَةٌ فِي اَلذَّنْبِ شَرٌّ مِنَ اَلذَّنْبِ: اَلاِسْتِحْقَارُ، وَاَلاِفْتِخَارُ، وَاَلاِسْتِبْشَارُ، وَاَلْإِصْرَارُ»[1].
لقدْ فتحَ اللهُ عزَّ وجلَّ للإنسانِ بابَ التداركِ لما يقعُ فيهِ منَ الذنبِ، وذلكَ من خلالِ التوبةِ والاستغفارِ، وقدْ وردَ في الرواياتِ بيانُ آثارِ الذنوبِ على حياةِ الإنسانِ، وأخطرُها سلبُ التوفيقِ لطاعةِ اللهِ وفعلِ ما يُقرِّبُ إليهِ تعالى، وقدْ رُويَ أنَّ رجلاً جاءَ إلى أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ (صلواتُ اللهِ عليه)، فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنِّي قدْ حُرِمْتُ الصلاةَ بالليلِ، فقالَ: «أَنْتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنُوبُكَ»[2].
وفي هذا الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بيانٌ لمخاطرِ ما بعدَ الذنبِ، وهيَ أربعةُ أمورٍ، على الإنسانِ أنْ يحذرَ منها:
1. الاستحقار: وذلكَ بأنْ ينظرَ إلى المعصيةِ على أنَّها أمرٌ يسيرٌ لا يستأهلُ التوبةَ ولا يُؤبَهُ لهُ، ولا يُبادرُ إلى الاستغفارِ، ففي الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ إِبْلِيسَ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَاَلذَّنْبُ اَلَّذِي لاَ يُغْفَرُ قَوْلُ اَلرَّجُلِ: لاَ أُؤَاخَذُ بِهَذَا اَلذَّنْبِ، اِسْتِصْغَاراً لَهُ»[3]، فهذا منْ مكائدِ إبليسَ المُهلكةِ؛ ولذلكَ قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «لاَ تَحْقِرَنَّ صَغَائِرَ اَلْآثَامِ، فَإِنَّهَا اَلْمُوبِقَاتُ، وَمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ مُوبِقَاتُهُ أَهْلَكَتْهُ»[4].
والأهمُّ أنْ يلتفتَ الإنسانُ إلى أنَّ هذهِ الصغائرَ سيُحاسَبُ عليها يومَ القيامةِ، فقدْ رُوِيَ عنْ جابرِ الجُعفيِّ، قالَ: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ (عليه السلام) يقولُ: «اتَّقُوا هذِهِ الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا طَالِباً، وَلاَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ: أُذْنِبُ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَاللهُ يَقُولُ: ﴿وَنَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَآثٰارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ﴾[5]، وَقَالَ: ﴿إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي اَلْأَرْضِ﴾[6]»[7].
2. الافتخار: وهوَ أنْ يذكرَ الإنسانُ المعصيةَ ويتباهى بها، أو يتحدّثُ بما فعلَ منْ أذىً لمؤمنٍ أو معصيةٍ للهِ، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «التَّبَجُّحُ بِالْمَعَاصِي أَقْبَحُ مِنْ رُكُوبِها»[8]، ورُوِيَ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «إيَّاكَ وَالابْتِهَاجَ بِالذَّنْبِ، فَإِنَّ الابْتِهَاجَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ رُكُوبِهِ»[9].
والمجاهرةُ بالذنبِ لها تبعاتٌ وخيمةٌ، منها تعجيلُ النِّقَمِ والعذابِ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مُجَاهَرَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ بِالْمَعَاصِي، تُعَجِّلُ النِّقَمَ»[10]، ومنها إقفالُ أبوابِ النجاةِ، وسدُّ بابِ التوبةِ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنِّي لأَرْجُو النَّجَاةَ لِمَنْ عَرَفَ حَقَّنَا مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ، إِلاَّ لِأَحَدِ ثَلاثَةٍ: صَاحِبِ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَصَاحِبِ هَوىً، وَالْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾[11]»[12].
3. الاستبشار: وهوَ أنْ يقعَ الإنسانُ في الذنبِ، وهوَ في حالِ فرحٍ وسرورٍ، كأنَّ ما فعلَهُ إنجازٌ أو متعةٌ، وهوَ في غفلةٍ عنْ نتائجِهِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ أَذْنَبَ ذَنْباً وَهُوَ ضَاحِكٌ، دَخَلَ اَلنَّارَ وَهُوَ بَاكٍ»[13]، وعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «مَنْ تَلَذَّذَ بِمَعَاصِي اللَّهِ، أَوْرَثَهُ اللَّهُ ذُلًّا»[14].
4. الإصرار: وهوَ منْ أخطرِ الحالاتِ التي حذّرَت منها الرواياتُ، فعنْ جابرٍ، عنِ الإمامِ أبي جعفرٍ (عليه السلام)، فِي قولِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ إِلاَّ اَللّٰهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[15]، قالَ: «اَلْإِصْرَارُ أَنْ يُذْنِبَ اَلْعَبْدُ، وَلاَ يَسْتَغْفِرَ، وَلاَ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ، فَذَلِكَ اَلْإِصْرَارُ»[16].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص349.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص450.
[3] الشيخ الراونديّ، النوادر، ص17.
[4] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص764.
[5] سورة يس، الآية 12.
[6] سورة لقمان، الآية 16.
[7] دار الحديث، الأصول الستّة عشر، ص227.
[8] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص114.
[9] الحلوانيّ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص92.
[10] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص707.
[11] سورة آل عمران، الآية 31.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص128.
[13] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص223.
[14] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص186.
[15] سورة آل عمران، الآية 135.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج6، ص32.