عنِ الإمامِ الرضا (عليهِ السلامُ) في عيدِ الغديرِ: «هُوَ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي أَكْمَلَ اَللَّهُ بِهِ اَلدِّينَ فِي إِقَامَةِ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَلِيّاً أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَماً، وَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ وَوَصَايَتَهُ... وَيَوْمُ إِكْثَارِ اَلصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَيَوْمُ اَلرِّضَا، وَيَوْمُ عِيدِ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، وَيَوْمُ قَبُولِ اَلْأَعْمَالِ، وَيَوْمُ طَلَبِ اَلزِّيَادَةِ، وَيَوْمُ اِسْتِرَاحَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَيَوْمُ اَلْمُتَاجَرَةِ، وَيَوْمُ تَوَدُّدُ اَلشِّيعَةِ فِي مَا بَيْنَهُمْ، وَيَوْمُ اَلْوُصُولِ إِلَى رَحْمَةِ اَللَّهِ، وَيَوْمُ اَلتَّزْكِيَةِ، وَيَوْمُ تَرْكِ اَلْكَبَائِرِ... وَهُوَ يَوْمُ اَلتَّبَسُّمِ فِي وُجُوهِ اَلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ اَلْإِيمَانِ، فَمَنْ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ أَخِيهِ يَوْمَ اَلْغَدِيرِ، نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بِالرَّحْمَةِ، وَقَضَى لَهُ أَلْفَ حَاجَةٍ»[1].
يُبيِّنُ هذا القسمُ منَ الحديثِ عنْ ثامنِ الحججِ (صلواتُ اللهِ عليهِ) عظمةَ هذا اليومِ ومكانتَهُ، وفيهِ يُحدِّدُ الإمامُ (عليهِ السلامُ) بعضَ مظاهرِ الشكرِ على نعمةِ ولايةِ آلِ محمّدٍ (صلواتُ اللهِ عليهِم).
فنحنُ في عيدِ الولايةِ، لا بُدَّ منْ أنْ نُدركَ أنَّنا نعيشُ في أعظمِ نعمةٍ يمنُّ بها اللهُ على عبادِهِ، وهيَ الهدايةُ إلى طريقِ النجاةِ المتمثِّلِ بولايةِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلامُ). ولذا، كانَ منْ آدابِ يومِ الغديرِ التهنئةُ وحمدُ اللهِ على هذهِ النعمةِ، ففي الروايةِ: «فَإِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ، يَقُولُ: الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنَ الْـمُتَمَسِّكِينَ بِوِلَايَةِ أَمِيرِ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ (عليهِمُ السلامُ)»[2].
ومنْ مظاهرِ الحمدِ في هذا اليومِ:
1. الإكثارُ منَ الصلاةِ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ): عنْ أحدِ الصادقَينِ (عليهِما السلامُ): «مَا فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَتُوضَعُ أَعْمَالُهُ فِي الْمِيزَانِ فَتَمِيلُ بِهِ، فَيُخْرِجُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَيَضَعُهَا فِي مِيزَانِهِ، فَيَرْجَحُ بِهِ»[3].
وعنِ الإمامِ الكاظمِ (عليهِ السلامُ)، لَمّا سُئلَ: ما معنى صلاةِ اللهِ، وصلاةِ ملائكتِهِ، وصلاةِ المؤمنينَ؟ قالَ: «صَلَاةُ اللَّهِ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَصَلَاةُ مَلَائِكَتِهِ تَزْكِيَةٌ مِنْهُمْ لَهُ، وَصَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءٌ مِنْهُمْ لَهُ»[4].
2. طلبُ الزيادةِ: عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ): «أُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللَّهِ- بِتَقْوَى اللَّهِ، وَاغْتِنَامِ مَا اسْتَطَعْتُمْ عَمَلاً بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ»[5].
3. يومُ استراحةِ المؤمنينَ وطمأنينتِهِم: فإنَّ منْ أعظمِ ما يشغلُ المؤمنَ بعدَ أداءِ العملِ الصالحِ، هوَ القلقُ منْ عدمِ قبولِهِ، فإذا كانَ منْ أهلِ الولايةِ، وعَلِم أنَّ قبولَ الأعمالِ إنّما يكونُ بولايةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ)، دخلَتِ الطمأنينةُ قلبَهُ، واستراحَ منْ همِّ الردِّ والطردِ، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلامُ): «مَنْ وَصَلَنَا وَصَلَهُ اَللَّهُ، وَمَنْ أَحَبَّنَا أَحَبَّهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ حَرَمَنَا حَرَمَهُ اَللَّهُ»[6].
4. يومُ التودُّدِ: عنِ الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلامُ)، عنْ آبائِهِ، عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ)، قالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ، جَمَعَ اَللَّهُ اَلْخَلَائِقَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ... ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُسْمِعُ آخِرَهُمْ كَمَا يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ، فَيَقُولُ: أَيْنَ جِيرَانُ اَللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ فِي دَارِهِ؟ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ اَلنَّاسِ، فَتَسْتَقْبِلُهُمْ زُمْرَةٌ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: مَاذَا كَانَ عَمَلُكُمْ فِي دَارِ اَلدُّنْيَا، فَصِرْتُمْ بِهِ اَلْيَوْمَ جِيرَانَ اَللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِهِ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَتَحَابُّ فِي اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَتَبَاذَلُ فِي اَللَّهِ، وَنَتَوَازَرُ فِي اَللَّهِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ: صَدَقَ عِبَادِي، خَلُّوا سَبِيلَهُمْ لِيَنْطَلِقُوا إِلَى جِوَارِ اَللَّهِ فِي اَلْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ»[7].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج2، ص260.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص261.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص494.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج83، ص96.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص429.
[6] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص205.
[7] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص103.