الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1692 07 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 29 تشرين الأول 2025م

علاج القلق ذكر الله

السيّدةُ زينبُ (عليها السلام) عظمةٌ في الصبرِ وريادةٌ في النصرِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الأبطال والحائزين الميداليات في مجال الرياضة والأولمبيادات العلميّة العالميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القائمين على المؤتمر الدولي لإحياء ذكرى الميرزا النائينيالحضور في ميدان المجاهدة مراقباتمراقباتالحِلمُ زينةُ الأخلاقِمراقباتحقُّ النعمةِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1692 07 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 29 تشرين الأول 2025م

علاج القلق ذكر الله

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي جعل الإيمان سكينةً للقلوب، وطمأنينةً للأرواح، ونوراً يبدّد ظلمات الخوف والاضطراب، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، جعل القرب منه دواءً لكلّ همّ، وشفاءً لكلّ قلق، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلوات الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

الإنسان بطبيعته قَلِق
أيّها الإخوة المؤمنون،

إنّ الإنسان كائن يعيش التوتّر والقلق بطبيعته، وهذه الحالة هي من صميم تكوينه النفسيّ، يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾[1].

فالإنسان في فطرته يحمل قابليّة الجزع والخوف، يقلق من المرض، ويقلق من المستقبل المجهول، ويقلق من تقلّب الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة، ويقلق من الفقد والخسارة، حتّى صار القلق سمةً ملازمةً لحياته اليوميّة.

غير أنّ هذا القلق، إذا تُرك من دون توجيهٍ وعلاجٍ صحيحَين، يتحوّل من حالةٍ شعوريّةٍ طبيعيّة إلى مرضٍ مزمنٍ يدمّر الطمأنينة الداخليّة، ويشلّ إرادة الإنسان عن الإبداع والعطاء والإنتاج، فيغدو حاجزاً يمنع الإنسان من الانطلاق في الحياة، ويكبّله بقيود الخوف والتردّد.

القلق حين يتحوّل إلى داء
لقد بات القلق في عصرنا من أخطر أمراض النفس التي تُعيق الإنسان عن التوازن؛ فحين يفقد الإنسان ثقته بربّه، ويتعلّق بالمظاهر الزائلة، ويستغرق في التفكير بالمجهول، تتّسع في داخله دائرة الخوف، حتّى يصبح أسيراً لأوهامه.

وإنّ الاضطراب والقلق نتيجة طبيعيّة لاهتزاز الإيمان وضعف اليقين، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): «اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وحُسْنِ الْيَقِينِ»[2]، فحسن اليقين يُورث الطمأنينة والثبات، كما أنّ ضعفه يُولِّد القلق والجزع أمام الابتلاءات.

ولذلك ترى بعض الناس، مهما امتلكوا من مالٍ أو جاهٍ أو شهرة، يعيشون قلقاً دائماً من ضياع ما عندهم، أو من مرضٍ يُصيبهم، أو من تقلّب الظروف؛ لأنّهم فقدوا السند الروحيّ الذي يمنح النفس استقرارها وطمأنينتها.

عبادة الله علاج القلق
إنّ علاج القلق ليس في الأدوية المهدّئة، ولا في ساعات النوم الطويلة، ولا في الهروب من الواقع، بل في العبادة الصادقة التي تربط القلب بالله تعالى.

إنّ العبادة تفتح في داخل الإنسان نافذةً على الأمان الإلهيّ، وتغرس في قلبه الاطمئنان والثقة؛ لأنّها تذكّره بأنّ له ربّاً يراه ويسنده ويكتب له ما فيه خيره، فلا يعيش فريسةً للخوف من المجهول، يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[3].

فالطمأنينة الحقيقيّة ليست في المال ولا في المنصب، بل في ذكر الله، في السجود بين يديه، في قراءة كتابه، في الدعاء والتضرّع إليه.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «ذكرُ الله هو الذي يحفظ القلوب في الحوادث العاصفة في الحياة. اغتنِموا ذكر الله»[4].

إنّك حين تركع لله وتناجيه في خلوة الليل، تشعر بأنّك لست وحدك في هذا الكون، وأنّ لك ربّاً يدبّر أمرك، فينطفئ القلق ويحلّ محلّه السكون.

مصدر السكينة
يقول تعالى في وصف المؤمنين الصادقين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[5].

إنّ التوكّل على الله هو لبّ علاج القلق؛ فالمؤمن يعلم أنّ كلّ ما يجري عليه بقدر الله ولطفه، فلا يجزع من البلاء، ولا ييأس من الرحمة؛ لأنّ إيمانه يربطه بعقيدةٍ راسخةٍ تقول: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[6].

بهذا المنطق يعيش المؤمن حالة الاطمئنان مهما اشتدّت الأزمات، ومهما تزلزلت الأرض من حوله. لا يضطرب إذا تغيّر الزمان، ولا يفقد توازنه إذا واجه الخسارة أو المرض؛ لأنّه يرى يد الله في كلّ ما يحدث.

العبادة تبني النفس المطمئنّة
أيّها الإخوة،

العبادة ليست مجرّد أداء حركاتٍ وألفاظٍ، بل هي تربيةٌ للنفس على الثقة بالله. في الصلاة يترك الإنسان همومه بين يدي ربّه، وفي الدعاء يُلقي أثقاله على من بيده الأمر، وفي الصوم يتعلّم الانضباط والسيطرة على رغباته، وفي الحجّ يتذوّق معنى التسليم الكامل.

ومن هنا قال الله تعالى في ختام مسيرة المؤمن المطمئنّ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[7].

إنّ النفس المطمئنّة التي ذكرها القرآن هي النفس التي ربّتها العبادة على الصبر، وعلّمتها كيف تواجه المجهول بالثقة، والخطر باليقين، والخوف بالسكينة.

نماذج من الطمأنينة في التاريخ
حين ننظر إلى سيرة الأنبياء والأولياء، نجد أنّهم واجهوا أشدّ الظروف قسوةً، لكنّهم لم يعرفوا القلق؛ لأنّ قلوبهم كانت متعلّقة بالله.

فها هو إبراهيم (عليه السلام) يُلقى في النار، كما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال له جبرئيل (عليه السلام): هل من حاجة؟ فقال: لا أقترح على ربّي، بل حسبي الله ونعم الوكيل»[8]، فكانت النار برداً وسلاماً عليه.

وها هو موسى (عليه السلام) يقف أمام البحر وفرعون خلفه، فيقول له قومه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾[9]، فيجيبهم بثقة المؤمن: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[10].

وهكذا كان نبيّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) مطمئنّاً في أحلك المواقف، يوم الغار إذ يقول لصاحبه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[11].

تلك النماذج تبيّن أنّ الطمأنينة ليست غياب الخوف، بل هي سيطرة الإيمان على الخوف، وانتصار الثقة على الاضطراب.

كيف نغرس الطمأنينة في حياتنا؟
1. بكثرة الذكر والدعاء:
فالذكر يغسل القلب من همومه، ونقرأ في دعاء كميل: «يا مَن اسمه دواء وذكره شفاء»[12].
2. بالمواظبة على الصلاة: فهي صلة بين العبد وربّه، ومن أقامها بخشوعٍ عاش السكينة، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[13].
3. بالتسليم لقضاء الله: عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين»[14].
4. بالثقة برحمة الله: فكلّ قلقٍ سببه نسيان سعة رحمته، يقول تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾[15].

في زمنٍ تتكاثر فيه أسباب القلق من حروبٍ ومخاوفَ وضغوطٍ نفسيّة، نحن أحوج ما نكون إلى أن نرجع إلى الله، إلى أن نملأ قلوبنا بذكره، وأن نجعل العبادة أسلوب حياةٍ لا عادة يوميّة، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾[16].

اللهمّ اجعلنا من عبادك المطمئنين، وامنح قلوبنا سكينة الإيمان، وابعث في أرواحنا نور اليقين، واصرف عنّا القلق والخوف والجزع، إنّك على كلّ شيءٍ قدير، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطاهرين.


[1] سورة المعارج، الآيات 19 - 21.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص404، الرسالة 31.
[3] سورة الرعد، الآية 28.
[4] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 19/06/2009م.
[5] سورة الأنفال، الآية 2.
[6] سورة التوبة، الآية 51.
[7] سورة الفجر، الآيات 27 - 30.
[8] الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، ص168.
[9] سورة الشعراء، الآية 61.
[10] سورة الشعراء، الآية 62.
[11] سورة التوبة، الآية 40.
[12] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص664.
[13] سورة البقرة، الآية 45.
[14] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص278.
[15] سورة الأعراف، الآية 156.
[16] سورة الفتح، الآية 4.

29-10-2025 | 12-01 د | 26 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net