الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتالإسلام الأصيلنداء الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إلى المؤتمر الوطنيّ الثاني والثلاثين للصلاةحقُّ النعمةِ

العدد 1690 22 ربيع الثاني 1447هـ - الموافق 15 تشرين الأول 2025م

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ

مراقباتيجب العمل ويجب السعيوَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ

العدد 1689 15 ربيع الثاني 1447هـ - الموافق 08 تشرين الأول 2025م

إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ

أُسوةُ العبادةِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1690 22 ربيع الثاني 1447هـ - الموافق 15 تشرين الأول 2025م

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي جعل الإيمان نوراً في القلوب، والعمل الصالح زاداً في دروب المخلصين، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.

يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[1].

الشخصيّة الإيمانيّة وأمّهات الأخلاق
إنّ الإيمان الصادق يقوم على منظومةٍ من القِيَم والفضائل التي تُهذّب النفس وتُوجّه الإرادة، وتمنح الإنسان توازناً في فكره وسلوكه. ومن أبرز ما يتجلّى في شخصيّة المؤمن من مكارم الأخلاق ما يُعرَف بأجناس الفضائل وأمّهات الأخلاق، وهي: الحكمة، والشجاعة، والعفّة، والعدالة. فالحكمة تُنير بصيرته وتجعله يُميّز بين الحقّ والباطل، والشجاعة تمنحه الثبات في الموقف والنهوض بالتكليف مهما اشتدّت الظروف، والعفّة تُطهّر باطنه من أهواء النفس وشهواتها، أمّا العدالة فهي ثمرة هذا الاتّزان الداخليّ حين تخضع جميع قواه لسلطان الشرع والعقل.

وبذلك تكون هذه الأخلاق الكبرى هي الإطار الذي تتكوّن فيه الشخصيّة الإيمانيّة الصادقة، وتكتمل من خلالها صورة الإنسان الربّانيّ الذي يُعبّر سلوكه عن إيمانه الحقّ، ويجعل من إيمانه منهج حياة عمليّاً لا مجرّد اعتقادٍ نظريّ.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الأخلاق هي الهواء اللطيف الذي إنْ توفّر في المجتمع البشريّ، استطاع الناس أن يحيوا باستنشاقه، حياةً سليمة. إذا لم تكن هنالك أخلاق، وإذا ساد انعدام الخلق، والحرص، وأهواء النفس، والجهل، وطلب الدنيا، والضغائن الشخصيّة، والحسد، والبخل، وسوء الظنّ؛ حينما تتفشّى هذه الرذائل الأخلاقيّة، فستعود الحياة صعبة، وستضيق الأجواء، وستُسلَب من الإنسان القدرة على التنفّس السليم»[2].

وبهذا يتّضح أنّ الإيمان ليس حالة شعوريّة مجرّدة، ولا مجرّد تصديق قلبيّ، بل هو سلوك متجسّد في واقع الإنسان، تترجمه أخلاقه وأفعاله. ومن هنا جاءت الآية الكريمة لتحدّد الإطار العمليّ لهذه الحقيقة الإيمانيّة، فترسم معالم المؤمنين الصادقين في ميزان الله، لا في موازين الناس.

الإنفاق في سبيل الله معيار الإيمان الصادق
أيّها المؤمنون،

ترسم لنا هذه الآية المباركة ملامح الشخصيّة الإيمانيّة الصادقة، وتحدّد بوضوح مَن هم المؤمنون حقّاً؛ فالمؤمن الصادق ليس مَن نطق بالشهادتين فحسب، بل مَن جمع في ذاته صفاتٍ متكاملةً تصوغ إيمانه سلوكاً وواقعاً.

إنّ الآيةَ الكريمةَ حين قالت: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ»، استخدمت أداة الحصر؛ أي إنّ الإيمان الحقيقيّ محصور في مَن جمع هذه الصفات، لا في مَنِ ادّعاها، يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسيره: «فيه قصرُ المؤمنينَ في الذين آمنوا باللهِ ورسوله... فتفيدُ تعريفَهم بما ذُكرَ من الأوصافِ تعريفاً جامعاً مانعاً، فمَن اتّصفَ بها مؤمنٌ حقّاً، كما أنّ مَن فقدَ شيئاً منها ليسَ بمؤمنٍ حقّاً»[3].

من هنا نفهم أنّ الإنفاق في سبيل الله ليس عملاً تطوّعيّاً أو خيريّاً عابراً، بل هو ركنٌ أصيلٌ من أركان الإيمان، وامتحانٌ حقيقيّ لصدق العلاقة مع الله؛ فالمؤمن الذي لا يُدرّب نفسه على البذل والعطاء يبقى إيمانه ناقصاً، مهما كثرت عباداته أو طال سجوده؛ لأنّ الإيمان كما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنُهم خُلقاً»[4]، ومن مكارم الأخلاق السخاء والكرم والعطاء.

لا يجتمع البخل مع الإيمان
أيّها الأعزّاء،

أكّدت مضامين الروايات عن أهل العصمة (عليهم السلام) أنّ البخل لا يجتمع مع الإيمان في قلبٍ واحد، فعن الإمام الصادق، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «لا يؤمن رجل فيه الشحّ والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً ولا شحيحاً»[5]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثلاثٌ لا تكون في المؤمن: لا يكون جباناً، ولا حريصاً، ولا شحيحاً»[6].

فالشحّ ليس مجرّد صفةٍ نفسيّةٍ سيّئةٍ، بل هو داءٌ يُضعِف صلة العبد بربّه؛ لأنّه يمنعه من أداء ما افترض الله عليه من حقوق المال؛ من زكاةٍ، وصلةِ رحمٍ، ونفقةٍ، وضيافةٍ، وإنفاقٍ في سبيل الله. ولذا، كان البخل باباً لكثيرٍ من المعاصي، ومدخلاً للظلم وقطيعة الرحم.

ولشناعة هذه الصفة، نجد أمير المؤمنين (عليه السلام) يردّ على مَن ظنّ أنّ الشحيح أقلّ جرماً من الظالم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ عليّاً (عليه السلام) سمع رجلاً يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال: كذبت، إنّ الظالم يتوب ويستغفر الله ويردّ الظلامة على أهلها، والشحيح إذا شحّ منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والنفقة في سبيل الله، وأبواب البرّ، وحرامٌ على الجنّة أن يدخلها شحيح»[7].

البخل داء
إنّ خطر البخل لا يقف عند حدود السلوك الماليّ، بل يمتدّ إلى باطن الإيمان في القلب، فيُطفئ نوره ويقود إلى أسوأ العواقب، يقول الله تعالى في شأن أمثال هؤلاء: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾[8].

وهذا ما نراه في قصص التاريخ، كقصة ثعلبة بن حاطب[9] الذي طلب من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يدعو الله له بأن يرزقه مالاً، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «يا ثعلبة، قليلٌ تؤدّي شكره، خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه...»، ثمّ أتاه بعد ذلك، فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يرزقني مالاً، والذي بعثك بالحقّ، لَئِن رزقني الله مالاً لأُعطينّ كلّ ذي حقٍّ حقّه! فلمّا أغناه الله بخل وتولّى، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون﴾[10]، فكانت عاقبته كما قال تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون﴾[11].

 إنّ البخل مرضٌ روحيٌّ خطيرٌ، يهدّد صفاء الإيمان، ويمنع صاحبه من الفلاح الإلهيّ، يقول الله تعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾[12]؛ أي إنّ الشحَّ حاضرٌ في طبائع النفوس، يحتاج إلى جهادٍ ومجاهدةٍ لإزالته، ثمّ يبيّن الله الدواء، فيقول: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾[13]، فالفلاح كلّ الفلاح في أن يُطهّر الإنسان قلبه من الشحّ، ويستبدله بسخاءٍ وروحِ بذلٍ وعطاءٍ.

علاج البخل
إنّ العلاج العمليّ للبخل يبدأ بتعويد النفس على الإنفاق المتكرّر، ولو بمقادير قليلة؛ لأنّ النفس تألف ما تكرّره. وكلّما أنفق العبد، شعر بحلاوة العطاء، واطمأنّ إلى وعد الله بالخلف، قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾[14]، بينما يعد الله المؤمنين بالزيادة: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[15].

السخاء شجرة في الجنّة
أيّها الأعزّاء، لقد أثنت الروايات على السخاء وأهله، وعدّته من صفات أهل الجنّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «السخيّ قريب من الله، قريب من الجنّة، قريب من الناس»، و«السخاء شجرة في الجنّة، مَن تعلّق بغصنٍ من أغصانها دخل الجنّة»[16].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أتى رجلٌ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، أيّ الناس أفضلهم إيماناً؟ قال: أبسطهم كفّاً»[17].

ولنقف عند قصةٍ بليغةٍ من حياة الصحابيّ الجليل أبي ذرّ الغفاريّ، والذي كان من أكثر الصحابة زهداً في الحياة الدنيا؛ إذ أضاف ضيفاً (وأراد أن يُكرم ضيفَه)، فقال للضيف: «إنّي مشغول، وإنّ لي إبلاً، فاخرج وأتِني بخيرها» (أي طلب منه أن يختار من إبله أجودها وأفضلها، ليقدّمها له طعاماً أو هدية)، فذهب وجاء بناقةٍ مهزولة (بدل أن يأتي بأفضلها)، فقال له أبو ذرّ: «خنتني بهذه» (أي لم تفعل كما طلبتُ منك)، فقال الرجل: وجدت خير الإبل فحلها، فذكرتُ يوم حاجتكم إليه (أي إنّ الرجل فكّر بعقليّة دنيويّة لصالح أبي ذرّ؛ فقال في نفسه: إنّ أبا ذرّ سيحتاج إلى هذا الفحل -الذكر القويّ، والذي تُلقَّح به الإناث- في المستقبل، فرأى أنّ من المصلحة أن يُبقيه له)، فقال أبو ذرّ: «إنّ يوم حاجتي إليه لَيوم أُوضَع في حفرتي (أي إنّ حاجته الفعليّة إلى هذا المال ليس في الدنيا، بل حين يوضَع في قبره ويوم القيامة، يوم لا ينفع مالٌ ولا فحلٌ ولا جاه، بل ينفعه ما قدّمه من خيرٍ في حياته)، مع أنّ الله يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[18]، ثمّ قال: «في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرّها مِن هَلَكٍ أو موت؛ والوارث ينتظرك أن تضع رأسك، ثمّ يستاقها، وأنت ذميم؛ وأنت الثالث. فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن، إنّ الله يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وإنّ هذا الجمل كان ممّا أحبّ من مالي، فأحببت أن أقدّمه لنفسي» (فكأنّه يقول: المال الذي لا تُنفقه في حياتك سيأخذه أحد هذين الشريكين قهراً: إمّا القدر أو الورثة؛ فاحرص أن تكون أنت أسبقهم إلى إنفاقه في الخير، حتّى لا تكون «أعجز الثلاثة»؛ أي أقلّهم فطنةً وحكمةً)[19].

أيّها المؤمنون،
إنّ السخاء ليس إنفاقاً للمال فحسب، بل هو تعبير عن تحرّر النفس من عبوديّة الدنيا، وعن يقينٍ بأنّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، فالمؤمن السخيّ يعيش علوّاً في روحه، واتّزاناً في قلبه، وثقةً برزق الله الّذي لا ينقطع.

فلنكن من أولئك الذين وصفهم الله بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾، ولنطهّر نفوسنا من الشحّ، ولنسعَ إلى الكمال الإيمانيّ عبر العطاء والبذل في سبيل الله تعالى، لنكون من المفلحين في الدنيا والآخرة.


[1] سورة الحجرات، الآية 15.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 20/07/2009م.
[3] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص329.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص99.
[5] الشيخ الصدوق، الخصال، ص83.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص213.
[7] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، ص72.
[8] سورة الروم، الآية 10.
[9] راجع: الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان، ج5، ص93.
[10] سورة التوبة، الآيتان 75 - 76.
[11] سورة التوبة: الآية 77.
[12] سورة النساء، الآية 128.
[13] سورة الحشر، الآية 9.
[14] سورة البقرة، الآية 268.
[15] سورة سبأ، الآية 39.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص41.
[17] المصدر نفسه، ج4، ص40.
[18] سورة آل عمران، الآية 92.
[19] راجع: الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان، ج2، ص343.

16-10-2025 | 07-50 د | 32 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net