الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتالتضحية بأوقات الترفيه من مصاديق الجهادحقُّ الحياءِ

العدد 1686 24 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 17 أيلول 2025م

نهج المقاومة تجارةٌ رابحة

آفَةُ اللِّسَانِمراقباتوَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰمراقباتالأخوّةِ الإيمانيّةِمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1686 24 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 17 أيلول 2025م

نهج المقاومة تجارةٌ رابحة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[1].

أيّها المؤمنون، تضعنا هذه الآيات المباركة أمام عقدٍ ربّانيٍّ عظيم: ﴿تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ تجارةٌ عمادها الإيمان والجهاد والتضحية، وثمرتها المغفرة والنصر والفتح القريب. ومن هنا نفهم أنّ المقاومة والدفاع عن الحقّ والكرامة والوجود ليسا خياراً عابراً، بل امتداداً طبيعيّاً للنهج الإيمانيّ والسلوك الإنسانيّ الفطريّ الذي يجري في عروق الأمم الصابرة والمتمسّكة بحقّها.

ذكرى «البايجرات» من الألم إلى الصمود
نقف اليوم على أعتاب ذكرى مؤلمة، ذكرى تفجير البايجرات والأجهزة، ذاك الانفجار الذي جرح قلوبنا وأوجع مجتمعنا، وأرادوه إضعافاً لعزيمتنا وزلزلةً لإرادتنا، فإذا به يزيدنا صلابةً وإصراراً، ويتحوّل إلى شاهدٍ على قوّتنا ووحدتنا. عامٌ مضى على جراح تلك الليلة، واليوم نرى بأعين الإيمان كيف يتحوّل الألم إلى عزيمة، والصدمة إلى عمل، والدمع إلى صمود. لقد تعافى الناس، وعلَتْ إرادتهم، ورسّخ المجاهدون صمودهم في الميدان بفضل تضحياتهم وتكاتف القلوب والأيادي.

وقد أكّد شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) آنذاك أنّ: «هذه الضربة الكبيرة والقويّة لم تسقطنا ولن تسقطنا»، وأوضح بأنّنا: «سنصبح أشدّ صلابة وعزماً وعوداً وقدرة على تجاوز كل المخاطر»[2].

الشهداء قادة العزّة والتجارة الرابحة
نستذكر اليوم أيضاً قادةً مجاهدين، رجالاً كانت لهم بصماتٌ خالدة في صفوف المقاومة، أمضَوا جلّ حياتهم في خدمة هذا النهج، وكانت العاقبة أن قدّموا أرواحهم فداءً لوجه الله تعالى، وذوداً عن المجتمع، وحمايةً للناس والبيئة الصابرة. قادةٌ ارتقَوا شهداء، فصاروا ينابيعَ عزٍّ وراياتِ كرامة، وكانوا مثالاً حيّاً على التجارة الرابحة مع الله تعالى.

التجارة مع الله ليست مجرّد استعارة، بل هي حقيقة ملموسة، هي اختيار المؤمن بين مصالحه الدنيويّة الضيّقة والفوز العظيم، بين الطمأنينة الزائلة والنعيم الباقي، بين الجزاء المؤقّت والربح الأبديّ، قال تعالى: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ فالإيمان بالله ورسوله، والجهاد بالمال والنفس، شروط تلك التجارة المربحة والمنجية، وهي الأساس والركيزة التي ينبغي على المؤمن أن يعتمدها في علاقته مع الله تعالى.

أمّا الجزاء، وهو ربح تلك التجارة العظيمة، فهو غفران الذنوب، وجنّات عدن، ومساكن طيّبة: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

المقاومة والجهاد نهج الأنبياء والأولياء
وإنّ الجهاد في سبيل الله تعالى هو من أجلى مصاديق التجارة مع الله، وهو لم يكن يوماً نزوةً عابرةً ولا انتقاماً أعمى، بل دفاعاً عن الكرامة والحقوق والحياة. وقد رسم الله لعباده هذا الطريق ليصونوا أنفسهم وأرضهم ومجتمعاتهم، قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾[3].
وفي زماننا، تتجلّى صورة هذه التجارة الرابحة مع الله في صمود المجاهدين وثبات المقاومة أمام الاعتداءات وتكالب معظم الدول وتخاذل معظم الشعوب، وفي التمسّك بالمبادئ والأصول برغم الحصار والتهديد. إنّ الشهداء القادة والمجاهدين الذين ارتقَوا، لم تهن عزيمتهم، بل رفعوا رايات الحقّ، وقدّموا أرواحهم فداءً لله، فصار صمودهم نبراساً للأجيال، ودافعاً لمواصلة الطريق والوفاء بمسؤوليّتنا تجاه ديننا وأمّتنا.

فالذين يقدّمون أنفسهم وأموالهم دفاعاً عن الحقّ والأمّة، اختاروا الربح الحقيقيّ عند الله، كما بيّن القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[4].

كما وإنّ عزّة هؤلاء لا تكمن في الاستشهاد فحسب، بل في أنّهم اختاروا الوقوف حيث كان الدين والأمّة بحاجة إليهم، فحمَوا الإسلام في أخطر اللحظات، وقدّموا أرواحهم فداءً له.

وقد أوضح الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) حقيقة منزلتهم بقوله: «كلّ شهدائنا أعزّاء. للشهيد قيمة في كلّ الأزمنة، لكن بعض الشهداء أكثر عزّة من غيرهم. مَن هم هؤلاء الشهداء الأكثر عزّة؟ إنّهم أولئك الذين حمَوا الإسلام، ودافعوا عنه في مراحل حسّاسة، وقدّموا أنفسهم فداءً له».

دروسٌ من كربلاء
أمام الحصار والتعدّي الذي نواجهه اليوم من قِبل الاستكبار وطواغيت زماننا، حريٌّ بنا أن نصبر ونتاجر مع الله بأموالنا وأنفسنا، رافضين الخضوع أو التراجع، فقد واجه الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء حصارَين: الأوّل عسكريّ، تمثّل في قلّة العدد وخذلان الناصر؛ والثاني اقتصاديّ، تمثّل في منع الماء والطعام عن معسكره، حتّى جاع الأطفال وعطشوا، وقضى رجاله شهداء عطاشى.

لقد جسّد الإمام الحسين (عليه السلام) ومعسكره حقيقة التجارة الرابحة حين رفعوا شعار «هيهات منّا الذلّة»، وانتصر الدم على السيف. وقد عبّرت زينب الكبرى (عليها السلام) عن هذا المعنى، وهي تقف أمام جسد أخيها (عليه السلام) قائلة: «اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان».

واجباتنا في الشدائد
لقد جعل الله لنا في البلاء دروساً، وفي المصائب فرصاً للنهوض، وجعل الصبرَ سلاحَ المؤمن، والوحدةَ عزيمةَ الجماعة، والجهادَ طريقَ الشرف والفوز العظيم. إنّ الأحداث الكبرى التي تمرّ بها الأمّة ليست محطّات عابرة، بل هي امتحانات إيمانيّة تكشف معادن النفوس، وتُظهر مَن يثبت على العهد ومَن يتراجع؛ لذا ثمّة واجبات تترتّب علينا في عمليّة المواجهة:
1. الصبر والصمود: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن لا يُعِدَّ الصبر لنوائب الدهر، يَعجَز»[5]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إنّ الحرَّ حرٌّ على جميع أحواله؛ إن نابَته نائبة صَبَر لها، وإن تَداكّت عليه المصائب، لم تكسرْه وإن أُسِر وقُهِر واستُبْدِل باليسر عسراً، كما كان يوسف الصديق الأمين (صلوات الله عليه) لم يَضرُر حرّيّتَه أن استُعبِد وقُهِر وأُسِر، ولم تَضرُره ظلمة الجُبّ ووَحشته، وما ناله أن مَنَّ الله عليه، فجعل الجبّار العاتي له عبداً بعد إذ كان [له] مالكاً، فأرسله ورحم به أُمّة، وكذلك الصبر يُعقِّب خيراً، فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر، تؤجروا»[6].

2. التكاتف والعمل الجماعيّ، فالتعافي لا يتحقّق بجهد فرديّ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمن للمؤمن بمنزلة البنيان، يشدّ بعضه بعضاً»[7]، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «مَثل المؤمن في توادّهم وتراحمهم كمَثل الجسد، إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمّى»[8]، وهذا ما شهدناه في تكاتف الأسر والجماعات والمؤسّسات.
3. الوفاء للشهداء الذين قدّموا أرقى أنواع البرّ والمعروف، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فوق كلّ ذي برٍّ برٌّ، حتّى يُقتَل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتِل في سبيل الله فليس فوقه برّ»[9]، فدماؤهم أمانة، والوفاء لها يعني الثبات على القِيَم التي استشهدوا من أجلها.

4. تربية الأجيال على الصبر والبصيرة والشجاعة، وأن نشرح لهم معنى الجهاد والشهادة والنصر، مستنيرين بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه، وهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى ودِرْعُ الله الْحَصِينَةُ وجُنَّتُه الْوَثِيقَةُ؛ فَمَنْ تَرَكَه رَغْبَةً عَنْه، أَلْبَسَه اللَّه ثَوْبَ الذُّلِّ، وشَمِلَه الْبَلَاءُ، ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَةِ، وضُرِبَ عَلَى قَلْبِه بِالأَسْدَادِ، وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْه بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وسِيمَ الْخَسْفَ ومُنِعَ النَّصَفَ»[10].

في الختام، إنّ التضحيات المبذولة في مواجهة الاعتداءات ليست مجرّد ذكرى، بل هي مدرسة حيّة تتجلّى في الصمود والتكافل، وفي الوفاء للشهداء، وفي الثبات على خطّ التجارة مع الله، التي هي أعظم ربحٍ للمؤمن في مواجهة الشدائد.


[1]  سورة الصفّ، الآيات 10 - 13.
[2] من كلامٍ له (رضوان الله عليه)، بتاريخ 19/09/2025م.
[3] سورة آل عمران، الآية 146.
[4] سورة التوبة، الآية 111.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص93.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص89.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج58، ص150.
[8] المصدر نفسه.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص348.
[10] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.

17-09-2025 | 13-13 د | 34 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net