الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1684 10 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 03 أيلول 2025م

المولد النبويّ عهد الأخوّة

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰعلى المسلمين توحيد الصفوفمراقبات

العدد 1683 03 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 27 آب 2025م

التمهيد لصاحب الزمان

الأخوّةِ الإيمانيّةِينبغي مواصلة الجهادمراقباترَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالوعي والعقلانيّة وتكاتف الجهود
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1684 10 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 03 أيلول 2025م

المولد النبويّ عهد الأخوّة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا بنبيّه المصطفى خير الأنام، وجعلنا من أتباع أهل البيت الكرام. أحمده حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، شهادةً تُنجينا يوم الدين، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وآله الطيّبين الطاهرين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى قيام يوم الدين.

جاء في كتابه العزيز: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[1].

أيّها الإخوة المؤمنون،
نرفع في مستهلّ هذه الخطبة المباركة أسمى آيات التهنئة والتبريك إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى علمائنا ومراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، بمناسبة ولادة الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله) في السابع عشر من ربيع الأوّل، وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) في اليوم نفسه من سنة ثلاثٍ وثمانين للهجرة. إنّها مناسبات تفيض بالعِبر والدلالات، وتشحن القلوب بالأمل والثبات، وتدعو إلى قراءة رسالتنا الإسلاميّة على ضوء تلك القامات المشرقة التي أرسلها الله رحمةً وهدايةً للبشريّة.

لقد أشرق نور النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في مكّة المكرّمة يوم عمّ الظلام حياة البشر، فكان مولده بداية عهد جديد للبشريّة، إذ تحوّلت من عبادة الأصنام إلى عبادة ربّ العالمين، ومن الجهل والظلم إلى النور والعدل. وفي اليوم نفسه من عام 83 للهجرة وُلد حفيده الإمام الصادق (عليه السلام)، الذي حمل ميراث جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، ونشر علوم الإسلام، وأسس مدرسة معرفيّة تخرّج منها كبار العلماء والفقهاء.

وفي معنى هذه الولادة المباركة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «كانت البشريّة عمياء، فتفتّحت عيونها، وكان العالم مظلماً، فتنوّر بنور وجود الرسول. هذا هو معنى هذه الولادة الكبرى، ومن ثمَّ بعثةُ هذا الإنسان العظيم.

لسنا نحن المسلمين فقط مدينين للمِنّة والنعمة الإلهيّة بسبب هذا الوجود المقدّس، بل الإنسانيّة كلّها مدينة لهذه النعمة... إذا نظرنا في التاريخ بعد بعثة الرسول وولادته (صلّى الله عليه وآله)، سنلاحظُ هذا التدبير؛ سارت الإنسانيّة نحو القِيَم، وعرفت القِيَم، وهذا ما سينمو وينتشر تدريجيّاً، وتتضاعف شدّته يوماً بعد يوم، إلى أن ﴿يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، إن شاء الله»[2].

عباد الله، بين الثاني عشر من ربيع الأوّل والسابع عشر منه، حدّد الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) أسبوع الوحدة الإسلاميّة، جامعاً بين تاريخَي المولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عند السنّة والشيعة في خطوة حكيمة، أراد منها تذكير المسلمين بأنّ ما يجمعهم أعظم بكثير ممّا يفرّقهم، وأنّ الخطر الحقيقيّ يكمن في التشرذم الذي يسعى إليه الاستكبار العالميّ لتمزيق هذه الأمّة وسلبها ثرواتها ومقدّراتها. لقد رأى الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) أنّ الوحدة ليست شعاراً عاطفيّاً مؤقّتاً، بل هي تكليف شرعيّ وسياسيّ لحماية الأمّة من مشاريع الهيمنة والتبعيّة.

وفي ذلك يقول (قُدِّس سرّه): «إنّنا اليومَ مكلَّفون، أيّاً كان الزيّ الذي نرتديه أو العمل الذي نمارسه، بتجنّب اختلاف الكلمة والحرص على الوحدة الإسلاميّة التي يُوصي بها الكتاب والسنّة على الدوام، وأن نجعلَ كلمة الحقّ هي العليا وكلمةَ الباطل هي السفلى.

في هذا الظرف الحسّاس، حيث يتهدّد بلدَنا وإسلامَنا العزيز خطرٌ عظيمٌ، تقع على عاتق جميع الفئات والأفراد مسؤوليّةٌ خطيرة وجسيمة. وإنّ أيَّ ضعفٍ أو تراخٍ في الوقت الحاضر، وأيَّ اختلافٍ وتشتّتٍ في الصفوف، هو انتحار وإهدار لدماء أبناء الإسلام»[3].

الوحدة الإسلاميّة وخطر التفرّق
في هذه الأجواء المباركة نستحضر حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين، فليس بمسلم»[4]، وحديث الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع رِبْقة الإسلام من عنقه»[5]، وهذان النصّان يحدّدان مسؤوليّة كلّ فرد في هذه الأمّة، وهي أن يعمل من أجل وحدتها وتماسكها، وأن يقف بوجه كلّ مشروع فتنة أو صراع أو تكفير.

إنّ الاختلاف في الرأي والاجتهاد أمر طبيعيّ في أيّ مجتمع، لكنّ الخطورة تبدأ حين يتحوّل هذا الاختلاف إلى أداة للتمزّق والاقتتال، حين تُقرأ التعدديّة على أنّها تناحر، ويُتَّخذ التنوّع ذريعةً للتكفير والتخوين. وهنا يبرز دور الوعي والحكمة في صيانة المجتمع من الوقوع في فخّ الأعداء الذين لا يوفّرون وسيلةً إلّا ويستعملونها لإشعال نيران الفتنة.

لقد رسم القرآن قاعدة ثابتة حين قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، فالأخوّة ليست خياراً ثانويّاً، بل هي حكم إلهيّ موجَّه إلى كلّ مسلم. ومن هذا المنطلق، أكّد الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) أنّ الوحدة ليست مطلباً آنيّاً يرتبط بالظروف، بل هي مبدأ إسلاميّ أصيل، وأنّ الحفاظ عليها تكليف يقع على عاتق كلّ مسلم. فلو أنّ الأمّة الإسلاميّة التي تتجاوز المليار ونصف المليار التزمت بوصيّة الله ورسوله، لكانت اليوم أقوى أمّة في العالم، ولاستطاعت أن تُحبِط كلّ محاولات السيطرة والعدوان.

إنّ النزاعات المذهبيّة التي تُغذّيها أيادٍ مشبوهة، لا تصبّ إلّا في مصلحة أعداء الإسلام الذين يسعَون لإضعاف المسلمين وتمزيق صفوفهم. وإنّ ما يجمعنا من إيمان وتوحيد وقرآن وسيرة نبيّ واحد أعظم بكثير ممّا يمكن أن يفرّقنا. ويكفينا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ يَدَ اللَّه مَعَ الْجَمَاعَةِ، وإِيَّاكُمْ والْفُرْقَةَ!»[6].

ويقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «يا مسلمي العالم، انهضوا، وتجمّعوا تحت لواء التوحيد، وفي ظلّ تعاليم الإسلام... أعيدوا مجد الإسلام، وكفّوا عن الاختلافات والأهواء النفسيّة، فأنتم تملكون كلّ شيء... اعلموا أنّ قوّتكم المعنويّة تفوق كلّ القدرات، وبعددكم البالغ مليارَ إنسانٍ، وبما تملكونه من خزائن طائلة، قادرون على تحطيم جميع القدرات. انصروا الله ينصرْكم»[7].

الرسول الأعظم مؤسِّس الوحدة
أيّها المؤمنون،
إنّ أبرز عنوان جامع بين المسلمين جميعاً هو شخص النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، فهو الذي وحَّد القلوب يوم الهجرة، وأرسى دعائم مجتمع جديد يقوم على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ليكون نموذجاً إنسانيّاً فريداً في التاريخ. لقد أراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يعلّمنا أنّ الوحدة ليست خياراً سياسيّاً فقط، بل هي قاعدة إيمانيّة لحماية الدين وصون الأمّة، وقد حذّر بقوله: «لا تختلفوا؛ فإنّ مَن كان قبلكم اختلفوا، فهلكوا»[8].

فذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسيرته جامع لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، وكلّنا ننتمي إلى رسالته، وكلّنا مدعوّون لأن نعيد الاعتبار إلى هذا العنوان العظيم الذي يشدّنا إلى بعضنا بعضاً.

المسجد ودوره في بناء الأمّة
مضافاً إلى ذلك، إنّ اليوم الخامس عشر من ربيع الأوّل يحمل ذكرى أخرى عزيزة، ألا وهي بناء أوّل مسجد في الإسلام، «مسجد قباء»، الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾[9]، وفيه دلالة واضحة على أنّ بناء المسجد كان الركيزة الأولى لتأسيس المجتمع الإسلاميّ الموحَّد، وأنّه من أبرز عناوين الوحدة أيضاً، فهو بيت الله الذي يُعلن فيه التوحيد، وتُقام فيه العبادة خالصة لله. إنّ أوّل عمل قام به النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في المدينة كان بناء المسجد، ليكون مركزاً للعبادة والتربية والعلم، وملتقىً للمؤمنين، ومنطلقاً للقرارات المصيريّة التي غيّرت وجه التاريخ.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن اختلف إلى المساجد، أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله عزّ وجلّ، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن ردىً، أو يسمع كلمة تدلّه على هدىً، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً»[10].

إنّ المسجد يوحّدنا في العقيدة والعبادة والطاعة. نقف في صفّ واحد، نركع ونسجد وندعو الله بلسانٍ واحد: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[11]. ومن هنا تأتي أهمّيّة صلاة الجماعة، فهي ليست مجرّد أداء للعبادة، بل مشهد إيمانيّ يعبّر عن وحدة الأمّة وقوّتها.

وقد أكّد الإمام الرضا (عليه السلام) هذا المعنى، فقال في علّة الجماعة: «لئلّا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلّا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً؛ لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب لله وحده عزّ وجلّ، وليكون المنافق والمستخفّ مؤدّياً لما أقرّ به بظاهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام، بعضهم لبعض، جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البرّ والتقوى والزبد (الزجر) عن كثير من معاصي الله عزّ وجلّ»[12].

ختاماً
إنّنا اليوم أحوج ما نكون إلى استلهام دروس الوحدة من حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وإلى جعل المسجد مركزاً حيّاً في حياتنا، نلتقي فيه على طاعة الله، ونشدّ صفوفنا في وجه الأعداء، ونعلن أنّ ما يجمعنا من عقيدة ورسالة أعظم بكثير من كلّ أسباب التفرّق.

وهنا ثمّة تحذير من الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) للأمّة، إذ يقول: «إنّ الّذين يتحدّثون حول التشيّع والّذين يتحدّثون حول التسنُّن، لا يؤمنون بالسنّة ولا بالشيعة، ولا بعظماء الإسلام، ولا بعلماء الإسلام المعاصرين، إنّما لهم أهداف أخرى. يجب التغلّب على هؤلاء كلِّهم، وتأمين الوحدة، وستكون الوحدة -إن شاء الله- رصيداً ودعامةً لانتصار العالم الإسلاميّ»[13].


[1] سورة آل عمران، الآية 103.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 14/03/2009م.
[3] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏4، ص214.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص163.
[5] المصدر نفسه، ج1، ص405.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص184، الخطبة 127.
[7] من ندائه (قُدِّس سرّه) إلى حجّاج بيت الله الحرام، 2 ذو الحجّة 1400هـ.
[8] المحقّق الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص177.
[9] سورة التوبة، الآية 108.
[10] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص237.
[11] سورة الفاتحة، الآية 5.
[12] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص116.
[13] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 20/02/2011م.

03-09-2025 | 12-30 د | 11 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net