الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتالعمل بالكتاب في المجتمعوَبَادِرُوا الْمَوْتَ

العدد 1677 20 محرم 1447هـ - الموافق 16 تموز 2025م

الإمام زين العابدين (عليه السلام) إمامةٌ في قلب المحنة

مراقباتمن التبيين إلى الثورةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع نواب الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلاميالاستجابةُ لدعوةِ الحقِّ

العدد 1676 13 محرم 1447هـ - الموافق 09 تموز 2025م

كلمةُ زينب سلاحٌ لا يُنتزَع

العدد 1675 06 محرم 1447هـ - الموافق 02 تموز 2025م

الثبات الحسينيّ في وجه التشكيك

من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1677 20 محرم 1447هـ - الموافق 16 تموز 2025م

الإمام زين العابدين (عليه السلام) إمامةٌ في قلب المحنة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الّذي لا يَبلُغ مِدحتَه القائلون، ولا يُحصي نعماءَه العادّون، ولا يُؤدّي حقَّه المجتهدون، الذي لا يُدركه بُعدُ الهِمم، ولا يناله غوصُ الفطن. نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا.

ونشهد أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام، سنة 95 للهجرة.

الإمام في قلب المحنة والتحدّيات
نلتقي في هذه الجمعة المباركة، ونحن على أعتاب ذكرى شهادة إمامٍ عظيم من أعلام أهل البيت (عليهم السلام)، هو الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، ذلك الإمام المظلوم الذي عاش في كنف الطغيان، وتحت رقابة الظالمين، مُقيماً في سجنٍ مفتوح، محاصراً بالكتمان، ومع ذلك، لم تُطفَأ أنوارُ علمه، ولم تُمنَع عنه شمس دعائه، فكان منارةً للوعي في الظلام، ومدرسةً في العبوديّة في زمن الطغيان، ومثالاً في الصبر والثبات حين فُقِد الصبر وانهار الثبات.

لقد عاش الإمام زين العابدين (عليه السلام) ظروفاً تشبه واقعنا الحاليّ، لجهة الألم والحصار والضغط السياسيّ والاقتصاديّ، ولجهة تكالب الداخل والخارج على خطّ المقاومة والكرامة. لكنّه، في وسط هذه المحن، لم يُجالس (عليه السلام) اليأس، ولم يُرَ على لسانه إلّا الدعاء، ولا في قلبه إلّا الصبر والتوكّل على الله. وفي كلماته المضيئة في الصبر وكشف البلاء دعواتٌ توجّه المؤمن نحو الرضا بقضاء الله، واللجوء إليه في الشدائد، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة عند مواجهة المصائب والشدائد، ومن أبرز ما ورد عنه (عليه السلام): «الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله، ومَن صبر ورضي عن الله في ما قضى عليه في ما أَحبَّ أو كَرِه، لم يقضِ الله عزّ وجلّ له في ما أَحبَّ أو كَرِه إلّا ما هو خير له»[1].

ويُجسّد هذا المعنى ما عبّر عنه شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) في كلمته العاشورائيّة، حين قال: «نحن بحاجة إلى روح الحسين، إلى بصيرة الحسين، إلى حكمة الحسين، إلى رضا الحسين برضا الله، وإلى صبره على قضاء الله، وإلى ثباته وصموده وجهاده وعشقه للشهادة»[2].

إنّه الرضا الذي يجعل من قلب المؤمن بيتاً للسكينة، ومن صبره طريقاً للعزّة، ومن بلائه خطوةً نحو النصر.

من كربلاء إلى مجالس الطغاة
لقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) شاهداً على مأساة كربلاء بكلّ تفاصيلها، لا من موقع الرائي العابر، بل من موقع الشهيد الحيّ؛ إذ رأى أباه الحسين (عليه السلام) وأهلَ بيته وأصحابَه يُذبحون، وسمع صراخ النساء والأطفال، ولم يملك إلّا قلباً يفيض وجعاً، ولساناً لا يفتر عن الذكر، وعيناً لا تجفّ من البكاء.

وبعد كربلاء، اقتيد الإمام (عليه السلام) مع السبايا إلى الكوفة، ثمّ إلى الشام، وهناك وقف بين يدَي ابن زياد ويزيد، مُقيّداً مُنهَكاً، لكنّه لم يَهُن، ولم يتوسّل، بل قالها كلمةً هزَّت عروش الظالمين: «أبالقتل تُهدِّدني يابنَ زياد؟ أما علمتَ أنَّ القتلَ لنا عادة، وكرامتَنا من اللهِ الشهادة؟»[3].

وقد وصف الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) هذا المشهد بدقّة، قائلاً: «كان الأطفال، صبيةً وإناثاً، والنساء الفاقدات للمعين يُحيطون بالإمام السجّاد (عليه السلام) في قافلةٍ لا يوجد فيها رجلٌ واحد، وكان على الإمام السجّاد (عليه السلام) أن يقودهم جميعاً. وطوال الطريق إلى الشام، لم يسمح لهذا الجمع الذي تربطه رابطة الإيمان أن يُصاب بالتردّد والتزلزل. عندما دخلوا الكوفة، أمر عبيد الله بن زياد بقتل كلّ رجال آل البيت، فشاهد من بين الأسرى رجلاً، فسأله: مَن أنت؟ فقال: أنا عليّ بن الحسين، فهدّده بالقتل، وهنا كان أوّل ظهورٍ وتجلٍّ للإمامة والمعنويّات والقيادة، فقال: «أبِالقتل تُهدّدني؟»، في حين أنّ كرامتنا من الله الشهادة، وافتخارنا هو في أن نُقتل في سبيل الله، وإنّنا لا نخاف الموت. فتراجع جهاز عبيد الله بن زياد أمام هذه الصلابة»[4].

لقد شكّلت هذه الكلمة دستوراً في مقاومة الاستكبار، ومثالاً على أنَّ الشجاعة الحقيقيّة تكون في الثبات على المبادئ تحت أقسى الظروف. ولهذا، فإنّ مدرسة الإمام زين العابدين (عليه السلام) ليست مدرسة الصمت، بل مدرسة بناء الوعي في زمن الحصار، والكرامة في زمن الاستضعاف.

لبنان بين الحصار والصبر
ليس جديداً علينا في لبنان أن نعيش تحت الضغط، فقد جرّبنا الحروب، وتجاوزنا المجاعات، وعبرنا الأزمات. الجديد اليوم ليس الحصار نفسه، بل طريقة تعاطينا معه، فإمّا أن نستسلم وننهار، أو أن نُحسن إدارة الصبر والصمود، كما فعل أئمّتنا (عليهم السلام).

اليوم يُلوَّح لنا بإعادة الوصاية، ويُهدَّد البلد بالحرب، وتُستهدف بيئتنا بالتحريض والحصار، وهذا كلّه لا يواجَه إلّا بعقلٍ واعٍ، وإرادةٍ صلبة، وروحٍ متعلّقة بالله.

ولنا في ذكرى الإمام زين العابدين (عليه السلام) فرصةٌ لنُعيد صلتنا بهذه المدرسة؛ مدرسة تحويل الألم إلى دعاء، والمحنة إلى وعي، والحصار إلى بناء داخليّ. ولذلك، فإنّ المطلوب اليوم ليس فقط المواجهة في الميدان، بل المواجهة في الروح والنفس والسلوك، ولن تكون هذه المواجهة فاعلة إلّا إذا بدأنا من بيوتنا ومجتمعاتنا الصغيرة.

توصيات من وحي الذكرى
انطلاقاً من هذه السيرة العظيمة، نستلهم بعض الوصايا العمليّة التي نحتاجها في زمن الشدّة والابتلاء:

1. اجعلوا الدعاء درعَكم اليوميّ؛ فإنّ الدعاء ليس هروباً من الواقع، بل هو وسيلةٌ لإصلاحه، وقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يجعل من أدعيته جبهةً روحيّةً تواجه الظلم، وإنّه (عليه السلام) يرشدنا قائلاً: «الدعاء يدفع البلاء، النازل وما لم ينزل»[5].

2. اعتصموا بوحدة الموقف؛ فإنّ التشرذم بيننا هو فرصة عدوّنا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[6].

3. ثبّتوا أبناءكم على الحقّ، واربطوهم بالقدوة الصالحة، وقدّموا لهم نماذج حقيقيّة للصبر والثبات، ومنها سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام).

4. لا تخافوا من التهديد، فالإمام زين العابدين (عليه السلام) لم يمت على فراش راحة، بل قضى شهيداً مسموماً بعد معاناة طويلة مع بني أميّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ نشر بساط الإمامة الواسع وتعليم وتربية العديد من الأفراد المؤمنين والمخلصين، ونشر دعوة أهل البيت (عليهم السلام)، كان من أعظم إنجازاته. وهذا ما جعل بني أميّة يمقتون الإمام ويتعرّضون له. وكانوا من قبل قد جرّوه بالأصفاد والأغلال من المدينة إلى الشام، ولم يحدث هذا في كربلاء فقط، وإنّما تكرّر في زمنٍ آخر أيضاً، وقد تعرّضوا له في موارد عديدة، وآذاه أعوانهم، حتّى وصل بهم الأمر سنة 95 للهجرة في زمن الوليد بن عبد الملك، إلى تسميمه، فارتفع إلى جوار ربّه شهيداً»[7].

أيّها المؤمنون، إنّ النصر في لبنان لا يصنعه الخطاب السياسيّ، بل يصنعه الصبر والتقوى والعمل، وقد وعدنا الله عزّ وجلّ بذلك في قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[8].


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص60.
[2] من كلامٍ له (رضوان الله عليه)، بتاريخ 07/01/2009م.
[3] السيّد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص95.
[4] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص188.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص469.
[6] سورة الأنفال، الآية 46.
[7] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص248.
[8] سورة القصص، الآية 5.

16-07-2025 | 12-56 د | 38 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net